مقالات

الهجرة وأخطارها

مجيد الحاج علي

إن ظاهرة الهجرة وحركة التنقل البشري لم تنقطع على مدى التاريخ الإنساني, وكل هجرة كانت لها أسبابها من العوامل البيئية والمناخية والاقتصادية والعسكرية والمعيشية والكوارث الطبيعية … الخ

أما أن تتفاقم هذه الظاهرة إلى درجة مرعبة تهدد ديموغرافية بعض الاوطان, وإحداث خلل في مصير بعض المكونات واستنفاذ الطاقات وانهيار مقومات الاستمرار بالعيش والاحساس بالأمان كما حدث في موطننا سوريا, فهذه إشكالية بشرية محسوبة تاريخياً على الجهات الفاعلة بهذا الخصوص وخلق الأسباب المؤدية إلى توفير العوامل السلبية على الساحة السورية وخصوصاً مناطق روج آفا، وكما أدلت بعض المواقع الإنسانية حسب محلليها بأنها أكبر هجرة بشرية في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية, وهي تقتصر على بقعة محددة في الشرق الأوسط وخاصة سوريا

وبناءً عليه لابد لنا أن نشخِّصَ العِلل التي أجّجت سعير هذه الهجرة المخيفة والتي بدأت سوريا تعاني من تداعياتها السلبية والسيئة, وعلى رأس هذه العلل هي قضية الحصار الإقليمي التي تمارسه الدول المجاورة تحديداً وبإشراف عربي تركي من إغلاق المعابر، وإجراءات التشدد على الطرق الحدودية, بالإضافة إلى مأساة  الطرق في الداخل السوري المسدودة بحواجز الإرهاب الداعشي والفصائل المسلحة التي لا يقتصر إرهابها على الإمدادات والمواد وحسب, بل على الأرواح والبشر أيضاً, مما يشكل عبئاً إنسانياً واقتصادياً ثقيلاً على الشعب السوري من ضعف العمل التجاري الناتج عن الحصار الجائر والذي يؤدي إلى إحداث شلل في حركة الأموال التجارية والاستثمارية ما يؤدي إلى عدم الاستقرار في ممارسة التجارة وخلق حالة عدم الاطمئنان على الاموال التجارية والاستثمارية وحالة  عدم الاستقرار مما يحدو بأصحاب الاستثمارات البحث عن سبل أخرى في مقاطعات ودول وجهات أكثر امناً واستقراراً.

وكم حاولت تركيا بالتدخل في شؤون الثورة السورية, وطرح الحلول على المقاسات العثمانية والمصلحة الاخوانية وخاب أملها, فجنحت إلى الأساليب الملتوية باستيعاب اللاجئين السورين وبدأت تساوم على المنطقة الآمنة وإقناع الاتحاد الاوربي وأمريكا بدعم المشروع التركي لعودة اللاجئين إلى المنطقة المنشودة, وكانت الغاية سياسية وبعيدة عن المقاصد الإنسانية لضرب حركة الثورة في روج آفا وعموم سوريا, ولفبركة سياسة المنطقة وفق مصالحها ووفق إرادتها حتى لو استدعى الأمر إلى استخدام الأسلحة والطائرات فقط بحجة حماية المنطقة الآمنة وعملت على دفع اللاجئين وبالآلاف من الداخل التركي باتجاه اوروبا لوضعها تحت وطأة المسؤولية الإنسانية والخلاص منهم أيضاً.

وبالوقت نفسه استغلت هذه الناحية لشراء الصمت الغربي لضرب عفرين واحتلالها, وتهجير سكانها وتشريدهم قهراً وإحداث خلل ديمغرافي شنيع في تلك المنطقة, بالإضافة إلى دور دول البترودولار الخليجية التي لم تبادر تجاه القضية الإنسانية في سوريا ولو باستقبال لاجئ سوري فقط لا غير, وحتى العمالة السورية طُردت بذنب الانتماء السوري, عدا عن دفع المبالغ الطائلة لترويج وتسهيل الهجرة من سوريا بأيدي بعض الجهات السياسية السورية.

إن العامل الأصعب في الموضوع هو استعصاء الحلول بل وفقدانها وبالرغم من بلوغ عمر الأزمة أكثر من ثماني سنوات عجاف على طاولة الجلسات الدولية.

ومرت سنوات كئيبة وبالغة الصعوبة على الشعب السوري الذي يدفع الضريبة غالياً من الأرواح والأنفس, والتدمير والخراب, وانهيار البنى التحتية, وغلاء الأسعار, وفقدان المواد, والقلق الأمني, والإرهاب المستشري, والمفخخات التي تحصد الناس قبل الممتلكات, وكأن السوري يجب  يستنشق الهواء دون الأوكسجين وخالياً من مقومات الحياة, وغذاؤه مقتراً أو حتى ملوثاً وحتى هذه يعتبرونها مكرمة من المنظمات الأممية التي أخَلّتْ بأمانة مسؤولياتها تجاه هذا الشعب الأبي, وذنبه الوحيد لأنه طالب بحريته!!

