المجتمع

زراعة الشتول في روج آفاي كردستان

تقرير: حسينة عنتر

قضيةُ الغذاء والزراعة والأمن الغذائي مشكلةٌ جوهرية، بل إنها تأخذ أهمية قصوى في ظلّ بعض الظروف السياسية الخاصة وتزايد السكان ولاسيما الأوضاع الراهنة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط ومنطقتنا بالذات، وكونها منطقة زراعية بحتة وهذا كله يتطلب تنمية زراعية متطوّرة ومدروسة. ولفهم أبعاد هذه المسألة مع هذا الحصار والاحتقان العسكري والتجويع والتشريد والغلاء وفقدان المواد لابدّ من العمل بشكلٍ يسير نحو الاكتفاء الذاتي. وحسب تعريف الاكتفاء الذاتي على النطاق الدولي هو قدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محلياً والاعتماد على منهج التكثيف الزراعي، بالإضافة إلى الاستغناء كلياً عن الاستيراد من الخارج لتلبية الاحتياجات الضرورية، والانتقال من الندرة إلى الوفرة في الكثير من المحاصيل الزراعية في كل عام.

ومن هذا المنطلق نسعى لتطوير أساليب الانتاج الزراعي لتوفير لقمة العيش للملايين من البشر ففي روج أفاي كردستان، ورغم الحصار الذي نعيشه من قبل الدولة التركية وداعش والمنظمات الإرهابية، التي تشن من حين لآخر هجماتها على المدنيين وخاصة المناطق الحدودية من قرى روج أفا في كل من الجزيرة وعفرين وكوباني أو ما يسمى بقرى برآف  . ولكن هذا لا يثني من عزيمة الشعب الكردي الذي يعتمد على الزراعة بالدرجة الأولى سواء كانت شتوية بعلية أم مروية أو صيفية طبعاً مروية من مياه الآبار الارتوازية. وهذه المزروعات على الأغلب تشمل الخضار من البندورة والباذنجان والفليفلة والكوسا والبطيخ إلى ما هنالك.

وفي كل سنة مثل هذا الوقت يعمل مزارعو المنطقة على تأمين الخضار وبخاصة بعد السنوات الستة من الأزمة، إذ لا بدّ من توفير الخضار بعد سياسة التجويع والحصار المقصودة على روج أفا من الداخل والخارج، إلا إنها بقيت صامدة وحافظت نوعاً ما على بنيتها لكونها تمتلك المقومات اللازمة للزراعة من أمطار وتربة خصبة ومياه جوفية تساعد على حفر الآبار الارتوازية. يبدأ مزارعو مدينة عامودا ورأس العين وقرى برآف بريف الحسكة بتحضير وتجهيز المشاتل لزراعة بذار الخضار ضمن بيت بلاستيكي حيث بدؤوا بتحضير الأكياس الصغيرة لتعبئتها بالتربة والأسمدة العضوية. وبعد الانتهاء من التعبئة سيتم سقايتها ومن ثم زراعة البذور المختلفة منها، وبعد نمو البذور سيتم توزيع الشتلات على الأراضي والفلاحين والمزارعين. وبهذا الصدد أرادت صحيفة الاتحاد الديمقراطي أن تسلط الضوء على كيفية زراعة هذه الشتول لأهميتها الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المنطقة، الذي أصبح ضرورة قصوى في ظلّ هذه الأوضاع الراهنة :

يزداد نشاط وحيوية مزارعو القرى الحدودية:

المُزارع محمد فرحان من القرى الملاصقة للحدود التركية التابعة لرأس العين، الذي استهل حديثه بالشكر لصحيفة الاتحاد الديمقراطي التي سنحت له هذه الفرصة، واستهل حديثه  بالمخاوف والتهديدات التي ترسلها الدولة التركية الفاشية من حين لآخر، هذا لا يثني عزيمتنا بل يجعلنا نواصل العمل بأكثر حيوية ونشاط نحن مزارعو القرية نقوم بزراعة البذور في شهر شباط حيث تختلف مواعيد الزراعة من منطقة لأخرى بحسب سويقة الشتلة أو العروة ودرجة الحرارة وقربها من البحر والرطوبة، وتتم زراعة البذور لتنمو وتصبح فيما  بعد شتول.

ويتم زراعة البذور منتصف شهر شباط بالنسبة للمناطق الساحلية في نهاية شهر آذار بالنسبة للمناطق الداخلية الدافئة. وتتم زراعة العروة في الأراضي ذات التربة الخفيفة وفي منتصف شهر آذار وأيار. أما في مناطقنا الجزيرة وعفرين  وكوباني تبدأ زراعة الشتول في منتصف شهر نيسان وأيار. كما وتابع المزارع فرحان حديثة: يلجأ المزارعون إلى تقسيم أرض المشتل إلى مساطب أو مساكب، وأفضل الأحوال التي تنجح زراعتها هي زراعة البذور على مساكب وذلك لضمان والتقليل من صرف المياه الزائدة، ولهذا الغرض تقام على أرض المساكب كل منها بارتفاع 20 سم وعرض 60 سم من جميع الجهات وذلك لإجراء عمليات الخدمة. هذا بالنسبة للمشاتل المكشوفة، وأمّا في حال الرغبة بتغطية تلك البذور بمراقد بلاستكية منخفضة فيلزم جعل المسافة بين المسكبة والأخرى، كما يجب تعقيم التربة وتوفير كل مستلزمات الزراعة من المبيدات والسماد ويفضل استعمال السماد الطبيعي ( الزبل أو السواد)

