المجتمع

حول الفوضى والتنظيم

تحقيق: جفان حرسان

من يتسبب بالحرب؟ الفوضى تسبب الحرب أم الحرب هي التي تسبب الفوضى؟

الحروب هي أكثر ما يسبب الفوضى بكافة أشكالها، ودائما ما تكون نتائجها كارثية على جميع الأطراف المتحاربة، لكن تكون النتائج أقل ضرراً على البلدان المنتصرة في الحرب.

لكن بنفس الوقت عندما تعم الفوضى تنتج الحروب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الارتباط ما بين الفوضى والحرب حتى أنه لا يمكننا من التفريق بينهما أبداً.

فإذاً كيف تَخترق الفوضى المجتمعات وما الغاية من اختلاق تلك الفوضى….؟

هل الجهل يُعتبر أرضية مثالية للفوضى؟ إذا أسلمنا بهذا فكيف نُنقذ المجتمع من الجهل ليتجنب الفوضى؟

منذ عدة سنوات تردد امامنا مفهوم الفوضى الخلاقة، كيف يمكن للفوضى أن تخلق شيء ايجابي؟

ما هو الأنجع، أن تخلق فوضى أم أن تَخلق من الفوضى؟ كيف يمكن أن تتحول الفوضى لنظام مجتمعي عادل؟

تساؤلات طرحناها على شريحة من السياسيين والإعلاميين فكانت آراءهم بما يلي:

الفوضى أدت إلى تخريب الأيكولوجيا وانعدام القيم الإجتماعية

عضو العلاقات الدبلوماسية لمنسقية إتحاد ستار جميلة عثمان:

تعتبر الفوضى الخلاقة من أحدى النظريات التي تلعب دورا كبيراً في تغيير الطبيعة السياسية التي تستند على القيم الاجتماعية والأخلاقية أي تهديم النظام السياسي القائم وبناء نظام جديد وفعال وذلك عن طريق اخضاع النظام لحالة من الفوضى وعدم الاستقرار والتدمير, كما إنها المساحة الزمنية الوجيزة ومشحونة بغرض الحرية والخلق والإبداع, فهي في معناها السياسي الحديث الفوضى البناءة أو التدمير البناء.

كما أن الفوضى الخلاقة بدأت باستنادها على مشروع الشرق الأوسط الجديد والتي لعبت دوراً كبيراً في احياء هذه النظرية, واللذين لعبوا دور الزعامة في هذه الظاهرة على شكل سيناريوهات هي أمريكا أي جعلت الاستبدادية من أولويات نظام الشرق الأوسط (أي النظام العبودي الكلاسيكي), ومن أجل الوصول إلى السلطة أنها خلقت أوضاع من الفوضى والأحوال الطارئة لكي تصل إلى المرحلة التي تريده عن طريق انشاء قوانين بدلاً من القيم الأخلاقية وهذا ما يراه المجتمع الآن بأنه الحل الوحيد للعيش بسلام ولا يدركون بأنه السبب في انشاء جميع هذه العوائق الحياتية التي يواجهونها.

الفوضى هي من إحدى النتائج التي أدت إلى انهيار كافة القيم الأخلاقية الموجودة ضمن البيئة الداخلية للمجتمع وليس هذا فقط بل أدى إلى تخريب الأيكولوجيا وانعدام القيم الإجتماعية وحصر ذلك في العنف والغرائز الشهوانية والوحدة أي الفردانية وجعلهم بدون أهداف مستقبلية أي العيش كروبوتات ألية وهذا ما شاهده المجتمع وايجادها كأنها هي من إحدى الوسائل الطبيعية في الحياة, الفرد يعيش لوحده ويريد مصالحه الشخصية فقط (الأنانية) كما أنها جعلت جميع الاهتمامات بالقيم الإنسانية وإعطاء المعنى الحقيقي للحياة تفتقد ولم يبق لها أي قيمة.

كيفما كانت الفوضى سبب في استغلال القيم الاجتماعية القديمة وذلك عن طريق الرأسمالية وتشكل ذروتها فإن المرأة أيضاً تشكل ذروة الاستعباد لكل هذه الأنظمة أي أنها أصبحت السلعة للاستفادة منها ويتم بيعها وبيع كل جزء من جسدها على حدا، وجردوها من طبيعتها الألوهية أي تقبل العيش في ظل النظام الهرمي الدولتي وجعل العبودية كحرية لها عن طريق الرأسمالية أي الفوضى العارمة أي أن الرأسمالية هي التي تجلب لها الحرية عن طريق الموضة, الحب والعشق الزائف فهذا ليس سوى التعمق في عبوديتها ورفع الذهنية الذكورية السلطوية.

