مقالات

الحرب والسلام بين ڀوتين وأردوغان

سيف دين عرفات

حرب الاعصاب الڀوتينية الأردوغانية بدأت منذ اسقاط الطائرة الروسية من قبل طيار تركي ( كوردي )على حدود سايكس – ڀيكو المصطنع بدون رغبة قوميات وشعوب المنطقة، منذ ذلك التاريخ أصبح السلطان العثماني أردوغان يرى نفسه قويا بعد ان ظهر مريضا نتيجة لفشله في سوريا ومصر وليبيا وفلسطين وغيرها من الدول، بحيث انه انتقل من (صفر) مشكلة الى عشرات بل ومائات المشاكل.

يمتص أردوغان الآن وبمرارة تداعيات اسقاطه للطائرة الروسية وعليه أن يتحمل تبعات ثأر القيصر الروسي ڀوتين والأخير يختلف عنه بأنه قوي على المستوى الداخلي والخارجي بعكس السلطان الذي أصبح ضعيفا على المستوى الخارجي ونوعا ما على المستوى الداخلي أيضا ولكنه على أية حال بات يسيطر تماما على مفاصل السلطة بكل تفاصيلها وتحول بشكل دكتاتوري الى سلطان مطلق لا يتحمل اي نوع من النقد ومَن يجازف بالنقد ينتظره السجن او الطرد من العمل والوظيفة وغيرها من الاجراءات التعسفية اللاانسانية.

يتساقط بلورات وندف الثلج بحجم كبير وبشكل مكثف في موسكو كما يتساقط قنابل السلطان العثماني على الكورد في كوردستان الشمالية والغربية احيانا وكما يتساقط قنابل القيصر في سوريا.

لطالما اتصفت صورة الثلج في ذهن الإنسان بالنقاء والعفة والطهارة وربما جاء هذا من لون الثلج الأبيض ولكن ثلج موسكو هذه المرة باعتقادي سيكون رمزا للموت البطيء والقاسي والذي سيكون بطبيعة الحال بسبب ترافق الثلج مع تيارات سياسية باردة ومتجمدة ومع غياب لشمس السياسة و هبوط حاد لدرجات حرارة السياسة بين موسكو وأنقرة.

وسط هذا المنظر يحمل الجنود الروس نعش الطيار المقتول وبلباسهم ذو المعطف الازرق السميك والطويل والمزركش باللون الذهبي يحملونه الى مثواه الأخير بالتزامن مع موسيقا ثقيلة وحزينة ليودعوا زميلهم الطيار أوليغ ڀيشكوﭪ وكان ذلك يوم الاربعاء الماضي.

هذا المنظر يُذكرني تماما بحكم القياصرة الروس الذين كانوا لا يرحمون اعدائهم بعد دفن قتلاهم حتى القضاء عليهم واذلالهم ويُذكرني قبل أي شيء آخر بالكاتب الروسي المشهور ليو تولستوي ( 1828 – 1910 ) وراويته بعنوان ( الحرب والسلام )، والقياصرة بشكل عام كانوا ينتصرون على أعدائهم الخارجيين على مدى التاريخ وعلى سبيل المثال لا الحصر انتصارهم على فرنسا بقيادة ناڀليون ڀوناڀرت وعلى ألمانيا النازية بقيادة هتلر واحتلالهم لبرلين وتقسيمهم ألمانيا الى دولتين شرقية وغربية.

بالطبع عندما ينظر السلطان العثماني الى تاريخ أجداه الغزاة ويقارنه بين تاريخ القياصرة يهتز أوصاله من الخوف ويصبح في وضع لا يُحسد عليه وهذا ما دل عليه تصريحاته الذليلة في الايام الماضية الاخيرة والتي تدل على رغبته على الاعتذار ولكن مكابرته تمنعه من ذلك، ولكنه يسعى في كل يوم وساعة للركض وراء القيصر علّه يحظى بالالتقاء معه أو يكالمه هاتفيا ولكن حتى الآن بدون جدوى.

يوم الخميس الماضي عندما تكلم القيصر بمناسبة ( خطابه الى الامة ) بيّن في خطابه بشكل واضح بما معناه بأن تركيا ستندم بمرارة على سقوطها للطائرة الروسية التي سقطت بتاريخ 24 / 11 / 2015 م وقال بشكل حرفي (( ربما الله وحده يعلم لماذا قاموا بهذا العمل، وقرر الله أن يعاقب حكومة أنقرة …. ))، وفي نفس هذا اليوم حصل أردوغان على شهادة دكتوراة فخرية من قطر وربما يقول القيصر بأن ذلك كان بمثابة مكافأة لاردوغان على اسقاطه للطائرة، وربما يقول القيصر في قرارة نفسه لقطر ( ستدفع ثمن ذلك مستقبلا يا قطر القزمة ).

سماء سوريا اصبحت مزركشة ومليئة بدخان الطائرات المقاتلة العائدة لمختلف دول العالم وسط تأكيد بشار الاسد ووزير خارجيته وليد المعلم على سيادة الوطن الذي اصبح مثقوبا ومنتهكا في كل متر مربع منه، وها هي ألمانيا ترسل طائرات التورنادو الى قاعدة انجرلك وبريطانيا تقوم بالقصف من قاعدة قبرصية والضريبة يتحملها على الاقل 14 قومية يعيشون هناك والمستفيد الوحيد هناك هو اسرائيل التي نسقت بشكل جيد مع روسيا وفتحت خطا ساخنا معها لمنع وصول الاسلحة الى حزب الله اللبناني وبالطبع يستفيد الكورد أيضا ولكنهم يدفعون ثمن الاستفادة غاليا بدماء شهدائهم الذي ربما تجاوز عددهم بأكثر من 6 آلاف شهيدة وشهيد في مختلف ارجاء كوردستان.

تركيا الاردوغانية تتعرض حاليا الى ضغط القيصر الروسي وضغط الدول الاوربية والغرب التي ترى دائما بأن السلطان التركي يقوم بقتل الكورد وقصف مدنهم وتسجن الصحفيين وتمنع حرية الرأي والتعبير وتساعد الارهابيين وو … الخ.

اذن يشتد صراع الديكَين شيئا فشيئا ولا بد لأحدهما أن يفقد أعصابه أخيرا أن لم يتم تدارك المشكلة على مستوى الامم المتحدة والدول الكبرى المؤثرة على السلطان والقيصر، ومن وجهة نظر الاخير لا تتعلق المشكلة بموت جندي واحد ولكن الامر يتعلق باهانة دولة كبرى وقيصر عظيم ولاعب سياسي كبير على مستوى العالم.

ولا يعلم سوى الخودان الكوردي ما يفكر به القيصر في الوقت الحالي وكيف سيكون جواب ڀوتين على اهانة بلده واهانته شخصيا ولكن بالتأكيد سوف لن يكون الجواب على (القتل) رمي القاتل بالبيض والطماطم.

يصرح رئيس الحكومة التركية داوود أوغلو بأن الامر ما هو الا (ماكنة اعلامية سوفيتية) و ( كاذبة ) ولكنه يتناسى ويود أن يتناسى بأن الحقيقة ما هو الا سقوط الطائرة الروسية واهانة روسيا.

وبانتظار جواب القيصر على ((القتل )) سيزداد حمى الحرب الاعلامية طردا مع الزمن وسيزداد حجم الاتهامات المتبادلة وخاصة اتهام ڀوتين لاردوغان بمساعدة الارهابيين الداعشيين وشراء نفطهم الحاصل من غنائم وجرائم الانفال التي يفتخر بها دولة الشر الالهية الارهابية.

أعتقد وفي وسط المعطيات الجديدة بأن حلم أردوغان بانشاء منطقة خالية من الكورد بين گرگميش واعزاز قد انتهى وان حلم الكورد في روژآفايي كوردستان بتحرير گرگميش اصبح بين قاب قوسين أو أدنى، وسيقبل أردوغان بذلك ذليلا لان الامر يصب في التقاء المصالح الكوردية والروسية والامريكية والاوربية والغربية وهذه المصالح يتمثل باغلاق حدود سايكس – ڀيكو المصطنع الذي يستفيد منه السلطان بشرائه لنفط داعش المسروق وباسعار بخسة مقابل السماح للارهابيين من مختلف دول العالم باجتياز الحدود بدون عوائق تذكر وهناك كثير من الاثباتات التي تدل على ذلك.

وأخيرا سيستفيد الكورد من التناقضات الموجودة بين روسيا وتركيا وان رصوا صفوفهم ورتبوا بيتهم الداخلي ستصبح اراضيهم في المستقبل القريب محررة اعتبارا من ديريك وحتى عفرين وسيحلمون مستقبلا بفتح ممر الى البحر الابيض المتوسط ويتمكنوا بعدها من بيع نفطهم وغازهم من كوردستان الجنوبية والغربية في الاسواق العالمية وسيتخلصوا من ابتزاز السلطان العثماني.

زر الذهاب إلى الأعلى