تقاريرمانشيت

الكرد والحل السياسي في سوريا محاور أساسية يستوجب إدراكها

تحقيق – دوست ميرخان

استهلال

روح الشعب مصطلح يمكن التعرف عليه من خلال العديد من المظاهر منها اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والانتماء.

إن تاريخ الشعب الكردي كما يقول -مينورسكي- تاريخ طويل ومعقد، وكان لهذا الشعب دوماَ دور بارز وحاسم في تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن المنافسة الشديدة العنيفة بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية في القرن السادس عشر (التي بدأت مع حملة السلطان سليم الأول 1514) قد أدت إلى تزايد دور الكرد في المنطقة، حيث تحولت منطقتهم إلى مناطق تماس في الصراع بينهما وظهرت في هذه الفترة العديد من الإمارات الكردية  سرعان ما انهارت نتيجة الاتفاقات بين هاتين الامبراطوريتين، وقُسِّمت أراضي كردستان إثر هذه المعاهدة عام 1639  وشكل هذا الحدث على الجانب الكردي آثار كبيرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية.

النكسة الكبرى للكرد بدأت إذاً بافتراق الأمة الكردية بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية، وذهب الكرد ضحية الاتفاقات بينهما وبين القوى الدولية فيما بعد، وكان الجزء الأكبر من نصيب الدولة العثمانية، وكان من بين آخر هذه الاتفاقيات اتفاقية تخطيط الحدود بين الدولة الإيرانية والدولة العثمانية عام 1913 في الأستانة” اسطنبول”، بعد الحرب العالمية الأولى ظن الكرد أنهم سيحصلون على دولتهم مصدّقين بذلك وعود الحلفاء وأكاذيبهم في معاهدة سيفر التي عقدت بباريس الفرنسية عام 1920، والتي كانت لتحل مشكلة الكرد على مراحل وقد استبشر الكرد بهذه المعاهدة خيراً، ولكن أدى طمع الحلفاء وجشعهم إلى خذلان الأمة الكردية وتدمير آمالها وحلمها الذي كانت تنتظره منذ قرون، ففي معاهدة لوزان عام 1923 تناسى الجميع خاصة بريطانيا حق الشعب الكردي، فعُرف كذب ودجل معاهدة سيفر.

 وَجَدَ الكرد بعدها أنفسهم منقسمين بين أربعة دول: إيران، تركيا، العراق، سوريا.

لقد تعرض الأكراد بعد تشرذمهم إلى كل أنواع الانتهاك والاضطهاد، سواء في تركيا في عهد أتاتورك أو في إيران والعراق أو حتى في سوريا حيث تم إقصاءهم تماماً من المشهد السياسي، ومنذ ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا والكرد والدول التي قسمت فيما بينها الأراضي الكردية إن صح التعبير يعيشون تناقضات وأزمات متتالية، تنفجر تارة وتهدأ تارة أخرى.

اليوم الساسة الكرد مطالبون بأخذ العبر من التاريخ و وضع اليد على الجروح ومواطن الضعف وخصوصاً في ظل ارتفاع مستوى الوعي عند الجمهور الكردي في التعايش الأخوي بين كل المكونات حيث أثبت التاريخ والتجارب بأن الدول القومية آيلة للزوال والتجارب والشواهد ما زالت ماثلة أمامنا.

مع ارتفاع مستوى الوعي الفكري والسياسي أيضاً عند الجمهور الكردي ولكي لا يعتري هذا التعايش المشترك أية شائبة أصبح هناك مطلب وحيد لدى الشارع الكردي وهو توحيد الموقف الكردي في القضايا المصيرية و وحدة الصف الكردي وخصوصاً في الأزمة السورية الشائكة والمعقدة والوضع الكردي في المعادلات الدولية ومن هذا المنطلق وتلبية لرغبة الشعب الكردي بادرت الإدارة الذاتية إلى إطلاق نداء لجميع الأحزاب الكردية بما فيها هؤلاء الذين يحتضنهم الدولة التركية العدو الأُول للشعوب وذلك لتجاوز كل الخلافات بينهم، والمضي قُدماً غلى جانب بقية المكونات السورية في المشروع الديمقراطي الذي يصلح لأن يكون حلاً لأزمة السورية عموماً.

 في هذا التحقيق نطرح بعض التساؤلات الهامة والموضوعية ونلقي بعض الضوء على جوانب بنيوية للصراع وللحل في سوريا وخاصة فيما يتعلق بالتهافت التركي السافر على سوريا.

