الأخبارمانشيت

هنا عاصمة داعش الأرض لا تزال تقاوم

هنا في «الرقة» السورية جاءوا وكانوا يحملون أعلاماً سوداء لا أحد يعرفهم فقط رأوا من يحمل أعلاماً محفوراً عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وقد استغل أصحاب هذه الرايات “الدين” ليدخلوا المدينة ويسكنوا فيها وليحكموها، ولا أحد يعرف أنهم جاءوا لتشويه أرواح الناس وبث الرعب في نفوسهم بمشاهد القتل والذبح وجلب الخراب على مدينتهم التي تحوّلت إلى كومة من الحجارة المهدمة. إنهم تنظيم «داعش» الذي قتل أفراده الآلاف، وما زالت أفكارهم مع بقاياهم المختبئة في المدينة، «خلايا نائمة»، لم يتركوهم فحسب، بل تركوا الأرض تحارب هي الأخرى بما تخبئه من ألغام ومفخخات، بل يحاربون الناس أيضاً بذكريات تركوها تتردّد على أذهانهم ويرونها في مناماتهم، ورعب يعيش بداخلهم من عودة التنظيم مجدداً للانتقام، حتى إنهم لا يقدرون على التفوه بما كان يجرى خلال حكم الدواعش.

«الوطن» في الرقة السورية بعد 8 أشهر من تحريرها

لا يمكنك الحديث هنا في الرقة مع الناس عما حدث، فإن سألت شخصاً عن حكم الدواعش فإن الجواب يكون الصمت، من الصعب هنا أن تعثر على من يخبرك بما جرى، أصبح هذا البلد صامتاً، كابتاً لآلامه ورواياته المدفونة مع الأطفال والنساء أسفل الأنقاض وحتى داخل المقابر الجماعية التي بدت كأنها أرفف مكتبة تعج بقصص لكل جثة محشورة فيها. «الوطن» لم تترك المدينة وحيدة وذهبت لتقوم بجولتها داخلها، لتكشف عما جرى بها من فظاعات مشابهة لجرائم «التتار» بمقابر جماعية وفيها مقاتلوهم بأحزمتهم الناسفة وجثث الأطفال المقتولة وهم في أحضان أمهاتهم أسفل ركام المدينة الصامتة.

الشوارع المهدمة تحكى جرائم التنظيم وفترة حكمه الأسود

في اليوم العاشر من أكتوبر 2017، كان جنود قوات سوريا الديمقراطية قد وصلوا إلى ساحة «الملعب الأسود» بـ«الرقة»، آخر أكبر حصون «داعش» فى المدينة، ويخوضون آخر معاركهم فيها، وعقب مرور 8 أشهر على إعلان تحريرها لا تزال الحرب مستمرة حتى بعد خروج الدواعش وهزيمتهم، هي حرب من نوع آخر، كما وعد «أبوبكر البغدادى»، خليفة داعش، بأنه سيترك جنوداً متخفين سيستمرون في الحرب حتى بعد نهاية المعارك، لقد وعد بـ«الألغام» التي ما زالت تحارب القوات والمدنيين وكل من أراد الحياة في مدينة لا يحكمها «داعش».

في المدينة التي أُغلقت شوارعها من ركام المباني المهدمة بعضها تخبئ أسفلها جثث أصحابها، يقدم عدد من أبنائها على بسط الأمن فيها وإزالة الخوف والرعب، وما تبقى من مخلفات داعش من متفجرات وألغام، وكل ما تركوه للانتقام من الذين سيعيشون بعدهم في المدينة التي اتخذوها عاصمة لهم في سوريا.

«عمر العلى»، 28 عاماً، من أهالي «الرقة»، هو أحد الرجال الذين دخلوا في حربهم الخاصة مع مخلفات «داعش» من المتفجرات والمفخخات بعد انتهاء المعركة بانتصار قوات سوريا الديمقراطية، حيث عاش حياته تحت حكم التنظيم، ورضى بالوضع المرير، وأصر على أن يروى لنا ما كان يجرى خلال حكم التنظيم من ظلم ضد المدنيين، ليقول: «كنت أريد استكمال تعليمي بعد أن توقفت عند مرحلة الثانوية، وأنهيت خدمتي العسكرية، في جيش بشار، ولما دخلوا داعش الرقة، اشتغلت في مطعم كشيف غربي، وتزوجت وبقيت في المدينة تحت حكمهم، وما كنت أطلع من البيت إلا للعمل فقط، كان بدى أحمى نفسى»، مشيراً إلى أنهم مارسوا كبت الحريات وكان ممنوعاً أن تخرج خارج أراضيهم، ويكون معك سيدات، إلا إذا كنت مريضاً مرضاً قاسياً، موضحاً أنه بدأ في التفكير بالخروج من المدينة عقب تقدم قوات سوريا الديمقراطية.

