مانشيتمقالات

ما غاية تركيا وإسرائيل من الوساطة بين روسيا وأوكرانيا

 ياسر خلف           

يقول المثل الشعبي الدارج: فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا ما ينطبق على الوساطة التركية الإسرائيلية لإيقاف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، رغم انتهاجهما نفس النهج الروسي في غزوهما لدول الجوار تحت مسمى الأمن القومي وارتكابهما انتهاكات بحق شعوب المنطقة تصل إلى حد جرائم الحرب وخاصة تركيا التي لا تزال مستمرة في انتهاكاتها وجرائمها في الكثير من دول المنطقة سواء في سوريا وليبيا وأرمينيا وحتى تورطها في الحرب الدائرة في أوكرانيا وذلك عبر تزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة من دون طيار (بيرقدار) وكذلك تجنيد المرتزقة وإرسالهم إلى مناطق الصراع.

هذه المعطيات والحقائق جميعها تجعل من الوساطة التركية والإسرائيلية محل شك وريبة وحق يراد به باطل، وهي تخفي خلفها مصالح ومخططات ورغبة في اللعب مجدداً على المتناقضات الدولية،

 فما بات واضحاً أن لإسرائيل مصالح عِدَّة في التهدئة بين روسيا وأوكرانيا وهي نقطة التقاء بينها وبين الدولة التركية، فكلتا الدولتين لديهما مواقف متشابهة من الأزمة الأوكرانية وقد تكونان الدولتان الوحيدتان التي لهما مصالح وسياسات وصفقات مشتركة مع روسيا وخاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، فإسرائيل التي تم اطلاق يدها بتوافق تام مع روسيا لضرب أية أهداف إيرانية يمكن أن تشكل خطراً على أمنها القومي؛ يهمها أن تكون روسيا موجودة بقوة في الأزمة السورية وعدم حدوث أي فراغ يجعل من إيران هي المستفيدة من ذلك، وخاصة في ظل استئناف المفاوضات بشأن ملفها النوي ووجود تلميحات باقتراب التوصل إلى حل، وهذا ما يفسح المجال أمام دور إيراني أكبر في المنطقة وخاصة أن الضغوطات الأمريكية على دول الاتحاد الأوربي لقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع روسيا الامر الذي قد يكون فرصة مواتية أمام إيران لتمتين علاقاتها مع دول الاتحاد الأوربي من الناحية الاقتصادية والتجارية وخاصة في مجال الطاقة كبديل عن النفط والغاز الروسي، وهذا ما يضاعف من خطر إيران على المصالح الإسرائيلية مستقبلا.

أما تركيا فهي الأخرى لا تختلف عن إسرائيل من حيث المصالح المشتركة مع كل من أوكرانيا وروسيا وقد تكون الفوارق بسيطة بينهما، فتركيا لديها مصالح اقتصادية وتجارية واسعة مع كل من روسيا وأوكرانيا وهي تسعى للعب دور الحيادي الماكر في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، فرغم ادعائها إغلاق معبري الدردنيل والبوسفور أمام السفن الحربية الروسية لكنها فعلياً سهلت حركة السفن الروسية وأوصلتها إلى مبتغاها بكل يسر، وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات بعلم تركيا مسبقاً بالغزو الروسي لأوكرانيا تماماً مثل علم روسيا بغزو تركيا لعفرين وبتسهيل وضوء أخضر منها، وما يؤكد الدور الماكر والخبيث لتركيا في الأزمة الأوكرانية هو عدم إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية الروسية أسوة بدول الناتو الأخرى، وهذا ما أكده وزير خارجية قبرص اليونانية (يوانيس كاسوليدس) بأن تركيا تلعب دور الطرف المحايد الماكر في الأزمة الأوكرانية, وقال في رسالة موجهة إلى منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل): بضرورة  اتخاذ إجراءات ضد أنقرة لعدم إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية. 