لو يتساءل السوريين؛ لماذا يُهدد أردوغان الكرد، وهل الكرد هم المستهدفون؟

حقيقةٌ يجب على السوريين والقوى السياسية السورية الكردية والعربية والسريانية والعديد من القوى التي تمثل التنوع والتعدد السوري أن يُدركوا بأن الكُرد هُم المستهدفون كشعب ومكون من مكونات المجتمع السوري، وعليها يجب أن تنتفض كُل تِلك القوى ضد قوة الشر المُتمثِل بالنظام التركي، وأن يقِفوا إلى جانب الكرد هذا لو اعتبر هذه المكونات إن الشعب الكردي جزء من النسيج السوري فعلاً، وهُنا  نود أن نشير إلى حقيقة ثابتة فلو تَمكّن النظام التركي من الكُرد في سوريا فلَّن تنعم بقية المكونات برغيد ووعود النظام التركي، وتاريخ هذا النظام وجرائمه لازالت محفورة بذاكرة العرب والسريان والكرد وغيرهم من المكونات، لذا ليس الكرد هم المستهدفون بل القول بأن الشعوب المقاومة هي المستهدفة يعتبر أكثر صحة، وإن التنوع السوري والتطلعات السورية في التحول الديمقراطي هو المستهدف يعتبر أمراً في غاية الصواب، نعم الكرد هم المستهدفون لأنهم أكثر الشعوب قاوموا الاستبداد التركي الذي أخذ بالكرد على حافة الزوال كشعب وثقافة أصيلة في الشرق الأوسط، ولأنهم أفشلوا كل المخططات والمشاريع التوسعية للعثمانية الطورانية الجديدة في المنطقة لذا هم المستهدفون أولاً والشعوب التي ناضلت إلى جانبهم مستهدفون ثانياً.

 ففي خِضم هذا الصراع  الدائر في الشرق الأوسط والعالم والذي يصفه الكثير من المحللين والمؤرخين بالحرب العالمية الثالثة والتي محورها سوريا، نجد هُناك صراعٌ وحربٌ بين  النظام التركي الديكتاتوري وبين الشعب الكردي وهذا الصراع لهُ تاريخ طويل إنه صراع وجود أو لاوجود بالنسبة للكرد، وبالنسبة للنظام السلطوي الديكتاتوري في تركيا، (وهذا ما سنشير إليه لاحقاً) وكيف إن هذا التحول الديمقراطي في سوريا سينعكس على الداخل التركي المتأزم، والقول بأن النقاش الدائر في أروقة النظام التركي والذي يظهر للعلن في الكثير من التصريحات وزلات اللسان للقادة الاتراك بأنها مؤشرات صريحة تشير إلى إن مسألة القضاء على الشعب الكردي وإبادته مطروحة للنقاش على طاولة الساسة الاتراك  ومنذ اتفاقية لوزان وحتى وقتنا الراهن، وهم يستخدمون كل الوسائل والاساليب والادوات في سبيل تحقيق هذا الهدف التاريخي بالنسبة لهم، فهم استطاعوا محوا الأرمن والسريان من تاريخ تركيا وجنوب شرق تركيا، لكنهم لم يستطيعوا ابادة الكرد وإمحائهم، وخلال الثماني سنوات الأخيرة تبيّن بأن النظام التركي فشل في القضاء على الكرد، حتى ولو استخدم كل اسلحة الناتو واستقدم كل قوى الإرهاب ووسائل الترهيب في العالم.

الكرد وفخاخ الأنظمة التي تنصب لهم

يعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي يتوجب فيها على الساسة الكرد والحركة الوطنية الكردية أن يتوخوا فيها الحذر والحيطة من ألاعيب الأنظمة الاقليمية التي ذاق منهم الكرد الويلات، كذلك عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم وأن لا يتوقعوا الكثير من القوى الدولية التي صنعت تلك الأنظمة القوموية الاستبدادية، وأمدت في مكوثهم على رقاب الشعوب.

لكن الثابت في هذا الصراع هو إن الكرد هم ليسوا كُردُّ القرن العشرين؛ ينجرون خلف الاكاذيب والوعود خاصة وإن أصحاب المكائد ينحدرون من الذهنية والمنهج ذاته وهم يلعبون اللعبة ذاتها.