فإذا لم تدرك المرأة بأن هناك مكان لها بأن تكون حرة فيها ومكانها ليس ذاك القفص الذي يشبهونها بالطير الكناري يكون محبوباً وجميلاً لكنه أسيراً وإن هذا من أشد أنواع العبودية التي يتعرض لها وتستند عليها الرأسمالية أي الوجه الآخر للفوضى فإذا ماأدركت المرأة وتخرج جميع طاقاتها للخروج من ذاك القفص وإن لم تجد الحلول المناسبة لهذا الشيء ولتحقيق حريتها وأن لم تجعل المساواة هدفها لا يمكننا أن نضع حلول لأي ظاهرة اجتماعية أخرى لأن الرأسمالية هي التي شكلت الفوضى لكي تكون نفسها وتم ذلك عن طريق عبودية المرأة.

المعنى الذي يتم اطلاقه على الديمقراطية بأنها تقود إلى الفوضى والصراع والإرهاب إلا أن ذلك وجهة نظر تعود إلى الفكر الوحيد الذي يملك الانقسام والعنف وهذا بدوره يؤدي إلى التمسك بالسلطة عن طريق الدمار والتخريب, فإذا أعطينا المعنى الصحيح للديمقراطية وكيف يتم أنشائها عن طريق اظهار أرادة الشعب وهم بأنفسهم يقودون هذه الحياة عن طريق بناء مجتمع اخلاقي وسياسي كما كان عليه من قبل, أي قبل ظهور ظاهرة الفوضى والرأسمالية وعن طريق الفهم الصحيح لهذه الظاهرة المنتشرة الآن يمكننا اسقاط الأقنعة التي تختبأ خلفها الفوضى وهذا ما يشير إليه القائد عبدالله أوجلان في فلسفته العظيمة وهي بناء مجتمع أخلاقي وسياسي يستند إلى إرادة الشعب بعيد عن السلطة والدولتية ورجوع المرأة إلى طبيعتها الإلهية وتتحرر من العبودية التي ترفع من الذهنية الذكورية السلطوية.

الاستغلال الإعلامي للفوضى أدى إلى عرقلة الوضع ونشر الفكر التعسفي الصوفي على وجه العموم

روكسان عفرين – مراسلة وكالة :JINHA

بالمعني العام الفوضى تعني المصطلح المجازي لأمر ما, حيث يتدرج أيضاً بعدة أشكال منها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ما يبين هذه الأشكال من الفوضى بلا شك هو الإعلام المعاصر الذي يتداولها الناس في القرن العشرين بكثافة هائلة. لذلك الاستغلال الاعلامي للفوضى ذو ايجابيات وسلبيات لا يمكن إدراك مداها حتى يقع الواقع المرئي أمام الواقع الفعلي للحياة, نستطيع أن نقول بالفعل إن الفوضى والإعلام بمثابة ثورة ضمن ثورة.

كما أن الإعلام يستكشف الأساليب والسلوكيات العامة للحياة من الحروب و الثورات وعدم الأمان والاستقرار بكافة المجالات, لذلك التبيان العامة للفوضى ضمن المجتمعات تبشر بالسير نحو مجتمع ديمقراطي حر. الأوضاع الأخيرة على ذلك الحروب والثورات التي حصلت في الشرق الاوسط ببداية عام 2011م وبغض النظر عن الأسباب التي أدت لذلك فان الفوضى التي تم اختلاقها من خلال الاستغلال الاعلامي أدت إلى وعي مجتمعي على كافة الأصعدة, وأيضاً علماء السلام يؤكدون بأنه كلما زادت العشوائية وقل النظام فأنه يتحقق السلام.

