مقالات

عن ورقتنا. وفي اللا ورقة. وعن الحظرين الجوي والبري في شمال سوريا وشرقها

نتيجة تنفيذية:

نتيجة مئة عام منصرمة؛ نرى بأن شعوب الشرق الأوسط كلها تعرضت للظلم. لكن في مستوى متقدم الشعبين الكردي والعربي. العربي الذي وجد نفسه مقسماً بين 22 دولة وهوية، الكردي الذي وجد نفسه مفتتً بين أربع أجزاء في أربع هويّات حدودية. فلا معنى –اليوم ومستقبلاً- في توجيه السهام مِنْ ما بينهما، ولا طائل في سيل الاتهامات والتشكيك لبعضهما البعض؛ فالكردي ليس بالانفصالي إنما صاحب قضية عادلة في سوريا والعراق وتركيا وإيران، ولن يهدأ الشرق الأوسط إلّا حين حلّها. والعربي لم يحتل وطن الكرد؛ كلاهما من وقع عليهما الاحتلال ويتعرضان لموجات احتلال جديدة.

وما يلزم اليوم قبل أي شيء خطاباً تصالحياً وأفعالاً تفيد المرحلة التي نعيشها، وأن يقتنع الجمع الناهض بأن ضمان القطع على تقطيع المنطقة جهويّاً عثمانياً كان أمْ صفوياً يظهر بشكل جليٍّ من خلال دعم مشروع الكرد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن المتمثِّل بالإدارة الذاتية الديمقراطية في شماليّ سوريا وشرقها. على أن هذا المشروع هو الرسم الوطني السوري الأنقى وربما قبل ذهاب البصرة؛ قبل فوات دمشق. وإلا فإن الأزمة السورية إذا ما تركت للخارجي فقط فإنها تكون مصحوبة؛ مرة أخرى؛ بالجدران والحدود الجديدة المفروضة.

عن الحظرين الجوي والبري لشمال سوريا وشرقها:

مهمٌ جداً التذكير وعلى عكس ما يتم تردده؛ بأن الكورد ليسو من جلب التحالف الدولي العربي بقيادة أمريكا ضد الإرهاب إلى شمال سوريا وشرقها؛ كما أن السلطة في دمشق لم تكن الجالبة لروسيا وطهران وعموم المتحالفين معها؛ على الرغم من أنها بادرت رسمياً إلى ذلك التدخل. إنه بكل يسر أمور تتعلق بعودة الحرب الباردة التي سكنت رياحها حين نال السوفييت التفكيك، كما أن ذلك يعني إذن قدوم الحرب الباردة من خلال تغييرات تصيب بنيوية نظام الهيمنة العالمية؛ وإحدى أشكال تبدلات سياساتها في الشرق الأوسط. أي إننا اليوم أمام عالم متعدد الأقطاب تبدو فيه واشنطن القطب الأقوى، ولكل قطب مكامن تجذبه وأخرى ينفر منها، والمحدد في ذلك المصالح والاقتصاد. وأن واشنطن التي أنهت مؤخراً فقط تشكيل فريقها حيال سوريا؛ ربما لديها خططها القديمة أيضاً حيال المنطقة؛ وبالتوافق مع موسكو والأقطاب الأخرى فإنها تنحو تعديلاً في مساحات التأثير ولأدوار المتصارعين في الحلبة السورية.

وهذا التعديل  بات بالأمر الملموس وبخاصة على من يصر أن يكون الشرق الأوسط في جلبابه من خلال جلب الماضوية السياسوية بنصفها الطائفي ونصفها القوموي: كما الحال فيه لدى تركيا وإيران.

من صنع منطقة الشرق الأوسط قبل مئة عام؛ كان يعلم؛ أقلّه القول؛ بأنها تفيد فقط الصانعين. وأن مثل هذه الصناعة بالضد وبكل الغرابة وشعوب المنطقة، وأنها تفيد وقت كل تدخل خارجي للوارثين/ الصانعين الجدد. وتركيا وأيران اللتان تدرك بأن بلِّ التغيير يصل إليهما: سواء كانا ساكنين أم متوثبين. فاختارا سوياً أن يكبّروا من قفزاتهما ويلجان سوريا من خواصرها الرخوة.

وما أكثر الخواصر الرخوة في الجغرافيات المستحدثة بخاصة في ظلّ وجود حرّاس السجون/ رؤساء البلدان الجديدة بخرائطها الجديدة المستجدة؛ وهم الكُثر في ذلك. وفي ذلك فإن تفشي المرض المسمى بداعش والنصرة والجماعات المسلحة المرتبطة بهما الذين يشكلون سوياً أو منفرداً بالإرهاب؛ لا يحتاج كل متناول غير مسكون بالرغبة بأنها أشبه أن تكون بشركات مساهمة. كلها شركات مساهمة ولكن في كلها قاسم مشترك بمفاد أن أنقرة هي رئيس مجلس إداراتها. ولأنها كذلك تم استبعادها من أهم معركتي تحرير ضد الإرهاب؛ من معركتي تحرير الموصل وتحرير الرقة.

