دراساتمانشيت

لكن ماذا عن صلح عفرين؟

سيهانوك ديبو

في العاشر من شهر يناير كانون الثاني من العام الجاري ضبطت اليونان باخرة قادمة من ميرسين التركية متوجهة إلى ليبيا وتحمل على متنها 29 حاوية للمواد المتفجرة. هذه ليست بنقطة البداية ولن تكن نقطة النهاية في مسلسل العثمانية الجديدة في حلقة قضية تورط أنقرة في الإرهاب ولا بخرق العقوبات التجارية الدولية على طهران أو الالتفاف عليها والاستفادة منها أو تجيير ذلك لصالح تركيا. مع العلم بأن الأحكام الأولية المتوقعة أن يصدرها القضاء الأمريكي وتصبح فيها تركيا المارقة مثبتٌة الجرم بالأدلة القاطعة حتى تلزم من خلاله تركيا وتتغرم بأكثر من مئة مليار دولار أمريكي؛ على أقل تقدير. الحلقة الكبيرة في هذا المسلسل هي استهداف تركيا وديمومة استهدافها لأي دور كرديّ وأي مشروع يُشَمُّ منه رائحة كردية أو فيه خير للكرد والشعوب الأخرى؛ وأما عفرينية الجغرافية فإنها تؤكد ذلك ويتخطى الأمر كذلك في البديل التركي لذلك وأن تركيا تود بصريح العبارة أن تجعلها لواء اسكندرون ثانية: أولاً أن تمنح أكثر من مليوني سوري الجنسية التركية وتدفع بهؤلاء الحيارى إلى عفرين. فتضمن تركيا تنفيذ الجريمة المحظّرة عالمياً التغيير الديموغرافي. إذْ لا يعجب النظام التركي منظر أن يجد مدينة بحوالي 400 قرية وكلهم كرد. ثم ستبحث تركيا – ويجب أن نعلم بأنها أضعف الأطراف في نظام الهيمنة الحالي؛ لكنها تنتمي إلى النظام المهيمن- وبما تمتلكها من أوراق في حصول استفتاء لاحق وضم عفرين وقسم من إدلب بالإضافة إلى جرابلس واعزاز والراعي والباب؛ أي يتحقق الدعوة الرسمية المعلنة التركية في ذلك ونيله على ما دعاه باقتطاع 5000 كم2 من سوريا. أي أننا أمام مشروعين أحدهما ينفي الآخر. إما المشروع التركي الذي يكمن فيه العداء لكل سوريا أو الفيدرالية التي دعا إليها الكرد بشكل أكبر وبشكل أكبر يربح الجميع وتخرج سوريا من خلالها بالمنتصرة.

التعقيد في أقلمة ودولنة سوريا على أشده. توازنات متناقضة بالجملة. عدو العدو ليس بالصديق في سوريا وإنما هو العدو وصديق الصديق في الوقت نفسه. إيران وروسيا؛ حليفتا النظام في دمشق هما أصدقاء تركيا وكلتاهما من منحت الضوء الأخضر وبالقصف التركي لعفرين والمساهمة في إنجاز مخطط تركيا العدواني. واسرائيل التي تنسق مع روسيا بضمان قصف الميلشيات التي تتبع لإيران  وتتاخم حدودها؛ لا بل تضمن بقصف النظام السوري في اللحظة التي تريدها. وتركيا الحليف العسكري الرسمي لأمريكا؛ الأخيرة؛ التي هي في شراكة استراتيجية مع وحدات حماية الشعب والمرأة وعموم قوات سوريا الديمقراطية؛ تقصف شركائها في (غرب الفرات) في الوقت الذي يقود فيه رئيس نظام الاحتلال التركي بشكل شخصي عملية محاولة عفرين؛ مستفيداً في ذلك علاوة على من منحه الضوء الأخضر التصريح الذي أدلى به رئيس النظام قبل حوالي الشهر في أن قوات سوريا الديمقراطية (خائنة) مما شكّل دافعاً إضافياً لما يحدث اليوم من مصائب أردوغان.

