تقاريرمانشيت

روشان قاسم تكتب عن سبايا «داعش» و رحلتهن في البحث عن العدالة

لا يمكنني نسيان وجهه أبداً، صوته ما زال يرن في أذني، ليس أنا فقط، المئات مثلي من الفتيات، ضحكه ونحن نتوسل إليه أن يكف بلاءه عنا، أن يتوقف عن عرضنا لهتك عرضنا، محفور في ذاكرة مجروحة لم تلتئم جراحها بعد…
كيف أنسى ذلك الوجه؟ كيف أنسى أبو علي؟ تكاد ملامحه تتطابق مع شنكال المدمرة، قبيح كقبح إبادتنا…
الكلام لإيفانا الفتاة الإيزيدية التي انتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وكالات الأخبار، من خلال بوست كشفت خلاله إيفانا وليد عن داعشي وسط نازحي تلعفر اغتصبها وباعها عدة مرات، يدعى أبو علي (اسمه علي المكنى) من أهالي تلعفر.
الاهتمام بمنشور إيفانا لم يتعد يومين، ليصبح مجرد خبر مرّ مرور الفواجع، كما تقول في حوار أجرته «المجلة» مع الفتاة الإيزيدية المحررة، والتي تعيش حاليا في ألمانيا ضمن مشروع لتأهيل ضحايا داعش من الفتيات والنساء الإيزيديات وإخضاعهن لعلاج نفسي.

بالدليل القاطع
تحكي إيفانا قائلة: «أول مرة رأيت فيها أبو علي، كانت في تلعفر في 5 / 8 / 2014، ومنذ ذلك اليوم لحد يوم فراري من داعش كنت أراه كل يوم خلال سبيي في تلعفر وعندما نقلونا إلى الموصل لطالما كنت أسمع به»، مضيفة: «كان يأتي إلينا وفي كل مرة ليأخذ قسما من الفتيات ويعرضهن للبيع… وجهه كان مخيفا جدا ولهذا تذكرت كل الأحداث عندما رأيت صورته قبل أيام، لقد تمكنت من التعرف على الداعشي أبو علي، كان مسؤولا عن المتاجرة بالمختطفات في تلعفر (غرب الموصل)»، مشيرة إلى الصورة التي نشرتها على صفحتها وتقول: «إنه هو يلقب بـ(أبو علي) ظهر على قناة (روداو) الفضائية الكردية، وهو يتظاهر بأنه نازح والتقطته عدسات الكاميرا التي كانت تنقل تغطيات حية لمعارك تلعفر التي اندلعت قبل أيام، وبالصدفة رأيته وقمت بالتقاط هذه الصورة ونشرها، وأنا متأكدة أن هناك المئات من الدواعش الذين فروا بين العوائل النازحة من الموصل وتلعفر».

ايفانا ودلال واخلاص وفيان في محفل دولي

وتعود إيفانا بذاكرتها إلى تاريخ الثالث من أغسطس (آب) عند الساعة الثالثة فجرا وتسرد قصة سبيها قائلة: «كنت نائمة سمعت أصوات إطلاق نار كثيف قالوا إن داعش يهاجم قريتنا، استمر إطلاق النار وبعد حلول الصباح نزح جميع أبناء القرية وبقينا إلى أن صعدنا مع عائلة أحد أعمامي، في سيارتهم، لأن سيارتنا كانت معطلة، كنا نسابق المكان والزمان سويا قبل وصلوهم إلينا، كان الجبل (جبل شنكال) مزدحما ولم يكن هناك ماء والطقس أيضاً كان حارا جداً وبقينا لحد الساعة الثانية عشرة ظهرا جالسين، سمعنا بوصول دواعش إلى داخل قضاء شنكال وأن شنكال سقطت بيد الدواعش وكان بمثابة بداية سقوطنا».
وتتابع: «وصلوا إلينا وبدأ مسلسل السبي، وتحولنا إلى سبايا، طلبوا منا رفع أعلام بيضاء لنعلن استسلامنا، واستسلمنا، الخوف يخيم على الجميع، أي حرب سنخوضها مع هؤلاء الوحوش وأي سلاح قادر على منعهم من الاقتراب منا ونحن نساء وأطفال وبيننا عجزة ورجالنا عزل… أتذكر جيدا الجريمة الأولى التي حدثت أمام عيني لتكون فاتحة جرائم لم تنته، حيث كان هناك رجل إيزيدي، وضعت زوجته للتو مولودها، عند الولادة طلب من أحد الدواعش أن يذهب إلى البيت ليجلبها ولكن الداعشي رفض ذلك ولأنه كرر الطلب قام بقتله».

وتتابع قائلة: «فصلوا البنات عن أمهاتهن وقبلها النساء عن الرجال، بعد رحلة طويلة من شنكال إلى بعاج حيث كنا نزج في قاعات المدراس نحبس فيها ونهان ونضرب ونعذب لم يكن المكان يتسع للنوم ولم يكن هناك أكل وبقينا هكذا إلى أن أخذونا إلى مكان بعيد كنا نتصور أنه سوريا ولكنه في الواقع كان سجنا له باب صغير ويقف عليه أحد الدواعش فأدخلونا إلى ساحة السجن وكان ممتلئاً بالإيزيديين، وصل عددنا تقريبا إلى نحو ألفي شخص، كان الجو مظلما وأصوات النساء كانت عالية أخبرتني إحداهن أن أمي أيضاً بينهن، فذهبت للبحث عنها ولم أكن أرى شيئا من الظلام فصرخت: أمي، أمي… بالتكرار، سمعتني وحضنتها من الخوف، كان المكان مزدحما وفي الصباح رأيت رقعة مكتوبا عليها (سجن بادوش)، غادرنا ونقلونا من هناك وأخذونا إلى مدرسة في تلعفر، وهناك كان أبو علي… أبو علي لم يكن داعشيا عاديا، أتذكر كيف وضعوا كرسيا وسط القاعة وبدأوا بتلاوة أسمائنا وفرزنا، اختاروا كل فتاة جميلة ووضعوها في غرف خاصة بهم، شعرنا بخوف شديد لأن الفتاة التي كانوا يأخذونها إلى الغرفة كانوا ينزعون ملابسها وكانت تصرخ بصوت عالٍ، كانوا يداهمون القرية التي جمعونا فيها بحثا عن النساء أو خوفا من فرار إحداهن إلى منطقة أخرى، وكان يتم اقتيادهن لأمير يدعى باقر وكان أكبر تاجر لبيع وشراء النساء الايزيديات».


اخلاص خضر

وتتابع: «في أحد الأيام عندما كنّا في الموصل جاء نحو 400 داعشي تقريبا وقاموا بأخذ كل امرأة لديها طفلان أو أكثر، وقاموا بأخذ النساء وبعد ساعات رجعت إحداهن فسألنا عن البقية فقالت: لقد قتلوا جميعا ولم يتبق سواي لأنني كنت أصغرهن عمرا وقالوا إنني مناسبة للزواج من أحدهم أما الباقيات فقتلوهن جميعها، في الصباح قاموا بإعادتنا إلى تلعفر، وهنالك حاولنا الهرب واختبأنا في بيت مهجور إلا أن أهالي تلعفر قاموا بإخبار داعش عن مكاننا وبعد مضي خمس دقائق قام الدواعش بمحاصرة البيت الذي كنا فيه وقاموا بأخذنا إلى السجن وقتلوا الرجال الذين كانوا معنا وقاموا بأخذي من أمي وأخذوا أمي إلى سوريا… لحظات عصيبة».

وتضيف: «قاموا بأخذي إلى غرفة داخل أحد مقراتهم وكانوا مجموعة كبيرة، الكل يمحلق ويفحص بعينه شكلي، قاموا بسحب قرعة، أصبحت من نصيب أحد أبرز قادتهم كان يدعى خلو طبابة عمره 45 سنة فقام بأخذي إلى بيت مهجور في غابات تلعفر لينجح أخيرا الدواعش في اغتصابي، بعدها كررت محاولة الهرب مرة أخرى بعد أن فقدت كل شيء، لم يكن يهمني الموت، طلبت من بائع خضراوات بأن يساعدني واثنتين من الفتيات الإيزيديات للهرب فوافق وأخذنا إلى بيته ولكنه قام بتسليمنا ثانيةً إلى داعش، فأتى خلو وأخذني وربطني من يدي وقام بضربي وسجني وقام ببيعي إلى شخص آخر كان يدعى عبد العال كان عمره 38 سنة وهكذا توالت عمليات اغتصابي»، مستأنفة: «إلى أن وصلت لدرجة أن أضحي بنفسي في سبيل إنقاذ فتاة تبلغ 12 سنة فقط كانت تبكي خائفة من أحد حراس الأمير الذي كنت عنده ووافقتُ على اغتصابي بدلا من الفتاة الصغيرة.. أنا والفتاة الصغيرة قررنا الهروب، فهربنا ولكن لم يحالفنا الحظ وقام الدواعش بأخذنا هذه المرة أيضاً وقاموا بضربي وتعذيبي أربعة أيام وبعدها قاموا ببيعي إلى مسؤول في تلعفر كان يدعى باقر عمره 45 سنة وبقيت معه شهرين من التعذيب وبعدها وبمساعدة شخص حاولت التخلص من أيديهم.
وتختم حديثها مع «المجلة» قائلة: «هذه كان قصتي كنت فتاة قاصرا وتعرضت للاغتصاب مرات كثيرة، هكذا تعذبتُ، على يدي أبو علي وأمثاله من الدواعش ولكنني ما زلت أحاول أن أستعيد حقوقي وحقوق إخوتي وجميع النساء اللواتي عانين ما عانيناه نحن الإيزيديات».

ماذا تنتظرون؟!

وخلال بحث «المجلة» عن فتيات أخريات لديهن أي معلومات عن المدعو (أبو علي)، أو غيره من قيادات داعش، الذين تمكنوا من الهرب من المناطق الخاضعة لسيطرة داعش والتي تجري فيها حاليا معارك تحرير، حصلنا على معلومات عن إحدى المحررات اللاتي كن من بين المختطفات لدى داعش وتدعى دلال ولديها معلومات عن المكنى أبو علي وخلال اتصال «المجلة» مع المحررة دلال أكدت أنها تعرفت إلى صورة المدعو (ابو علي) قائلة: «أول مرة رأيت فيها أبو علي كان في قاعة تحتجز فيه الإيزيديات في تلعفر، كانت هناك مئات الفتيات وأيضاً فتيات صغيرات، كانت هناك طفلة تبلغ 4 سنوات وبينهن من تبلغ 9 و10 و12 سنة أما أنا فكان عمري وقتها 17 عاما، وكان يتردد الدواعش في الليل على القاعة ويختارون الفتيات».
وتتابع: «أبو علي كان مسؤول بيع السبايا وكل شيء كان بيده، وكان يتردد على القاعة بشكل دائم 7 (أمراء) لداعش، أهدى أبو علي كل واحد منهم 3 سبايا، وأهداني إلى أحد الأمراء وتم شرائي 9 مرات كنت أبكي وأترجاهم وأقول أحفظ القرآن وسوف أصلي، فقط أعيدوني إلى أمي، كم رجوتهم أن يتوقفوا عن بيعي وشرائي عشرات المرات، رجوتهم مرات عدة وركعت وقبلت قدم أبو علي، وأنا أقول له: أوقف بيعي أرجوك، كان يضحك وينظر الي، ويشتمني».

ايفانا وليد

وتكشف دلال عن رؤيتها في إحدى الصفحات التابعة لأحد الدواعش صورة لمجموعة من الدواعش من بينهم شخص يدعى نصر محمد أمين، كان أبو علي أهداها له، وتقول دلال: «في الصورة داعشي اسمه نصر محمد أمين فرحات، مواليد 1983، كان من أهالي تلعفر من عشيرة فرعد، أبو علي أهداني إلى نصر كونه شارك مع سبعة من أمراء تلعفر في الهجوم على شنكال، بقيت لديه عدة أشهر أخدم زوجته وأعتني بأطفاله وعند غياب زوجته كان يقوم باغتصابي، ذقت كل العذاب لدى هذا المجرم»، مستأنفة: «أنا متأكدة أنه هو من رأيته في الصورة حتى البلوز التي يرتديها كم غسلتها له».
وتتابع محاولة حبس بكائها: «حاولت الانتحار عندما كنت لدى نصر ورجوت أبو علي أن أرى أمي، عندها رأي أبو علي أمي، وقال لي سوف أبيعك، وأمك جميلة سوف آخذها لنفسي، وأخذ أمي بالفعل، باعني مرات ومرات وسبى أمي لنفسه، وحتى الآن لا أعرف مصير أمي، وإذا ألقي القبض على أبو علي سوف يعترف بالتأكيد ويكشف عن مكان إخوتي وماذا حل بهم وبأمي»، مشددة: «إذا كانت الحكومة العراقية والكردية تنظر إلينا كعراقيين وكرد لألقوا القبض على أبو علي وحققوا معه وعرفوا مصير أمي وإخوتي، 3 سنوات وأملي الوحيد في الحياة أن ألتقي مجددا بأمي وإخوتي».
وتتابع: «سوف أذهب إلى البوليس الألماني… سوف أرفع دعوى ضد أبو علي هنا في ألمانيا وأجريت اتصالات مع منظمات مهتمة بقضية الإيزيديين، والكثير من الدواعش وصلوا لأوروبا وهناك ناجية أيضاً تعرفت على داعشي كان قد اشتراها في مناطق سيطرة داعش في سوريا رأته هنا في ألمانيا في المقاطعة التي تسكن فيها وهو لاجئ وزوجته في تلك المقاطعة».
وتختم حديثها مع «المجلة» موجهة نداء إلى الحكومة العراقية والكردية بإلقاء القبض على هذا الشخص، وتقول فيه: «ماذا تنتظرون؟ لمَ لا تقومون بإلقاء القبض على الداعشي علي المكنى، المسؤول المباشر عن بيع واغتصاب النساء الإيزيديات ولوجود دلائل وإثباتات وشهادات حية ضده من قبل الأخوات الناجيات، وأيضاً من أجل أطفالنا الذين هم في مخيمات النازحين وأبو علي لديه طفلة إيزيدية اسمها مريم وغير اسمها وسماها عائشة وهي تظن أن أبو علي أبوها، ورغم كل شيء وحسب الأخبار التي وصلتنا بأنه حر طليق في مخيم حمام العليل الثاني الذي تم إنشاؤه أخيرا لنازحي تلعفر.. بالله عليكم ماذا تنتظرون؟!».
وكان القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، أعلن في 19 أغسطس، انطلاق عملية تحرير قضاء تلعفر، وبحسب المسؤولين العسكريين فإن تلعفر قد تم تحريرها بالكامل، إلا أن الدواعش المحليين تمكنوا من الهرب مع عوائلهم خلال حصار القوات العراقية للمدينة الذي دام 9 أشهر، ويتم الهروب من قبل مهربين، حيث تم الكشف من قبل مسؤولين عن وجود أشخاص يهربون عناصر داعش من تلعفر إلى خارج العراق، بمبالغ مالية تتراوح بين 3 آلاف إلى 5 آلاف دولار للإرهابي الواحد.

