المجتمعمانشيت

لمحةٌ عن عمل البلديّات…بلديّة قامشلو الشّرقيّة نموذجاً

حين تعمّ الفوضى في المجتمع وتضيع القوانين ولا يعود احدٌ يأبه بها, وخصوصاً عند اندلاع الثّورات كما كان الحال في سوريا, تنتشر الجّرائم والاستغلال والاحتكار, ويسود نظام الغابة ( القويّ يأكل الضّعيف), وتتحوّل الحياة إلى فوضى عارمة.

وبسبب الأحداث في سوريا, لم تسلم مدن الشّمال السّوري من هذه المظاهر, فصار التّجار يتحكّمون بلقمة النّاس, وانعدمت القوانين والأنظمة الّتي كانت تدير الأسواق ومعظم الحركة الاقتصادية, وانتشر الغلاء المعيشيّ وصارت الأسعار مرتفعةً بشكلٍ جنونيّ, وخاصّةً في ظلّ غياب الدّولة, ومع إعلان الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة في شمال سوريا, كان لابدّ من إنشاء المؤسّسات الّتي تدير جميع نواحِ المجتمع, ولعلّ أهمّ هذه المؤسّسات هي البلديّات, لأنّها تدير النّواحي الاقتصاديّة والخدميّة والتّجاريّة في المجتمع, ولذلك وبغية سبر أغوار عمل بعض أقسام هذه المؤسّسة, قامت صحيفة الاتّحاد الدّيمقراطي بإعداد تقريرٍ عن بلديّة قامشلو الشّرقيّة  كنموذجٍ  لبلديّات شمال سوريا, فتوجّه مراسلنا إلى هناك والتقى مع إداريّين من أقسامها المختلفة.

القوانين تصب لصالح المصلحة العامّة

في البداية التقى مراسلنا مع عدنان أحمد من الدائرة الفنيّة قسم المخالفات في بلديّة قامشلو الشّرقيّة, وطلب منه شرح عمل هذا القسم, فتحدّث قائلاً:

هذا القسم هو الدّائرة الفنيّة قسم المخالفات, والغاية من المخالفات بالدرجة الأولى هي الحفاظ على النّظام, وتتضمّن مخالفات الأبنية والوجائب, والحفاظ على الأملاك العامّة,  ومدى مطابقة البناء مع المخطّطات التّنظيميّة والإنشائيّة, مع مراعاة نسبة الإسمنت والحديد لِئلّا تتعرّض هذه الأبنية للكوارث مستقبلاً, ومنع التلاعب بهذه النّسب أو إنقاصها, وكذلك عدم تجاوز المساحة المخصّصة للبناء, ففي كل مدن العالم هناك قانون للمخالفات, وهناك دوماً انتقادٌ لهذا القانون أو عدم رضا, ولكنّه يصبّ في المصلحة العامّة.

قوّة المجتمعات في تنظيمها وتطبيقها للقوانين

وتابع عدنان:

القسم الفنّي في البلديّة هو قسمٌ مهمٌّ وحسّاسٌ جدّاً, لأنّ أعضاءه يكونون على تماسٍ مباشرٍ مع النّاس, ويراقبون أعمالهم ويخالفون من يتجاوز القوانين, مما يخلق نوعاً من الحساسيّة وعدم الرّضا لديهم, وهذا أمرٌ بديهيٌّ في تطبيق القوانين, ومجتمعات الشّرق الأوسط ككلّ تتميّز بمخالفة  القوانين وعدم الارتياح تّجاه من يطبّقونها, ولكنّ الهدف الرّئيسيّ تنظيم مدننا وجعلها جميلةً من جميع النّواحي, لأن قوّة المجتمعات في تنظيمها, ومن خلال عملنا نحاول أن نؤمّن السّلامة الإنشائيّة في كل الأبنية الّتي يتمّ بناؤها حديثاً لكي لا تشكّل خطراً على ساكنيها في المستقبل, لذلك نراقب متعهّدي البناء عند مباشرتهم بمشروعٍ ما, ونتأكّد من ملائمة نسب مواد البناء للمواصفات المطلوبة, وبالخلاصة الحرص على سلامة المواطن وإضفاء تنظيم وجمال على المدن.