فمنذ بداية الثورات وهي اليوم تسمى بالحرب العالمية الثالثة لعب الإعلام دوراً بارزاً في إظهار الوقائع والأكاذيب والعنف والخير والموت والحياة بعدة فيديوهات. لكن أكثر ما فشل فيه الاستغلال الاعلامي هو الوضع السوري الراهن, في مصر وتونس واليمن وليبيا الاستغلال الإعلامي للفوضى أدى إلى عرقلة الوضع ونشر الفكر التعسفي الصوفي على وجه العموم. لكن في سوريا الاستغلال الاعلامي المرتبط  بالأفكار والتنظيمات التي تهدف إلى إقامة العدالة والسلام لعبت دوراً هام في إيقاف تيار انتشر العنف في باقي المدن والعالم, وبالتالي ظهر تياران في ساحة المعارك الاستغلال المعادي والغير المعادي للفوضى. لشرح الواقع المعادي والغير المعادي لا بد الوقوف على نقطة علاج الوضع, فنقطة العلاج للوضع الراهن هي تمثل في سوريا بلا شك, كم رأياً في سوريا منذ نشوب الحرب ظهرت ثلاث جبهات إعلامية استغلت الفوضى ونشئت عليها معالمها المعادية والغير معادية. الكرد العلويين والمسلمون ثلاث جبهات ظهرت في زمن الفوضى الراهن, لكن اللافت للانتباه إلى الاستغلال الإعلامي نجد بأن الكرد في سوريا قاموا بالاستفادة من الفوضى بوضع علم ومعرفة الشعب الكردي بديلاً للفوضى والبعد عن الجري وراء الأكاذيب والمخادعة. فنشأت منظماتها السياسية والفكرية والثقافية ويوما بيوم من خلال الإعلام قامت بنشر التطورات والمعنويات وكيفية التمسك بالأرض وحق الدفاع المشروع للوصل للحرية. من خلال منظماتها أكدت على حرية الشعب وكيفية التعايش سويةً, عل الرغم بأن كافة هذه الافكار في الواقع لا تخلو من الصعوبات وعدم الاستقرار إلا أن لفت انتباه الكرد عل هذه المبادئ جعلت من الاستغلال الإعلامي للفوضى يحد من العنف وعدم الاستقرار. للنظر إلى وضع العلويين نجد أيضاً أن استغلالهم الاعلامي للفوضى يصب فقط على توحد عنصري قومي لا يخلق معه أي تيارات تبشر بالتغيير نحو الديمقراطية أو الحياة المشتركة. هذا يمتد يوماً بعد يوم من خلال استغلال الدول العظمى لسلطة العلويين في سوريا ودعمهم من غير تغير الأفكار الدولتية والسلطوية التي ترعرعت عليه الدول في ظل الحكم الرئاسي.

أيضاً للنظر إلى وضع المسلمون نجد بأن أسوء أنواع الاستغلال الاعلامي يستخدمونه من خلال الاسلام التعصبي والمقلد الذي تم نقده النبي في زمن الهجرة, فالنبي لوقف حدة العنف والاستغلال في ذلك الزمان يوم دخوله مكة المكرمة قال لليهود: “من أسلم منكم فهو منا ومن اعتنق الكفر فهو حر”. لكن في سوريا المسلمون انقسموا إلى قسمين منهم من يرغب بإقامة سوريا إسلامية والقسم الثاني المسمى بداعش يرغب بإقامة أمم داعشية من خلال الاستغلال الاسلامي للإعلام وليس الفوضى القومية التي نشأت ضد افكار العنصرية والتفرقة وما شابه, في كلا الحالتين نجد بأنه لا جدوى من هذه التداعيات لأنه لا تؤدي إلى خلق مبادئ الأمن والاستقرار بين الشعوب.

كما لا يسعنا القول أيضاً بأن الاستغلال الإعلامي الحر حراً في كافة ما يقوم به, لأن حرية الإعلام هي إنماء الشعوب وليس خلق الدمار والفساد. ولا يمكن النظر للإعلام بالعين المجردة ومن أبسط اكتشافات العالم بل هو الأهم والأكثر انتشاراً وفاعلية بين الناس, فانتشار الانترنيت وفضائيات مثل القنوات والفيس بوك وتويتر وغيرها تشغل ثلث العالم حالياً من كبار وشبان وأطفال أيضاً. لذلك حرية الإعلام يجب أن تبنى على الأخلاق والحقائق التي تخدم مصلحة مجتمع وليس شخص أو فئه ما. لأن كتابة خبر ما ونشره دون وجود مصداقيته يدل على انهاء المجتمع أو الشيء أو الشخص الذي تم النشر عليه. فقلم الإعلامي يخلص الملايين من البشر من الدمار ويدمر أقلام ذاته الملايين أيضا إذا فقد الإعلامي بلحظة نشر الخبر مبادئ الأخلاق والوجدانية.