الكُرد لنّ يكونوا لقمةً سائغة ليس في الشمال وشرق الفرات فقط وإنما في عموم جغرافيتهم. حقيقة إن هذه المرحلة هي بمثابة امتحانٍ حقيقي بالنسبة للشعب الكردي خاصة وأنهم يقودون مشروع دمقرطة الشرق الأوسط، وهذه ليست مبالغة في الوقت الذي فشلت دول الشرق الأوسط في أن يُنتجوا أو يُؤسسوا لديمقراطية حقيقية يتشارك فيها الشعوب بكل ألوانهم وغناهم الثقافي ويحقق الازدهار بعد حربين عالميتين دفع ثمنها الشعوب، وحقيقة الصراع القائم والاستبداد الممارس منذ ما يقارب قرنٍ من الزمن هو برهانُ ما نشير إليه، كذلك لم تتمكن هذه الدول من بناء أي علاقة صحيحة أو جسور تعاون وتوحد بينها كما الاتحاد الاوربي (على سبيل المثال) على العكس كان الصراع والتهديد والتنابذ والإنكار ونفي الآخر والخداع السمات البارزة لهذه الدول ولعلاقاتها ببعضها.

حقيقة إن النظام التركي، أو الفكر الذي يُدير هذا النظام منذ أكثر من قرن هو الذي يخلق العداء بين الكرد والكرد أولاً وبين الكرد والمكونات الأخرى في الشرق الأوسط فالنظرية التركياتية القائمة أساساً على نفي الآخر وصهر الكل في الجزئية التركية هي اليوم تقود محور التآمر على الشعوب ثانيةً، وفي مقدمتهم الشعب الكردي، لأن وجود الكرد سيعني بالضرورة نهاية الأنا الطورانية للنظام التركي.

من هنا نجد إن العداء والألاعيب التي يُمارسها النظام التركي في الشرق الأوسط والعالم موجهة تماماً ضد الشعب الكردي، والحديث عن العلاقة الحميمية بين اقليم كردستان(باشور) والنظام التركي أمرٌ فرضه الواقع الجيوسياسي بعد سقوط نظام صدام حسين، خاصة وإن الاقليم يشكل سوقاً مفتوحاً لتركيا ولاستثمارات النظام التركي الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط.

تركيا قسمت الكرد وألبتهم ضد بعضهم البعض منذ مئات السنين واليوم يحاول اردوغان ممارسة اللعبة ذاتها مع الكرد ويحاول استمالة العرب إلى جانبه في هذه السياسة لكنه فشل خاصة وإن عهد التنظيمات والفرمانات الهمايونية قد ولت، وهذا يتضح في السياسة التركية تجاه سوريا والعراق.

لذا على الكرد والشعوب المتحررة من الاستبداد والاستعباد أن يقاوموا من أجل الحفاظ على مكتسباتهم، وفي سوريا تعتبر هذه المسألة خطوة نحو التأكيد على إن لا حل في سوريا من دون إرادة الشعوب السورية.

وعلى القوى الكردية أن تدرك تماماً بأن أردوغان ينتظر الفرصة المناسبة والتي يتلقى فيها الاشارة من الولايات المتحدة الامريكية لشن هجومه البربري على شمال وشرق وسوريا، وسيكون هذا الهجوم برضى الروس والنظام السوري والايراني أيضاً بالرغم من بعض الرؤى التي ترى عكس ذلك بالنسبة لإيران وللنظام السوري على الأقل، لكن الحقيقة والمعادلة السلطوية تقول إن الانظمة السلطوية تجتمع في المصالح السلطوية التي تجمعها، لا تهمها قضايا الشعوب والديمقراطية، على العكس تماماً فالديمقراطية والتحرر تعني نهاية الاستبداد والتسلط.

نموذج سوريا الديمقراطية هو الحل..

بلا شك أن المجتمع في شمال وشرق سوريا أيقن تماماً بأن مستقبلهم مرتبط بالنموذج السوري الديمقراطي الذي يضمن لهم الأمان والاستقرار والحرية والمساواة.. لذا هُم مُصرون على المقاومة والنضال إلى جانب القوات التي حررتهم وحافظت على كرامتهم وأمنت لهم قسطاً من الأمن والأمان.

 لكن هناك عوائق كبيرة تقف أمام تحقيق المجتمع السوري عموماً لأهدافه وتطلعاته، ولعل أولى هذه العوائق هي التفرقة وعدم قدرة السوريين وخاصة الأحزاب والقوى السياسية التي لم تتمكن حتى يومنا هذا من صياغة مشروع سوري ديمقراطي أو توحد رؤاها في صياغة حلٍ سياسي دستوري.

