تقاريرمانشيت

الإدارة الذاتية الملاذ الآمن لجميع السوريين

تكاد لا تخلو وسيلة إعلامية من أخبار سوريا واستمرار الأزمة الإنسانية فيها ولجوء العديد من السوريين إلى الهجرة نحو أوروبا أو دول الجوار بحثاً عن فرصة حياة أفضل والعيش بأمان في ظل ما يعانيه المجتمع السوري من تحديات على مستويات مختلفة ومن سيطرة قوى إقليمية ودولية وفصائل إرهابية على مناطق واسعة من الجغرافيا السورية والتردد الواضح للحكومة السورية للقيام بأي تحوّل من شأنه أن يخفف بعض من المعاناة الإنسانية الكبيرة التي خلفتها الأحداث في سوريا.

مؤخراً غيّر النازحون السوريين من وجهتهم والأنظار هذه المرة نحو شمال وشرق سوريا (مناطق الإدارة الذاتية) وقد أشارت إحصائيات الإدارة الذاتية الأخيرة إلى أن أكثر من 85 عائلة، من سكان المدن السورية الواقعة تحت سيطرة سلطة دمشق، نزحت إلى مناطقها بحثاً عن الأمن والأمان والعيش بكرامة بعد أن بات الخوف والقلق والعوز والحرمان هو المسيطر على المناطق التي نزحوا منها وأدركوا أن مناطق الإدارة الذاتية أبوابها واسعة ومفتوحة أمام الحشود المتدفقة والمطالبة بالأمن والسلام والاستقرار، وهي الملاذ الآمن لمن شردتهم ظروف الحرب والنزاعات، وهي قادرة على استيعاب الجميع دون النظر لمعتقداتهم أو طوائفهم أو أعراقهم.

لا شك أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مستعدة دوماً للتعامل مع أي تدفق محتمل لجميع السوريين إلى مناطقها معتبرة أن ما يجري في سوريا حالياً والأوضاع المأساوية التي يمر بها المواطن السوري هو أمر لا يمكن أن يتقبله المنطق وأنه إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فإنه من المستحيل التكهن بما قد يحدث.

وللوقوف على أسباب وتبعات هذا الموضوع حاولنا جمع آراء بعض المثقفين والسياسيين ومراكز الدراسات من داخل شمال وشرق سوريا وأوروبا.

الكاتب والمحلل السياسي حسين عمر والذي شاركنا وأغنى تقريرنا هذا بحديثه:

“يمكنني القول لو كانت الهجرة متاحة لهاجر أغلبية من يسكن مناطق (الحكومة السورية) إلى مناطق الإدارة الذاتية، ليس منذ الآن وإنما منذ انحدار الوضع الأمني والاقتصادي في تلك المناطق وخاصة بعد أن حرّرت قوات سوريا الديمقراطية كامل منطقة شمال شرق سوريا واستطاعت الإدارات المدنية فيها تقديم جميع الخدمات الممكنة للمواطنين وأتاحت فُرص عديدة للعمل ووفرت الأمان والاستقرار. بالمقابل يعيش المواطن في مناطق سيطرة الحكومة السورية في الوقت الراهن حالة من عدم الاستقرار بسبب نقص أو فقدان ما يمكن تحديده تحت بند متطلبات الحياة اليومية لاستمرارية الحياة وهو ما يفتقده المواطن حالياً في تلك المناطق، فإلى جانب صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ما زالت هناك ظاهرة تكتيم الحريات وتستشري الفساد في مؤسسات النظام وفقدان فرص العمل، والرواتب والأجور لم تعد تكفي إلا للأيام الأولى من الشهر، ولم تعد هناك خدمات أساسية، كل هذه الأمور مجتمعة تدفع بالمواطن السوري للبحث عن مكان يستطيع فيه تأمين لقمة العيش له ولعائلته، وهذا هو التحدي الأكبر في كامل الأراضي السورية الآن.

وأضاف في السياق: مناطق الإدارة الذاتية على الرغم من قلة الإمكانات والخبرة وعلى الرغم من النواقص العديدة في الكثير من الأمور لكنها لا تقارن مع مناطق الحكومة السورية من حيث مستوى المعيشة / الرواتب/ والفرق في أسعار المواد الضرورية وكذلك وجود فُرص عمل والأمان وهو ما يدفع الناس للهجرة إليها.

