الأخبارمانشيت

حملة القمع في تركيا تهدّد الملاذَ الذي شيّده الُكرد … للمساواة بين الجنسين

turkiyaفي منطقةٍ ساد فيها النظامُ الأبوي كقاعدة أساسية، برزَ المجتمعُ الكرديّ منذ أمدٍ طويل كحالةٍ استثنائية.

يمكن لأيّ زوجة تتعرض للضرب من قبل زوجها أن تتقدمَ بطلبٍ لتحويل راتبه إليها كجزءٍ من العقوبة التي ينالها.

من خلال اتفاقٍ عامٍ يتحتّم وجود رؤساء مشتركين للمدن التركية، رجلٌ وامرأة. وعلى جميع أعضاء البرلمان أن يترشحوا في قوائمَ تحقّق التوازن من حيث الجنس. وتكون الأفضلية للنساء في الوظائف والتعيينات الجديدة إلى أن تصبحَ قوةُ العمل مناصفةً بين الذكور والإناث.

في الحكومة المحلية يكون للمجالس واللجان مدراءٌ تنفيذيون مشتركين من الذكور والإناث، باستثناءٍ وحيدٍ هو وزارة شؤون المرأة، أي أنّ عملية صُنع القرار في ما يتعلق بالمرأة لا يمكن أن تتمّ إلا من قبل النساء.

حتى أن وحدات الغريلا الكردية تتألف بالكامل من الجنسين، المرأة تقوم بالأدوار القتالية نفسِها، مثلها مثل الرجل. وعندما تذهب القوات المسلحةُ إلى الحرب فإنها ترسلُ امرأةً لتتولى قيادة أحد أهم وحداتها.

ثمةَ إشكالٌ كبيرٌ في ما يتعلق بهذا الجانب من الحياة الكُردية، في تركيا على الأقل: في الواقع يتم اعتباره خروجاً عن القانون كجزءٍ من حملة القمع التي شنّتها الحكومةُ التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الصيف الماضي. وبالموازاة مع حملة الاعتقالات ضد  القياديين من السّاسة الكرد، تقوم تركيا باستهداف التدابير التي اُتخِذت لتعزيز المساواة بين الجنسين.

كان هذا هو شكل العالم كما تصّوره حزبُ العمال الكردستاني المحظور، أو الـ PKK. قد يكون الـ  PKKمنظمةً إرهابية في نظر الحكومة التركية وفي نظر أوروبا والولايات المتحدة، لكنه أيضا ً ومنذُ عهدٍ بعيدٍ جعل من حقوق المرأة محورَ برنامجه السياسي.

هذا البرنامج يتمثّل بقيام الأحزاب السياسية القانونية السائدة بتنفيذ مهامها فعلياً في العديدِ من المناطق ذات الكثافة الكردية في شرق تركيا، في تلك المنطقة تحظى فلسفةُ حزب العمال الكردستاني بشعبيّة واسعة. وكان حزبُ الشعوب الديمقراطي HDP الموالي للكرد قد فاز بـخمسينَ مقعداً في برلمان تركيا، وفازت الأحزاب المحلية التابعة له بانتخابات مجالس البلديات في 103 بلدية.

في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ومن ناحية ثانية، قامت الحكومة التركية بشنّ حملةٍ على حزب الـ HDP ــ وهو ثالثُ أكبر حزب سياسي شارك في الانتخابات الوطنية الأخيرة في البلاد، حيثُ فاز بستة ملايين صوت ــ فاعتقلَت عشرةً  من أعضائه في البرلمان بمن فيهم الرؤساءُ المشتركون من الذكور والإناث.

وقد تحرّكت السلطاتُ لإلقاء القبض على الرؤساء المشتركين للبلديات في جميع أنحاء المناطق الكردية، وقامت بتعيين أمناءَ من قبل الحكومة ليأخذوا أماكنهم.

 حتى الآن تم تعيين عددٍ من الأمناء ليتولوا إدارة ما يُقدّر بـ 40 من أصل 103هيئة إدارية.

أول الأشياء التي فعلها الأمناءُ في الأسابيع الأخيرة هو المباشرةُ بفصلِ المدراء التنفيذيين، وبإغلاق بعض المراكز النسائية، وإقرار عدم قانونية شيكات الرواتب التي يتمّ تداولها.

