حواراتمانشيت

ستير كرداغي : لون كمنجتي الجوزي يشبه أخمص البندقية

ستير كرداغي القط الذي تسلق وتراً فأفزعه ليميل بموسيقاه لحبل غسيل على أسطح منازل ” حج خليل ” التي كانت تمارس الوداعة كهواية يومية بينما حبل الغسيل بالألوان التي تدلت منه وما زال يواجه الحدود التركية وهو يحمل اربع حمامات ، وكلما أن الحبل المتوتر بمسحة قوس هب الحمام وحط الحمام كشروال ندي ينفض بين يدي أم قبل أن ترفعه على الحبل وهو يواجه الشمس والحدود.
ستير كرداغي الطائر من ” حج خليل ” إلى عفرين فحلب ليكمل فيها دراسته الثانوية، ويكمل إلى أوكرانيا السلافية الممتدة بين البحر والجبال والجمال وبقايا إرث ستاليني مطلق، محلقاً في كليات جامعاتها يقتفي أثر الموسيقى ويعود بعد سنوات الغربة حاملاً شهادةً جامعية وكمنجة ما زالت تحاول فهم ” جميل هورو ” بعد أن أتقنت باخ وبيتهوفن وموزارت .
ستير كرداغي الذي إنخرط في العمل الفني مع الفرق الكردية كآرمانج وآكري، وعمل أيضا مع “بافي صلاح “في بعض الأغاني الفلكورية والملحمية والتي كان يتمنى العمل عليها وكذلك إنخرط بشكل فاعل في الحراك السياسي مع حركة التحرر الكردستانية عاملاً بجد في شوارع وأزقة “جياي سيدو” في حلب، وتنقل بين النشاط السياسي والثقافي وعمل كمدرس للموسيقى في معاهد خاصة، إلى أن تعرض لضغوطات أمنية قاهرة إضطرته للخروج من سوريا نحو بلاد ” الفايكينغ ” السويد ليصارع ثلجها وصقيعها ويكمل مسيرة نضاله من أجل حرية شعبه، وهذا ما أوصله ليصبح عضواً فاعلاً في حزب الإتحاد الديمقراطي في السويد وليصبح فيما بعد ممثل الإدارة الذاتية لروج آفا وشمال سوريا لفترة أنجز فيها الكثير، وحاول أن يتفرغ لموسيقاه ولكنه دائماً كان يخضع لنداء الضمير وشعبه لينخرط ثانية في الفعل السياسي والدبلوماسي .

– ستير كرداغي عفرين تتعرض لإعتداء وحشي على يد الطورانية التركية ومرتزقتها، وعفرين وأبنائها يسطرون تاريخاً جديداً بمقاومتها مقاومة العصر ما شعورك الداخلي إزاء ذلك وإلى ماذا يدفعك هذا الشعور ؟

ان نرى اي نوع من القتل في اي مكان من العالم لهو شعور محبط و قاس ويثير الإشمئزاز، فمابالك أن تكون مدينتك وقريتك التي ولدت فيها هي المعرضة لجريمة العصر، لا يسعني التعبير بالكلمات عما يعتمل في داخلي ولكنني أعيشه ألماً وغلاً لا تستطيع الكلمات ترجمتها، وهذا الشعور يدفعني أن أعيد تصنيف التاريخ والسياسة والأيديولوجيا وترتيبها على أسس هذه المقاومة التاريخية التي يخوضها شعبنا في عفرين وعموم روج آفا، سأدع المشاعرجانباً فليس وقتها، فالزمن زمن أفعال وعلى كل كردي وكل من ما زال يحتفظ بحس إنساني أن ينتفض على قدميه الكرد في الأجزاء الأربعة يمكنهم فعل الكثير ، لربما لو صمدت كركوك وقاومت لما وصل الأمر إلى عفرين، وليتقين الجميع سقوط عفرين اليوم هو سقوط كل مدينة كردستانية ما زالت تعيش حلم الحرية من آمد وحتى كرمنشاه، وبالإستناد لهذه الحقيقة على كل كردي أن يفعل ما يستطيع اليوم وليس غداً فالزمن يسابقنا وسياسة المجتمع الدولي لا تتضامن مع الشعوب الخانعة، هذا هو ما يدفعني إليه شعوري القاسي بالأسى، ولكنني لا أملك الوقت لذرف دمعة فقلبي يبكي بما فيه الكفاية ولكن عيناي على مقاومة شعبي وقدمي في شوارع استوكهولم تبح صوت حنجرتي مع الكردستانيين هنا لإيصال صوت شعبي ويدي مشغولتان بحياكة لحن أستطيع فيه ترجمة يوم واحد من تلك المقاومة في عفرين وراء كل شجرة زيتون وخلف كل صخرة وتحت كل حجرة ومن بين كل شجرة سماق تذيق أعدائنا سم تاريخهم ومستقبلهم ونار حاضرهم ، وكل جسدي وعقلي مشغول بما يمكنني تقديمه، و بنفس الوقت يحق لي كما لكل الكورد شرعنة الرد و فعل المستحيل من اجل الدفاع عن شعبنا .

ـ إلى ما تحيلك هذه المقاومة التي يبديها شعبنا ، وإلى ما يحيلك القتل اليومي للمدنيين في عفرين بفعل أسلحة الناتو التي بين يدي المجرم والخارج عن الشرعية الدولية أردوغان ، وما الذي تقوله للصمت الدولي أو ماذا تقول كمنجتك ؟

لو أعدنا قراءة تاريخ الثورات في العالم و ثورات الكورد سنجد الجواب مباشرة من حيث اختلاف الزمن و الأسلوب و نوع الأسلحة، فمقاومة عفرين اليوم هي في عصر التكنولوجيا الحربية و الإعلامية، وهذا كله يمتلكه العدو التركي، بل و مسلحاً بصمت دولي و تأييد مذهبي طائفي عرقي أيضاً، بينما نحن وبأسلحتنا التقليدية ” الحق والإرادة ” والتي نعتبرها أقوى من تدميرهم الشامل، ولقد فاجأنا العالم والحرب تدخل يومها الرابع والعشرين وبدون أن تحقق الفاشية التركية أي تقدم .
وخلاصة القول عندما تشن دولة هي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي ” الناتو ” وبأسلحة الناتو ويضاف إليها صمت العالم ” المتحضر” والمجتمع الدولي والقوى العظمى، هجوماً وحشياً علينا، فهذا يعني أننا نواجه العالم لا بل يمكننا القول بأن عفرين تواجه العالم، بل يمكنني القول بأنها حرب عالمية غير معلنة سواء بعلم المجتمع الدولي أو بجهله لكنها الحقيقة، وليس من المستبعد أن تتحول لحرب معلنة وبمشاركة الجميع إذا ما إستمرت الأمور على ما هي عليه، فليست المرة الأولى التي يجر فيها العثمانيون العالم لحرب عالمية، والفرق جلي بين من يريد السلام و من يتعطش للمزيد من الحروب والدم و المآسي و السلطة، و هذا يكفي لنفتخر بأننا هزمنا العا لم الصامت .
أما عن كمنجتي فلونها الجوزي يشبه لون أخمص البندقية الخشبي وعندما أضعها على كتفي فالحركة تشبه وضعية بندقية، ولكنني لا أغلق عيناً وأفتح أخرى لأفتح النار على عدو أمامي كحامل البندقية “المقاتل”، بل أنا أغمض عيني تماماً وبسلام وأطلق اللحن أخضراً كلون الطبيعة والزيتون، وأبيضاً كقلب الكردي حينما يسكن إلى موقده مدخناً سيجارة تبغ حريف وكأس شاي ثقيل كليالي قرى عفرين الشتائية، ما أحاول فعله بسلاحي المسالم أن أفتح درب المقاتل في عفرين وهو يدندن، وأن يطلق النار على أعدائه وهو يفتح أذنيه بسير وملاحم أسلافه المقاتلين كـ ” جبلي وأوسبي شر و تيار بك وكلكي سليمين، ودرويشي عبدي” وما تفعله الكمنجة إبقاء عيون المقاتلين مفتوحةً وهي تواجه عدواً يطلق النار بعماء ليقتل الأطفال، ما تفعله كمنجتي ” سلاحي المسالم ” بقوسه وسهمه هو إطلاق الحب إلى العالم وإظهار الكردي بنفسه الطويل كمقاتل ونفسه العميق كفنان ونفسه الهادئ كسياسي ونفسه الدؤوب صوناً للكرامة والصلابة أمام محاولات صهر الكردي .

ـ سأوقف ستير الفنان هنا لأنك أخذتني بعيداً، وسأتحول إلى ستير السياسي وستير الدبلوماسي كيف يستوي الأمر بين فنان سياسي ودبلوماسي فنان ، أخبرني قليلاً حول هذا الموضوع ؟

إذا شئت الإجابة مواربةً، فالسياسة أيضاً فن، وفن السياسة علم يجب علينا التمكن منه لنكون فاعلين لقضيتنا وهذه حقيقة، وذلك ينطبق على الدبلوماسية أيضاً، ولكنها إجابة مواربة كما أسلفت، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من السياسيين في العالم ورؤساء الدول أيضاً هم موسيقيون ورسامون وكتاب وشعراء، أعتقد أن الفاعلية البشرية حالات كثيرة ولكنها تكاملية ، هذا بالعموم، ودعني أبدأ من تجربتي الشخصية و ممارستي للسياسة، فأنا إبن حركة التحرر الكردستانية، وكذلك أصبحت من الناشطين في حزب الاتحاد الديمقراطي ومارست نشاطي السياسي بكل ما أستطيع حتى أنه كان في أحيان كثيرة على حساب الفن، ولكن المرحلة التاريخية التي كان يمر بها شعبنا إقتضت ذلك وحاولت بكل جهدي أن أكون على قدر إستحقاقات المرحلة، وقد ينجح المرء أو يخفق أحياناً وهذا أمر طبيعي، المهم أنني دائماً كنت أحاول أن أخدم شعبي بما أستطيع، وعندما تم إفتتاح ممثلية الإدارة الذاتية في السويد تم إنتدابي وشغلت صفة ممثل الإدارة الذاتية في السويد في مرحلة الإنطلاق وكان ذلك شرف عظيم وتاريخي لي بأن أكون ممثلا للإدارة الذاتية في أولى مراحل إنفتاح الإدارة الذاتية على العلاقات الخارجية وأسسنا مع رفاقنا في الممثلية لمجموعة جيدة من العلاقات الدبلوماسية وإستطعنا أن نقدم في بعض المجالات الثقافية والصحية والسياسية قدر ما نستطيع ومن خلال المملكة السويدية المساعدات لروج آفا، ولكنني لن أدخل في تفاصيل هذا الأمر، وبعد أن وقفت الممثلية على قدميها قررت أن أتفرغ قليلا للموسيقا فكان لزاما أن يكمل رفاق جدد الطريق ورفاقنا جميعاً يفعلون قدر مستطاعهم ليكونوا على قدر المسؤولية، وعدت للموسيقا، حتى أتت الهجمة التركية العدوانية على عفرين، لم أستطع إلا أن ألبي نداء الواجب، وهو أقل ما يمكننا أن نقدمه لعفرين
.

حوار مزكين حسن
تقديم وإعداد حسين فقه

زر الذهاب إلى الأعلى