خبير متفجرات: عشتُ مكبوتاً تحت سلطة «الدواعش» وهربتُ أسفل نيران بنادقهم وعدت إلى المدينة لأحارب ألغامهم… والتنظيم سيطر على المدينة بزرع الألغام حولها وأحكم قبضته على الطرق الرئيسية… والأمريكيون قدموا دورات تدريبية لأبناء المدينة لتفكيك المتفجرات والألغام

ويتابع: «القوات عندما تقدموا باتجاه محافظة الرقة بالأرياف، ووصلوا على بعد كيلومتر واحد من المدينة، فاضطرينا للهروب منها وصار قتل متعمد منهم، لذا اضطررت أن أطلع وغامرت، وطلعت الساعة 5 صباحاً في أيام رمضان»، موضحاً أنه «عانى في رحلته هو وزوجته ووالداها من إطلاق نار على طول الطريق الذى سلكه للهروب من المدينة، حيث كان هناك قنص، وأنه اضطر للعودة من الطريق الذى سلكه حتى يتخذ طريقاً آخر»، مضيفاً: «مشينا على الأقدام من منطقة لمنطقة حتى لقينا سيارة فيها سائق يحاول الهروب هو الآخر وأيضاًَ كان تائهاً، ومشينا في طريق كان به ألغام لكن ستر الله نجانا حتى وصلنا لقوات سوريا الديمقراطية، معروفون بأخلاقهم وإنسانيتهم، وأن داعش كان يتحكم في المدينة والمواطنين بداخلها من خلال تلغيم الطرق والمدقات والمناطق المحيطة بالمدينة حتى لا يخرج أو يدخل أحد إلا من خلال الطرق الرئيسية المسيطرين عليها بنقاط أمنية»، لافتاً إلى أنه خرج ومن معه من دون حمل أي متاع بل بالرداء فقط، وأنه وصل إلى أحد أصدقائه في منطقة المنصورة بالقرب من الرقة، وبقى عنده حتى انتسب إلى قوات الأمن الداخلي لمحافظة الرقة.

ويعود «العلى» إلى «الرقة» بعد أن تم تحرير المدينة منتسباً إلى قوى الأمن الداخلي في قسم المتفجرات، وهى القوات التي ستكلف بحماية المدينة وإزالة الخراب والخطر عنها، حيث استخدم هذا الشاب خبرته التي تلقاها في تفكيك المتفجرات في جيش بشار الأسد ليعيد الأمن لمدينته، فقد قضى عامين في الخدمة العسكرية الإجبارية يتدرب على إزالة الألغام وتفكيك المتفجرات، وأتت خدمته بفائدة كبرى لهذه المدينة، حيث تولى هو قائد فريق الرقة في تفكيك المتفجرات التابع لجاهز الأمن الداخلي، بدأ بالعمل في إزالة المتفجرات وفتح المنازل الملغومة لإعادة المدنيين فيها من أنواع عدة من المتفجرات التي تفنن الدواعش في زرعها داخل المنازل والشوارع والحدائق والأراضي الزراعية، ويضيف «العلى» أن «أساليب داعش في تفخيخ المنازل اعتمدت دائماً على أنواع خطيرة من المتفجرات وبأحجام كبيرة، حيث أزال مفخخات من كل شيء، من الأجهزة الكهربائية من تلفاز ومفاتيح الإنارة وفى الصنابير وحتى (أباريق الشاي) والمقاعد والأسرة»، معلقاً: «كل ما تتخيله وما لا تتخيله تم ابتكار طريقة له للتفخيخ، لكن الحمد لله من خبرتنا نقدر نفكها»، مؤكداً أنه ورفاقه من خبراء المتفجرات لديهم قواعد في تفكيك المتفجرات وحدود، فبالنسبة إلى المنازل لا يمكن دخول منزل إلا بعد موافقة كتابية من صاحب المنزل بالدخول وتنظيف منزله ولا يوجد أحد في قوات الأمن له صلاحية دخول منزل من دون علم وموافقة مالكه.

