مقالات

البازار العراقي… عرضٌ وطلب

dilbrin-farsدلبرين فارس – الجديد في أزمة الموصل مدينة تلعفر والتي تطرح حالياً في اسواق السياسة الاقليمية والدولية، فما اهمية هذه المدينة بالنسبة للطامحين وللطامعين، وما اهميتها بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي…؟

 نظراً لأهميتها الجغرافية الاستراتيجية، فالمنطقة المختلطة سكانياً تجذب أنتباه العديد من القوى الإقليمية الضالعة في الأزمة العراقية2 فمن جهة النظام التركي الذي يحاول بشتى الوسائل قضم أجزاء مجزأة في الأصل، ومن جهة اخرى تقع  المنطقة في صلب المشروع الإيراني الجيوسياسي الذي ينشد لتحقيق خطة طموحة تهدف إلى خلق ممر بري يصل إيران بشواطئ البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا لتعزيز نفوذ طهران في المنطقة.

 فايران التي استثمرت حالة الفوضى والاضطراب التي عصفت بالمنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري في العراق عملت على تقوية نفوذها وفرض تصوراتها من خلال بناء منظمات عراقية تابعة وميليشيات مسلحة عابرة للحدود تعمل تحت إمرة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي بات يدير حروب إيران في سوريا والعراق.

هنا لم يعد الحديث عن الخطط الطموحة لإيران خافياً خاصة  بعد توقيعها الاتفاقية الخاصة بالملف النووي مع الولايات المتحدة وأوروبا، والذي جاء تتويجا لإعادة تموضع خرائط النفوذ والاحلاف في الشرق الأوسط.

وبعد مرور عشر سنوات منذ انهيار النظام الصدامي تشكلت مفارقة مذهلة حيث أصبح العراق محوراً رئيسيا في المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران من جهة وبين تركيا وإيران من جهة أخرى، وبذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لمواجهة النفوذ الإيراني المتمدد في العراق لكنها فشلت في ذلك.

 وفي سياق استثمار معركة الموصل الهامة للولايات المتحدة وحلفائها في تثبيت عراق ما بعد معركة الموصل والتي أعلنت عن انطلاقها في 17 تشرين الأول2016 فإن إيران وعبر الحشد والمؤسسات العسكرية والسياسية المرتبطة بها أصبحت لها الاولية في عمليات تحرير الموصل وكافة المناطق العراقية التي تقع ضمن خرائطها الجيوسياسية في المنطقة، لذا فهي لن تتنازل عن أي خطوة تقوم بها رغم التهديدات والمعمعة التركية اليومية ،ضف ان ايران ستعمل المستحيل من أجل السيطرة على الحدود العراقية السورية  وذلك لاستكمال تحقيق مخططها نحو المتوسط، ولتسد الطريق على داعش شماعة تركيا في المنطقة، وبناءً على ذلك أعلنت مجموعات الحشد أنها بدأت في 29 تشرين الأول بالتحرك باتجاه مدينة تلعفر أحدى اهم المراكز الاستراتيجية لتنظيم داعش ومن اهم مراكز التنظيم في العراق وبنظرة جيوسياسية إلى المنطقة نرى أن معالم الطريق الإيراني نحو المتوسط بدت معروفة، ما يجعل من مهام ميليشيات الحشد الشعبي غرب الموصل جزءاً من ورشة عمل إيرانية تشارك في إنجازه لتحقيق طموحات طهران.

وتعتبر تلعفر، مفترق لإنجاز هذا الممر حيث استثمرت طهران الكثير من الجهد في سبيل السيطرة عليها، وهذا يتعارض مع التوجهات والمخططات التركية والتي تبدو انها قد فشلت في تثبيت استثماراتها السياسية في الموصل، ولو بشكلٍ مبدأي، النظام التركي الحليف الداعم للجماعات المتطرفة (القاعدة) بمختلف تسمياتها سيفقد موضع قدمه حتى في تلعفر (في ما وراء حدود البيشمركة) وسيبقى نفوذه محدوداً مع حلفائه في أربيل.