أما فيما يخص العلاقات مع الجانب الأوكراني فبالإضافة إلى تزويد أوكرانيا بطائرات “بيرقدار” المسيرة،  فهي عمدت إلى إرسال المرتزقة السوريين الى أوكرانيا لمحاربة القوات الروسية، فرغم نفي تركيا  لكن التقارير الميدانية والاستخباراتية تفيد عكس ذلك، وقد تكون هذه المرة بتسهيلات وضمانات أكثر إغراء وخاصة أن عدة دول اوربية قد فتحت باب التطوع أمام المرتزقة الأجانب وغير الأجانب لقتال القوات الروسية تماماً كما تفعل روسيا وهو إرسال مرتزقة سوريين عبر شركة “فاغنر” للقتال بجانبها، وقد تكون التقارير الاستخباراتية الواردة من ليبيا وكرباخ التي تشير إلى قيام الدولة التركية بدفع رواتب المرتزقة السوريين المتأخرة لأربعة أشهر تمهيداً وإغراء لإرسالهم إلى أوكرانيا لقتال روسيا، حيث أكدت وكالة سبوتنيك الروسية أن “تركيا نقلت جزءاً من المرتزقة المؤلفة من مقاتلين سوريين وجنسيات مختلفة من قره باغ إلى أوكرانيا وتعتزم نقل البقية على دفعات، ليشاركوا في القتال إلى جانب الجيش الأوكراني.

وأفادت المصادر بأن المرتزقة الذين نقلتهم تركيا من قره باغ إلى أوكرانيا انضموا إلى صفوف “فيلق الدفاع الدولي لأوكرانيا” بعد بدء العملية العسكرية الروسية.

إن ما يمكن القول بخصوص الوساطة التركية الماكرة في الازمة الأوكرانية واستثمارها لها هي في حقيقة الأمر ليست بسياسة جديدة لكنها تمد بجذورها إلى الحقبة العثمانية البائدة عبر جيوشها الانكشارية التي كانت جلها من المرتزقة وقطاع الطرق واللصوص والتي لم تجلب سوى الويلات لشعوب المنطقة وارتكابها ابشع الانتهاكات بحق الإنسانية كجرائم الإبادة الأرمنية ومجزرة السيفو وكلي زيلان وديرسم وجرائمها في المدينة المنورة وجرائمها الحالية في كل من شمال شرق سوريا وليبيا وقرباخ.

إن الأزمة العالمية التي نعيشها اليوم وخاصة أنها باتت أقرب الى الحرب الباردة وإرهاصات الحرب العالمية الثالثة وخاصة مع كل هذا الزخم والشحن الإعلامي والاستخباراتي الداعي الى الكراهية والعنصرية ومع ضعف الوسائل الجدية الرامية الى وقف ويلات الحرب المدمرة التي تلوح رحاها في الأفق القريب فهي تشي ببداية تشكل تكتلات وأحلاف جديدة وتغيرات جزرية في أقطاب الهيمنة العالمية وخاصة مع اقتراب انتهاء المعاهدات الدولية إبان الحرب العالمية الثانية والتي يتطلب تشكيلها الكثير من توخي الحزر والدقة في قراءة وتحليل جميع المواقف والتجاذبات الدولية الحاصلة وخاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط وحجم التنازلات والاغراءات التي ستعمد كل طرف على تقديمها لضمان مصالحها ومنافعها وهذا ما بات واضحاً من تحركات الدول الإرهابية والعنصرية والطائفية كتركيا وإسرائيل وايران لاستغلال الأزمات لصالحها وتدخلها بشكل سافر للحيلولة دون حصول شعوب المنطقة على حريتها واستحقاقاتها.

إن ما يُطلب من القوى الديمقراطية هو العمل على فضح نوايا هذه الدول وكشف مخططاتها الرامية إلى عقد صفقاتها على حساب دماء شعوب المنطقة وأرضهم وكرامتهم والعمل على رفض الاحتلال والانتهاكات الرامية الى الاحتلال والإبادة والتغيير الديمغرافي عبر المكر والخداع بحجة إحلال السلام وهم أبعد وآخر من يحق لهم التكلم باسم السلام وحقوق الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى