مقالات

“ولاية الفقيه واعواد المشانق”

تتشابه طبيعة الأنظمة القمعية من حيث الأدوات التي تستخدمها بهدف اخضاع شعوبها, ولهذا تقترف جرائم مشينة وتكبل المجتمع بقيود صارمة ولا تكترث بالدساتير والقوانين التي صادقت عليها. وتقتل الابداع وتصادر أعظم وأقدس ما يملكها الانسان ألا وهي الحرية وحق الحياة. وتحكم بلادها عبر اجهزة امنية استخباراتية وتسعى من خلال ايديولوجيتها إلى صرف انظار شعوبها عن ملفاتها الداخلية المتأزمة والهائها بمشاريع توسعية خارج إطار حكمها.

 ولعل ابرز مثال على هكذا حكم استبدادي هو نظام الملالي في إيران, فإيران التي تشكل فسيفساء رائعاً بتنوع وغنى مكوناتها من حيث الاثنيات والاعراق والاديان ظلت لسنين طويلة تتعايش مع بعضها البعض إلى ان جاء حكم الشاه الذي مارس كافة صنوف الظلم ضد هذه الشعوب حتى بدأت مرحلة النضال والمقاومة ضد فساده وقمعه. وما أن انتصرت ثورة 1979 حتى تنفست الشعوب الصعداء بانتهاء حكم الشاه الفاسد والمستبد, ولكن ما لبث ان آلت الامور إلى عكس ما توقعته الشعوب حيث بدأ الخميني بفرض حكم  ثيو قراطي  وبذلك اصبح حكم البلاد للمرجعية الدينية والتي لها اليد الطولى في كافة مفاصل الحياة المجتمعية والسياسية والاقتصادية وتدخلها في كل الأمور التي تعني المجتمع ومؤسسات الدولة. وقد قامت حينها بتأسيس محاكم ثورية لمحاكمة رجال الشاه بعد الثورة, وقامت بملاحقة كبار المسؤولين خلال عهد الشاه واصدرت احكام  غيابية بإعدامهم, وكان من بينهم رئيس الوزراء الاسبق اسير عباس هويدا.

لكن تلك المحاكم لم تقف عند ذلك الحد وانما قامت أيضاً فيما بعد باصدار احكام بحق العشرات من القيادات الكردية والقيادات الدينية ورموز مجتمعية وكذلك العلمانيين والشيوعيين بالإضافة الى النشطاء السياسيين والحقوقيين من مختلف الشرائح والشعوب الايرانية المطالبين بالحرية والمساواة والعدالة. ولم تقف عند هذا الحد بل عمدت الى الاغتيالات خارج حدودها كاغتيال الرئيس السابق للشرطة السياسية في عهد الشاه نعمة الله نصيري, واغتيال القيادي الكردي د. عبد الرحمن قاسملو في فيينا على يد الاستخبارات الايرانية عام 1989 حيث كان يتفاوض مع وفد ايراني, ورغم ذلك تم اغتياله بمؤامرة دنيئة.

إيران والتي تأتي في المراتب الأولى من بين الدول التي تنفذ فيها احكام الاعدام وفق منظمة العفو الدولية  حيث ارتفعت فيها الاعدامات وبشكل خاص الاحكام الصادرة عن محاكم الثورية, وهي تختص بالنظر في الدعاوي المتعلقة “بالأمن القومي والاساءة للذات الالهية والمؤامرة ضد النظام والقيام بعمل مسلح والإرهاب والتخريب لمؤسسات والجرائم المتعلقة بالتهريب والمخدرات وغيرها من التهم…”, وهي محكمة خارجة عن الأطر القانونية, ولها قوانين خاصة بها, والمحاكمات تتم بصورة غير علنية, وليس هناك هيئة قضاء بل قاض واحد يحكم في القضية ويتم تعينه من قبل المرشد الاعلى لإيران. كما تحتل ايران صدارة الدول المنفذة لأحكام الاعدام بحق القاصرين أيضا حيث تم اعدام /11/ طفلاً, بين عامي /2000-2007/ و اعدام/13 / طفلا وأخرون بعد أن بقوا في السجون حتى بلوغهم سن/18/ وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية.

ويتخوف المراقبين والحقوقيين من أن تطغى ملفات ايران الساخنة على الساحتين الاقليمية والدولية على ملف حقوق الانسان وما يجري في داخل ايران من انتهاكات خطيرة في ظل شح المعلومات الواردة من داخل ايران بسبب الاجراءات المشددة التي تقف عائق امام المنظمات الحقوقية التي تقوم برصد الانتهاكات وتوثيقها وكشفها للرأي العام.

 في ظل هذا الواقع المأساوي هنالك المئات ممن ينتظرون تنفيذ احكام الاعدام بحقهم. ورغم تعرض ايران لانتقادات شديدة في مجال حقوق الانسان والاضطهاد الممارس ضد الاقليات القومية والدينية وملاحقة الساسة والمعارضين في داخل وخارج البلاد, وانتهاج الممارسات اللا إنسانية داخل السجون وبشكل خاص ضد السجناء السياسيين ومنهم الكرد, إلا أن الصمت الدولي تجاه هذه الانتهاكات لازال مستمراً وتتم بين الحين والاخر ادانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الاجرام لنظام الملالي كما حدث في قضية اعدام الناشط الكردي رامين حسين بناهي. ان انتهاكات حقوق الانسان في ايران بلغت ذروتها، وعلى المنظمات والمؤسسات الحقوقية والانسانية الدولية والاقليمية والمحلية اتخاذ مواقف أكثر حزماً لوقف مسلسل الاعدامات في ايران والافراج عن المعتقلين السياسيين امثال زينب جلاليان وغيرها, واتاحة الفرصة للمعتقلين للتواصل مع محاميهم واهلهم.

أن اعواد المشانق ستظل مرفوعة في ظل ولاية الفقيه ما لم تتخذ اجراءات سريعة وجدية بهدف الحد منها. ولإيقاف هذه الجرائم يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية وغيرها العمل بشكل جاد لوقف هذه الانتهاكات.

زر الذهاب إلى الأعلى