ويعلق قائد فريق «الرقة» لتفكيك المتفجرات حول أخطر أنواع المتفجرات: «أخطر أنواع المتفجرات هي (المسبحة)، وهي عبارة عن مفخخة موصلة بسلك رفيع له أكثر من زر متراصين إلى جوار بعضهم مثل مسبحة الصلاة، ويتم توصيلها بالمتفجرة التي يتم تخبئتها في أي مكان بعيد عن الأنظار»، ذاكراً أنه دخل في إحدى المرات إلى منزل مدني وكانوا واضعين المسبحة أسفل السجادة، وأخفوا المتفجرة نفسها خلف أحد الأعمدة ووضعوا عليها غطاء من القماش، وموصل من خلال سلك صغير حتى تصعب رؤيته، ولكنه تمكن من خلال تدقيقه الشديد من ملاحظة هذا السلك الصغير جداً وما اقترب نحو السجادة حتى لا يضغط على المسبحة فيولد أحد مفاتيحها أو أزرارها شرارة للصاعق الموصل إلى القنبلة فتنفجر، قائلاً: «إحنا ما نستخف بالعدو، ولا نغتر أبداً مهما زادت مهارتنا، فنحن نكون دقيقين جداً في كل سنتيمتر من المنزل»، ويضيف أن «هناك نوعاً آخر من التفخيخ يُعد هو الأسوأ على الإطلاق، وهى المتفجرات الليزرية التي تعتمد على الحساسات، ويتم وضعها في مداخل البناية بزوايا مختلفة، واحدة مستقيمة وأخرى حادة أو منفرجة، وأن هذا التصميم يعتمد على لوحة كهربية وصفيحة معالج، إضافة إلى صورة الأشعة المسجلة بالحساس، أي إن هناك نماذج مسجلة على الحساس لأجسام بشرية من عظام وعضلات، وإذا تم التقاط نماذج مشابهة تقوم بالتفجير فوراً»، موضحاً «أن الخبرات التي يكتسبها فريق خبراء المتفجرات في قوى الأمن الداخلي بالرقة اكتسبوها بنسبة كبيرة من خلال عملهم على الأرض، وأن التدريب يكون في غالبيته الطريق إلى التفكيك والطرق، لكن الطرق الجديدة والأساليب المختلفة تظهر مع الوقت من خلال العمل، ومن خلال أخطاء الرفاق، حيث مكونات الحياة داخل المنزل وفى المزارع بها الكثير من التفاصيل التي يمكن تسخيرها في خدمة التمويه والخداع لنصب المتفجرات بطريقة أكثر خطورة».

وبسؤال «العلى» عن كيفية التعلم من أخطاء رفاقه بعد أن يتم التفجير، الذى يدمر كل شيء حوله فتختفى ملامح الأشياء، أجاب أن «أحد رفاقه استشهد منذ شهر مضى بعد أن أخطأ في تقدير الأمور، وتم تضليله بأكثر من لغم في مكان واحد، حيث كان هناك لغم في مكان واحد، وفكك الأول ثم الثاني ولكن انفجر فيه اللغم الثالث، حيث كان موصولاً عليه مسبحتان، وليست واحدة كالعادة»، معلقاً: «عرفنا إنه كان وصل مسبحتين لأنه قطع الاتصال مع مسبحة وأحد الزملاء رآه وهو يفك مسبحة، ولكن بعد ما أنجر عرفنا إن اللغم كان به مسبحة أخرى، ولم يقم بتفكيكها، لذلك ممكن نظل ساعة أو ساعتين أو يوم كامل أو أكثر من يوم في تفكيك متفجرة واحدة، المهم أن تتم عملية التفكيك وتخلص المدني من اللغم، فممكن أن تخسر نفسك وتخسر المدني منزله».

الإرهابيون فخخوا الصنابير والمقاعد وتحت الأشجار وكل شيء بالمنازل… وفى الخارج لغموا الحدائق والمزارع… وأخطر مفخخاتهم «الليزرية»

ويوضح قائد الفريق المكون من 15 فرداً، أن «المتفجرات والألغام المزروعة في المدن غير المزروعة في الأرياف والزراعات والحدائق، حيث تنتشر نوعية محددة من المتفجرات تعرف باسم (مسطرة) في الأرياف، وهى تعود إلى نوع البصمة المسئولة عن التفجير، حيث يقوم الدواعش بجعل بصمة التفجير داخل قطعتين رقيقتين من المعدن بينهما قطعة من المطاط، بحيث إن أي شخص يدوس بقدمه عليها يحدث توصيل كهربي بمجرد التصاق طرفي المسطرة، ويحدث التفجير»، موضحاً أن الخبراء لديهم جهاز يدعى «ديداكتور»، وهو يكشف المعادن من على بعد متر واحد ويتم استخدامه في الأراضي الزراعية فقط، بحيث لا يصلح لاستخدامه داخل المنازل، لأن الجهاز سيطلق الإنذار لوجود معادن في غالبية محتويات المنزل.