نحاول تطبيق نظام نجني نتائجه الإيجابيّة في المستقبل

ونوّه عدنان إلى أنّ البلديّة لا تعمل ضدّ الشّعب, وجميع قوانينها وأنظمتها تصبّ في مصلحة المواطن, ورغم أنّنا في حالة حربٍ مع الإرهاب بالمقابل نعمل على تنظيم مدننا وتأمين الخدمات ووضع الضّوابط للحياة اليوميّة, وهذا يُعتبر انجازاً لنا كشعوب شمال سوريا, ومن البديهيّ أن تواجهنا مشاكل في عملنا, ولكننا نحاول قدر المستطاع وبحسب الإمكانيّات تطبيق نظامٍ نجني نتائجه الإيجابيّة في المستقبل.

وأشار عدنان إلى مثالٍ عن أشخاصٍ يبنون بيوتاً أو محلّاتٍ يتجاوزون بها المساحة المخصّصة لهم, أو يقضم بناؤهم جزءاً من الشّارع أو الرّصيف, أو يبنون أبنية في أراضٍ ليست ملكاً لهم أو في أملاكٍ عامّةٍ أو مخصّصةٍ لبناء المدارس أو الحدائق أو المشافي, فنتوجّه إلى هناك كلجنة مخالفات ونقوم بهدمها ومخالفة الفاعل ضمن القانون, فمثلاً إذا بنى أحدهم بناءً يتجاوز ما خصّص له, وامتد إلى نصف الشّارع على المخطّط, وإذا لم تتمّ إزالة المخالفة, فإن الشّارع كلّه سيُلغى من المخطّط, والسّكوت عن أيّة مخالفة سيؤدي إلى قيام الجّميع بنفس الأمر, وبالتّالي لن نجد حديقةً جديدةً أو مدرسةً جديدةً أو مشفىً  جديداً, وستتحوّل المدينة إلى كتلة بناءٍ إسمنتيّةٍ دون حدائق أو ملاعب أو وجائب تهوية, وستُخنق المدينة من التّلوث, وجميع المخطّطات الهندسيّة الحديثة تراعي النّظام الصّحي والطّبيعة والبيئة.

واختتم عدنان حديثه بالقول:

تطبيق القوانين يجب أن لا يُزعج أحداً, ونحن نعمل على زيادة عدد الحدائق في مدننا للحصول على الهواء النّقي والمناظر الخلّابة لتكون متنفّساً للناس ومكاناً للعب الأطفال.

عملنا كضابطة هو حماية المستهلك

بعدها التقى مراسلنا مع أفين عزم من الإدارة المشتركة للضّابطة في بلديّة قامشلو الشّرقيّة, والّتي بدأت حديثها قائلةً:

عملنا في الضّابطة هو حماية المستهلك, وبالنّسبة لأسعار المواد الغذائيّة الأساسيّة هناك نسبة ربحٍ محدّدةٌ للتّجار ليس عليهم تجاوزها, والآن افتتحت هيئة الاقتصاد في إقليم الجّزيرة مكتباً لتحديد الأسعار تصدر منه التّعاميم ونحن ننفّذها كجهةٍ تنفيذيّةٍ, وتتضمّن نسبة الرّبح القصوى لكلّ صنفٍ غذائيٍّ, ولجاننا تراقب الأسواق لمنع تجاوز هذه النّسب, وكذلك نشرف على محطّات الوقود من حيث مراقبة العدّادات وعدم التّلاعب بها وختمها بالرّصاص لكي نعرف عند فتحها, وكذلك فحص عدّادات الصّهاريج المخصّصة لنقل الوقود, ومدى جودة المحروقات ومنع خلطها بالماء, وكذلك نشرف على الأفران ونراقب عملها من حيث مدى جودة الرّغيف والوزن والسّعر, وكل لجنة تابعة لنا تتألف من 3 عناصر فما فوق, ونغطّي كافّة مناطق المقاطعة.

