مقالات

العد التنازلي للنظام التركي

سليمان عرب

حقيقة العلاقة بين الدولة الروسية والدولة التركية

بالرغم من العداء القديم منذ تأسيس الدولة التركية 1923 م على أساس الوقوف كَسَدٍ منيع أمام التمدد الشيوعي من جهة ومن الجهة الأخرى أمام إيران الشيعية من خلال الإسلام السني, فكيف حدث التقارب الأخير وكيف تم الاتفاق, لابد من التأكيد أنه الآن تركيا هي الرجل المريض نفسه كما كان في نهاية الإمبراطورية العثمانية 1909 م والآن أيضا، التاريخ يعيد نفسه حيث بدأت القوى الخارجية تنهش في جسد الدولة التركية, واستخدامها في حروب حسب مصالحها، لذلك روسيا تريد أن تستفيد من ضعف النظام والدولة التركية, وهي تستوعب سياساتها المتهورة بعد ضرب الطيارة الروسية وكذلك مقتل السفير الروسي على يد الأمن والاستخبارات التركية وأخيراً إسقاط الطائرة الروسية في إدلب وقتل الطيار الروسي واتهام تركيا بالعملية كون السلاح المستخدم من قبل جبهة النصرة هو سلاح تركي.

يبدو أنه مثلما تصرفت روسيا مع النظام البعثي الشوفيني في سوريا في بداية الثورة السورية, عندما دخل النظام في حرب طائفية على السلطة حتى خارت قواها, ثم بدأت روسيا بمساندة النظام وهو على شفا حفرة من الانهيار والسقوط , ثم رويداً رويداً بدأت روسيا بناء القواعد العسكرية في حميميم وطرطوس وتوسيعها, هذا مقابل استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمرات عدة, ثم الدخول في الحرب المباشرة وبالطائرات والقوات العسكرية الروسية على الأرض.

كما يتوضح مساندة روسيا للنظام البعثي في دمشق بقصفها للمدنيين وارتكاب المجازر وهدم القرى والمدن, يقابله فيتو روسي وصَمْتٍ دولي ودعم عسكري, فإن روسيا الآن تقدم الدعم نفسه بعد إشعال الضوء الأخضر للهجوم على إقليم عفرين, فإنها الآن ترتكب المجازر بحق المدنيين وتهدم القرى والآثار والمشافي والسدود وتضرب المقابر و البنية التحتية للإقليم, تحت غطاء ودعم روسي, وبذلك هنا روسيا تريد إضعاف أمريكا في المنطقة كون تركيا عضو في حلف الناتو فيتم إضعاف الناتو، ومن جهة أخرى ضرب وإضعاف حليف أمريكا على الأرض وهو قوات سوريا الديمقراطية.

بدأ ضعف النظام التركي في الشرق الأوسط وأصبح يفقد مصداقيته ووفاءه لأمريكا منذ الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 م بعد رفض تركيا استخدام أراضيها من قبل القوات الأمريكية, لذلك فإن سقوط الدكتاتور صدام حسين كان بداية نهاية الدولة القومية في الشرق الأوسط؛ وكذلك بداية نهاية النظام في تركيا ونهاية أردوغان وإلى الآن العد التنازلي مستمر.

من جهة أخرى التحالف الروسي التركي الإيراني (النظام البعثي ) يَظهَر بشكل واضح, بالرغم من صدور بيان رسمي من الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم عفرين موجهاً للدولة السورية بحماية حدودها الشمالية ضد الهجمات التركية, لكن الدولة السورية بقيت صامتة دون اتخاذ أي موقف للقيام بواجبها للحفاظ على الدولة موحدة وإيقاف الاحتلال, لذلك هذا البيان في حقيقته وثيقة بعدم إمكانية الدولة السورية على حماية حدودها وأنه هناك قِوى أخرى تحمي الحدود وليس من حقها المطالبة بسلطتها عليها بعد ذلك (أي النظام لن يعود إلى عفرين  والشمال السوري ) وهي بمثابة صك بعدم قدرة النظام على حماية وحدة التراب السوري وتلبية الطلب, وبنفس الوقت يدل على ضعف الدولة السورية ونظامه وكذلك عدم امتلاكها القدرة على اتخاذ القرار بل يعود لروسيا وإيران.

وبنفس الوقت ما تزال العلاقة بين أمريكا وتركيا مستمرة، لأن تركيا دولة مهمة في المنطقة و الشرق الأوسط وكونها  عضو في حلف الناتو وما تزال لأمريكا قواعد على الأراضي التركية, ولكن يعود الاختلاف الى الذهنية الداعشية والإسلامية المتطرفة, واستراتيجية أردوغان المعتمدة على الإسلام والإخوان المسلمين وعدم امتلاكه مشروع حل يناسب المنطقة والسياسة الدولية, لذلك تركيا لم تعد دولة ذات دور رئيسي, بحكم عدم وجود استراتيجية سياسية تتوافق مع النظام العالمي.

فكما فشل أردوغان في تصرفاته وتصريحاته ومواقفه  تجاه دور بشار ونظامه وخطوطه الحمراء دفاعاً عن (الإخوان المسلمين), فإنه سيفشل في الشمال السوري ضد الكرد والعرب والسريان أيضا.

فتركيا لا تستطيع التخلص من الفكر والأيديولوجية الإسلامية المتطرفة ودعم داعش وجبهة النصرة والإخوان المسلمين, لذلك لابد من إنهائها وإزالتها من أمام المشروع العام العالمي, لأن الشعوب لم تعد تقبل هذه الأنظمة والقوى العالمية وخاصة أمريكا أيضا لها استراتيجية واضحة وهي القضاء على الأفكار الإسلامية المتطرفة والمتعصبة, وهذه الهمجية التركية في عفرين ولغة التهديد والوعيد عبر التطرف الديني والتعصب القومي  تدخل ضمن غيبوبة الموت السريري  التي تبديها الدول القومية والدينية في الحفاظ على أنظمتهم القديمة التي  لم تعد باستطاعتها  أن تتغير أو تعمل للتحول لنظام ديمقراطي, لذلك الإتيان بالعدالة والتنمية إلى الحكومة التركية عام 2002 م بعد الانقلاب على أجاويد, كان أكبر خطأ ارتكبته تركيا في المرحلة الحديثة.

زر الذهاب إلى الأعلى