ثانياً وجود قوى دولية واقليمية تُسيّر الأزمة وتديرها وفق ما يخدم استراتيجيتها ومصالحها العابرة للحدود وللشعوب، وهذه القوى سواء أكانت تركيا أم إيران أو روسيا لها مصالح  واجندات تختلف تمام عن آمال وتطلعات الشعب السوري، خاصة تركيا، أم قوى التحالف الدولي فهي تحارب الارهاب من جهة و لتواجدها ضرورة في خلق نوع من التوازن والتأثير على الشرق الأوسط عموماً.

 ثالثاً: التواجد التركي كقوة احتلال على الاراضي السورية إلى جانب العدد الكبير للمجموعات الارهابية المنضوية تحت المظلة التركية والتي تشكل خطراً كبيراً على عموم سوريا وعلى شمال وشرق سوريا خصوصاً، فبعد أن احتلت تركيا مناطق غرب الفرات وبشرعنة من النظام السوري وروسيا وقوى دولية أخرى تحاول اليوم كسب الشرعية من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والنظام باحتلال القسم الشرقي من نهر الفرات  ويبدو إن هناك توافق بين موسكو وانقرة وطهران ودمشق على ذلك لكن قوى التحالف الدولي تقف عائقاً أمام الرغبة العدوانية التركية، وهنا سنسلط بعض الضوء على الهدف التركي من احتلال شرقي الفرات.

النقطة الأولى القضاء على المشروع الديمقراطي الوحيد في سوريا، هذا المشروع الذي أفزع القوى الاستبدادية القوموية في تركيا خاصة حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المتحالف، القادة الاتراك وقيادات المجموعات الارهابية  وحتى قيادات النظام السوري يرون في هذا المشروع   تهديداً على كيانهم ومشاريعهم السلطوية البائدة، بطبيعة الحال يعتبر نموذج الادارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا المشروع الأول والفريد من نوعه نابع من إرادة المجتمع السوري والقوى السياسية الحقيقية في شمال وشرق وسوريا، وعموم الشرق الأوسط.

النقطة الثانية: هو تخوف تركيا من أن يتحول هذا المشروع إلى نموذج الحل السياسي في سوريا وأن يتعمم على بقية الأراضي السورية، لذا نجد الإعلام التركي المرتبط بنظام العدالة والتنمية تعمل ليلاً نهاراً على تشويه النموذج الديمقراطي، ففي كل المناسبات واللقاءات للقادة الاتراك نراهم يهاجمون هذا المشروع ويهاجمون القوى السياسية والمجتمعية التي انتجت هذا المشروع. من هنا فلو تحقق نموذج الادارة الذاتية الديمقراطية في سوريا ضمن دستور سوريا الديمقراطية والتي ستتفق عليه الاطراف السورية سيؤثر حتماً على النظام الاستبدادي الفاشي في تركيا.

النقطة الثالثة: تتمثل في العداء التركي القديم ضد الشعب الكردي وضد أي مشروع  يقوده الكرد ويضمن لهم الحفاظ على الهوية الكردية بين الهويات المجتمعية الأخرى.

التخوف التركي من توحد الكرد” الكُردفوبيا التركية”

 الأنظمة السلطوية الفاشية القومومية بطبيعتها التكوينية وبجوهرها المضاد لأي تغيير قد يطرأ على بنيتها وتهُز كَيانها تستهدف التوحد الشعبي المجتمعي بدون أي تردد، لذا نجد إن الأنظمة وعبر التاريخ تعمل بكل وسائلها وأدواتها السلطوي على قمع الشعوب والمجتمع وتخضعها لسياسة التغيب والترهيب الجمعي وتجعل من الدولة والسلطة القوى الالهية المقدسة التي لا سلطان فوقها، من هنا فقد عملت تركيا ومنذ نشأتها كدولة على قمع أي تحرك مجتمعي وشعبي، وتفتك بقادة تلك الحركات الثورية المجتمعية، ولها تاريخ حافل من القمع تجاه الشعب الكردي، فتركيا التي تضم بداخلها  أكثر من عشرين مليون كردي عملت بشتى الوسائل على تمزيق شملهم وصهرت قسماً كبير منهم ضمن البوتقة التركية، وهي تتخوف اليوم من أن يؤثر النموذج الديمقراطي والذي يقوده الكرد في سوريا إلى جانب المكونات السورية الأخرى في شمال وشرق سوريا على الداخل التركي حيث الكرد والأرمن والشركس واللاز والعرب وكل هذه المكونات لها تاريخ مأساوي على يد السلطة التركية التي حكمتهم بكل وسائل الترهيب، فالنموذج الديمقراطي المأمول في سوريا عموماً سيؤثر حتماً على النموذج الديكتاتوري  في الشرق الأوسط.

