مانشيتمقالات

الانتخابات المحلية التركية بين أزمة الداخل وتصديرها للخارج

ياسر خلف ــ

كما حال جميع الحكومات التركية المتعاقبة، يبدو أن اردوغان وحكومته لا تختلفان عن سابقاتها في رهانها واستمرارها في المشهد السياسي على مدى تعصبها القومديني، وربط ليس وجودها كحكومة وحزب لكن وجود الدولة التركية نفسها على إفناء الشعب الكردي ونخبه السياسية لدرجة وصلت في العقود الأخيرة الى حد الإبادة والتغيير الديمغرافي المتعمد والممنهج، وخير دليل على ذلك استهدافها الأخير للبنية التحتية لمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والتغيير الديمغرافي المستمر في كل من عفرين وسري كانيه وتل ابيض.

فأردوغان وحكومته اللذان يستفردان بالسلطة والدولة عبر قبضته الأمنية والعسكرية واستحواذه النازي على البرلمان والقضاء على الهامش الديمقراطي الهش الأخير بعد انقلابه على النظام البرلماني واستبداله بالنظام الرئاسي الذي يحكم البلاد منذ العام 2018، بات هدفه وهاجسه الوحيد القضاء على الشعب الكردي الذي بات الفوبيا الأكثر ترويجا إعلاميا ودعائيا في الأوساط التركية قبيل أي استحقاق انتخابي مرتقب، لدرجة استعدادها التنازل عن أي شيء من شأنها انهاء القضية الكردية التي باتت كابوسا مرعبا يؤرق مضاجعهم، وهذا ما يمكن ملاحظته بشكل جلي في سياسات اردوغان العدائية ضد الشعب والقضية الكردية ونخبها السياسية منذ اكثر من عقدين من الزمن، ومحاولته المستمرة لإنهائها وخاصة قبيل الانتخابات المحلية القادمة والتي ستشهدها تركيا في 31 من شهر “آذار مارس” الحالي عبر القبضة الامنية والترهيب واستهداف إرادته السياسية المتمثلة بحزب الشعوب الديمقراطية.

ومن المعلوم إن حكومة اردوغان قد أقدمت على السيطرة على أغلب البلديات المنتخبة من الشعب في شمال كردستان، كما أن الاعتقالات التعسفية للسياسيين الكرد وصلت الى ذروتها بما يقارب 20000 بين برلماني ونيابي وسياسي كما يقدر تعداد المعتقلين بمجرد الشبهة بانه منتسب للشعوب الديمقراطية الى أكثر من 200000 بِتُهم واهية باتت معروفة وهي الانتماء الى “تنظيم إرهابي”، الامر الذي انعكس سلباً على اردوغان وحكومته، وكان أحد الأسباب الرئيسية لخسارة اردوغان للمدن التركية الكبرى كإسطنبول وانقرة وازمير في انتخابات عام 2019 والتي صوت فيها الناخب الكردي لمرشحي المعارضة آنذاك.

إن ما يمكن قراءته من المشهد الانتخابي والسياسي في تركيا هو أن حكومة اردوغان ماضية في سياستها الانكارية للشعب الكردي وحقه في إدارة مناطقه عبر صناديق الاقتراع، وهذا ما بات جليا من الخطابات الشعبوية التي يلقيها اردوغان وأركان حكمه بشكل يومي وتهديدهم المستمر بإفناء الشعب الكردية عبر ماكينته العسكرية ووعوده للعنصريين القومويين والمتشددين الإسلاميين بإعادة احياء الميثاق الملي التركي والقضاء وإبادة ليس الشعب الكردي لوحده بل على جميع الشعوب الموجودين ضمن حدود ميثاقه المزعوم.

