المجتمعمانشيت

في عهدة تركيا مجتمعات سورية لم يستودعها أهلها إليها

يلفظ الرمز العالمي ذي الأصول الأرجنتينية تشي غيفارا كلماته الأخيرة وهو يرى قاتله قد صوب نحوه السلاح شاهراً في وجه الموت المحتم، غيفارا وكأنه غير مصدّق أنه أصبح في متناول مسدس لا يعرف الرحمة في قبضة قاتل يصيح به ويقول: <أطلق النار أيها الجبان، إنك تقتل إنساناً!>

في هذا التقرير الذي نعده لصفحة المجتمع من صحيفة الاتحاد الديمقراطي عن تداعيات الهجمة التركية على مجتمع شمال سوريا تحدثنا امرأة وهي في عقدها الرابع، لها علم بطبيعة كل مدن روج آفا عدا أنها شاركت في حملات التضامن مع الكثير من المدن في شمال سوريا، هي التي زارت عفرين لمرتين إبان الهجمة التركية عليها عام 2018 فشاركت شعب المدينة مآسيهم ونضالاتهم، وهي التي شاركت هذا العام في خيمة التضامن مع سري كانيه لـخمسِ مرات التي نصبت لربما تكسب دعماً عالمياً يضع حداً للأطماع التركية التي كانت قد هددت بالاحتلال، كما أن هذه المرأة لم تغفل عن شنكال التي وقعت عليها شرَّ داعش الأسود عام 2014 فحطمت الآمال وخلفت جرحاً لا يندمل في قلوب أهلها الأبرياء من دموية الربيبة السوداء داعش.

تذكرنا محدثتنا بمقولة تشي غيفارا المذكورة أعلاه وتقول أن قاتله لم يكن إلا مجرماً قتل إنساناً قبل أن ينهي حياة رمز عالمي، ويعلن  بذلك انتصاره الزائف، كذلك هو أردوغان قاتل الأطفال قبل إنهاء الحياة على أرض وطن كامل، ويعلن انتصاره المزيف هو أيضاً.

حسنة رمو الناطقة باسم لجنة الشؤون الاجتماعية في الناحية الشرقية من مدينة قامشلو تقول: “إن التاريخ يعيد نفسه وأن الطغاة لا يلجمون أطماعهم لتحقيق الانسانية والسلام بل يطلقون سراحها ويعطونها كامل العنان لتفتك بالأرض وتريق الدماء وتبيح قتل الأبرياء وكل ما قد لا يخطر على بال البشر من انتهاكات، والرئيس التركي (الذي سبق وقال إن رأيتموني أملك المال والعقارات فاعلموا أني لص) يجسد مثال الطاغية الذي يسعى وراء تحقيق أوهامه الطامعة في إعادة حكم العثمانية على مساحات واسعة من الشرق الأوسط التي تحولت فيما بعد إلى دول وحدود مصطنعة ذات بيروقراطية قاتلة.

وتضيف محدثتنا: (مدينتا سري كانيه وكري سبي المدينتان الواقعتان في الجغرافية السورية بعد مد الحدود المصطنعة، في محاذاة تركيا القائمة حاضراً على إرث العثمانية، التي حكمت المنطقة أربعة قرون ونيِّف، هاتان المدينتان من الشمال السوري كانتا تعيشان في استقرار عدا ذلك الذي كانت تعكر صفو هدوئهما هي استفزازات تركية من جنودها على الحدود، فاحتلهما أردوغان  وأنهى الحياة على متنهما (وبدقة أكثر على وجههما)، فلم يتبقَ فيهما إلا قلة يمكن عدهم على أصابع اليد بينما مئات الآلاف من سكانها فروا من البطش التركي وأعوانه الذين استباحوا أموالهم وأرزاقهم وعقاراتهم بحجة غنائم الحرب، إن هؤلاء بنزعاتهم التطرفية والوحشية التي خلقوا منها وجبِلوا بها، يعيدون إلى أذهاننا الحقبة التي حكم فيها العثمانيون أرض الشرق الأوسط بحجة الفتح الإسلامي، لكن المضحك المبكي هنا أن هذا الفتح على بلادٍ إسلامية ومعظم سكانها مسلمون يتدينون الإسلام حتى يومنا هذا، بينما بلاد أخرى في أوروبا والبلقان التي توجه الأتراك العثمانيون إليها بقصد الفتح وفي باطنهم أطماعهم لم تفتح ولم يسلم أهلها والسبب يعود إلى أن هؤلاء الوحوش عاثوا فيها الوحشية وأراقوا الدماء وألحقوا الأضرار الجسيمة بتلك المجتمعات التي نفرت من الإسلام تحت راية الأتراك، واليوم أيضاً نرى أن الإسلام غطاء سياسي لزعيم الدولة الأكثر تطرفا في الأطماع والوحشية يستخدمه في خدمة مأربه التي لا تمت للإسلام بصلة).

