المجتمع

المراقبة الاجتماعية للمساكن العشوائية ضرورة وظيفية

لفتني مقالة لكاتب مغربي بعنوان “الربيع العربي” كان “ربيعا للبناء العشوائي” و”التسيب” في كثير من الأحيان ومنها استشففت بعض الأمور والتي يمكن اسقاطها على الواقع في روج آفا في هذا التقرير المقتضب.

كان لغياب رؤية استراتيجية  تنظيمية واضحة من أجل تخطيط وتنظيم المدن  قبل بدء الأزمة في سوريا خاصة بالنسبة للمناطق الشمالية والشمالية  الشرقية في سوريا ، والتقصد الممنهج من قبل النظام ومؤسساته الفاسدة في جعل هذه المنطقة منطقة عشوائية على كافة الصعد خاصة على الصعيد الصناعي والعمراني دورُ كبير في الازدحام العمراني الغير المنظم والعشوائي في المرحلة الراهنة،  ناهيك عن عدم وجود سياسات عمرانية مبنية على دراسات علمية تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة على المدى المتوسط والبعيد، هذا الأمر أدى إلى ظهور عــدة مشاكل بنيويــة واصبح من  الصعوبة  تغيير وضعية السكن بالبنية التحت ارضية والوفوقية، في داخل المدن، وهذا بالطبع شكل اليوم عائقاً كبيراً أمام ايجاد آلية أو هيكلية للبناء والأسكان في المرحلة الراهنة، والأمر الأكثر خطورة بالنسبة للمرحلة الراهنة هو البناء العشوائي فوق هذه البنية التحتية  ووفق ما هي عليها، دون الاكتراث لما سينجم عن ذلك في المستقبل إن لم يكن ذلك وفق خطط ودراسة يراعي من خلالها شروط المكان والسكان والبنية المتاحة ضف على ذلك تلك الشروط المتعلقة بالبيئة.

يمكن التطرق لمفهوم السكن العشوائي في روج آفا وشمال سوريا بشكلٍ عام، من خلال مجموعة من العناصر كظروف الإسكان، واستعماله وخاصياته وتجهيزاته ومستوى وقايته من العوامل الطبيعية والمشاكل والاختلالات المرتبطة بالبناء ومواد البناء المستعملة، إضافة لعوامل خارجية ليست لها علاقة مباشرة بالسكن في حد ذاته، والتي يمكن أن ترتبط بالمجال الاجتماعي والبيئية التي يتواجد بها السكن أو الحي، وبمستوى اندماجه في النسيج المكاني خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية.

 بداية  دعونا نتعرف على بعض المصطلحات المتعلقة بتنظيم المدينة وبالسكن والعمران والتي تخص موضوع تقريرنا الاجتماعي المتعلق بظاهرة السكن والنمو السكني العشوائي داخل مدننا في يومنا الراهن.

 يقصد بالسكن العشوائي ” السكن الخالي من الخدمات الأساسية والغير (قانوني) ضمن تجمعات مزدحمة تفتقر لأدنى درجات الراحة والأمان والخدمة والصحة  وغيرها من الأمور التي يجب أن تتوفر في أي تجمعٍ سكني في عصرنا الراهن ، حيث الشكل الغير منتظم للكتلة الاسمنتية الضخمة والتي لا تنسجم مع البنية التحتية و بشكلٍ لا يتماشى مع النسيج العمراني العام للمدينة و مخالف لكل أسس وقوانين التنظيم العمراني .

وهي تعتبر بحسب رأي المهندس المعماري وعضو نقابة المهندسين ابراهيم رسول: ” مناطق غير قانونية”، حيث تتخذ كلمة ” غير قانوني” أكثر من شكل وصورة لها على سبيل المثال:

– أن تكون ملكية الأرض غير مسجلة بصورة قانونية.

–  أن تكون المنطقة تتعارض مع المخطط التنظيمي واستعمالات الأراضي.

–  عدم توافقها مع الأسس التخطيطية للمدينة.

–  أن تكون المباني أو المساكن مبنية بشكل لا يتوافق مع أسس البناء العامة.

المساكن العشوائية “الغير رسمية”  تشكل معوقاً حقيقاً للتنمية  وتسبب الكثير من المشاكل والعوائق المستقبلية،  كما أنها تشكل بؤراً لتراكم النفايات والمخلفات (القمامة) ناهيك عن المشاكل الاجتماعية والصحية .