يبدو أن حسابات الداخل التركي أكثر تعقيداً مما يذهب اليه اردوغان وحكومته، وخاصة أن الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بتركيا وارتفاع معدلات التضخم وتدني سعر العملة التركية الى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الزلزال الذي ضرب تركيا العام المنصرم وأزمة اللاجئين وعجز الحكومة من تقديم اية حلول رغم وعود اردوغان بحلها خلال ستة أشهر حسب زعمه؛ فركام المباني المنهارة وتعويض المواطنين المتضررين لم تجد أية آذان صاغية في الخطب الرنانة التي القاها أردوغان للاستهلاك المحلي والدعاية الانتخابية، كما أن المعارضة تسوق لهذه السياسات الفاشلة لأردوغان وتستثمر فيها بشكل اكثر إقناعاً وترويجاً من حكومة اردوغان وحليفها الحركة القومية، وهذا ما بات واضحا من انسحاب بعض الأحزاب من التحالف الحاكم بقيادة اردوغان كحزب الرفاه  برئاسة فاتح أربكان واختياره  خوض الانتخابات المحلية بمعزل عن التحالف الحاكم.

يبدو أن رهانات اردوغان لاستعادة السيطرة على بلديات استنبول وانقرة التي خسرهما أمام المعارضة أضعف من ان تقنع الناخب التركي في الداخل وخاصة أن “حزب الشعوب الديمقراطية” قد المح بخوض الانتخابات التركية بمرشحين مستقلين عن كلا الطرفين (المعارضة والتحالف الحاكم) كمناورة وحنكة سياسية في من يقدم ضمانات مقبولة لصالح الشعب الكردي وقضيته ضمن تركيا التي على ما يبدو لم تجد بعد في كلا الطرفين ما يرجحه لذلك بانتظار مقبل الأيام وما تسفر عنه من مفاوضات بهذا الشأن.

أما على الصعيد الخارجي والتحركات الدبلوماسية والسياسية فيبدو ان اردوغان وحكومته اختارا تصدير الازمة الداخلية كسبيل لكسب الانتخابات المحلية؛ فتسول وزير الخارجية التركي على أبواب الدول العظمى والإقليمية لإقناعهم بالقيام بحملة عسكرية في جنوب كردستان وشمال شرق سوريا لم يتلقَ اية موافقة صريحة من أمريكا والغرب رغم تقديم تركيا للكثير من التنازلات في القضايا الإقليمية والدولية كالصراع في غزة وسعيها عبر قطر في لعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل و محاولتها لاستمالة مصر ودول الخليج وامريكا الذين لا يجدون في تركيا طرفا محايداً يمكن الاعتماد عليها، وعلى العكس فانهم يجدون فيها احد ابرز الحاضنين لحركة الاخوان والجماعات الإرهابية التي تخل بأمن واستقرار المنطقة.

وفي السياق نفسه نجد تسول وزير الخارجية التركي على اعتاب العاصمة العراقية بغداد وسعيه لإقناع العراق وحزب البرزاني لخوض عملية عسكرية مشتركة مقابل تقديم مغريات اقتصادية وحيوية كتصدير النفط  والسماح بوصول الإيرادات المائية المخصصة للعراق في نهري دجلة والفرات الى سابق عهدها والتي فقدت  70% من الحصص المائية بسبب سياسة الدولة التركية وذلك حسب تصريحات وزارة الموارد المائية العراقية مؤخراً، والتي يبدو أن العراق لم يقدم رده النهائي بهذا الخصوص رغم موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحتاج لموافقة العراق كغطاء ومبرر سياسي لمشاركته غير المعلنة.

كما يمكن الجزم في هذا المنحى أن العملية الإرهابية التي تبنتها داعش في موسكو وخاصة أن المنفذين قد اعترفوا بتلقيهم التدريب والتمويل والتسهيلات من تركيا والتي راح نتيجتها العشرات من الضحايا المدنيين هي تحمل في طياتها احتمالين لا ثالث لها، إما أن العملية الإرهابية كانت متفق عليها بين اردوغان وبوتن لربط أوكرانيا بالإرهاب وهذا مستبعد الى حد ما، وإما انها رسالة تهديد مبطنة الى روسيا للسماح لأردوغان بحملته العسكرية كسبيل لكسب الانتخابات المحلية أو انها ستتلقى المزيد من هذه العمليات الإرهابية، وفي كلا الحالتين فإنها مؤشر خطير لما وصلت اليها تركيا من احتضانها لجميع الجماعات الإرهابية التي تهدد امن واستقرار العالم بأجمعه كوسيلة للابتزاز السياسي وتصدير ازماتها وتحقيق أطماعها العثمانية البائدة.

زر الذهاب إلى الأعلى