مقالات

روسيا وإعادة الهيمنة على الشرق الأوسط

بعد انهيار منظومة جمهوريات الاتحاد السوفيتي في العقد الأخير من القرن العشرين وتفكك دولها وخروج تلك الدول من سيطرة النفوذ الروسي وقتها كانت روسيا تهيمن على أكثر من نصف الكرة الأرضية عبر حلف وارسو وكانت إحدى الأقطاب الرئيسية وامتلكت قوة واقتصاد عسكري هائل وكان الدب الروسي يسرح ويمرح في كروم الدول ذات التوجه ما يسمى (الاشتراكي)

ونتيجة تسلط حكم الحزب الواحد وهيمنة القومية الروسية وتهميش باقي القوميات وظهور البيروقراطية وانتشار ظاهرة الفساد وعوامل أخرى حتى وصلت إلى درجة لا تستطيع الاستمرار بتلك السياسات؛ وبعد مرحلة وإعادة بناء البروستريكا وسقوط دولة وراء أخرى خرجت دولة روسيا الاتحادية مهزوزة وخاصة من الناحية الاقتصادية ولكنها احتفظت بترسانتها العسكرية القوية وخرج المئات من خبرائها العسكريين من روسيا، وقامت جمهورية الشيشان بالعصيان والتمرد ضدها وكانت مدعومة من قبل الدولة التركية وبعد خروج القائد عبدالله أوجلان من سوريا والتوجه نحو روسيا التي كانت تعاني آنذاك من اقتصاد ضعيف وتمرد الشيشانيين عقدت روسيا اتفاقاً مع تركيا وابتدأت المؤامرة الدولية ضد القائد أوجلان والشعب الكردي.

ومنذ ذلك اليوم بدأت روسيا بعقد صفقات اقتصادية مع الحكومات التركية المتعاقبة إلى أن وصلنا إلى مرحلة العقد الثاني من قرن الحادي والعشرين وبدأت مرحلة ثورات ربيع الشعوب في الشرق الأوسط ولم يكن للدولة الروسية موطئ قدم في هذه المنطقة باستثناء بعض التواجد العسكري في سوريا وليبيا، عملت هذه الدول على خلق فوضى في المنطقة عبر الإرهابيين القادمين من دول القوقاز وأفريقيا عبر الأراضي التركية وبالتنسيق بين الاستخبارات الروسية والميت التركي وقوى إقليمية أخرى، وحتى تستطيع هده الدول التدخل المباشر في المنطقة ومركزها سوريا وروج آفاي كردستان، تدخل الدب الروسي في الكَرمِ السوري عبر ترسانته العسكرية المتطورة وبعد أن انتعش اقتصاده في السنوات الأخيرة في الوقت الذي كان النظام السوري على وشك الانهيار فتدخلت روسيا بكل قواتها وتدخلت دول أخرى مثل إيران واصطدموا بشكل غير مباشر مع تركيا التي تدخلت عبر فصائلها الإسلامية الراديكالية وأسقطت الثانية الطائرة الروسية وقتل القنصل الروسي في عاصمتها أنقرة ولكن لم تحرك روسيا ساكناً، بل وتم إحياء الاتفاقات والمؤامرات بينهما، رغم أن سبعة عشر حرباً نشبت بين هاتين الدولتين، ولكن السؤال الذي يحتاج الإجابة أنه، هل تستطيع روسيا الاستمرار في سياستها واتفاقاتها مع تركيا؟

يبدو للعيان بأن لكل من هاتين الدولتين أجندات وسياسات ومصالح خاصة ومشتركة أيضاً ظهرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة ولكنها تبدو آنية وخاصة اتفاقات آستانا إلى جانب إيران الذي يبين بأنهم هم السبب الرئيسي في إطالة الأزمة؛ فاللقاءات الثلاثة المشتركة في استانا وأنقرة وموسكو والزيارات المكوكية التي لم تتوقف حتى الآن، فكما استفادت روسيا سابقاً من اتفاقاتها مع تركيا على حساب شعوب قوقاز تحاول الآن الاستفادة أكثر على حساب الشعب السوري عامة والكردي خاصة ومنطقة عفرين نموذجٌ من ذلك.

هل تستطيع روسيا الاستمرار بعلاقاتها مع تركيا بهذا الشكل والتغلغل ضمن دولة عضو في حلف الناتو؟ جميع المعطيات السياسية والدبلوماسية الدولية تشير إلى تحييد الدور الروسي ليس فقط في الشرق الأوسط إنما في عموم دول العالم؛ فالمؤشرات بطرد الدبلوماسيين الروس في العديد من الدول العالم وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والتدخل الاسرائيلي لوقف تزويد سوريا صواريخ اس 400 وما تعيشه روسيا اليوم شبيه بوضع دول الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن العشرين وفي المستقبل القريب ستتضح السياسات والكثير من الأمور.

زر الذهاب إلى الأعلى