  وهنا انوه إلى  إن السكن العشوائي لا يقتصر فقط على العشوائيات السكنية التي تبنى بالعادة على أطراف المدن أو في الأراضي الغير مخططة  للسكن ويكون من يقوم بتخطيط الإسكان العشوائي وتشييده الأهالي بأنفسهم وتفتقد إلى أبسط الخدمات ومقومات الأمان.

بالطبع هناك مجموعة من الأسئلة تراودنا جميعاً ونجملها بالآتي:

ما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور العشوائيات – ما هي الأساليب التي يجب إتباعها لحل هذه المشكلة، ما هو دور المؤسسات والجهات المختصة في التعامل مع هذه الظاهرة ، ما هو الاطار النظري “القانوني” الواجب اتخاذه والمتوافق مع المعطيات العامة بالنسبة للمدينة وفي ظل إطار الواقع الراهن وذلك  في محاولة للتوصل إلى حلول واضحة تفيد في حل مشكلة المساكن العشوائية البناء.

 ونحن من خلال تقصينا لعينة من الوقائع الموجدة في مدينة قامشلو استطعنا أن نتلمس هذه الظاهرة والتي يبدو أنها تفاقمت نوعاً ما خلال هذه السنة، ونشير هنا إلى بعض وقائع هذه الظاهرة -الشكل غير منتظم للبناء وعدم وجود مخططٍ دقيق تنظيمي لشكل البناء ” الأبنية” والتي تتداخل في بعض الأماكن  مسببة الازدحام – الكتلة البنائية الغير متناسقة والمتناسبة مع الشوارع الضيقة وكذلك عدم توافق البنية التحتية مع هذه الزيادة من البناء(شبكة المياه- الصرف الصحي- شبكة الكهرباء والهاتف)، خاصة التشابك الكبير لكبلات الكهرباء والتي تشكل  خطراً كبيراً على حياة السكان في الاحياء التي تعج بالكتل الاسمنتية.

ناهيك عن  عدم وجود تهوية مناسبة بين هذه المساكن والطوابق المتلاصقة وعدم اتباع بعض القوانين المتعلقة بشروط البناء مثل البرندة الزائد، وحرم الجيران، كلها تسبب مشكلة الازدحام  وتكون سبباً للمشاكل الاجتماعية.

قمنا بجمع بعض الآراء في الحياء التي تشهد  تطوراً في البناء وخرجنا بجملة من التوصيات والمتطلبات والتساؤلات:

يجب أن يكون هناك انسجام في المباني ومتوافق مع الشارع والبنية التحتية وليس المهم زيادة كتلة الاسمنت في الشارع وخنق الشارع .

تقاعس الأجهزة المسؤولة في تدبير ومراقبة التعمير والبناء، وتعدد وتداخل المتدخلين في ميدان التعمير، و تجاهل بعض الجهات لهذا الأمر من اجل تحقيق أغراض ذاتية، غياب التعاون والتنسيق  بين الجهات المتدخلة في ضبط مخالفات التعمير، الذي يحتاج موارد بشرية كفيلة بالقيام بمهامها على أحسن وجه ، ولمراقبة فعالة للحركة العمرانية

دراسة الملفات على ضوء وثائق التعمير دون الأخذ بعين الاعتبار تواجد التجهيزات الأساسية وبالتالي يتم إحداث تجمعات سكنية غير مهيكلة .

الارتفاع الحاد لأسعار الأراضي بسبب المضاربات العقارية مما أبعد شريحة من المواطنين من عدم قدرتهم وإمكانية حصولهم على مسكن ملائم .

بعض التوصيات – تكثيف وتشديد الرقابة الإنشائية من قبل الهيئات المختصة على الأبنية المخالفة لأحكام البناء والتنظيم وضرورة التقيد التام بالمخططات الهيكلية ، ومع التأكيد على منع التجاوزات.

– إعادة النظر في المخططات التنظيمية الهيكلية للمدن والقرى بهدف توفير مزيداً من القسائم السكنية بمساحات تتلاءم مع فئات الدخل المتدني، كون الاسعار مرتفعة جداً داخل المدينة.

