تقاريرمانشيت

إدلب في الميزان التركي، وقبضة التوافقات الأمريكية-الروسية

تتوجه الأنظار إلى تلك الرقعة الشمالية من سوريا والقابعة تحت احتلال جمع من الفصائل المسلحة التي عرفت بإرهابها.

وشكلت إدلب المحاذية لتركيا خلال السنوات الأخيرة وجهة لعشرات الآلاف من المسلحين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم من مناطق عدة كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة أبرزها مدينة حلب والغوطة الشرقية لدمشق، ومؤخراً درعا في جنوب سوريا.

 ويدور لغط كبير حولها؛ رئيس النظام السوري أعرب عن أنه سيحرر إدلب، وروسيا من جهتها وبحسب ما يراه المراقبون تضغط على تركيا لتشكيل جسم عسكري تحت ما يسمى (الجبهة الوطنية للتحرير) والتي تضم نحو 70 ألف مقاتل.

 وفي هذا السياق تحدث آلدار خليل الرئيس المشترك لحركة المجتمع الديمقراطي عن إمكانية تحرير إدلب في ظل الظروف الراهنة.

نقاش دولي يدور على كيفية تحرير إدلب، وجملة من الأسئلة تثار في الاعلام وتراود الكثير من الأطراف فما المنتظر لإدلب.

-هل ستواجه مصيراً كأخواتها في الوسط الجنوب، وما السيناريو الذي يُخطط لإدلب في الاروقة الدولية والإقليمية والمحلية حتى، هل من مخطط للنظام هناك، والأهم من ذلك أين مقاطعة عفرين من كل هذا؟.

– في رصدٍ للمشهد السوري العام هناك مستجدات لكل مرحلة، تشهد خلالها توافقات وتجاذبات، لكن المرحلة الراهنة تبدوا مختلفة عن سابقاتها، وهنا يمكن ان نتساءل هل من توافق أمريكي روسي بعيداً عن التُركي حول إدلب؟ وهل عفرين ستكون من ضمن هذه التوافقات الثنائية المرتقبة وفي حال إن أثمرت؟

  بهذا الصدد علينا ألا نغفل العلاقات التركية الأمريكية المتدهورة خاصة في الفترة الأخيرة، وهذا يقودنا إلى سؤالٍ أخر أين تتجه إدلب في ظل التوتر القائم في العلاقات التركية الأمريكية، وهل ستنجح روسيا بالضغط على حليفتها تركيا بحل الفصائل الموجودة في ادلب والتي وحدتها من جانبها تحت مسمى (الجبهة الوطنية للتحرير) … مقابل ماذا باعت تركيا فصائلها هذه المرّة ؟.

في الجانب الأخر من الأزمة التي تشهدها سوريا وهو الجانب السياسي هناك حديث أخر بالتوازي مع المجريات على الميدان، نشهد بوادر انطلاقة مرحلة سياسية جديدة خاصة بعد زيارة وفد من مجلس سوريا الديمقراطية إلى دمشق، وهنا نتساءل بهذا الصدد ما هي الصيغة السياسية التي قدمها مجلس سوريا الديمقراطية    بشأن حل الأزمة المتفاقمة، وماذا بشأن مؤتمر جنيف المزمع عقده كونه المنصة الأساسية الدولية للحل السياسي السوري، وهل سنشهد في المستقبل القريب اجماع محلي ودولي على تهيئة الظروف المناسبة لإرساء دعائم الحل السياسي؟.

هذه الأسئلة وضعناها على منصة نخبة من السياسيين والصحفيين المتابعين للشأن السوري العام:

موقع إدلب القريب من عفرين سيضعها في مرمى الأهداف المحتملة لـ قوات سوريا الديمقراطية

زانا عمر- صحفي: 

التخمين في وضع ادلب أمر بالغ التعقيد السبب حسب اعتقادي مختلف عن أخواتها في الوسط والجنوب السوري أو حتى في حلب.

في حلب افترق الفريقان الداعمان للمعارضة السورية المسلحة (الاسلامية الراديكالية) وما هو مدعوم من التيار التركي– القطري وما هو المدعوم من التيار السعودي– الخليجي.

في الجنوب كانت أولى مناطق خفض التصعيد المنبثقة من اجتماعات الاستانة لكن كان أمن اسرائيل فوق كل التفاهمات الدولية حول سوريا.

