الأخبارمانشيت

هجوم تركيا على الكرد هو خيانة للولايات المتحدة

تحتاج الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى تخيّل النّاتو دون تركيا, والسبب لذلك هو اعتداء تركيا على الكرد السّوريّين, نفس الكرد الّذين حملوا مهمّة القتال ضدّ الدّولة الإسلاميّة بتدريبٍ ودعم الأمريكيّين.

تنسّق تركيا هجماتها مع إيران وروسيا, وهما البلدان المعاديان لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو), ولا تظهر الولايات المتّحدة الأمريكيّة اهتماماً في أي مكان من هذه المعادلة, وهذه مشكلةٌ استراتيجيّةٌ طويلة الأمد, والّتي تتعدّى الغضب الأخلاقي الّذي يجب على كلّ أمريكيٍّ أن يشعر به, حيث يتمّ قتل حلفائنا الكرد من الجوّ بواسطة طائرات (إف16) الّتي زوّدنا تركيا بها.

يعتقد الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضوحٍ أنّه يمكن أن تتعارض مصالحه مع المصالح الأمريكية دون أن يواجه عواقب ذلك, فبوصلة التّأمين الخاصّة به هي الموقع الجّغرافي لتركيا.

طوال فترة الحرب الباردة ،كانت الأراضي التّركيّة بسبب القرب الجغرافي من الاتّحاد السّوفييتي سابقاً قاعدةً كبيرةً لقوّات حلف الناتو وصواريخه, وأكّدت الحروب الأمريكيّة الأخيرة في العراق وأفغانستان أنّ القاعدة الجويّة في إنجرليك كانت حاسمة في الجهود العسكريّة الأمريكيّة خلال هذه الحروب, ولا تزال تركيا مكاناً جيّداً لوجود هذه القوّات, لكن يجب أن يكون هناك حدٌّ معيّنٌ لحليفٍ مزعومٍ كتركيا لما تقوم به, وأن لا تتمّ الإساءة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

في شهر مايو الماضي في واشنطن أظهر أردوغان احتقاره لإدارة دونالد ترامب والولايات المتّحدة الأمريكيّة من خلال السّماح (أو ربما توجيه) حرّاسه الأمنيّين لمهاجمة المتظاهرين السّلميّين في حديقةٍ عامّةٍ عبر السّفارة التّركيّة في واشنطن, كان هذا حادثاً بشعاً, لكنّ خطورته الكاملة لا يمكن تقديرها إلّا عند مقارنتها بسياسات أردوغان الإقليميّة الأوسع. لم يكن من قبيل المصادفة أنّ أردوغان كان يعامل أراضي الولايات المتّحدة السّياديّة كما لو كانت اقطاعيّته الشّخصيّة بقدر ما يتعلّق الأمر بالنّسبة له, لأنّ ترامب يفتقر إلى أيّ طعنٍ ضدّ سلوكه.

والآن أردوغان منخرطٌ في الخيانة التّاريخيّة للحلفاء الأمريكيّين الّذين قاموا بالعمل القذر الّذي لم يرغب أيّ شخصٍ آخر في العالم القيام به, ألا وهو ترك الكرد في عفرين تحت الهجمات التّركيّة.

لنكن واضحين للغاية, تركيا لم ترسل أيّة قواتٍ لمحاربة الدّولة الإسلاميّة في سوريا, كما لم تفعل الدّول العربيّة المجاورة, والولايات المتّحدة أرسلت مدرّبين عسكريّين فقط, ولم يكنّ من الممكن أن يفوزوا في هذه الحرب بمفردهم, إذ لا يمكن دحر الدّولة الإسلاميّة كليّاً من الجو, كما أظهرت ذلك تجربة الحرب الأهليّة السّورية, فالنّظام السّوري لم يقضٍ على المعارضة من خلال القصف الجوّي.

هناك سببٌ واحدٌ فقط لهزيمة الدّولة الإسلاميّة على أرض الواقع في سوريا, وهو وحدات حماية الشّعب الكرديّة.

وبالمقابل أراد الكرد شيئاً بسيطاً للغاية, مكانٌ ما ليعيشوا فيه حيث لا يذبحهم جيش الرّئيس السّوري بشار الأسد أو يقصفهم حلفاء الأسد الروس, بالتّأكيد ربما كانوا يأملون في منطقة شبه مستقلّةٍ بالقرب من الحدود التّركيّة, وليس على خلافٍ تماماً مثلما لدى نظرائهم الكرد في العراق. لكنهم واقعيّون, فلقد استقرّوا في أراضيهم وحموها, ولم يسمحوا لأيّة جهة  بإجبارهم على الفرار منها كلاجئين.

والآن هاجمت تركيا مناطقهم وقصفتها ودمّرتها, وأعلن أردوغان أن تركيا ستنشئ “منطقة آمنة” على مسافة 30 كيلومتراً قد لا يكون الكرد فيها على الجّانب السّوري من الحدود, ولا أحد يمنعها من ذلك.

لا أحد يعرف عدد الكرد الّذين لقوا حتفهم حتّى الآن في عفرين وما حولها, حيث يقال أنّ وحدات حماية الشّعب الكرديّة تضم ما بين 8000 و 10000 مقاتل, ولا أحد يعرف عدد المدنيّين الكرد الّذين قُتلوا, وما هو واضحٌ هو أنّ لا أحد يفعل أيّ شيءٍ لوقف هذا العدوان.

ليس من مصلحة الولايات المتّحدة الأمريكيّة التّخلي عن الحلفاء بشكلٍ علنيٍّ وسريعٍ, فهذا سيؤدي إلى انعدام الثّقة بها في المستقبل, والكرد سيحمّلون الولايات المتّحدة الأمريكيّة مسؤوليّة الخيانة بهم.

يعرف الكرد جيّداً طوال الوقت أنّ تركيا لا تريد أن يكون لهم موطئ قدمٍ بالقرب من الحدود التّركيّة, لكنّهم اعتمدوا على تحالفهم الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة لحمايتهم.

كان هذا عقلانيّاً تماماً, فقد قامت الولايات المتحدة بحماية وإبقاء تحالفها مع الكرد العراقيّين منذ أن أقامت منطقة حظرٍ جويٍّ في عام 1991 لمنع صدام حسين من قتلهم, وكانت لا تريد من كردستان العراق أن تعلن استقلالها, ولكنّها قبلت وساعدتهم في الحفاظ على الاستقلال الذّاتي الفّعلي على الرّغم من سنواتٍ طويلةٍ من المعارضة من قبل تركيا.

تركيا تحت حكم أردوغان تقترب الآن من إيران وروسيا, والإيرانيون قلقون من الكرد الّذين يعيشون في أراضيهم مثلما الأتراك, لذلك فهم يشعرون بسعادةٍ غامرةٍ لرؤية قمع الكرد وإبادتهم من قبل تركيا.

ولم يكن الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين يهتمّ كثيراً بمصير الكرد في سوريا أو بحقوقهم شريطة أن تحترم تركيا سيادة الأسد المشكوك فيها, بالنسبة لبوتين الّلعبة الطّويلة هي سحب تركيا من معسكر الناتو إلى المعسكر الروسي الّذي يعمل ضدّ مصالح الولايات المتّحدة الأمريكيّة مع الإفلات من العقاب.

سيكون من الأنسب النّظر إلى حكومة تركية مستقبليّة (ما بعد أردوغان) تقدّر علاقتها بالولايات المتّحدة الأمريكيّة بشكلٍ أفضلٍ, لأنّه بالنّظر إلى حكم أردوغان المستبدّ بشكلٍ متزايدٍ لا يمكن الاعتماد عليه في المستقبل المنظور.

تركيا تفهم تماماً أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي الّتي ستدفع الثّمن السّياسي لقصفها للكرد السّوريّين.

الجميع يفهم أنّ المصلحة الذّاتيّة هي الّتي تّملي السّياسة الخارجيّة, لكنّ الولايات المتّحدة كان عليها أن تأخذ دائماً الجّانب الأخلاقي العالي في وصف أهدافها مثل هزيمة الدّولة الإسلاميّة, لذلك عندما تسمح الولايات المتّحدة بشكلٍ صارخٍ لحليفها في حلف الناتو بقصف الأشخاص الذين هزموا الدّولة الإسلاميّة,  فإنّ النّفاق مروّعٌ بشكلٍ خاصٍّ, وعندما يتمّ رسم حساب التّفاضل والتّكامل الأخلاقي, لن يكون لأمريكا حجّةٌ لعدم وجود طريقةٍ لوقف أردوغان عند حدّه.

كلّ التّحالفات لها نهايةٌ طبيعيّةٌ, وما لم يتوقف أردوغان عن صفع ترامب على وجه فإن التّحالف بين الولايات المتّحدة وتركيا يتّجه إلى تاريخ انتهاء صلاحيّته.

المصدر: تم نشر هذه المقالة في الأصل في بلومبرغ في الولايات المتحدة. Bloomberg US.

زر الذهاب إلى الأعلى