ولأن أنقرة مسكونة بمرض أو شبح اسمه الكورد؛ فقد تم تطويعها إلى مسالك ودروب مزحلقة إلى القاع أو الوحل السوري؛ ولأكثر مرة. أغدقتها داعش بنفط سوريا المسروق فترة، ومن آثار سوريا التاريخية لفترة، وسرقت الجماعات المسلحة معامل ومصانع وعقول وأيدي عاملة، ولم تزل تنهل من ملف اللاجئين السوريين. يُذكر هنا بأن رخاء تركيا الاقتصادي لم يكن سوى بالفترة المسموح لها السلب واللصوصية. بالالتفاف على العقوبات الدولية من إيران، وفي النهب السوري.

نذكر هنا بأن بعض المشغليّن عوّموا العملة التركية بدلاً من الليرة السورية في حلب بحجة تسريع اسقاط النظام؛ فتمّ بيعهم بالجملة من بيع حلب إلى السلطة في دمشق بشكل كلي في الربع الأخير من العام 2016.

ولم يزل الحال هكذا في جرابلس واعزاز والباب والراعي المحرّفة إلى جوبان باي، من دون وجود أية دلالة بأن هذه الأراضي والمناطق بأنها أجزاء سوريّة. فكل الأعلام والصور والعملة وصولاً إلى الجلاء المدرسي هو تركي محض. إنها المحافظة التركية رقم 83؛ وفق سجلات أنقرة اليوم.

لم يعد يتحدث رئيس تركيا أو سلطانها بأنه سيحتل منبج؛ اكتفى بالقبول بأن يسيّر دوريات مشتركة شمال منبج عند نهر الساجور الذي يفصل ما بين منبج وجرابلس. ولم يتحدث عن احتلاله لتل أبيض وكوباني والجزيرة. علماً بأن ذرائعه الباطلة موجودة. ذريعة النظام التركي بأن لا يكون للكردي أي دور في سوريا وفي العراق وفي إيران وفي تركيا.

وأنقرة التي دعمت ما حدث في فجر 14 نيسان الماضي/ الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية المحدودة على دمشق وبالتوافق مع موسكو؛ فليس ببالها بالمطلق سوريا وإنما إيصال رسالة توسل في حجز مقعد لها من التوازنات الجديدة التي تلزم المرحلة الجديدة التي انطلقت مع سابق إنذارات.

لكن أنقرة مثل طهران أكثر من تعي بأن الانتقالات السريعة بين الأضداد تكون دائماً وغالباً على حساب فقدان الكتلة المنتقلة بين النقيضين. فأنقرة وطهران فقدتا الكثير؛ لكن هذا الكثير وفق نظام الهيمنة العالمية قليل. أدخل أردوغان تركيا في موقف اللا عودة. إن غادرت أنقرة تموقعها وموسكو فإنها تخسر كل المناطق السورية التي احتلتها، وأنه في خطوِّ أردوغان بالتضاد وحلف الناتو فإنه يخسر أنقرة. الانكماش التركي من مختلف الجوانب بات واضحاً، وفي انكماش إيران أحد أهم أهداف التصعيد الدولي كمثل الذي حصل في فجر 14 نيسان ولم يزال مستمراً.

من المرجح أن تنشغل أو تتموقع أنقرة في تركيا أكثر. تركيا التي تشهد أزمة كبيرة؛ هذه الأزمة هي بمثابة الحملة التأديبية. لا نية معلنة للنظام العالمي في إسقاط النظامين الإيراني والتركي إنما تعديل سلوكهما. بكل الأحوال وإنْ حدث التعديل يعني هو السقوط أو أحد أشكاله الواضحة.

بالعودة إلى الوراء. قليلاً. قبل انعقاد سوتشي واحد المنعقد في اليوم التاسع من شن العدوان التركي على عفرين. تم طرح ورقة مسمى باللا ورقة بزعم توافق سعودي أردني فرنسي بريطاني ألماني أمريكي حولها. يُعتقد بأن في هذه اللا ورقة نقطة أساسية هي إقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا وشرقها.

ولو حدث وقتها توافق أممي حول هذا الحظر فإن احتلال تركيا لعفرين لم يكن بالحاصل بالرغم من أن حصوله حدث بعد مقاومة تاريخية دامت 58 يوماً من قبل شعب عفرين ووحدات حماية الشعب والمرأة. وأن حوالي نصف مليون لاجئ سوري نزحوا إلى عفرين لم يكتبوا لهم النزوح الثاني الأخطر من عفرين التي كانت تدار وفق إدارة مدنية ديمقراطية من مكوناتها/ الإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة عفرين. نتحدث هنا عن جرح عفرين.