“هذه الحملة تستهدف النساءَ بالفعل، وتقوم بإغلاق المنظمات التابعة للمرأة” تقول فلكناز أوجا، النائبة البرلمانية من ديار بكر:” إنها ضربةٌ موجّهةٌ  ضدّ حرية المرأة”. لقد أدلوا بتصريحات كثيرة من هذا القبيل مثلاً: (عليكِ أن تذهبي وتُنجبي ثلاثة أطفال).

إجراءُ التعديل في حقوق الجنسين في المناطق الكردية في شرق تركيا يعود إلى أكثر من عقٍد من الزمن، مع أنه أكتسب زخَماً في الحكومة عندما كان حزب الـ HPD يبلي بلاءً حسناً على المستوى القومي في السنوات القليلة الماضية،

 ورغم أنه حزبٌ موالٍ للكرد، فهو يضمّ كذلك أعضاءَ من العِرق التركي. معظمُ فلسفة الحزب تنبثق من أيديولوجية حزب الـ PKK، حيث كان زعيمه عبدالله أوجلان منذ المراحل المبكرة يُعلي من شأن المرأة كشريكٍ مُساوٍ للرجل، حتى في ساحة المعركة.

وبالتالي فإن حزبَ العمال الكردستاني بالنسبةِ للكثيرِ من النساء ذوات الميول اليسارية في تركيا والغرب، يُعتبر بطلاً ملحميّاً للمساواة بين الجنسين، وهو الذي نجح ــ بعكس الجماعات الثورية الأخرى ــ في أن يضع مبادئهُ موضعَ التنفيذ، ليس فقط في الساحات القتالية، بل أيضا في المنازل.

حَدَثَ هذا في مجتمعٍ تقليديٍ كان يسوده النظامُ الأبويّ بقوة، حيث كان تعدّد الزوجاتِ شائعاً، وجرائم الشرف يتمّ تقبلّها، ولم يكن يُسمَح للفتيات بالجلوس إلى طاولة واحدة مع آبائهن، ولم يكن متاحاً للمرأة الحُبلى أن تظهرَ على رؤوس الأشهاد. وكانت النسوة يُؤنّبن إن شوهدن وهنّ يضحكن.

ومن أول الأمور التي نفذها حزب الـ HPD هو أن قرّر عدمَ السماح لأي رجل لديه أكثر من زوجة أن يُمثّل المكتب، أو أن يشغل أيّ منصبٍ حزبيّ من أيّ نوع. والأزواجُ المدانون بأي اعتداء يُحرَمون على نحوٍ مماثلٍ من عضوية الحزب.

 لكنّ أكبر الابتكارات كانت تتمثل في الرئاسة المشتركة على كل مستوىً، ومبدأ صناعة النساء لقراراتهن الخاصة في القضايا المتعلقة بالمرأة.

“لقد سبّب هذا تحولاً لا يمكن لكَ أن تتخيّل مستواه”، تقول ميرال دانيش بيستاس، النائبة البرلمانية من أضنة، جنوب تركيا.

إن التركيز على مبدأ المساواة بين الجنسين تعمّقَ في البيوت الكردية وفي الحياة الأسرية. توجدُ العديدُ من الحركات السياسية التي تنادي بالمساواة في الحقوق، لكن هذا لا يعني أن يبدأ الرجال بغسل الأطباق.

يقول الصحفي الكردي سادات يلماز:” بأن تغييرَ المواقف هو أبعدُ من مجرّد كلام”. عندما جاء أولَ مرة إلى البيت في قريته الريفية عائداً من الكليّة، وبدأ غسلَ الأطباق مع والدته، دخل خالهُ ذات يوم وقام بتوبيخهما. “أرسلناكَ إلى الكلية لتتعلمَ كيف تصبح رجلاً”، هذا ما قاله.