عبد الرزاق علي الباحث في مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

نوّه الكاتب والباحث في مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية الأستاذ “عبد الرزاق علي” إلى أن الوضع الاقتصادي في مناطق (الحكومة السورية) أصبح بمثابة جحيم لم يعد يُطاق، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية لحدود تَفُوْق قدرة الإنسان على التحمل وشلّت الحركة نتيجة أزمة الوقود الخانقة والأسعار سجّلَت أرقاماً قياسية في الارتفاع مما عطل الكثير من الخدمات والمرافق في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية ودخل البلاد في نفق الفقر والجوع والغلاء الفاحش للسلع الغذائية الضرورية وانعدمت الثقة بالحكومة في إنقاذ الاقتصاد وتوفير المستلزمات الضرورية للمواطنين، وبالتالي أصبح هاجس المواطن تأمين لقمة العيش والدواء وحليب الأطفال.

وأوضح: هذه الأسباب أرغمت الناس للخروج والنزوح، ولا يخفى على أحد صعوبة أن تترك دارك وأن تدير ظهرك لمنزلك عنوة إلا إذا كانت هناك ثمة أمور لم تعد تحتمل وتدفع الناس للخروج والهروب من مخالب الفقر إلى مناطق أخرى وأفضل الخيارات التي يجدونها هي اللجوء إلى مناطق الإدارة الذاتية والبحث عن حياة أفضل وهذا يعكس سوء الأوضاع في مناطق الحكومة السورية والتي بدورها تغض الطرف عن هذا الأمر، بالمحصلة كلما زاد النزوح كلما شكل فراغاً وأحدث تغييراً ديموغرافياً وهذا غيض من فيض.

سليم مجيد عضو اللجنة المركزية في الحزب اليساري الكردي في سوريا

أشار عضو اللجنة المركزية في الحزب اليساري الكردي في سوريا الأستاذ “سليم مجيد” إلى أن الإنسان يبحث عن المكان الذي يجد فيه الأمن والأمان ويتوفر فيه سبل العيش ولو في حده الأدنى، ومن المعلوم أن الإنسان إن لم تجبره الظروف المعيشية الصعبة لا يترك أرضه ومسقط رأسه، وقد بات معلوماً لدى القاصي والداني أن شعبنا السوري في مناطق النظام يفتقر إلى أدنى وسائل العيش ناهيك عن الانفلات الأمني والأمان، ونحن في الحزب اليساري الكردي في سوريا نرى أن سبب النزوح يعود لسببين أساسين:

أولها: توفر مستلزمات العيش والمواد الأساسية وخاصة الماء والكهرباء والوقود والمواد الغذائية والأسعار المقبولة نسبياً في مناطق الإدارة الذاتية قياساً إلى سعرها في مناطق الحكومة السورية.

ثانياً: توفر الأمن والأمان والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية والتي لم تأت لنا على طبق من ذهب بل جاءت بفضل دماء الشهداء الذين سَقَوا التراب بدمائهم الطاهرة والتي استطاعت أن تحفظ المنطقة من شرور أعتى تنظيم إرهابي كــ “داعش ومشتقاته”.

كلمة لابد منها:

ليس لنا في الختام إلا أن نقول إزاء ما يحدث للمجتمع السوري وإزاء التحديات المختلفة التي تواجهه: علينا ألا نبقى سطحيين، علينا أن ندرك أن عدم تقبل الآخر لا يمثل جوهر المجتمع السوري الأصيل، وأنه لِزامٌ علينا جميعاً أن نعمل بأسلوب منظم لإحداث نقلة حقيقية في تعاملنا مع التحديات والأحداث في هذا العالم المتغير.

ويمكن التأكيد تأسيساً على المعطيات الراهنة وأمام التردد الواضح وتخبط الحكومة السورية بأن الحوار “السوري ــ السوري” رغم كل محاولات إجهاضه وعرقلته بات الشرط الراسخ لتحقيق أهداف المكونات السورية وليس هناك من بدائل أخرى.

إعداد وتقديم: مصطفى عبدو

زر الذهاب إلى الأعلى