نسبة الرّبح على البضائع والمواد ثابتةٌ

وتابعت أفين:

لأنّنا على اختلاطٍ دائمٍ وتعاملٍ مباشرٍ مع النّاس, نلمس عندهم بعض الانتقادات لعملنا وبعض المطالب, فالتّجار يواجهون مشاكل من ناحية الفواتير, وفي معبر سيمالكا الحدودي مع باشور, والّذي يُعتبر المصدر الرّئيسي لدخول البضائع إلى مناطقنا, ناقشنا موضوع الفواتير مع مكتب تحديد الأسعار هناك, وأوضحوا لنا أن البضائع الّتي تدخل لا تكون مرفقةً بفواتير, وهذا الأمر يعود إلى الطّرف الآخر(باشور), ومعروفٌ أنّ دولة العراق بشكلٍ عام لا تتعامل تجاريّاً بنظام الفواتير, ولذلك يتمّ تحديد الأسعار من طرفنا وتحديد سقف نسبة الرّبح مع مراعاة سعر صرف الدولار وعلى ذمّة التّاجر, وبما أنّ سعر الصّرف متذبذب من يومٍ لآخر, فهذا يؤثّر على الأسعار ويؤدي إلى تذبذبها هي الأخرى, وهذا يُشكل مشكلةً بالنّسبة لنا, لذلك تمّ تحديد نسبة ربح ثابتة على البضائع, وهذا يؤدّي إلى اختلاف سعر الصنف من محلٍّ تجاريٍّ لآخر, فمثلاً إذا كانت نسبة الرّبح 15%, فالبائع يمكنه أن يربح ما بين 1% إلى 15% ولا يمكن تجاوز هذه النّسبة, لذلك نجد البندورة سعرها في محلٍّ 250 ليرة, وفي محلّ آخر 225 ليرة وفي آخر 275 ليرة, وكذلك تعتمد نسبة الرّبح بالنّسبة للخضار والفواكه على الموسم والفصل السّنوي, وكذلك على النّوعيّة, فهناك أصنافٌ بلديّةٌ أو بلاستيكيّةٌ أو مستوردةٌ.

 بيع المواد الفاسدة جريمةٌ جنائيّةٌ

وبالنّسبة للمواد الغذائيّة الأخرى كالمعلّبات الفاسدة أو المنتهية الصلاحيّة أو اللحوم الفاسدة والألبان والبيض, فلجاننا تعاين المخالفة, وتكتب ضبطاً بها ويتم تحويل المخالف إلى النّيابة والقضاء, واتلاف المواد الفاسدة, لأنّ هذه المخالفة تسبّب ضرراً صحيّاً على المواطن ويُعتبر جريمةً جنائيّةً.

واختتمت أفين حديثها بالقول:

نحاول من خلال عملنا خلق ظروفٍ معيشيّةٍ مريحة للشّعب, وإبعاد النّاس عن التّلاعب والخداع, ومخالفة المخطئ.

عملنا هو خلق الظّروف الصّحيّة المناسبة للشّعب

ثمّ التقى مراسلنا مع نهلة عموكا من الإدارة المشتركة للقسم الصّحي في بلديّة قامشلو الشّرقيّة, والّتي قالت:

عملنا هنا ميدانيٌّ, حيث نقوم بجولاتٍ على محلّات الحلويّات والمطاعم والّلحامين, لفحص نوعيّة المواد ومدى استيفائها للشّروط الصّحيّة, فاللحوم عادةً لا يستطيع الشّخص تمييز الجيّد من الفاسد من المريض, لذلك نفحصها نحن لمعرفة نوعيّتها ومدى استيفائها للشّروط الصّحيّة, وكذلك نقوم برشّ المبيدات الحشريّة الضّبابيّة, ونوزّع المبيدات السّائلة على المواطنين, ونقوم بمنح البطاقات الصّحيّة لعمال المطاعم بعد إجراء التّحاليل الّلازمة لهم ومعرفة خلّو أجسامهم من الأمراض المعدية, ونتأكد من عدم انتشار الأمراض المعدية بين النّاس.