“لا استطيع القول إن كل شيء يجري على قدمِ المساواة في البيت”، تقول بيستاس. “لكن المرأةَ تقول وهي مرتاحةٌ:” إن كنتُ موجودةً في المطبخ, فينبغي عليكَ أيضاً أن تكون موجوداً في المطبخ”. وعندما تكون المرأة مُعيلةً فإنّ المنتظرَ من الزوج أن يأخذ على عاتقه حصّةَ الأسد من الأعمال المنزلية؛ وإن لم يقم بذلك فبإمكان المرأة الذهاب إلى مركزٍ نسائي والتقدّم بشكوىً رسمية.

“في البيت الآن يتشاور معي أبي حول كل شيء”, تقول بيلين أوجس، البالغة26 عاماً، وهي طالبة في العلاقات الدوليّة. “نحن نتناقش في السياسة، ويمكنني مواجهته بكلّ شفافية، والآن تريدُ مني أسرتي أن أكونَ أكثرَ قوّةً. يقولون لي:” احصلي على رخصة قيادة بحيث تتمكنين من تحقيق استقلاليتك”.

الآنسة أوجس التي ترتدي الملابسَ الضيقة والكعبَ العالي وتُسرف في مكياجها، بالكاد يبدو عليها الجانبُ الثوري.

وهي جالسةٌ في أحد مقاهي ديار بكر مع اثنتين من صديقاتها, تتبادل معهما قصصَ الحرب التي سمعنها عن النساء اللاتي كنّ في الغريلا ــ “النساء هن القناصات الأفضل”, تُصّرح الآنسةُ أوجس. ومثلما هنّ متشابهات في طريقة اللبس، فإن لكل واحدة منهن أيضاً شالاً يغطّي الذراعين، وتُرتبنَ الأوشحة والستراتِ الصوفية وهن يتجاذبن أطراف الحديث. “لدى جيشنا نساءٌ مقاتلات”، تقول إحدى صديقتيها, “الأتراك ليس لديهم”.

تقول أرزو ديمر، التي ألّفت كتابين عن المُقاتلات الكرديات:” بأنّ الدورَ الأنثوي في الوحدات العسكرية الكردية كان عاملاً رئيسياً في التأكيد المتزايد على المساواة في الحقوق بشكل عام.

“قوتهنّ تأتي من تنظيمهنّ ولأنهنّ مسلّحات”، تقول الكاتبة, “هناك دائماً رجالٌ يعتقدون بأن النساءَ عبيد, ولكن حين يُشكلنَ قوةً مسلّحة، فإنّ الرجالَ يخافون منهن”.

تم حظرُ كلا الكتابين في تركيا، والآنسة ديمر تواجهُ الآن محاكمةً جنائية بسببهما. وقد حققا أيضاً شهرةً واسعة، وصُدِرا بطبعاتٍ متعددةٍ واندرجا في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، حتى في غرب تركيا وسط العرق التركي.

وهاب جوشكن: أستاذ القانون في جامعة دجلة في ديار بكر، والناقدُ لحزب العمال الكردستاني، يعترف بأنّ ترقية الأحزاب الكردية للمرأة كان له تأثيرٌ أبعد من مناطقهم الأصلية.

“لقد أثّر هذا كذلك في الأحزاب السياسية الأخرى لتعلنَ عن ترشيح عددٍ أكبر من النساء في غرب تركيا أيضاً”, ويقول مضيفاً “وقد زاد ذلك أيضاً من إبراز دور المرأة في الحياة الاجتماعية، فضلاً عن تأثيرها في الحياة السياسية”.

وبينما لا يوجدُ أيُّ حزبٍ قوميٍ آخر لديه من النساء من يُمثلن 50% من الدوائر مثلما لدى حزب الـ HPD, فإنّ عددَ المرشحين السياسيين من النساء قد ازداد بشكلٍ كبيرٍ حتى لدى الحزب الحاكم AKP, الحزب الإسلامي المحافظ.

وقالت الآنسة بستاس القانونية بأنها تتوقع أن تقومَ الحكومةُ التركية في ظل قانون الطوارئ بتعطيل التقدّم الملموس الذي حققته المرأةُ الكردية. إنّ إعادةَ الأوضاع إلى الوراء سيكون أكثرَ صعوبة، وأضافت: “حملةُ القمع هذه لن تصل في قوتها إلى الدرجة التي نغيّر فيها مبادئنا”.

. Rod Nordland

The New York Times

ترجمة وتحرير: مكتب إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى