مقالات

قوة الشبيبة في صنع الاتحاد الاستراتيجي

حنّان مامد

تُعتبر معضلة التفرقة والانفصال عن الجسد القومي والسياسي من أهم المعضلات التي تواجهها المجتمعات البشرية جمعاء منذ أزل التاريخ وتُوضع في بوتقة الخيانات الكبرى التي تدمر الجسد المجتمعي والسياسي والاقتصادي ولها تبعات كارثية على المدى الاستراتيجي لقومية معينة ويتفسخ فيها النسيج الانساني المجتمعي مما يؤثر بشكل لامتناهي على كينونة حياة الانسان ويكون حاضره ومستقبله مُدمر بشكل كبير.

ومنذ أزل التاريخ ومقصورته المستمرة كانت هناك العديد من الحركات السياسية والمجتمعية التي عملت على تدمير مجتمعاتها وكياناتها السياسية بشكل غير مباشر وفي أحايين كثيرة بشكل مباشر وذلك حفاظاً على حساباتها الضيقة وتحقيقاً لمصالحها الآنية والمستقبلية والابتعاد عن مصلحة الشعب العليا عندما تعتمد على مبدأ المحاصصة الحزبية في قيادة البلاد والمجتمع أو في التعامل أو الاعتماد على جهات إقليمية خارجية ومتدخلة في المجتمع المستهدف؛ حينها تغيب كل الحلول داخل البيت المجتمعي ويكون مصير الشعب مرهون بقرارات خارجية تقرره الدول وهذا ما حصل وما يحصل في سوريا بشكل خاص.

عندما تدور رحى الحروب والأزمات والمعارك؛ تكون الشبيبة الهدف الأول لكل أشكال التدخلات والصراعات لأن العقل الدولتي يفهم جيداً مدى الأهمية الاستراتيجية للشبيبة في كل الصراعات والاستهدافات وأيضاً في كل عمليات البناء والعلم والتطور فهم الروَّاد الحقيقيون في بناء المجتمعات.

لذلك الأهمية تكمن في إرادة الشبيبة ومحاولاتهم الجادة في صنع المجتمع السياسي الديمقراطي الموّحد.

منذ آلاف السنين الشبيبة مُستعبدين من قبل الهرمية الدولتية وأصحاب العقليات العجوزة الكهلة التي تحصر كل إرادة ومقدّرات المجتمع بأيديهم

بالرغم من أن جميع الثورات وشراراتها وانطلاقتها وديمومتها وخواتيمها الايجابية تكمن في قوة وكينونة الشبيبة.

لذلك بقدر ما أن الشبيبة هم القوة الحقيقية في صنع الثورات والحروب والمعارك إلا أنهم في الوقت ذاته يجب أن يكونوا رُوَّاد وقياديي السلام والتوافق ومؤسِسي وواضعي الحلول السياسية الاستراتيجية لبناء الوطن والمجتمع الحر.

ولعل النهج والأساليب والطرق التي تعتمد عليها الشبيبة في كيفية إدارة هكذا مسار وطني كثيرة ومتعددة وأهم نقطة وأسلوب تستطيع به الشبيبة صنع التوافق الداخلي والاتحاد هو استخدام قوتهم وطاقاتهم الحيوية في الضغط على حركاتهم السياسية والتحالف مع مكونات الشبيبة المتعددة سواء الحزبية منهم والحركية وشبيبة المجتمع المدني والشبيبة غير المرتبطين بارتباطات حزبية أو أيديولوجية ليتم الضغط على كل الحركات والأحزاب السياسية فيتم تحقيق الوحدة الوطنية ولتوحيد البيت الداخلي لتكون كالقلعة الحصينة أمام كل المتربصين والهادفين إلى تدمير المجتمع وتصبح أيضاً منصة واسعة ومتينة الأركان أمام كل العمليات الدبلوماسية في المحافل الدولية والإقليمية.

كما أن إشعال الثورات والتمردات داخل الكيانات السياسية هي من الاساليب الناجعة في الضغط لتحقيق التكامل والتوحيد الديمقراطي بين الأحزاب والحركات لأن الاتحاد القومي والسياسي الديمقراطي هو موضوع مصيري بالنسبة للشعوب التي عانت من وطأة الأزمات المثقلة بالتفرق والتشتت الفكري والسياسي والاقتصادي.

بَيّد أن عقد الندوات والمؤتمرات السياسية والحوارية بين مكونات الشبيبة والهادفة لتوحيد الخطاب الداخلي العام تعتبر من الوسائل المهمة أيضاً في إضافة رونق على هذا المسار الوطني في ظل النقاشات المكثفة لإيجاد الرؤى والحلول وتذليل العقبات أمام هذا العمل المشّرف.

تكوين وخلق جسد واحد للشبيبة مع الاندماج في الروح السيكولوجية الثورية والديناميكية للشبيبة يكون له الأثر الفاعل والمُحقق في خلق مسارات الاتحاد السياسي والمجتمعي.

إن المبادرة الوطنية التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية في روجافاي كردستان لتوحيد الصف الكردي تعتبر من أهم المبادرات الوطنية الحقيقية منذ عقود من الزمن خلال نضالات الحركات السياسية داخل سوريا وتكمن أهميتها في ظروف ومراحل تاريخية وعواصف تمر بها روج افا وكردستان بشكل عام ولعلها فرصة كبيرة يجب اغتنامها وتحقيق كل شروطها وتهيئة الأرضية المناسبة لها للاتجاه نحو الاتحاد الاستراتيجي داخل روج آفا، وهنا يكمن دور الشبيبة في صنع هذا الاتحاد.

الشبيبة لهم كل الحق في الاستفادة من هذه المبادرة التاريخية لأنهم سيدفعون الثمن غالياً في حال فشل الاتحاد السياسي المتكامل وسيواجهون مصاعب حقيقية ستؤثر على نمط وأسلوب حياتهم ومجتمعهم

وإذا ما تحققت الوحدة السياسية فإن الشريحة التي ستستفيد من هذا التكامل هي الشبيبة لِمَا لها من تبعات مصيرية إيجابية مهمة على كل الأصعدة المجتمعية.

التاريخ والمستقبل سيكونان صاحبا التحكيم في تقييم الشبيبة في تحالفهم ووحدتهم وصلابتهم وقوتهم في صنع الاتحاد الاستراتيجي .

زر الذهاب إلى الأعلى