في الجنوب الخط الأحمر – أمن اسرائيل – لم يجعل مجال للاختلاف بين اللاعبين الدوليين والاقليميين (روسيا – تركيا – ايران – أمريكا)

بيد الوضع في ادلب مختلف تماماً ليس هناك خطوط حمر كالتي كانت في الجنوب لذا التناقض بين محور تركيا– ايران– روسيا سيكون أكثر تعقيداً.

والموقع الجغرافي لـ إدلب في الشمال السوري القريب من عفرين الكردية سيضعها في مرمى الأهداف المحتملة لـ قوات سوريا الديمقراطية لجعلها ممر العبور نحو عفرين لا سيما وجود جبهة النصرة والعديد من الفصائل المدعومة من تركيا والتي توصف أنها إرهابية.

إن كانت هناك حملة عسكرية على إدلب يعني اطلاق رصاصة الرحمة على الاستانات المتتالية والتي ستكون مفترق الطرق وستكون باعتقادي بداية إنهاء الدور التركي في سوريا. وغالب الظن ستكون الحملة العسكرية مشتركة بين النظام وقسد وسيكون برضا أمريكي– روسي لتحجيم الدور التركي – الإيراني معاً في سوريا.

غير ذلك التفاهم التركي – الروسي فيما استمر وتمخض بخروج تركيا من الناتو سيكون من الصعب جداً إخراج أو تحجيم الدور التركي في سوريا وحتى الدور الإيراني عبر روسيا.

حينها الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية سيتخطى غربي الفرات ومنبج نحو تحرير كامل الشمال السوري وربطها معاً.

فيما لو حدثت سيناريوهات أخرى سيكون الأمر بالغ الصعوبة والتعقيد فيما يخص إدلب وعفرين معاً.

وباعتقادي النظام السوري لا يملك قرار بدئ مفاوضات جدية مع مجلس سوريا الديمقراطية في الوقت الراهن والقول بضعف موقف مسد مقارنة بالنظام السوري هو من المقدمات الخاطئة التي ستؤدي إلى تحليل خاطئ حتماً مسد أراد توجيه بعض الرسائل السياسية لللاعبين الدوليين في سوريا, سيما إنه إلى الآن يتم استبعاد مسد من اجتماعات جنيف والنظام أراد توجيه الرسائل إلى مؤتمر جنيف نفسه مفادها أنه يستطيع تسوية الأمور مع الشمال السوري بتوافقات واتفاقيات مع مسد.

الذهاب إلى دمشق كانت زيارة توجيه الرسائل وأعتقد أن مسد استطاع جلب الانتباه والضغط على اللاعبين الدوليين وربما سنشهد خلال الشهور القليلة القادمة وضعاً جديداً من ناحية الاعتراف بـ مسد كمظلة سياسية جامعة للقوة والمكونات في الشمال السوري، حينها مسد ستكون بثقل ودعم دولي أكبر من أي وقت سابق فيما لو قررت الذهاب سواء إلى دمشق أو إلى جنيف (إن بقيت هناك جنيف)

تحرير إدلب سينعكس على تحرير عفرين

هيفين مصطفى- الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة عفرين:

إدلب ستحسم المشهد السوري بأكمله, نحن نعلم طيلة سنوات الأزمة السورية إن هناك جهات  عملن على تحريف الثورة عن مسارها ومدتها بالسلاح لتخرج عن منحاها وتصبح ثورة إرهابية, هذه الفصائل الإرهابية مدعومة من قبل الدولة التركية التي فاوضت عليها فيما بعد وباعتها في بازارات عديدة كحلب والجنوب ومناطق أخرى من سوريا، وجمعتهم جميعاً في الشمال السوري وبالأخص في إدلب, فقط لكسر الارادة الكردية وإفشال المشروع الديمقراطي المتبلور في الشمال السوري المتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية وليضمن سكوت العالم عن إرهابه واحتلاله لعفرين ومناطق أخرى، إلا أن هذه الفصائل وممولهم في مأزق, إما سيواجهون مصير عسكري وهو الموت المحتم أو يتم بيعهم في صفقات أكبر, فهذين الخيارين يتصدران المشهد ومن المرجح تحقق أحدهما.

أردوغان طلب مهلة لنهاية هذا الشهر بأنه يتعهد بجمع هذه الفصائل كلها في فصيل واحد, لكن يبدو أنه لا يستطيع فعل ذلك لأن هناك فصائل بدأت تتمرد عليه لذلك نتوقع الحسم العسكري سيكون في إدلب.

