مقالات

هل تركيا تخاف من مصيرها أم الشعوب

أي مكتسب وأيَّة خطوة للأمام وأي انفتاح ووعي للشعوب هي على حساب اردوغان وتركيا كما وإن أي خطوة للخلف أو خسارة معركة للقوى الديمقراطية هي انتصار لتركيا، وبالتوازي إن أية مصيبة أو نزاع أو مشكلة أو عمل متعصب متطرف وإرهابي لابد أن يكون خلفه اردوغان ودولته الفاشية حتى ولو كانت في جنوب أفريقيا، تركيا تعادي الشعوب وتهددها في وضح النهار، وكأنها تتبع (قانون الغاب) ولا تقبل الاتفاق ولا الحوار وتعارض مشاركة القوى الديمقراطية في العملية السياسية.

قد يقول البعض أنه علينا عدم مواجهة تركيا عسكرياً وهذا صحيح، لكن إذا هاجمت عسكرياً مثلما تدعي؛ فليس أمامنا سوى المقاومة والإصرار على التمسك بمشروعنا الديمقراطي وقيمنا الوطنية، فغير خافٍ على أحد إن تركيا العثمانية الفاشية هي التي دمرت المنطقة ويشهد عليها تاريخها، وهي من تخاف على مصيرها وليست الشعوب التي تسعى للسلام والعدالة وتناضل من أجل الأخوَّة والعيش المشترك.

عند التأني في تقييم المرحلة فسوف نجد بتجلي تراكم الكثير من الأزمات والفوضى في بنية النظام القائم المستند إلى الدول القومية يضاف إليها الأزمات الاقتصادية والمالية المُعاشة وفقدان مئات الآلاف من البشر لأرواحهم وتهجير الملايين وتضارب الأنباء والتصريحات وتسارع الأحداث والحركات المكوكية الدبلوماسية للدول المهيمنة وسقوط مقدسات الدولة القومية القديمة وانهيارها ( رئيس الدولة وحدودها وعسكرها وشرطتها وعلمها ومنهاجها وعملتها ) وغيرها، هذا بدوره ينعكس على ذهنيات وعقول البشر، فيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى فقدان الأمل ويصبح المستقبل غامضاً وتتكاثر التناقضات في ظل هذه الفوضى العارمة، يعتقد البعض أن الفلسفة والأيديولوجيا انتهت ولم يعد هناك حاجة إليها، أيضاً الكثيرون اعتقدوا إنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد انتهت الفلسفة أيضاً وأن العِلم والتكنولوجيا تكفيان لحل قضايا الشعوب والمجتمعات وإدارة المرحلة، لكن الوقائع أظهرت بأن الصراعات مازالت مستمرة كما وثبت من خلال المرحلة أن العلم والتكنولوجيا لوحدها لا تستطيع حل القضايا المتأزمة وبالمقابل تزداد الحاجة إلى علم الاجتماع والفلسفة أي بالأحرى الحاجة إلى المجتمع ومن خلال المجتمع يمكن حل القضايا.

هناك قوتان أساسيتان في هذه المرحلة يمكن تحقيق الأهداف من خلالهما الأولى القوى الدولية المهيمنة والثانية القوى المجتمعية على الارض حيث تمتلك الأولى ترسانات من القوة العسكرية وأنظمة تكنولوجية واقتصادية كبيرة، وبنفس الوقت الأولى لا تستطيع أن تفعل أي شيء على الأرض دون القوة التي توفر الشرعية وتعمل على الأرض، والتي كلما تكون مُنظمة ومدرَّبة وواعية وموَّحدة تستطيع لعب الدور الحقيقي والصحيح، وتمنع استخدام فئة أو جزء لتلبية مصالح الأولى، كما يمكننا اختصار الثانية بالعشائر والقبائل والأحزاب والأديان والقوميات ومنظمات المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والتي هي قوى الأمة الديمقراطية، من خلال التوازن بين القوتين يمكن تحقيق العديد من الاهداف .

اذا أسقطنا ذلك على روج افا وشمال شرق سوريا فلإيجاد التوازن مع القوى الدولية لابد من التنظيم وتحقيق الوحدة المجتمعية التي هي القوة الشرعية والعاملة على الأرض ولتوضيح الصورة السياسية للمرحلة فمن مهام الشعوب تحقيق التوازن في العلاقة مع التحالف الدولي من خلال التنظيم والمشروع على الأرض والاعتماد على الذات ( الإدارة الذاتية ) لأنها لا تمتلك أي قوَّة غير الاعتماد على الذات، أما أمريكا من مهامها تحقيق التوازن بين الإدارة الذاتية على الأرض والقوى الدولية والإقليمية منها تركيا وإيران، كما أنه من الصعب التخلص من الأنظمة القديمة القومية الدينية الحاكمة أو إحداث التغيير المباشر كون الأنظمة الموجودة لها قوانينها وضوابطها المقدسة والمتينة التي لا يمكن تجاوزها بسهولة وهذا ما تعمل القوتين على تغييره .

إذا ما أمعننا في الأنظمة والدول السابقة والحالية فإنها تأسست أساساً ضد مجتمعاتها وشعوبها لتكون أنظمة جاثمة على صدور الشعوب وتخدم فئة معينة وصغيرة سواء كانت عائلة أو شخص وليس لقومية أو دين بل لتحمي مصالح الدول العظمى، وهذا ما يناضل روج افا وشمال شرق سوريا ونظام الإدارة الذاتية ضده فهي لن تصبح أداةً ضد الكرد والكُرد لن يصبحوا أداة ضد المكونات الأخرى وسيمثل التعايش المشترك والنظام الديمقراطي الذي يؤمِّن الحرية والعيش بكرامة للجميع.

لا يمكن للكرد في روج افا معاداة الكُرد في أجزاء كردستان، ولا يمكن للعرب في شمال شرق سوريا معاداة العرب في الوطن العربي، ولكن الدول القومية العربية كانت في مواجهة العرب ومجتمعاتها بدلاً من إسرائيل أو أي عدوٍ خارجي.

تعمل قوى الهيمنة على جعل إقليم كردستان ورقة ضد الكرد قبل جعلها ضد تركيا أو إيران لذلك يجب أن لا تتوجه روج افا ونظام الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا لمعاداة قِيَمِها، كما أن القوى الاقليمية تريد أن تجعل من منطقة شمال شرق سوريا سوقاً لمنتجاتها وعليه فرض الاستسلام والتنازل عن الثروات والموارد التي هي ملك الشعب، لذلك منذ الآن على الشعب الحفاظ على ثرواته وموارده والمطالبة بالتوضيح ومعرفة أين تُصرَف الأموال وأين تتجه الموارد.

باختصار يمكن إرضاء أمريكا وإرضاء روسيا وإرضاء الشعب، وهو الصراع بين قوة الشرعية الدولية وقوة شرعية الشعب والمجتمع، فإذا كانت الدول تبحث عن مصالحها فعن ماذا تبحث الشعوب والمجتمعات، لذا فأن تحقيق التوازن بين مصالح الدول ومصالح الشعوب تعتبر من أهم مهام المشروع الديمقراطي في هذه المرحلة بشمال شرق سوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى