ثقافةمانشيت

الذكرى الخامسة لرحيل أحد عمداء الشعر الكردي المعاصر

خمس سنوات مرت بلمح البصر على رحيل الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكس، لكن ما تركه من ميراث يشكل مرحلة انعطافاً كبيراً للثقافة الكردية  في ميدان الأدب عموماً والشعر خصوصاً.

يعتبر الشاعر شيركو بيكس، شخصية أدبية ابداعية عاصر العديد من الأحداث المتعلقة بالشعب الكردي، وكانت قضية شعبه من أولى اهتماماته الأدبية وجسَّدها في قصائده، له ميراث أدبي كبير وتجربة شعرية معاصرة وفريدة.

تجربته في الشعر الحديث لها أبعاداً في المغزى والأسلوب والاتجاه

متخذاً من طبيعة بلاده الخلابة مصدراً للكلمات، ومن آلام شعبه شكل حافزاً أساسياً لتفكيره وتعابيره في شعره وأدبه فكانت قصائده مرآة الطبيعة والحياة.

الشعر الكردي الحديث الذي نقيس أبعاده اليوم في المعنى، والأسلوب، والاتجاه، جدير بالدراسة والتمحيص خاصة في المرحلة الراهنة حيث تشهد الساحة الثقافية والأدبية الكردية نقلة نوعية كبيرة، ولأن الشعر كميدان أساسي من ميادين الثقافة والأدب فهو المرآة التي تعكس الواقع، وتصور الأفراح والأتراح والمآسي في حياة مجتمعنا.

لم يختلف بيكس كثيراً عن رواد الشعر الكردي في توصيف حياة الشعب الكردي لكن مظاهر “التحديث” المتنامية وهو اكتمال العناصر الفنية والرمزية في الشعر الكردي الحديث قد ميزه عن باقي الشعراء، ونعني بذلك أن المرحلة التي عاصرها الشاعر والثقافة الكردية العريقة قد أضفت كلتاهما حلة فنية على تجربة شيركو بيكس وبالتالي جعلت من الشعراء المعاصرين لا يكتفون في -شاعريتهم- بما جاء عن طريق الفطرة والذوق وحدهما بل أصبحوا ينمون ثقافتهم الشعرية، وبالتالي فقد أضافت هذه التجربة إلى العناصر الفنية في الشعر الكردي لمسة جديدة بشقيها الذاتي  والموضوعي، كما ربطت بين الفنون الجميلة -ومنها الشعر- وبين الحياة برباط متين من التفاعل والانسجام والتأثير…

فالأبعاد في المعاني الشعرية عند بيكس أبعاد عميقة من جهة وغنية من جهة أخرى…

فعمقها جاء من عمق ثقافة الشاعر نفسه، حيث نتلمس في دواوينه المختلفة المعاني التاريخية والفلسفية والفنية والتي عمقت المعاني الشعرية وسبكتها سبكاً يتلاءم مع ما في نفس الشاعر من ظمأ لتوليد المعاني وتجديدها والبحث لها عن سند يستند إليه من ثقافته الواسعة، ثم أبرزها بعد ذلك في قالبها الشعري الذي يبعدها بخياله وصوره وألوانه عن موضوعية العلم إلى ذاتية الشعر…

أما المعاني الإنسانية الطليقة في آفاق شعر شيركو بيكس فهي عريضة الخطوط، تفيض بالإشراق وتطفح بالإشعاع، وجلها من المعاني التي لا تردد صدى الماضي فقط ولكنها تبلور تجارب النفس في البحث عن السعادة والطمأنينة والاندماج في الحياة اندماج الجزء في الكل

شيركو بيكَس في سطور 

الشاعر من مواليد عام 1940 مدينة السليمانية – باشور كردستان، وهو نجل الشاعر الكردي الكبير فائق بيكَس، عمل في إذاعة (صوت كردستان) خلال فترة الستينات إلى جانب نضاله الثوري.

هاجر بغداد في نهاية الثمانينات متجهاً إلى الغرب بسبب ممارسات النظام البعثي العراقي آنذاك، عاش في السويد بين عامي 1987- 1991، عاد إلى باشور كردستان، وانتخب في 1992 نائباً في أول برلمان لإقليم باشور كردستان، كما وتسلم منصب وزير الثقافة في أولى حكومة تشكلت في الإقليم.

نشر الشاعر الراحل وباللغة الكردية منذ إصدار أول ديوان له عام 1968، أكثر من ثلاثين مجموعة شعرية، وتضم هذه الدواوين القصائد القصيرة والطويلة والمسرحيات الشعرية والنصوص المفتوحة والقصص الشعرية.

في عام 1970 أصدر الشاعر مع نخبة من الشعراء والقصاصين الكرد أول بيان أدبي تجديدي كردي والمعروف باسم ‘بيان روانكه “المرصد” حيث دعوا فيه إلى الحداثة الشعرية والأدبية والإبداع بلغة جديدة مبدعة. وقد شكلت هذه الحركة الأدبية اتجاهين رئيسين في الثقافة الكردية. أولهما الولوج في ذاكرة تلك الثقافة ومفرداتها الحيوية المتجسدة في الرموز الشعبية والتراث والجمالية التي تخلقها عضوية العلاقة بين الواقع والنص. وثانيهما، تأسيس رؤية مفتوحة للنص واللغة وإنقاذهما.

في عام 1987، حصل على جائزة (توخولسكي) لنادي القلم في ستوكهولم وفي نفس العام حصل على جائزة الحرية من مدينة فلورنسا، كما حصل في عام 2005 على جائزة عنقاء الذهبية العراقية.

من أعماله الإبداعية والتي تتجاوز الـ(45) مجموعة شعرية، نذكر منها: شعاع القصائد(1968)، هودج البكاء (1969)، باللهيب أرتوي (1973)، الشفق (1976)، الهجرة (1984)، مرايا صغيرة (1986)، الصقر (1987)، مضيق الفراشات (1991)، مقبرة الفوانيس، فتاة هي وطني (2011)..إلخ.

 كذلك ترجمت مجموعات مختارة من قصائده إلى عدّة لغات عالمية منها السويدية، الانكليزية، الفرنسية، الألمانية، الرومانية، البولونية، الإيطالية، التركية، والعربية وغيرها من اللغات.

 يقول عنه أحد الكتاب: “الشعر في تجربة هذا الشاعر الكبير والمتفرد هو صوت الإنسان العميق والمكبوت، وسط تاريخ طويل من الفواجع والآلام والمآسي. إنه صوت الشاعر المنحاز للحياة والحقيقة، فشعره يحاكي الرعب الوجودي، عبر ذاكرة جمعية قادرة على التعرف على الحقائق.

لقد جيّش شيركو بيكس في تجربته الشعرية كل أشكال التعبير الشعري من الملحمة حتى قصيدة اللمحة السريعة، ومن الأسطورة حتى الغناء البسيط، ومن الغرابة السوريالية حتى المشهدية السردية والحكائية.

لنقرأ له أبيات قصيدة “حكمة”:

ثمة أشياء كثيرة ينخرها الصدأ

يلفها النسيان فتموت

مثل التاج والصولجان والعرش

ثمة أشياء أخرى كثيرة

لا تهترئ ولا يلفها النسيان

مثل قبعة وعصا وحذاء شارلي شابلن.

توفي الشاعر الكردي شيركو بيكس وأبو الحداثة الأدبية الكردية في 4 أب –أغسطس/2013 عن عمر يناهز 73 عاماً في مستشفى في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث كان يتلقى فيها العلاج ووري الثرى في مدينة السليمانية.

زر الذهاب إلى الأعلى