بالطبع لا نستطيع أن نفصل عفرين عن إدلب وأي منطقة محتلة في الشمال السوري كالباب وجرابلس. فعندما انطلقت شرارة الثورة السورية والغاية منها الاطاحة بالحكم الديكتاتوري والحصول على الحرية وتطبيق الديمقراطية في عموم سوريا لم يكن الغاية منها الاحتلال التركي, وطيلة هذه السنوات استشهد الكثير من أبناء الشعب السوري وهجر الملايين, لذا فان سيناريو الاحتلال لابد أن ينتهي ومهما تكن هناك من تناقضات بين أبناء الشعب السوري بالنتيجة لابد من حوار سوري- سوري لإنهاء هذه الأزمة وهذا الاحتلال, لذلك تحرير إدلب سينعكس على تحرير عفرين وكافة المناطق السورية”.

بالمجمل العلاقات الأميركية التركية أو الروسية التركية وجميع العلاقات في هذه الفترة ليست دائمة, أي عدو اليوم يصبح صديق الغد والعكس صحيح. وكلها مبنية على مصالح سياسية اقتصادية احتلالية, المصالح التركية الروسية لن تدوم ومن المستحيل أن تترك أمريكا وهي الحليف الاستراتيجي لتركيا أن تنخرط هذه الثانية في الجبهة المضادة لها, لذلك كلها تعد تحالفات وقتية مؤقتة فقط مبنية على تبادل المصالح وستنتهي وتزول.

وما تشهده تركيا من انهيارات اقتصادية ومحاولات انقلاب عسكري ماهي إلا بوادر انفجار داخل المجتمع التركي وفشلاً ذريعاً للدولة التركية في سياساتها الداخلية والخارجية, فقد بدأت بعض ردود أفعال الدول الأوربية وتصريحات الرأي الحر تظهر ضد الدولة التركية ولن يحقق اردوغان آماله العثمانية وسيكون تحرير إدلب وعفرين بداية انهيار ديكتاتورية أردوغان.

تركيا تحاول إنقاذ الموقف في إدلب، لكن الأوان قد فات

نورهات حسن- صحفي:

الوضع الحالي في إدلب سيتغير، وخصوصاً في ظل الانفلات الأمني في مختلف مناطق المحافظة، حيث تشهد يومياً حالات قتل وخطف واشتباكات ما بين الفصائل الموالية لتركيا، يظهر للعيان بأن النظام السوري قريبٌ من شن حملة عسكرية على إدلب، وهنا يمكننا القول بأن ما تمخض عن قمة هلسنكي التي جمعت بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، قد أثر على الدور التركي هناك. فمن المؤكد بأن روسيا تريد إبعاد تركيا عن أسوار حلب، أو تقويض دورها على الأقل، وهنا يظهر بأن بوتين قد أخبر ترامب بأنه “عليك أن تضع حداً لتركيا، كما وضعنا نحن حداً لإيران، بناءً على طلبك”، لذلك تحاول أمريكا إضعاف تركيا عبر قضايا تخص الطرفين، وهبوط الليرة التركية مقابل الدولار دليل دامغ على ذلك.

فيما يخص جبهة تحرير سوريا، تركيا عملت على انحلال جبهة النصرة عشرات المرات تحت مسميات مختلفة مثل هيئة تحرير الشام وجبهة فتح الشام، وهي تحاول اليوم إنقاذ الموقف عبر ذلك، لكن فات الأوان،  من جهته يعتبر النظام أن أي تشكيلات “المسلحين”  هي مجاميع إرهابية، لذلك النظام سيشن حملة على إدلب عاجلاً أم آجلاً.

أمام هذا؛ تركيا لا تستطيع أن تحل جبهة النصرة، فكما نعلم بأن جبهة النصرة ترفض أن تحل نفسها وتنضم لتشكيلات أخرى، فهي الآن “الآمرة الناهية في إدلب”، فكيف لها أن تقبل؟ّ!، كما قلت آنفاً، تركيا تحاول إنقاذ الموقف، لكن فات الأوان، وجبهة النصرة لن تَقبل أن تَحُل نفسها وحتى إن حَلت نفسها تُطغى وتصبح كما كانت، فهي بنفسها غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام ومن ثم هيئة تحرير الشام، لكنها بنظر الولايات المتحدة  تبقى منظمة إرهابية بكافة أسمائها.