وبالنسبة لتركيا والتي تصر ومن أعلى الجهات الحاكمة فيها على دورٍ لها في معركة الموصل حيث كان أخر تصريح لأردوغان و لوزير خارجيته جاويش اوغولو شديد اللهجة تجاه الحشد والجيش العراقي وهدهم بشكل مباشر إذا دخل الحشد تلعفر، فأنها تدرك أهمية تلعفر والتي تعدها ضمن مشروعها العثماني كما الموصل وكركوك، ولكن يبدو بأن كركوك أيضاً أخرجت من المخططات تركيا بعد الهجوم الأخير الذي شنه داعش خلال شهر تشرين الأول.

ورغم التبريرات التركية بالخشية من أن تقوم قوات الحشد الشعبي في الهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة على المدينة بارتكاب خروقات وجرائم بحق سكان تلعفر بسبب الصلة القوية بين داعش وسكان المدينة،فأن أردوغان لن يفلح في  تلعفر أيضاً.

لذا مخطط التطهير والسيطرة المكانية لتحقيق المشروع الإيراني ماضٍ دون الالتفات للتهديدات التركية هذ حسب المعطيات الراهنة للبازار العراقي.

أما أهمية تلعفر بالنسبة لتنظيم داعش، فنظراً لخصوصية المدينة ومدى ارتباطه بالنظام الصدامي كما كان حال الفلوجة،  شكلت إيديولوجية تنظيم داعش جاذبية خاصة لأبنائها لتأكيدها على الهوية المذهبية السنية المتعارض مع المشروع الإيراني كنفوذ شيعي، حيث برزت خلية تلعفر الأمنية والعسكرية والشرعية كنواة صلبة في جسم تنظيم داعش، فحسب المختصين بشؤون الجماعات الإرهابية هنالك شخصيات بارزة في تنظيم داعش  نذكر منهم أبي مسلم التركماني الذي تولى منصب القائد العسكري لتنظيم الدولة وقاد عمليات السيطرة على الموصل  في حزيران 2014،

 و”أبو علي الأنباري” و”أبو علاء العفري” ، اللذان  يعتبران من أهم الشخصيات التي عملت على صعود التنظيم وتمدده وقد تولى الأول مناصب عديدة كنائب البغدادي وتولى قيادة المجلس العسكري والأمني والشرعي وتلقب بالقادولي وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية فأن “القادولي ” كان مسؤول رئيسي في الدولة الإسلامية وكان قد عمل تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي وشغل منصب نائب الزرقاوي وأمير تنظيم القاعدة في الموصل”، وقد أعلن عن مقتله في آذار2016.

قائمة طويلة من الشخصيات التلعفرية في صفوف تنظيم الدولة اللذين اعتلوا مناصب  كبيرة، منهم موفق مصطفى كرموش المعروف بأبي صلاح الذي عرف كوزير مالية التنظيم وتولى مناصب رفيعة عديدة، وكذلك بشار إسماعيل الحمداني المكنى بـأبي محمد ويعرف بكونه مسؤولا عن ملف السجناء و شوكت حازم فرحات وكنيته أبي عبد القادر وهو مسؤول إداري بارز في صفوف التنظيم.

ومنذ سيطرة ما يسمى بـ(تنظيم الدولة الإسلامية) على تلعفر بدت سياسات التنظيم واضحة في تحويل تلعفر الى مدينة داعشية جهادية خالصة، وأصبحت المدينة مركزا أساسيا لمقاتلي التنظيم الإرهابي.

خلاصة القول وفي الوقت الذي قد ينفجر فيه لغم تلعفر تحت أقدام الأطراف المتصارعة على اليوم التالي لـ “داعش” بما قد يُخرج الأمر عن الخطة الأمريكية الموضوعة عن السيطرة، فإن توقف عمليات معركة الموصل وقصف طائرات التحالف الدولي موقعاً للجيش العراقي بالخطأ قد جاءا متزامنين، ربما مع ظهور بوادر عن رفض الجانب الأمريكي استمرار المعركة من دون مشاركة تركية ولو شكلياً.

زر الذهاب إلى الأعلى