الشبح الداعشي

قد تكون قصة فيان مع الإرهابي حاجي مهدي، دليلا على المعلومات التي تشير إلى وصول الكثير منهم إلى أوروبا، تبدأ قصة فيان ككل المختطفات الإيزيديات من قبل داعش وتسرد ما يخص منه المدعو حاجي مهدي الذي لحق بها إلى أوروبا ورغم أنها تعيش حاليا في ألمانيا فإنها تخشى أن تطالها يد حاجي مهدي الذي أرسل رسالة إليها أخيرا وهددها من خلالها.
تسرد فيان قصتها لـ«المجلة» وتبدأ من حيث بدأت قصة الأخريات من الإيزيديات اللاتي تحولن بين ليلة وضحاها إلى سبايا داعش… تقول: «كنت وزوجي في قرية كوجو، أما لصبي وبنت، سيطر الدواعش على مناطقنا وتم سبينا ولا أعرف لحد الآن مصير زوجي، حاليا هناك خمسة مقابر لحد الآن لا نعرف هوية من تم قتلهم ورميهم فيها».

حاجي مهدي

وتضيف: «أما قصتي مع حاجي مهدي فبدأت عندما كان يأتي إلى مقر احتجاز السبايا في تلعفر وهو أيضاً كان من أهالي تلعفر هو وأبو علي والشيخ عبد وباقر، نحن النساء بقي قسم لا بأس به في تلعفر فيما تم نقل الأخريات إلى الموصل وسوريا، عادة كان يحق لكل مقاتل أربع سبايا، أما الباقون أو من انضموا حديثا إلى داعش مثل من كان في القاعدة سابقا أو كان بعثيا سابقا، فلم يكن لهم ما يتمتع به من يقاتلون معهم، خصوصا الصغيرات فقد كن يوزعن على هؤلاء، وعادة هؤلاء يكونون بمنصب الوالي أو الأمير، لم يكن هؤلاء يشاركون في القتال إنما كانوا يتولون التنظيم والأمور الاستخباراتية وتجارة النفط والسبايا، وكما قلت: غالبيتهم كانوا بعثيين سابقين وغالبيتهم كانوا سجناء بتهم الإرهاب في أبو غريب، ومنهم حاجي مهدي الذي ظل خلال فترة سبيي لدى داعش يلاحقني وكلما كان يتم بيعي إلى أحدهم يأتي ويشتريني مرة أخرى».

وتكشف قائلة: «حاجي مهدي كان من أهالي تلعفر، تركها في 2005 وعاد إليها بعد سيطرة داعش وعاش في بيت أبيه الذي كان قد أهداه إياه صدام حسين، وحسب ما فهمت فإن أباه – وهو فيما بعد – من البعثيين السابقين قبل أن ينضم إلى المجموعات الإرهابية بعد سقوط النظام السابق»، مستأنفة: «بقيت نحو سنة لديهم، عانيت الأمرين، تمنيت الموت باليوم ألف مرة، الدواعش الذين هم من أهالي تلعفر ظالمون جدا، كانوا جيراننا ويعرفون جيدا ما يزعجنا وما يناقض معتقداتنا، كانوا يتلذذون بتعذيبنا وإهانتنا ويعرفون مكان جرحنا ويضعون الملح عليه».

  • تحقيق للإعلامية روشان قاسم منشور في مجلة المجلة بتاريخ 30.09.2017 ، و قد نشرنا التحقيق بتصرف مع تغيير عنوان التحقيق من قبل المحرر.
زر الذهاب إلى الأعلى