مانشيتمقالات

انتفاضة ١٢ آذار المباركة

أسعد منان ــ

تُعد انتفاضة ١٢ آذار ٢٠٠٤ مرحلة مفصلية في تاريخ الشعب الكردي والحركة السياسية في روجافاي كردستان، وهي ليست وليدة لحظة الحدث الذي حصل في المباراة بين فريقي الجهاد والفتوة، بل لها أسبابها البعيدة والقريبة المباشرة.

فمنذ تأسيس الدولة السورية بموجب اتفاقية، سايكس بيكو، وفي عهد الانتداب الفرنسي، إلى فترة ما قبل الوحدة مع مصر، كان للشعب الكردي دوراً ريادياً في كافة المجالات، بدءاً من مقارعة الاحتلال الفرنسي وقيادة دفة الثورة السورية والمقاومة العسكرية وصولاً إلى الحياة السياسية والحزبية والعلمية؛ إلى أن حصلت الوحدة بين سوريا ومصر، فتحول اسم الدولة من الجمهورية السورية، التي كانت تمثل كافة المكونات، إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتعالت معها موجة الشوفينية القومية العربية، فأنتجت مشروع الحزام العربي وتجريد أكثر من مئة وعشرين ألفاً من المكون الكردي من الجنسية السورية، وتم محاربة اللغة والثقافة الكردية ومنعها من التداول، وفُرض سياسة التعريب والصهر في بوتقة القومية العربية بدءاً من أسماء الأطفال إلى أسماء القرى والمدن، كما تم الاستلاء على أملاك الأغنياء من الشعب الكردي وتوزيعها على المكون العربي ومحاربة المناطق الكردية اقتصادياً ومُنِعَ قيام المشاريع التنموية، وهذا ما أدى إلى الهجرة المخططة لأبناء الشعب الكردي إلى المدن السورية. ومع انقلاب حزب البعث الشوفيني ووصوله إلى سدّة الحكم؛ استمر في إنكار وجود الشعب الكردي وحارب بِيَدٍ من حديد من خلال أذرعه الأمنية كل نشاط وطموح سياسي للشعب الكردي، وفرض سياسة التعريب من خلال فرض الحزب الواحد واللغة والقومية الواحدة. ومع توقيع اتفاقية أضنة مع الدولة التركية زادت سياسات القمع والإنكار أضعافاً مضاعفة.

وما حدث من ممارسات شوفينية من قبل أنصار فريق الفتوة يوم المباراة؛ كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وأزالت جدار الخوف أمام الشعب من أجهزة النظام القمعية القابعة على صدر الشعب الكردي منذ عشرات السنين، وخرج الشعب الكردي في مظاهرات ومسيرات عارمة ابتداءً من (القامشلي) إلى كافة مدن وقصبات روج آفا والمدن السورية، هذه المواجهات أسفرت عن استشهاد العشرات من أبناء وبنات الشعب الكردي.

ولو أن المعارضة السورية انضمت إلى هذه المسيرات، لبدأت ثورة الشعب السوري ضد النظام الأمني القمعي وقتها، ولَمَا تأخر إلى ما بعد انتفاضة الشعب التونسي، لكن تُرِكَ الشعب الكردي وحيداً في مواجهة النظام الذي اصطفّ إلى جانبه كافة أشكال وأحزاب ما يعرف بالمعارضة بالإضافة إلى بعض الأحزاب الكردية من جهة وخطاب الرئيس السوري وإعطائه الوعود باتخاذ بعض الإجراءات لحل القضية الكردية من جهةٍ آخرى، ساهم في عدم استمرارية الانتفاضة، والتفاف النظام والأجهزة الأمنية عليها والبدء باعتقال الآلاف من الذين شاركوا بالمَسِيراتِ والمظاهرات وزجهم في زنزانات وأقبية الأجهزة الأمنية.

إن انتفاضة ١٢ آذار هي الرَّحِم التي ولدت منها ثورة ١٩ تموز العظيمة، إن معظم الثورات العظيمة في التاريخ لم تنجح دفعةً واحدة، بل مرَّت بعدة مراحل وتجارب، فثورة اكتوبر التي قادها لينين في روسيا القيصرية نجحت في المحاولة الثالثة، كذلك فإن انتفاضة ١٢ آذار وإنْ لم تتكلل بالنجاح والانتصار، إلا أنها كانت الحجر الأساس في إنجاح ثورة ١٩ تموز ٢٠١٢، ولولا ميراث انتفاضة ١٢ آذار ونضال حركة الحرية الكردستاني لكان وضع الشعب الكردي وثورة روج آفا مثل وضع المعارضة السورية الغارقة حتى النخاع في مستنقع الشوفينية القومية والدينية التي أوصلتهم بالنتيجة إلى أن أصبحت مرتزقة تحت الطلب لدى سلطان الباب العالي.

زر الذهاب إلى الأعلى