وحول الأداة المستخدمة في المنازل، يقول «العلي» إن «لديهم بدلاً من جهاز (ديداكتور)، روبوت عبارة عن دبابة صغيرة مزودة بأربع كاميرات من الجهات الأربع يتم التحكم فيها عن بعد، يتم إدخالها إلى المنزل لتقوم هي بدورها في الكشف عن وجود المتفجرات والألغام فيما يقوم الخبراء برؤية المنزل من الداخل من خلال شاشة عرض بعيدة»، معلقاً: «بس إحنا ما نعتمد على الأجهزة بل نستخدم النظر والعقل أفضل، أحياناً ما نفوت من الباب أو الشباك لأنهم أوقات يكونوا ملغمين فنضطر إلى عمل ثقب في جدار إحدى غرف المنزل لإدخال الدبابة الصغيرة أو الدخول شخصياً لتنظيفها ثم بقية غرف المنزل».

وحول آليات العمل، يوضح أن «هناك ألغاماً على خيط سنارة، وأخرى ببصمتين، أو ألغام أسفل ألغام، بحيث إنك إذا قمت بإبطال لغم وخلال سحبه ورفعه من الأرض ينفجر الموجود في الأسفل، وكل هذه الطرق لدينا فيها آليات التعامل، حيث نقوم بربط المفخخة بحبل طوله 100 متر والرجوع وسحبها حتى إذا تنفجر ما تسبب ضرراً لأحد»، مشيراً إلى أن فريق خبراء المتفجرات يطرحون أسئلة على أصحاب المنازل حتى يستفيدوا من معلوماتهم، وأنه من الممكن معلومة واحدة تنقذ الخبير والمنزل من التفجير، معلقاً: «جه مواطن بلغني وقال أول ما تدخل من الباب إذا دققت النظر تلاقى خيط صنارة أو صنبور مربوط من الداخل بخيط صنارة إذا تفتحها تفعل البصمة وتنفجر، ومرة قالي إن اللغم موجود في مطبخ أو يحدد هو اللغم موجود في أي مكان إذا رآه، أو بعض من تفاصيل المنزل والغرف وما الشيء الغريب الموجود بمنزله».

ويستطرد «العلي»: «لدينا قاعدة نحن كخبراء متفجرات لا نسمح بالمشاركة في تفكيك لغم أو تطهير منزل سوى فرد أو فردين، حتى إذا انفجر لا تكون الخسارة كبيرة، وإذا أي رفيق حالته النفسية والذهنية ليست جيدة لا يشتغل ونعطيه إجازة لأن أي توتر أو ارتباك قد يقضى على حياته، إذا لم يكن مخه مرتاح ما يفوت على الشغل أبداً»، موضحاً أن «بعض الألغام تعمل على الحركة، وإنه في أحيان كثيرة سحب قماشة من على أي شيء قد يفعل بصمة، وفى هذه الحالة يقوم بربط القماشة بحبل وسحبها ولا يزيلها بيده، وأن العمل هذا مرهق إلى حد كبير ويستهلك المزيد من الوقت»، مضيفاً: «ممكن أقعد 10 أيام في تفكيك لغم بمنزل واحد»، مشيراً إلى أنه لا يفضل استخدام الروبوتات، وأنه يلجأ إليها فقط حينما يشعر باليأس من منزل معين، ولكن لا يلجأ إليها لأنها ممكن أن تفصل شحن كهرباء في الداخل أو تتعطل، ولذلك فإن استخدامها قليل.

عند الثامنة صباحاً، يستيقظ «زياد أحمد»، أحد أصغر عناصر فرقة «الرقة لتفكيك المتفجرات»، يبلغ من العمر 21 عاماً، هذا الشاب الصغير انتسب إلى فريق خبراء المتفجرات قبل حتى إعلان تحرير الرقة، فقد التحق في الشهر السابع من العام الماضي، حينها كانت لا تزال المعارك مشتعلة بالرقة، لكنه بدأ عمله بتفكيك المتفجرات من منطقة عين عيسى التي تبعد 50 كيلومتراً تقريباً عن المدينة التي يحتشد حولها قوات سوريا الديمقراطية، لم يكن لديه الخبرة بتفكيك المتفجرات، ولم يتلق التعليم الجيد، حيث أسرته الفقيرة، التي تعتمد على رعى الغنم جعلته يتوقف عند الصف التاسع فقط، لذا حصل على دورة قدمها الأمريكيون وقوات التحالف لكل من انتسب إلى هذه المهمة في يوم 15 أغسطس من العام نفسه، وظل يعمل حتى هذا الوقت وجاء يزحف من عين عيسى حتى الرقة يمشط مع رفاقه القرى والمزارع والطرق والحدائق والبيوت.