لقد شنت تركيا هجومها وغزت شمال وشرق سوريا في 9 تشرين الأول هذا العام2019، فيما شنت هجوماً آخر على عفرين في 20 كانون الأول عام 2018، واحتلتها في 18 آذار من العام نفسه.

وشمال شرق سوريا هي منطقة متنوعة المكونات، ومن أكثر المناطق السورية غنى بالتنوع السكاني والمكوناتي والتشعب العقائدي، وإن ما يميز هذه المنطقة أيضاً أن لها جذور تاريخية قديمة في عمق تاريخ المنطقة يعود عمرها لآلاف السنوات ففيها تل حلف، تل موزان، تل ليلان ومواقع أخرى عديدة. ولديها شبكة مجتمعية متفرعة ومتشعبة لكنها ذات رونق جذاب

وتقول حسنة أيضاً: (نتيجة لما ذكرناه آنفاً من هجمة على سري كانيه وكري سبي وقعت فاجعة الاحتلال التي لم تبقي حجر على آخر فما بالكم بإبقاء البشر هناك على أرضهم، فتكت بالمجتمع هناك في المدينتين، فلم يعد هناك مجتمع أساساً فيهما، كل شيء بات أعيان عسكرية والمنطقة أصبحت أشبه ما تكون بكشمير الواقعة بين الهند وباكستان، منطقة لا أمان فيها ولا مجتمع إنما أعيان استخباراتية وجماعات ذات نزعة دموية، والمجتمع والشعب هما المتضرران بالدرجة الأولى).

وتتابع قولها: (بعد الأزمة التي عصفت بسوريا، الشرخ الذي أصاب مجتمعها والهوة المجتمعة التي تشكلت إبانه، تتطلب عشرات وربما السنين حتى يصبح المجتمع السوري مجتمعاً من جديد، لأن المجتمع يُعرف بأنه نسيج اجتماعي من صُنع الإنسان، ويتكوّن من مجموعة من النّظم والقوانين التي تُحدّد المعايير الاجتماعية التي تترتّب على أفراد هذا المجتمع، بالإضافة إلى ذلك يَعتمد المجتمع على أفراده ليبقى متماسكاً، فمن دون الأفراد تنهار المجتمعات وتنعدم، وفي هذا الوقت السوري لم يبقَ فردْ بل تحول لشبه فرد، والمنظومة الأخلاقية التي تبين مدى صلاح أفراد المجتمع، تتوجه نحو العطب، ظواهر لم تكن موجودة قبلاً تتفشى براحة تامة الآن وتظهر بجرأة وتتحدى الأخلاق. السوري لم يكن مرتزقاً للمال يوماً لكنه تحول إلى ذلك، حيث أن تركيا جندت الآلاف ومئات الآلاف من السوريين كمرتزقة تراهن عليهم وقت شدتها وفرجها، هؤلاء يقتاتون على الفتات مما تعطيهم تركيا، وباعتقادي أن السبب يعود إلى سياسة التجويع التي اتبعها النظام قبيل الأزمة، لكن الارتزاق بعينه يعد أخطر مألات الأزمة، التي لم تبقِ المجتمع مجتمعاً، بل جعلته نصف مجتمع.

وعن سؤال: كيف يمكن للمجتمع أن يصبح مجتمعاً بعد الحرب؟

ترد حسنة: (إن هذا السؤال أعتقد أنه سابق لأوانه الآن، فخطر تركيا يهدد أمننا الذي سعينا إلى تشييده بدماء الآلاف من أبنائنا وأخوتنا الذين استماتوا دفاعاً عن أرضهم وقتما تكالبت عليها المرتزقة والمجندين من الإرهابيين لقوى لا تهمها سوى مصالحها وأجنداتها حتى ولو كانت على حساب الشعوب والأمم وتدمير منظوماتهم المجتمعية، هذا الخطر لا زال قائماً ويهددنا يومياً بيد أن المناطق المحتلة تستدعي مقاومة شرسة لاستعادتها، لاسيما بعدما أصبحت هذه الأرض بؤرة تصب فيها تركيا بانكشاريِّيها ومرتزقتها جم القذارة التي تنبع منهم دون رأفة بالأرض التي هم عليها، إنهم حولوها إلى مصب لنفاياتهم، يريقون الدماء فوقها ويلوثونها بأقذر ما لديهم من أوساخ).

وتكمل: (تركيا ليس صاحبة الأرض، ما فتئت ووطئت أقدام مرتزقتها أرضنا حتى جعلوها منبتاً للإرهاب يوجهونه إلى ما أرادت هي، هي ليست أهلاً لتدير مناطقنا، لقد أوقعت علينا الفواجع بدلاً من السلم الذي تدّعيه، ولن تدوم على ماهي عليه مهما استساغ العالم ذلك، ومهما سكتَ عن أفعالها وجرائمها، لأن الظلم لا يدوم، وباحتلالها لمناطقنا فهي تظلمنا، وتنتهك حرمتنا، وهذا ما لن يستمر أبد الدهر).

وفي الخاتمة خير المقال

لقد وضعنا نُصب أعيننا تداعيات الهجمة التركية على شمال سوريا وتسليط الضوء عليها، فوصلنا إلى نتيجة أن الاحتلال هدفه الواضح هو الغزو، والمجتمع في عهدته بدعة وزيف كبير، كيف يبقى المجتمع مجتمعاً ولا مقومات تحفز بقاءه على أصله، ثقافات دخيلة وفرائض رغمية(بمعاينة أعين بشرية)  هي التي تطغى على مشاهد المناطق التي تحتلها تركيا في الشمال السوري، دخلاء يستوطنون أرض غير أرضهم، يسكنونها ويرضون بإحلال ما حُرِم عليهم من ممتلكات الغير، وأتاوات تفرض غصباً على ما تبقى من الأهالي الحقيقيين فيها، بغية جعلهم يهربون من وطأة الاحتلال، ويلتجئوا إلى المدارس والمخيمات في حين أنهم كانوا يملكون بيوت شيدوها حسبما يشتهون وفقاً لإمكانياتهم.

يقال أن الحرب مقدسة، هي التي ترسم الأقدار وتقي الإنسان من رتابة الحياة، مَن قال “الحرب مقدسة” لم يغص في تفاصيلها ولم يضع نفسه بدلاً عن ذاك الفقير الذي فقد ولده وأصاب بعلة دائمة وهُجِرَ عن داره ومثوى أجداده، الحرب خديعة الطغاة الذين يسعون وراء جموحهم الدموي والسادية الطاغية على أنفسهم، هؤلاء لم يعرف السلام يوماً إلى قلبهم طريقاً، ولم يدركوا معنى الإنسانية ولو للحظة، كانوا مجرد أدوات برغم أنهم طغاة، وطاغية العصر رجب طيب اردوغان رئيس تركيا الحالي الحالم بأن يكون محمداً فاتحاً من جديد خير دليل، يدّعى أنه يفتح أرضاً لكن ممن ولِمن؟ من أهلها الأصلاء لمرتزقة ليدبوا فيها خراباً ويعيثوا فساداً، وفي عهدته ما مجتمعٌ هو بمجتمع، فقط في عهدته مجتمعات لم يستودعها أهلها إليه إنما اغتصبها غصباً ولكن مرتزقته يدركون تمام الإدراك أنها ليست باقية لهم في قادم الأيام والدهور، لذلك يعيثون خراباً ودماراً ما استطاعوا إليه سبيلاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى