مقالات

القائد عبدالله أوجلان ونضاله في سبيل الأمم الضائعة

إن محنة هذه الأمة واحدة وإن تعددت جوانبها، وبدت منفصلة أو مستقلة عن بعضها البعض.

التخلف أبرز وأخطر هذه الجوانب؛ غير أنه لا يعدو أن يكون واحداً من فروع كثيرة أخرى تنبثق جميعها من جذع واحد، وقد أكد لنا القائد بأن تلافيف هذه الفروع والأغصان المتشابكة قد وصلت إلى درجة الضياع، لقد فكر وتأمل كثيراً لإيجاد طريقة للوصول إلى أغوار الحقيقة الضائعة.

إن النقطة المحورية بالنسبة للقائد هي إظهار حقيقة الشعب الضائع، فكان هناك العديد من المشكلات بالنسبة لهذا- التخلف الثقافي والتجزئة إلى جانب التخلف العملي والتقني بالإضافة إلى مشكلة الفقر الاقتصادي وضياع الوطن والأرض، إلى جانب مشكلة الاضطراب الفكري وازدواج السلوك، كل هذه النقاط عليه أن يحللها ويجد طريقة لإحيائها من جذورها، فمعالجة هذه النقاط المتراكمة منذ قرون طويلة بحاجة إلى فكرٍ وجهدٍ  ليصل إلى نقطة البداية للخروج من هذه الأزمة، ومن خلال البحث وجد بأن النقطة المحورية الهامة التي أدَّت إلى ضياع هذا الشعب بكل مقوماته هي في ضياع الذات (الجذع المتصلب) وتطهير ما انتشر في كل فرع من فروع الحياة للخروج من هذا المأزق، والخطوة الأولى إلى ذلك أن نتيقن بملء عقولنا إن مرَدَّ المصائب التي حاقت بهذه الأمة إنما يتمثل في كوننا نعيش اليوم حالة بعيدة عن الذات فإن لم نرجع إلى هذا المنطق فإن أضعافاً كثيرة من الجهود العشوائية قد تبذل دون أي فائدة تُجنى.

ماذا نعني بضياع الذات؟ بحكم البداهة هي ضياع ذات البشرية وهي من مقومات الإنسانية العامة التي يتساوى الناس جميعاً فيها، وكذلك المقومات الفكرية والعلمية والسلوكية التي نسجت ذواتنا الحضارية وأورثت لدى التمسك بها كل ما نملكه حتى الأمس القريب من الثروات الهائلة والقوة الراسخة والحضارة التي لا نزال نتباهى بأمجادها في أغوار التاريخ.

من خلال دراستنا لمرافعات القائد عبدالله أوجلان ودراسة شخصيته منذ طفولته إلى يومنا هذا نتبين بأنه شخصية تاريخية بالتجربة الحية فمنذ طفولته كان مقداماً ومبدعاً بين رفاقه، بعيداً عن المفاهيم القروية الضيقة وثبت ذلك من خلال تجربته في القرية والمدرسة حتى وصوله إلى أعلى المراتب الدراسية خاصة بعد أن أدرك بأن قضية شعبٍ قد وصل إلى حافة الإبادة العِرقيَّة واُبعِدَ عن تاريخه وثقافته وجغرافيته المنقسمة وفق المعاهدات والاتفاقيات الدولية قديماً بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية إلى اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت جغرافية كردستان بين أربع دول؛ لذلك أدرك حجم وثقل القضية صوب انقاذها من تلك الدول المستعمرة، فحمل القضية.

التعمق في إحياء الرسالة يتطلب إرادة وعزيمة وقوَّة فكر وسَدَاد الرأي، وصَدَقَ مَنْ قال: (إن الذي يأتي بمرسوم هو الحاكم وأن القيادات تأتي عن طريق المعاناة والنضال والتضحية) كون المراسيم لا تخلق قيادات قطعاً، وإن أغلب القادة آثروا الابتعاد عن الحكم وبَقَوْا بين صفوف الشعب وهذا أقوى بكثير من الحكم.

إن موضوع القيادة والقائد هو موضوع الشعب الكردستاني عبر التاريخ، وما جرى في هذه الفترة من الصراعات العسكرية والسياسية والإيديولوجية تنبأ بها القائد سابقاً، إن قدرة القائد لم تكن تتمثل بالقوَّة الجسدية فحسب بل كان يمثل الجرأة والمروءة والوعي والفكر والأخلاق، وإلى يومنا هذا ننهل من منابعه الفكرية والسياسية، وفكره ليس لشعب أو عِرقٍ معينٍ بل رحمة لكل الشعوب المضطهدة، اثنياً وعرقياً وطائفياً.

إن جميع الانتفاضات والسرهلدانات التي قادها بعض الشخصيات لم ينالوا من أمتهم وشعوبهم إلا بعض السطور في التاريخ.

القائد أوجلان هو الوحيد الذي اختار الطريق الشاق والطويل وقال في أكثر من مرافعة له بأن ثورتنا ثورة شعبية طويلة الأمد ليس بالسهل من يختار طريق الحرية والكرامة، لذلك أصبح الشعب اليوم يعرف جيداً بأن خلاصهم إلى الحرية يكمن في منهج القائد.

الاستعمار والعدو ينظران إليه نظرة عداء لأنه خلاص الشعب الذي يرى فيه النور والشمس بمقدار وضوحه وفهم الشعب له وبمقدار ثباته في المعارك السياسية والعسكرية واستمراره في النضال، وأيضاً بمقدار علاقاته وأخلاقياته في علاقاته مع المتعاونين معه ومع الشعب وعدم وقوعه ضحية الإغراءات بكل أنواعها ومدى صدقه ودعوته ونضاله وعطائه من أجل حرية الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها ومع صوته الصادق والهادر تحركت القلوب والسواعد لتظهر تأييدها واستعدادها على تحمل الصعاب ومجابهة الموت إلى أن تُعاد للشعب حريته وكرامته.

حين نستعرض نضال القائد عبدالله أوجلان فأننا نستعرض نضال أمة في أحرج الظروف وأصعب المراحل عبر التاريخ؛ لأن القائد لم يكن يعبِّر في مرافعاته عن انفعالاته الخاصة وقناعاته الشخصية، وإنما كان يفصح عن انفعالات وقناعات أمته، ومن هذا المنطلق أصبح شعوب الشرق الأوسط بمختلف مكوناتها يكنون له كل الاحترام والتقدير لمواقفه الشجاعة والصارمة على الوصول إلى الهدف السامي.

لقد ثبت بالدليل القاطع إن الشعوب لا تشبعها لقمة إذا فقدت حريتها بل تبقى مستنفرة في ساحة القتال مهما ضمنت مصالحها المادية مادامت لا تملك الحرية.

إن القائد دائماً يدعو إلى وحدة الصف ووحدة الإرادة والأداء وإلى التدريب والتنظيم صفاً واحداً ويداً واحدةً أمام مصيرنا.

زر الذهاب إلى الأعلى