حتى أن تركيا حاولت عبر العسكرة جلب جبهة النصرة إلى طاعتها لتحلها وتشكل مجموعة جديدة، حيث شكلت جبهة تحرير سوريا من أحرار الشام وحركة نورالدين الزنكي، حاربت جبهة النصرة في إدلب، إلا أنها مرة أخرى لن تستطع التغلب عليها.

جبهة النصرة ستعمل ضد التشكيل المسمى بالجبهة الوطنية للتحرير وحتى قد نشهد معارك بين الجانبيين، وستحاول جبهة النصرة وضع التشكيل الجديد تحت طاعتها كما فعلت مع كافة الفصائل، وهذا ما سيكون مؤشراً إيجابياً للنظام لشن حملة عسكرية ضد إدلب بحجة محاربة جبهة النصرة الإرهابية.

وفيما يخص المقابل الذي باعت به تركيا فصائلها المسلحة في ادلب لا سيما وأن المحللون يؤكدون على أن تركيا باعت فصائلها بعد لقاء اردوغان ببوتين على هامش قمة (بريكس) في جوهانسبرغ تابع حسن في حديثه قائلاً:

لم يبقى هنا “مقابل”، تركيا مجبرة على الانسحاب من إدلب، ما دامت غير قادرة على القضاء أو حل جبهة النصرة، وخصوصاً أن النظام يعتبر تركيا دولة احتلال. أظن أنه غير مرتبط ببيع الفصائل أو ما شابه، الأمر مرتبط بالقضاء على جبهة النصرة.

طبعاً إن لم تستطع القضاء على جبهة النصرة، ستنسحب، والانسحاب يعني أنها تخلت وباعت الفصائل في إدلب. أظن أن تركيا تنجرف للهاوية.

ومن المؤكد بأن النظام يفكر جدياً بشن حملة عسكرية على إدلب، والقصف الشديد وفتح معبر للأهالي مؤشرات لذلك.

أما بصدد عفرين، ففي حال شن حملة عسكرية على إدلب، من المؤكد بأن الحال في عفرين أيضاً سيتغير، كون إدلب وعفرين كانتا ضمن اتفاقيات استانا، والدخول التركي إلى عفرين وإدلب، كان ضمن اتفاق استانا.

وشن أي حملة على إدلب سيفشل اتفاقيات استانا كما قالها المسؤولون الأتراك، وهذا يعني أن عفرين أيضاّ ستشهد حملة عسكرية، خصوصاً وأن إيران تضغط لتحقق ذلك.

المرحلة المقبلة مهمّةً، وثمّة متغيّراتٌ إيجابيّةٌ مرتقبةٌ

من جهته أفاد القيادي آلدار خليل وخلال مقابلةٍ له مع صحيفة (الأخبار) اللبنانية بالقول:

عفرين كانت ضحيّةً لتفاهماتٍ واتّفاقاتٍ، ونحن لم نترك عفرين ولن نتركها, فعفرين مدينةٌ احتُلّت ولم تسقط، لأنّها قاومت ولا تزال, والسّقوط يعني الاستسلام, والمرحلة المقبلة ستكون مهمّةً، وثمّة متغيّرات إيجابيّة مرتقبة, وستكون هناك عوامل مساعدة لتحرير عفرين.

وأضاف أيضاً: إلى جانب إصرارنا على تحرير عفرين, نحن جاهزون لأيّة مواقف فعّالةٍ لتحرير جرابلس، والباب، وإعزاز، وإدلب في إطار القضاء على الإرهاب ومنع وجود قوة احتلال، وتحقيق أرضيّة للحلّ والاستقرار في سوريا.

  • كنتيجة:

لا يمكن القبول بتاتاً بوجودٍ إرهابي على الأرض السورية، وهذا ما اتفق عليه كل الأطراف التي تعمل من أجل القضاء على الإرهاب سورياً ودولياً واقليمياً،  ومن دون القضاء على الإرهاب وقطع كل مصادر دعمه وتمويله خاصة تلك التي تدعم الوجود الإرهابي في المنطقة بصورة مباشرة لا يمكن الحديث عن حلٍ سياسي مرتقب، لذا فما أشار إليه أغلب المحللين في هذا التحقيق هو أن القضاء على الإرهاب المتكاثف في إدلب يعني بداية قطع دابر التواجد التركي في الشمال السوري، وبالتالي حينها يمكن الحديث عن مرحلة جديدة قد يتفق عليه السوريون أنفسهم.

إعداد: سيدار رمو

زر الذهاب إلى الأعلى