من هنا تركيا ترى في المشروع الديمقراطي الوحيد في المنطقة خطراً على نظامها الديكتاتوري الحاكم.

لا حل في سوريا من دون إرادة كل المكونات السورية ومجلس سوريا الديمقراطية يشكل جزءاً أساسياً من هذه الإرادة

ليس أمام الشعب السوري والقوى السياسية الحقيقية التي تمثله سوى خارطة طريق أو منصة حلٍ واحدة وهي منصة الوحدة المجتمعية السورية ، أي ” وحدة المكونات السورية تحت مظلة الحل الديمقراطي التعددي”  فحل الأزمة مستحيل من دون أن يكون هناك اتفاق وتوافق وتشارك بين كل المكونات السورية على شكل  وجوهر الحل في سوريا ولعل شكل الحل أو صيغته تبدوا اكثر وضوحاً في نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي طرحه مجلس سوريا الديمقراطية (المظلة السياسية السورية في شمال وشرق سوريا) منذ تأسيسها وحتى الوقت الراهن.

العالم والسوريين يدركون جيداً بأن تركيا بسياستها البراغماتية والتوسعية تعمل على استغلال كل القوى الداخلة في الصراع باعتبارها الضليع الأكبر في الأزمة السورية وهي تدير دفة المجموعات الارهابية المسلحة والمظلة السياسية لها، وبالتالي لها التأثير الأكبر على الساحة السورية عموماً، ولا شك بأنها تستغل كل التناقضات بين الدول في المنطقة عموماً وتلعب على وتر الأزمات الداخلية في تلك البلدان( إيران – روسيا – العراق)، من هنا فأن أحد أهم مرتكزات الحل في سوريا يبدأ بالتخلص من النفوذ التركي في سوريا والحد من تدخلها بالشأن السوري حينها يمكن القول بأن عائقاً كبيراً سيُزال من أمام مسار الحل في سوريا.

لنعد لشكل وصيغة الحل  في سوريا، وهنا لنعد إلى الداخل السوري ولنترك جنيف وسوتشي، ونلقي بنظرة عميقة حول نموذج الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، فلوا اعتبر السوريين والقوى السياسية السورية وخاصة النظام السوري إن هذا النموذج هو نموذج سوري نابع من الإرادة المجتمعية السورية حينها يمكن القول أيضاً إن هذا الاعتبار يأتي بمثابة التفكير السليم وخطوة جدية للتفكير بالحل، فالإدارة الذاتية الديمقراطية ليست نموذج دولة كردية انفصالية كما يصفها النظام التركي أو السوري او الروسي، ولعل مكونات الادارة الذاتية الديمقراطية السياسية والمجتمعية قد اثبتوا أنهم جزء من سوريا، وهم حاربوا الإرهاب وحافظوا على النسيج السوري على الاقل في الجغرافية التي طبقت فيها الادارة الذاتية الديمقراطية، والحلقة الأهم من ذلك هو إن حركة المجتمع الديمقراطي ومنذ تأسيسها لم تكن يوماً خارج الاطار السوري ومجمل أهدافها وتطلعاتها كانت ضمن الوطن السوري ولعل هذه الرؤية السورية الديمقراطية هي التي أربكت الكثير من الحسابات الاقليمية خاصة بالنسبة لتركيا والتي كانت جُل اهدافها وغاياتها هو ديمومة الصراع في سوريا.

 إذاً الحل الديمقراطي والذي أكد عليه مجلس سوريا الديمقراطية في كل مؤتمراته واجتماعاته ولقاءاته ينبع من هذه الحقيقة والتي تقول بأن السياسة عملٌ اخلاقي فالسياسة بالنسبة لها أي لمجلس سوريا الديمقراطية عملٌ اخلاقي ومن دون الاخلاق ليس لها أي معنى سوى الخداع والرياء، ولذا فالبحث عن الحل يبدأ بالقيم الاخلاقية اولاً وينتهي بالعمل الاخلاقي البناء.

زر الذهاب إلى الأعلى