نحن ندرك منذ البداية ونظراً لعنصر المفاجأة من بعض العصابات المسلحة الإرهابية التي استهد فت مناطقنا وخاصة سري كانييه, وحينئذٍ لم تكن الإدارة الذاتية الديمقراطية حاضرة وموجودة لتتحمل مسؤولية الدفاع عن مدننا بعد, وكذلك قوات حماية الشعب YPG وقوات حماية المرآة ypj  كانت غائبة في البداية مما أدى الى نزوح المواطنين, إلّا أن استدراك هذا الواقع قد حصل سريعاً وتم تحرير سري كانييه, وتمكنت  الإدارة الذاتية من استقبال وعودة بعض النازحين, وكانت مساهمة إنسانية كبيرة إذ تمكنت من معالجة الحالة ولو نسبياً, وهذا هو مطاف السعادة لدينا.

أما ما حصل نتيجة معاودة الإرهاب واستهداف مناطقنا، والمقاومة الباسلة من قواتنا التي ردعت داعش، حقيقةً خلف جزءاً من الخوف لدى بعض السكان الذين يفتقدون ثقافة الارتباط بالأرض والتراب ومعنى المواطنة والانتماء, فأدت إلى حالة عدم الاستقرار لدى أولئك الناس ونتيجة عدم توفر عوامل الثقة لديهم بنتائج المقاومة كانوا يتوجسون بعودة سياسية غير ملائمة وليست مضمونة, وغير واضحة الملامح.

واعتقدوا أن الحل الأمثل لهم هو الهجرة, ومغادرة الوطن للبحث عن الاستقرار والامان.

وفي حال تشخيص الأسباب لا بد لنا ان نطرح بعض المعالجات لمكافحة هذه الظاهرة الخطرة ولجم عنان الهروب من الوطن,

ــ عدا عن التأهيل الفكري بالإحساس بالمواطنة, وتنمية وتطوير ثقافة الارتباط بالأرض لابد أن نشير إلى مقاومة كوباني الإنسانية التي دافعت عن الانسان في كل بقاع العالم, وكانت أو ترجمت في عولمة مكافحة الإرهاب على أراضي روج آفا.

وبالرغم من اعتراف العالم بأسره بطبيعة هذه المقاومة المكتسبة من  مقومات الرمزية العالمية, أبدت الكثير من الوكالات والمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات لشعبنا دون أن نتلقى شيئاً.

ولولا دعم الإدارة الذاتية الديمقراطية كان شعبنا سيبقى يلعق الأمرّين وشظف المعيشة وخاصة بعد أمواج النزوح من المقاطعة المحررة كالرقة ودير الزور وباقي مناطق روج آفا من شمال سوريا إلّا أننا نعوِّل أملاً على إعادة إعمار كافة المناطق المتضررة, لأن هذا المشروع سيفتح آفاقاً واسعة من فُرص العمل والقضاء على البطالة حتماً ليس في مناطقنا وحسب بل غب عموم سوريا من عمق الداخل أيضاً, ونحن كإدارة ذاتية ديمقراطية لن نوفر جهداً بهذا الاتجاه بالعمل الدؤوب والمتواصل لتحقيق بناء مجتمعات متقدمة, وإعادة بناء ممتلكاتنا ومدننا, ونصارع من أجل شعبنا حتى نهاية المطاف لنرى سوريا جديدة مكتملة تعددية ديمقراطية نامية على كافة الأصعدة المطلوبة.

ــ لن نفقد الأمل أبداً في التواصل مع المجتمع الدولي لتقديم المساعدات وفتح السبل أمامنا والعمل على فتح الحدود وعبور الاحتياجات وتسهيل مرور القوافل من المواد الغذائية والطبية لعلنا نذلل من معوقات العيش السوري ونأمن سبل الحياة الكريمة ولو بأقل ما يمكن وقف إمكاناتنا, وخاصة بعد إقامة حكومة شمال سوريا لا مركزية.

ــ وأخيراً لا نغفل أن نوجه الشكر للدول في الاتحاد الأوروبي مؤخراً على ما يقدمونه من مساعدات وتسهيلات بشأن اللاجئين السوريين واستقبالهم ومنحهم سبل الإقامة, واستيعابهم في بلدانهم, ولكن المطلوب هو توفير أسباب الاستقرار في بلدان المهاجرين أصلاً.

ويتم ذلك كما ذكرنا بفتح البوابات وتقديم المساعدات الإنسانية والدعم المادي والسياسي لتطوير البنية التحتية ووسائل الحياة الكريمة وتأمين السلامة والأمن حتى نخفف أو نحدَّ من موضوع الهجرة من أوطاننا.

زر الذهاب إلى الأعلى