 زراعة الشتول في وقتها لالتحاقها بالموسم الزراعي بشكل مبكر:

فيصل عمر أبو جمال وموسى السفراني، نازحان من منطقة السفيرة التابعة لمدينة حلب، استقرا مع عوائلهم في مدينة قامشلو بسبب الأوضاع والحرب الدائرة في منطقة حلب وعدم الاستقرار الأمني، فوجدوا الأمن والاستقرار والهدوء في قامشلو وارتاحوا بعيشهم مع أهالي المنطقة وانخرطوا معهم ومع عاداتهم. ه

ذان النازحان يعملان في بيع الشتول أمام إحدى المحلات أو على أرصفة شوارع المدينة أي لا يوجد مكان حيث أفاد أبو جمال: يتم زراعة بذور بعض المحاصيل الخضار في المشتل لمدة عشرين أو أربعين يوماً وعند بلوغ الشتول حجماً ملائماً تنتقل إلى مكان آخر وتزاح عنها تلك البيوت البلاستيكية وتجمع كل خمس أو عشر شتلات على شكل رزمة، بحيث تبقى على جذورها تراب وتلتف بقطعة قماش مبللة بالماء حتى تزرع في أماكنها المخصصة. ومنهم من يتخذ هذه الشتول كباب رزق، فيعتمدون على بيعها في أسواق المدينة، ففي شارع البلدية أمام فندق أمية وبعض المحلات وعلى أرصفة الشوارع يصطف بائعو تلك الشتول كل منهم ينادي. ثم أضاف أبو جمال وأيده موسى السفراني: يتم زراعة البذور لتكون شتول فيما بعد بالشهر الأول من كل عام، وبعد عشرين يوماً أو أكثر من زراعة البذور تحت الأرض كالبندورة والفليفلة فهناك نباتات تطفح فوق الأرض قبل غيرها، لذلك تتفاوت فترة النمو بين نبات وآخر ويتم تغطيتها تحت النايلون على شكل خيمة بطول وعرض محدد. والتغطية ضرورية للنبات لحمايتها من البرد والصقيع والأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى غمر بعض البذور، وبالتالي موتها تحت الأرض. وفي بعض الأحيان عندما تزداد البرودة يتم إشعال النيران لتدفئة الشتول خوفاً من الصقيع، وعندما يبدأ الجو بالاعتدال تُعرض تلك الشتول للشمس وإزالة الشوادر والخيم ومن ثم نزع الكيس عنها، وبعدها يتم زراعتها. وهذه النوعية من الشتول يختص فيها أهالي حلب. وبندورة منطقة السفيرة وتل حاصل وتل عران لها نكهه خاصة مميزة لفترة  يتم تخصيص ألواح محددة لها. كما وأشار أبو فيصل إلى التكلفه الباهظة للشتول من حيث نوعية البذور والشوادر وأكياس النايلون والأسمدة والمبيدات الحشرية ويتم زراعة تلك الشتول لالتحاقها بالموسم الزراعي بشكل مبكر كما ويتم بيع هذه الشتول على شكل ربطات تحتوي كل ربطة على عشر شتلات، وثمن كل شتلة 25 ل.س أي ثمن كل ربطة 250 ل. س ولا يوجد مكان مخصص لبيع الشتلات تباع إما في مكانها أو على أرصفة الشوار ع وإما  محلات المدينة.

يفضل أن يكون سماد طبيعي بلدي أو روث الحيوانات:

المزارع نور الدين من قرى برآف: نعمل في شهر شباط على تعبئة الأكياس وخلال الأربعة أيام سيتم زراعة البذور فيها. تزرع البذور في الموعد الملائم ويختلف ذلك باختلاف نوع المحصول والمنطقة والعروة وطريقة إنتاج الشتول، ومن ثم سقايتها لتصبح نبات يتم نقلها إلى الأرض لزراعة الخضروات الصيفية، مضيفاً إنه يعمل على زراعة  البندورة  والخيار والباذنجان، ويخصص بضع دونمات من أرضه لزراعة تلك الخضروات. ويتابع نور الدين: أجهّز حوالي200 ألف كيس لزراعة تلك البذور، وبعد زراعتها تخربش سطح التربة بالمشط اليدوي في حال زراعة البذور نثراً أو تغطى باليد، أما في حال زراعتها على السطور وينصح بالنسبة لتغطية البذور أن لا يزيد سمك غطاء التربة 1سم، كما ينصح بتغطية المساكب الزراعية بطبقة من السماد، ويفضل أن يكون سماد طبيعي بلدي.  كما أكد نورالدين إن هذه العملية ضرورية خاصة في الفترات التي تسود فيها درجات الحرارة المنخفضة، تروي مناطق زراعة البذور باستخدام رشاش حدائق عادي ذي ثقوب دقيقة وباستخدام خرطوم بعد تجهيز فوهته بمبعثر للثقوب، ويتوقف طول فترات الري على طول نمو الشتول ونوع التربة والظروف الجوية السائدة وعموماً، فيجب عدم تأخير الري وبعد أن يجف سطح التربة تماماً وخاصة في فترة لإنبات طور البادرة الصغيرة لأن ذلك يؤدي لموت البذور الناتشة  والبادرات الصغيرة. وبنفس الوقت فإن زيادة الري تؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض الفطرية وهياج المجموع الخضري، لذا فقد يكون من المناسب بعد الإنبات بالنسبة للمشاتل المغطاة ترك إحدى فوهتي النفق أو كلاهما مفتوحتين لفترة كافية بعض الوقت. وبالنسبة للمراقد المغطاة فتتم التغطية مباشرة عقب زراعة البذور ولا تكشف الأغطية قبل الإنبات إلا لإجراء عملية الري فقط، وبعد ذلك تكشف عند تدفئة الجو ونمو الشتول للتهوية.

محمد مزارع من إحدى القرى المحيطة ببلدة تل حميس في وقت كان يفرز شتلاته عندما التقينا به عدل محمد لفحته التي كانت تحيط برأسه وقال: (هؤلاء صغاري) مشيراً إلى الشتلات التي رعاها وتعب بها، فقد كان هذا المزارع البسيط  مشرفاً على نمو تلك النباتات اليانعة منذ أن كانت بذوراً حتى نمت وأصبحت جاهزة للزراعة.

يفضل ريّ الشتول في وقت الغروب:

محمد وزملاؤه من الفلاحين يضعون البذور في مصاطب خاصة بغية نموها لفترة معينة ثم يقومون بفرزها بعد مدة معينة أي بعد أن تخضر ويقوى عودها، وخلال ذلك تجهز الأرض بحفر صغيرة توضع فيها الشتلات وتغمر تلك الحفر بالمياه ومن ثم تلتم حولها التراب وبسبب مناخ المنطقة القاسي نسبياً من ناحية الحرارة فإن سقاية النبات تتم بشكل شبه يومي تقريباً في فترة العصر وفي وقت الغروب، أي بعد أن يبرد الجو وتخف الحرارة، ويتم بعد ذلك نمو النبات ويتحول من شتلة إلى نبته في طور الإنتاج. وفي لحظة خالط  حديثة شيء من الصراخ والانزعاج .هؤلاء “هم داعش”  قال محمد مشيراً إلى بعض الدجاجات اللاتي كن يحمن وينبشن في الجوار، إنهم يقومون بتخريب ما قمنا به فهم يفسدون الأرض ويقتلعون الشتلات. بعد أن أنهى محمد زراعة شتلاته في الأرض المخصصة لها ووضع سياج حول تلك الشتلات لتنمو براحتها بعيداً عن الإزعاج

كلمة للمحرّر:

من أجل تطبيق مبدأ الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في منطقة ما، لا بدّ من بناء اقتصاد وطني مستقل يخلو من الاعتماد على المنح والخارج، والاعتماد بشكل كلي على الأيدي العاملة من الرجال والنساء على حد السواء في بلدي، بحيث تكون قادرة على الوقوف على قدميها بثبات، ويتطور بنائها على مدى قدرة أبنائها على استغلال إمكاناتها ومواردها الطبيعية والبشرية. مثل هذا الاقتصاد يجعل من الممكن تطوير القوى المنتجة من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية للبلاد بشكل أكثر عقلانية وتكاملاً وتحسين مستوى معيشة الشعب. وما أغنى روج أفا بهذه المقومات والإمكانات من أرض خصبة وقوى عاملة وخبرة وفيرة، فعلى الإدارة الذاتية ومؤسساتها وبلدياتها تعزيز الأسس المادية والتقنية للاقتصاد في روج أفا وزيادة الكفاءة العسكرية والسياسية والاقتصادية واستقلالها وعدم اعتمادها على الخارج للتخلص من الحصار الذي تفرضه الجماعات الإرهابية وبعض الحكومات كتركيا. وهنا تكمن أهمية تبني الإدارة الذاتية لبرامج الاكتفاء الذاتي ذلك أنها قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال تأمين كافة المستلزمات الزراعية للفلاحين والمزارعين من تقديم البذور والسماد والمبيدات الحشرية حسب استطاعتها.  وفي الوقت الملائم لها مساعدتها وتشكيل لجان خاصة بذلك تقوم من حين لآخر بزيارة مناطق الزراعية بروج أفا والاستماع وتلبية حاجات الفلاحين والأسر الريفية …………..

زر الذهاب إلى الأعلى