وأشارت نهلة إلى افتتاح مسلخٍ لذبح الحيوانات وسلخها في المقاطعة وبإشراف طبيبين ولجنة بيطريّة, وذلك لمراقبة عمليّة الذّبح وفحص اللحوم وختمها بخاتم المسلخ, ولجاننا تتجوّل في الأسواق وتتفحص محلّات اللحامين للتأكد من بيع اللحوم الممهورة بالخاتم, ونخالف من يبيع اللحوم غير الممهورة, بالنّهاية عملنا هو خلق الظّروف الصّحيّة المناسبة للشّعب.

نعمل على تزويد المواطنين بالكهرباء في ظلّ عدم استقرارها

بعدها التقى مراسلنا مع حاجي محمد شريف من قسم الخدمات في بلديّة قامشلو الشّرقيّة والمسؤول عن مولّدات الكهرباء, والّذي قال:

وضعنا خمس مولدات كهربائيّة في الخدمة, 4 منها في حيّ جودي وواحدة في سوق الهال, وسعر الأمبير الواحد هو 1100 ليرة, وهو أقل من سعر أمبير المولّدات الخّاصة, وخلال شهر رمضان نقوم بتشغيلها في ساعة السّحور, وعند الأعطال نسرع في الإصلاح قدر الإمكان في فترةٍ لا تتجاوز الأسبوع, وخصّصنا مليوني ليرة لإصلاح كل مولّدة في كلّ عطل, ونحاول أن نزوّد المواطنين بالكهرباء في هذه الأحوال غير المستقرّة, وفي حال خروج مولّدة عن الخدمة نؤمّن البديل لها بأسرع وقتٍ.

النّظافة عنوانٌ للحضارة

وبدوره قال حسين أحمد مسؤول دائرة النّظافة في بلديّة قامشلو الشّرقيّة:

كلّ يومٍ وفي السّاعة السّادسة صباحاً في المرآب نقوم بتوزيع الآليّات والعمال على الأحياء والشّوارع من أجل التّنظيف وجمع القمامة, بالإضافة إلى تنظيف الشّوارع الرّئيسيّة وكنسها من الأتربة والقُمامة, لكي تبدو المدينة نظيفةً, فالنّظافة عنوانٌ للحضارة.

وبعض عمّالنا يتركون العمل هنا بسبب قلّة الرّاتب الشّهري, ومشكلتنا الأساسيّة هي في مكبّ القمامة, لأنه مكتظٌّ بالقمامة, ولا توجد آليّةٌ للتّخلّص منها, ولا يوجد مكانٌ آخر لإفراغ القمامة من آليّاتنا بسبب التّراكم.

وأضاف حسين: نشرنا حاويات قمامة في أماكن بعيدة عن المجمّعات السّكنيّة, لكي لا تجلب الحشرات إلى المنازل, وبسبب انتشار الرّوائح منها, وكذلك نزوّد الهيئات والمؤسّسات بالحاويات, وآليّاتنا تحمّل قمامتها, ونعمل ليل نهار كي تبقى المدينة نظيفةً.

كلمة المحرّر:

كانت هذه لمحةٌ عن عمل بعض أقسام بلديّات الإدارة الذّاتيّة الدّيمقراطيّة, وطبعاً في كل عملٍ مؤسّساتيٍّ لابدّ أن يكون هناك تقصيرٌ, ولكنّه عندما يكون غير متعمّدٍ وبعيداً عن المحسوبيّات فهذه لا تُعتبر مشكلةً كبيرةً, لأنّ الأمر يعود إلى قلّة الإمكانيّات والنّشأة الحديثة للبلديّات كما قال المشرفون على الأقسام, وبالمقارنة مع باقي المدن السّوريّة ما زالت مدننا بخيرٍ وتتجّه نحو الازدهار, وصحيحٌ أنّ هناك نقصٌ في الماء و الكهرباء, ولكنّ الأهم هو الأمن والنّظام, ونحنّ نشدّ على أيدي من ساهم في انتشار الأمن, ونعتزّ بشهدائنا الّذين بفضل تضحياتهم وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

إعداد: عامر طحلو

زر الذهاب إلى الأعلى