في نهاية المطاف نقول لمستغلي الفوضى الإعلامية المصداقية ثم المصداقية, وليجعل كل إعلامي من كتابته منبعاً لبداية مجتمع ينطق بالسلام ويقف ضد العنف والاستيطان الإعلامي المنتشر في القرن العشرين التي فيه يعاني شعبنا من الاستغلال والاضطهاد والتقسم والتفرقة, فمن المعروف أيضاً بأن استمرار استغلال الفوضى بشكل خاطئ سيزداد حدة التوتر وسيصبح التعايش بين المجتمعات أمراً بعيد عن التصور والخيال, لذلك أنادي رفاقي وكافة الاعلاميين أن يحثوا على نشر البديل الذي يؤدى إلى أقصر طريق لحل الأزمة في سوريا وكافة المناطق الأخرى في الشرق الاوسط.

نظرية الفوضى الخلاقة قائمة على ضرب الشعوب ببعضها

ابراهيم بركات المسؤول الإعلامي في حزب الشغيلة الكردستاني

أول من طرحت نظرية الفوضى الخلاقة بعد فشل ما سبقتها من مفاهيم ونظريات سوقّتها الإدارة الأمريكية كنظرية شرق الأوسط الجديد وغيرها، هي وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق هيلاري كلينتون، وذلك بعد فشل المشروع الأمريكي فشلاً ذريعاً في أفغانستان ومنطقة الأوسط وتخبطه في المستنقع العراقي حيث كان التدخل الأمريكي المباشر عسكرياً وسياسياً فكان لابد من إيجاد سياسة أمريكية جديدة لإنقاذ مشروعها أولاً وأضعاف المنطقة ثانياً مما يسهل على أمريكا السيطرة على المنطقة وثرواتها الوطنية ونهبها، وذلك بخلق بؤر التوتر عبر تأجيج نعرات طائفية وتأجيجها مما يؤدي إلى حالة تصادم بين الطوائف والشعوب في الشرق الأوسط.

إذن هذه هي نظرية الفوضى الخلاقة قائمة على ضرب الشعوب ببعضها بغية اضعافها وشل قدراتها وتالياً سهولة التدخل الأمريكي فيها وتطبيق سياساتها ونهب ثرواتها، وهي من تجليات النظام العالمي الجديد القائم على النظام القطب الواحد وهو القطب الأمريكي، ولكن بعد هزائم متتالية لهذا القطب ورفض الشعوب لسياسات والسطوة الأمريكية وخاصة بعد تجلي كثير من الحقائق ومنها رعاية الأمريكية لتنظيمات الإرهابية وخاصة “القاعدة”.

فالفوضى الخلاقة هو مفهوم أمريكي ومعياره الذي يقاس وفق مصالحه ومصالح ربيبته التاريخية  إسرائيل فالولايات المتحدة الأمريكية حريصة وتعمل على إبقاء إسرائيل القوة الفاعلة في المنطقة وجميع الموازين يجب أن تكون لصالح تفوقها وقوتها العسكرية في المنطقة، وبغية تسويق نظرية الفوضى الخلاّقة، لجأت دوائر الإدارة الأمريكية إلى دوّل الشرق الأوسط بذريعة نشر الديمقراطية بين شعوبها وحكوماتها فرصدت ملايين الدولارات من أجل تسويق ديمقراطيتها، بموازاة دعم الأنظمة التي تدور في فلكها ضماناً لبقاء تلك الأنظمة، لذا كل ما نجده اليوم من الحروب الطائفية متسترة بلبوس الديمقراطية و”الربيع العربي” هي تصب في ذات السياق، نتيجة تأجيج الولايات المتحدة لنعرات الطائفية، وخلق حالة التصادم والاشتباك بين الشعوب الشرق الأوسط.

إذن، الإمبريالية الأمريكية مازالت كما هي ربما تغّير لباسها، لكن الجوهر والغاية تبقى كما هي، هذا الجوهر والغاية القائمان على إخضاع الشعوب نهب خيراتها.

كما أن هذه النظرية مصيرها الفشل كما كل المشاريع والسياسات الولايات المتحدة، بل إنها من تجليات الأزمات المتلاحقة في قلب الأنظمة الرأسمالية والاحتكارية، التي ما أن تخرج من أزمة حتى تواجهها أزمة أخرى، ناهيك عن الضغط الشعبي والجماهيري داخل تلك الأنظمة.

ومن هذا المنطلق حريٌ بالشعوب في الشرق الأوسط لا بل الشعوب العالم أجمع مواجهة هذا الغول الأمريكي الإمبريالي.

زر الذهاب إلى الأعلى