– اتخاذ الإجراءات وإتباع السياسات الكفيلة بالحد من البناء الغير منظم والغير مستوفي للشروط السكنية والصحية والمتلائمة مع مساحة الشوارع.

– يجب أن يكون هناك شركات للبناء وليس بيد مجموعة من المتعهدين والذين لا يهمهم سوى مدى الارباح التي يجنونها.

–  إعطاء حوافز لإقامة المشاريع الإسكانية التعاونية ، وتقسيط ثمنها للمواطن ذوي الدخل المحدود حتى يتسنى له الحصول على منزل يسكن فيه، وهذا يخفف من احتكار بعض التجار للعقارات.

–  ضرورة زيادة الاهتمام بتحسين الخدمات العامة وخدمات البنية التحتية في مناطق السكن العشوائي وإعادة تخطيط تلك المناطق ومحاولة.

فيما يخص التنظيم  وتخطيط الاحياء ، هناك انواع مختلفة من السكن الغير قانوني حيث نجد احياء منظمة نسبيا طبقا لتصاميم هندسية كما نجد احياء تلقائية بدون اي تصميم مسبق غير انه لا يعاني من ظاهرتي الاكتظاظ و ضيق الطرق بنفس الحدة.

و تجدر الاشارة ان هناك مظاهر اخرى للسكن العشوائي مثل السكن القروي الهامشي الذي يتواجد بضواحي المدن، و قد يكون على شكل مجموعات سكنية او مساكن متناثرة ، و بحكم التوسع  الغير منتظم العرضي اصبحت هذه المساكن تدخل ضمن مجال المدينة، و يتميز هذا النوع من السكن باستعمال الطين في البناء و بافتقاره للتجهيزات الأساسية و يشبه السكن القروي في غالب الاحيان و كذا وجود سكن كالأكواخ و الغرف على اسطح المباني و مرائب السيارات، وتنتشر في مدخل المدينة.

السياسات المتبعة للحد من ظاهرة السكن العشوائي

 يشير المهندس  ابراهيم رسول خلال حديثنا له عن هذه الظاهرة إلى بعض السياسات التي يمكن أن تحد من ظاهرة السكن العشوائي:”  يمكن القول أن هذه السياسات يمكن أن تتجسد في اطار المراقبة الاجتماعية التي تشكل بدورها وسيلة ناجعة و فعالة للتصدي لهذه الظاهرة ، ويمكن طرح مجموعة من الحلول من بينها :

-إشراك المجتمع المدني عند انجاز تصاميم التهيئة الأولية وفي العمل على ملائمة وثائق التعمير مع الواقع المحلي و ذلك بتحديد “قواعد” التعمير بدل “وثائقه” .

– يمكن إنشاء جهاز مستقل يقوم بمعاينة المخالفات المرتكبة وبالنسبة للترخيص يجب أن يحدد في اجل معين وان تسلم رخصة البناء على أساس شهادة مهندس معماري مختص، و توحيد نماذج رخص البناء والسكن وشهادة المطابقة

-ضرورة متابعة الورش من طرف المهندس المعماري المختص مع الاحترام التام لدفتر الورش.

-وفي باب المراقبة يجب أن تحدد المسؤوليات بشكل دقيق مع وضع مقتضيات جديدة ترمي حماية الملك العام، ومنع كل تغيير في واجهة المباني ومعاقبة المشاركين بعقوبات سالبة للحرية.

-الضرب على أيدي المضاربين والمتاجرين في الميدان دون سند قانوني .

-وضع معايير للبناء وتقنين استعمال مواد البناء مع مراقبة جودتها.

-إدراج المخالفات ضمن المس بالبيئة و التنمية

و تأسيسا على ما سبق و بعد عرضنا لمختلف المشاكل الهيكلية و البنيوية و القانونية التي يعاني منها قطاع الاسكان في بلدنا ، باعتباره قطاعاً حيوياً يضمن حق المواطن في الحصول على سكن تتوفر فيه جميع المعايير دون الإضرار بالمجال البيئي و كذلك المحافظة على رونق المدن و جماليتها، يتوجب العمل بشكلٍ استراتيجي ومسؤول من قبل كل الأطراف المتداخل في قطاع الاسكان والبناء .

 تقرير- دوست ميرخان

زر الذهاب إلى الأعلى