نعم إنها حرب عالمية ثالثة على الجغرافية السورية؛ ربما بشكل وصيغة جديدة. اجتماع فيينا (السوري) المنعقد بتاريخ 25 و26 الشهر الحالي يصبّ في إفشال مؤتمر سوتشي (السوري) المقرر عقده في 28 و29 وألحق عقده بصيغة إلحاقية في اليوم الأخير من كانون الثاني، وكلاهما يصبّان في عدم انجاح جنيف9 (السوريّة). إنها حرب الجميع ضد الجميع. وتبقى تركيا الطرف الأكبر الذي أعلنت فيه الحرب على الجميع؛ لكن دون أن ننسى بأن المتوّقع أن تكون الحرب الحقيقية في تركيا، وأن عشق تموز لعشتار سيكون بمثابة كره العثمانية للتموز السوري القادم؛ بعد ستة أشهر، ربما أن يكون شهر تموز القادم لن ينساه طغاة النظام الفاشي في تركيا. من حيث الجميع يريد توريط الجميع في الوحل السوري. روسيا المنهكة اقتصادياً. إيران الذي أدرك بشكل فعلي بأن الشعوب في إيران -بمزيد من حيادية الباحث المعتادة- غير راضية عن السلطة الإيرانية. وتركيا التي تكبِّر من خطواتها كي لا يصل بلِّ التغيير إلى دقنها. لكن الإنهاك ينتقل إلى المرحلة التي تليه. وعدم الرضا تلقفته النظام المهيمنة ووضعته في بيت القذيفة؛ حتى تطلقه. أما تركيا فلن تبتعد أكثر من شهر تموز لتجد نفسها في الموقف نفسه الذي شهدت فيه آخر أيام العثمانية.

عفرين المرحلة الجديدة في الشرق الأوسط؛ ليس فقط في سوريا

يعتبر العشرين من كانون الثاني المنصرم وقصف تركيا لعفرين بأعتى الأسلحة واصلاً بها الحال إلى استخدام السلاح المحرم الدولي في يومي 26 و28 كانون الثاني من العام الحالي وتوجيه أكثر من خمسين ألفاً نصفهم من المرتزقة مؤامرة كاملة الوصف وغزوة متكاملة يقودها السلطان العثماني أردوغان على سوريا ومن ثم على العراق ومن ثم على الخليج العربي، ومن ثم على إيران، ومن ثم في احتلال كامل شمال أفريقيا، ومن ثم بلغاريا واليونان وأرمينيا، حتى يستقر به الوضع فيه عند جنيف. شيء كما كان في وقت العثمانية الظلاميّة من عمر وقتها المتوسط. وكل ذلك سيحدث لو تخطىّ أردوغان عفرين. هذه مهمة عفرين. وعند عفرين تبدأ المرحلة الجديدة. ومن أجل الكرد ومن أجل سوريا ومن أجل هؤلاء كلهم فإن عفرين وضعها -لنقل- القدر أمام هذه المهمة. ومن المفترض أن تكون مهمة هؤلاء جميعاً وليس فقط سوريا.. أيّ أنه حِملٌ يهد جبال طوروس، لكنه يقع على ظهر الكرد بشكل أكبر. غزوة متكاملة؛ يُشارك فيها أمراء الفكر التكفيري الإرهابي أمثال شيوخ الإرهاب القرضاوي والقره داغي، وتبدو حالة الشحن القومي المرّكب على أشده. فالنظام الفاشيّ التركي يُظهرها بأن حربٌ على الأتراك، ويظهرها مرة أخرى بأنها حرب كردية على العرب. وفي كلا الحالتين لديه من ينفذ هذه الأجندة المجنونة. إنها مؤامرة متكاملة الأوصاف على الشعب الكردي والقضية الكردية وفي الوقت ذاته على القوى الديمقراطية التي تكون في معرض الانتهاء لو تمّ مخطط العثمانية الجديدة. لا توَفِّر آلة الاحتلال التركية في إعلامه أي شيء؛ فكل شيء مباح لديه. يشبه اليوم كاليغولا ويتشبّه به هتلر ونيرون.

لكن كيف يخلق من عند عفرين الحل؟

هل كانت العولمة الإسلامية سببها صلح الحديبية؟

هل كان صلح بريخت  وراء نجاح العولمة الشيوعية؟

ماذا عن مبادرة ملك كمبوديا نوردوم سيهانوك؟

يعتقد الكثير من المهتمين أن المؤرخين دائماً في خانة الاتهام سواء أصابوا أو أخطئوا، خلاف ذلك فإن النتائج المتبوعة التي تتحصل هي التي تحكم ويُحتكم بها وهل هي الصائبة أم الخاطئة. وما يهمنا في (الصلحين التاريخيين وفي المبادرة) ونزولاً عند رغبة رسول الإسلام تم صلح الحديبية، وكانت أقسى المراحل الضيقة التي مر بها الإسلام بعكس تام مع آخرها المُكلّلة بالفضاءات فكانت الانتصارات، والعولمة الإسلامية تعتبر من أهم محدداتها ومرتكزاتها الثبات الحاصل والإعداد الهائل والاستراتيجية في الرؤية والتمدد والمشهود به للإسلام كسلطة سياسية فيما بعد، من صلح الحديبية. ولعل الحديث الصحيح يدل وبإمعان على ما يعنيه  في “إن ابتليتم بكفر؛ فاحتموا إلى شدة”.