ويروى «زياد»، عن دافعه إلى الانتساب إلى هذه الفرقة التي يحمل حياته على يده في كل مهمة عمل، بقوله: «حياتنا كانت صعبة تحت حكم داعش، وشفنا الموت كثيراً فما نخاف الموت بعد لأننا شعرنا بيه»، مشيراً إلى أنه سيستمر في عمله حتى آخر لغم موجود في الرقة، وأريافها، وأنه إذا سمح له عمله بالخروج منها ومباشرة تمشيط المدن الأخرى سيخرج حتى دير الزور التي لا تزال يجرى فيها القتال، لافتاً إلى أن أول متفجرة جلس أمامها في عين عيسى كان يشعر بالخوف الشديد، لكن كان هناك أحد من رفاقه يقوم بالتفكيك أمامه حتى يتعلم ميدانياً، معلقاً على هذه الفترة: «في البداية كنت خائف لكن التحالف علمنا نعمل هيك ونعمل هيك ومن

خلال الممارسة العملية زال الخوف وراح، وأصبحنا نعمل الحمد لله».

وعن أعمالهم أسفل الأرض في الأنفاق، أكد أنه «كان يسير في الشارع ولمح شيئاً غريباً، تتبعه وعلم أنه لغم، فاضطر إلى إزالته قبل الرجوع لأي شخص حتى لا يتسبب في مقتل أي مدنى أو طفل، مضيفاً أنه نزل إلى الأنفاق بنفسه، حيث احتوت هي الأخرى على ألغام إلى جانب عتاد وذخيرة، موضحاً أنه تتبع آثار تفخيخ فى حديقة الاستقلال المدني بوسط الرقة، حيث كان الدواعش قد حفروا نفقاً مدخله من الكافيتريا الموجودة بالحديقة وألقوا بجثة في داخلها حتى تجذب رائحتها الناس تجاه النفق»، معلقاً: «مشيت لقيت جعبة وبعدها منظور قناص وبعدها لمحت شريط كورتيكس وهو سلك كهرباي موصل بالمتفجرة، وقمت بتفكيكها»، موضحاً أنه من الصعب كشف المتفجرات في المزارع والحدائق إلا أنهم يعتمدون على تتبع أي لون مختلف في التربة وهو ما يعنى وجود شيء في الأسفل، إذا ما كانت التربة لونها أحمر فستجد لوناً مختلفاً وله حد.

وحول مصير المتفجرات التي يفككها هو ورفاقه من الرقة وريفها، يضيف أنه «تم تخزينها في مستودعات خاصة بها، وتستلمها قوات التحالف لتدميرها في منطقة الطبقة، وأنها تحتوي على قاذفات متنوعة سواء هاون أو قذائف كبيرة لراجمات الصواريخ وأية ذخيرة أو معدات قابلة للانفجار وإحداث تدمير، حتى إن بعض القذائف الصاروخية تكون مدفونة إلى جانب المفخخة حتى تنفجر معها».

وأشار «زياد» إلى أن أكثر الأنواع التي يخشاها، والتي تُعد الأكثر خطورة هي المتفجرات الليزرية التي تنفجر من النظر إليها، وأن التعامل معها يكون بالالتفاف حولها أو تفجيرها عن بعد، ذاكراً أنه اتجه من الرقة إلى قرية كوبس تبعد عنها 40 كيلومتراً لتفكيك متفجرة واحدة، إثر بلاغ ولكنه كشف عن 40 لغماً وليس واحداً فقط، ولكنه لم يرحل من القرية إلا بعد أن فككها جميعاً، لافتاً إلى أن أخطر متفجرة كانت موجودة على مضخة مياه كبيرة تضخ المياه لأكثر من 30 قرية، وكان سيتسبب في تدمير المضخة وعطش هذه القرى لمجرد أنهم أرادوا نصب فخ لقتل مواطن أراد أن يعيش في مدينة ليست تحت حكمهم، موضحاً أنه منذ أن عمل في تفكيك المتفجرات وهو يعانى من نقص الوزن والضعف بسبب الجهد الذهني إلى جانب الكوابيس التي يراها دوماً بأن لغماً ليزرياً ينفجر فيه لمجرد النظر إليه، معلقاً: «بحلم يومياً بكوابيس للغم ليزري ينفجر بعد أن أنظر إليه، ولكن رغم ذلك أستمر في العمل وتفكيك الألغام لأنها حياة ناس».

نقلاً عن موقع الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى