مانشيتمقالات

رؤية أوجلان النقدية للقضية الكردية

دجوار أحمد آغا

ربما النموذج الأمثل للتعبير عن التضامن بين مختلف فئات وشرائح المجتمع يمكن أن يكون من خلال العمل التطوعي أي بدون مقابل، وهو الذي يفتح لنا المجال لكي نناقش سوية امكانية وصولنا إلى نفس الغاية والهدف ومن منظور مختلف، فالاختلاف في وجهات النظر والرؤى؛ غنى للطرق والاساليب في الوصول إلى الهدف المنشود.

إن النظر برؤية نقدية لحدث ما يجعل من ذاك الحدث محوراً للنقاش والتطوير والتحديث بحيث يصبح بالإمكان إضافة تعديلات وتحسينات على هذا الحدث ليتحول من الجيد إلى الأفضل والأحسن. وهكذا إذا ما نظرنا إلى ثورة روج آفا وشمال وشرق سوريا، سوف نرى بأنها معجزة بالمفهوم الذي قاله البروفيسور الامريكي نعوم تشومسكي ولكن برؤيتنا النقدية لهذه الثورة وبتمن سوف نرى بأنها ليست معجزة بأكثر ما هي رؤية لحياة حرة للشعب الكردي ولبقية شعوب العالم كان قد رسمها وبدقة القائد عبد الله أوجلان ورفاقه في حركة الحرية وساروا عليها منذ أربعة وأربعين عاماً وأكثر.

إن جعل الشعب الكردي يسعى إلى مرحلة إدراك كيفية الوصول إلى حياة حرة لم يكن بالأمر السهل واحتاج إلى سنين طويلة من الكفاح والنضال والتغير في المفاهيم الجامدة وإحداث ثقب في الفكر العفن الكلاسيكي القائم على تقبل الأمر على ما هو عليه ورفض منطق النقد وعدم وجود نقد ذاتي أساساً. من هذا المنطلق ولعدة اعتبارات مهمة في الواقع الكردي المعاش آنذاك، بدأ أوجلان ورفاقه بوضع اللبنة الأولى لبناء حركة سياسية، اجتماعية، عسكرية، اقتصادية, فكرية, ثقافية, شاملة, تسعى وتعمل من أجل تحطيم الجدار الفاصل بين الشعب الكردي والوصول الى الحرية. نوجز هذه الاعتبارات فيما يلي:

  • عدم وجود وطن تحت اسم كردستان وتقسيم هذا الوطن إلى عدة أجزاء نتيجة اتفاقات دولية وذلك لضمان إنكار وعدم وجود دولة كردستان على الصعيد الدولي.
  • استناداً إلى تقسيم كردستان بين أربعة دول، يتم اعتبارها مستعمرة دولية وبالتالي هناك دولتان لهما باع طويل في السيطرة والاحتلال (إيران- تركيا) وهناك دولتان حديثتا النشوء وتم الحاق جزئين من وطن الكرد بهم (العراق – سوريا) وهو ما يؤدي بالضرورة إلى اتفاق الدول الأربعة في أي حدث يتعلق بالكرد وكردستان.
  • هناك أيضاً موضوع الطبقة الإقطاعية الكردية التي ربطت مصيرها بسبب مصالحها مع الدول المحتلة لكردستان ولم تسعى أبداً من أجل تكوين وتأسيس كيان كردي مستقل بل رضيت على الدوام بالتبعية والخضوع للآخر لدرجة فقدان ثقتها بنفسها وقدرتها على ادارة نفسها بنفسها.

أمام هذا الواقع المرير والصعوبات والعراقيل الهائلة التي تسكنه، كان لا بد للقائد أوجلان كونه المفكر والمنظر الأول في حركة الحرية من أن يقوم بعدة تحو لات كون الشعب الكردي كان ما يزال في يعيش مرحلة الانكسار وفقدان الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة وإعادة بناء الذات. هذا من جهة الشعب، ومن الجهة الأخرى كان هناك حقيقة التعاون والتنسيق القائمة بين الدول المحتلة لكردستان وفي مقدمتها تركيا والتي عقدت اتفاقيات أمنية واستخباراتية مع كلا من إيران والعراق وسوريا من أجل التوغل في اراضي تلك الدول تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وتأمين أمنها القومي، لكن في حقيقة الأمر كان الهدف هو القضاء على حركة حرية كردستان وهي ما تزال في المهد بحيث لا تقوم قائمة بعدها للكرد. 

أهم التحولات التي قام بها القائد أوجلان كانت تستند إلى قراءته للواقع الموجود خلال مراحل كفاح الحركة بحيث وصل إلى قناعة بأن هناك خطأ ما في الفكر والسياسة التي تسير عليها، فالمشكلة ليست في اخلاص الثوار وإنما تكمن في التحليلات والاستنتاجات التي يتوصلون إليها حتى أنه راجع بإسلوب نقدي لتحليلاته شخصياً وقدم في الكثير من مرافعاته نقداً ذاتياً جريئاً. وصل في نهاية المطاف إلى أن هناك مشكلة ممنهجة في مسألة طمس تاريخ الشعب والمرأة وذلك من خلال عدم كتابة هذا التاريخ ودفنه تحت الانقاض وبالتالي احتكار الأنظمة للسلطة من خلال سيطرتها على ماهية وكيفية ما يتعرف عليه الشعب، بحيث ذهب علم التاريخ الذي يُدرّسه النظام إلى عدم وجود أية إسهامات للشعب والمرأة في التاريخ وأن الفضل كله يعود للأنظمة والسلطة التي عملت على حماية الشعوب ومنعت إبادتها.

النقطة الأخرى التي لفتت انتباه القائد أوجلان كانت تكمن في أنه لا يمكن أن نغير المجتمع والشعب ونحن نستخدم نفس الوسائل والوسائط التي يستخدمها النظام والسلطة. فلا يمكن بناء حياة حرة من خلال ادوات يتم استخدامها في استعباد المجتمع والمرأة والطبيعة. لذا لا بد من وجود بدائل عن هياكل السلطة والدولة وأن يكون عملها بإسلوب مختلف عن أساليب الانظمة ولا يتم استخدام وسائل النظام في السيطرة على الشعب خاصة الاغراءات المادية والتي تؤدي إلى انحلال القيم الاخلاقية في المجتمعات والشعوب وتؤدي بالتالي إلى افسادها.

وبالتالي كان لا بد من ايجاد البديل عن النظام الرأسمالي القائم منذ 500 عام والذي يستند إلى الذهنية الذكورية التسلطية الممتدة على مدى خمسة آلاف عام. لذا خاض القائد أوجلان في أعماق التاريخ وسبر أغواره ليكشف عن وجود أشكال أخرى تاريخية للمجتمعات والمرأة.

……………………………………………………….

زر الذهاب إلى الأعلى