ويكاد يكون الأمر متشابهاً والمخصوص بِه في صلح بريخت حينما وصفه رفاقه أنه المرتد الأكبر والمساوم الأكبر، ولم يكن أمام فلاديمير لينين ورؤيته ومقولته الشهيرة التي قالها فيما بعد تقييماً وتوصيفاً لللاحق من النجاح وأنها “المساومات الصغرى من أجل المصالح الكبرى”. لكن؛ لنترك الصلحين؛ فسوريا في أزمة وأمام مؤامرة كبيرة تهدد الجميع فهي أكبر من كل جمع منفرد؛ كل جمع يختلف عن الجمع الآخر. لكن ماذا عن مبادرة الملك نوردوم سيهانوك في كمبوديا؟

تشير وثائق ويكليكس السرية؛ بالطبع ففي نشرها في هذا التوقيت الضال حكمة؛ إلى الملك الراحل سيهانوك والذي بعد أن فقد كل ثقة من محاولات الأمم المتحدة في إيجاد حل للحرب الأهلية الكمبودية والتي كان الجنرال بول بوت قائد الخمير الحمر مسؤولاً لوحده عن مقتلة ثلاث ملايين من الكمبوديين. لكن سيهانوك عقد معه صلحاً اغتاظ واستغرب من خلاله الكثير من الكمبوديين موالاة ومعارضين. لا معلومات دقيقة فيما بعد في أنه لماذا مات أو قتل أو اغتيل بول بوت أثناء المحادثات التي استمرت من بعده حتى تكللت بالنجاح وتم ارساء دعائم الأمن والسلام المستدام في كمبوديا، ووجدت الأمم المتحدة نفسها تدعمه وتأخذ به.

صلح عفرين –فيما لو حدث- ما بين طرفي السلطة السورية وسلطة الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا وفق ضامن التحالف الدولي العربي بقيادة أمريكا؛ فإن ذلك يكون بمثابة نقطة الانطلاق الحقيقية في حل الأزمة السورية على أساس مساره السياسي؛ مسترشدة في ذلك بالقرارات الدولية ذات الصلة. ويكون من عنده قد يبدأ تحرير كامل الأراضي السورية التي يُرفع فيها العلم التركي اليوم وفق أيادي مشغليِّ الأجندة التركية. سيكون صلحاً لتختزل فيه الجنيفات والآستانات وكذلك لهذا الطالع الناتئ وحيداً بمسمى سوتشي. ومن عند صلح عفرين أو لنقل اتفاقيته تمتلئ سلال دي مستورا الأربعة وضعفيها من السلال السورية.

لا ثقل من مقاومة الاحتلال التركي؛ فمقاومته هو الواجب. ولا ثقل من القصف التركي والتدمير الذي يخلِّفه؛ فهو المتوقع فهذه هي تركيا الموبوءة بالعداء والاستعلاء ونبذ كلّ مختلف عنها.

الثقل أن تجد نفسك وحيداً في الدفاع عن سوريا في عموم شمالها طيلة سبع سنوات، واليوم في عفرين بمعادلة: تركيا ضد عفرين كلّها؛ تركيا ضد الكُرد كلّهم؛ تركيا ضد سوريا بكليّتها. أمّا الغالبية العظمى من السوريين؛ إمّا هم موالون يهللون للقصف التركي أو هم موالون صامدون في صمتهم. وهذا هو الثقل الذي يعهد الخط الثالث ومشروعه الديمقراطي بحمله مريضاً ووصله صحيحاً عبر جوهر الحل الديمقراطي الثوري في سوريا. فسوريا السايكسبيكية خُلِقَتْ مريضة وكُبرت مريضة، وحان الوقت أن تتعافى. ومقاومة عفرين في ذلك أهم مراحل التشخيص والعلاج فالشفاء.

التغيير الديمقراطي له أكلافه. لكنه؛ في روج آفا وشمال سوريا وبالرغم من هذه الأكلاف؛ فإن طريقه مستمر مكلل بالنجاح. علميّاً: الخط الثالث أكبر بدرجتين من الخط الأول/ النظام وبمئة درجة عن خط المرتزقة المحسوبة بالمعارضة والمهللة للاحتلال التركي. عمليّاً: الخط الثالث ومشروعه الديمقراطي تترسخ قيمه ليبدو بشكله الكبير عند خطِّ كل مقاومة: كوباني قالت ذلك حمراء… حمراء. منطقياً: أن يتفق المتناقضين عليك فاعلم أنك الصحيح الباقي وأنهما وأنهم في زوال.

زر الذهاب إلى الأعلى