اليوم يزيد هذا الجرح جروح سورية أخرى منها المتعلق بمصير مليوني مدني يسكنون إدلب. نتحدث اليوم عن الدولة المارقة تركيا والتي تهدد على طول الخط باحتلال كامل شمال سوريا. على الرغم من أنه لن يكون بالأمر السهل لتركيا والرحلة السهلة لها بوجود شعوب منظمة في نموذج إدارة ذاتية ووجود قوات سوريا الديمقراطية. كما أن الحظرين وبخاصة البري يقطع الطريق أمام أي تحرك إرهابي بإيعاز من أنقرة كرئيس مجلس الشركة المساهمة/ داعش.

كما أن مثل هذه المنطقة إذا ما تم التوافق الدولي حولها فإنها تعتبر بمثابة الفرصة الثمينة التي يجب أن لا تفوتها المعارضة الوطنية الديمقراطية العلمانية السورية ومن مختلف الجهات؛ داخل سوريا وخارجها من إعادة ترتيب أوراقها في صفوفها، والخلاص نهائياً والانفكاك عن تركيا وكل دولية إقليمية تريد تقسيم سوريا وتفكيكها كما حال قطر.

 طالما أن الملف السوري هو ملف أممي محض، وأن حل الأزمة السورية هو سياسي بحت؛ برعاية أممية وفق القرارات الأممية أو الاسترشاد بها. وأية خطوة؛ من ضمنها الحظرين؛ تسهم في وحدة سوريا واستعادة سيادتها، وانتشالها من واقعها التقسيمي الحالي؛ والتهيئة للحل الديمقراطي السوري؛ يجب التوقف عنده بمسؤولية.

ماذا عن الكورد في سوريا، وعن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية؟

محق هو الكردي الذي لا يتذكر سوى السلبي من الأمور. ذاكرة قرن كامل تؤكد ذلك. لكن المسألة ليست دائماً في ذمة الخارجي؛ لها العلاقة الكبيرة بالذاتي أيضاً. الكردي في مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية قد عاين الحل إلى درجة كبيرة؛ فأي مشروع لا يؤكد حقيقة العيش المشترك بين الشعوب يجب أن لا يتفاجأ بما يصدمه مستقبلاً، كما الذي يحصل في سوريا وبالذي سيحصل في تركيا وفي إيران.

سياسة الإبادة الثقافية والإنكار فاشلة وجالبة لشتى صنوف التدخلات الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه للوقائع المدمرة كما واقعة الإرهاب. الاستبداد يعتاش على الإرهاب والإرهاب في علاقة مقايضة والاستبداد. أما عزوِّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش خلال اجتماع سابق لمجلس الأمن الدولي بأن أحد أهم الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط هي القضية الكردية؛ وهي بطبيعة الحال للمرة الأولى التي يتم ذكرها؛ فيعني بأن هذه القضية لا بد من أن يتم إيجاد حل عادل ديمقراطي لها.

وهذا بحد ذاته يمكن تفسيره من ناحية المبدأ وأيضاً بشكل أوليّ بأن تأتت من خلال الرمزية التي اكتسبها الكرد في مقارعة الإرهاب ومشاركتهم النوعية في تحرير عاصمة الدولة المزعومة داعش الارهابية/ الرقة هي السبب الرئيس يُضاف إلى المشروع الديمقراطي الذي أدى أن يكتسبوا هذه الرمزية العالمية. أمّا أن يستعاض بتركيا أو بعض من المحسوبة عليها بدلاً من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن المؤسسين للإدارة الذاتية الديمقراطية فليس سوى رهاب فكري وتحليل استشرافي في أحسن أحواله.

على الجهات التي تحاول زرع الفتن وضرب المكتسبات المتحققة في روج آفا وشمال سوريا وشرقها؛ أن تعي بأنها تفشل مرة أخرى. من المهم عليها بدلاً من الحركات الفاشلة ذات الثمن الكبير بأن تفكر وتجتهد ونتحاور سوياً حول ماهية المستوى الأنسب من اللا مركزية الديمقراطية التي تلزم سوريا حتى تستقيم حوله وتنتهض مرة أخرى: أهي الإدارة الذاتية الديمقراطية أو الفيدرالية الجغرافية أو الحكم الذاتي أو غيره؟ إنْ كان إسقاطاً لطبيعة النظام شديد المركزية أو كان تعديلاً للسلوك؛ فإنه في اللامركزية الديمقراطية يكمن الحل. هذه هي فحوى ورقتنا التي تؤكد المضي في توسعة سوريا والقطع على كل مشروع ماضوي سياسوي. نحو سوريا دولة لا مركزية. فيها السلطة موزعة من حوران الجبل والسهل إلى دمشق إلى قامشلو.

زر الذهاب إلى الأعلى