مقالات

الإدارة الذاتية وقعاً و.. واقعاً

مصطفى عبدو

 يسعى البعضُ إلى خلق أزمةٍ وإيجادِ شرخ واسع وتوفير الأرضية لزعزعة ثقة المواطن بمؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية والقائمين عليها بشكل أو بآخر، و بقصدٍ أو بدون قصد. فيخلقَ هوّةً بين المواطن والإدارة الذاتية الديمقراطية التي نتفيأ اليوم تحت ظلالها، وانتظرنا طويلاً للوصول إلى إدارة كهذه. و لعلّ أهمّ ما نلاحظه في هذا الإطار هو عدم تطابق أقوال ووعود معظم المسؤولين مع أفعالهم على أرض الواقع، حيث ينعكس ذلك سلباً على المواطن الذي يعتبر (القوة الأساسية) في المجتمعات الديمقراطية.

الأمثلة على عدم تطابق الكثير من أفعال  القائمين على أغلب مؤسسات الإدارة مع أقوالهم كثيرة، وكذلك بعض القرارات التي تصدر منهم والتي أصبحت محورَ استخفاف الناس وأحاديثهم وشكاويهم في السرّ والعلن، وسطَ استغرابهم أو انتقاداتهم أو هجومهم بحق أي مسؤول يقول ولا يفعل و يعد ولا ينفّذ!.‏

من الأمثلة في الفترة الماضية قولُ المسؤول في الكهرباء إن وضعَ الكهرباء سيتحسن كثيراً، ليتفاجأ المواطنُ بانقطاعها تماماً، وكذلك قولُ هيئة الصحة بقرب توفير الأدوية وانخفاض سعرها وتوحيدها، ليتفاجأ المريض قبل المتعافى وبعد أيام قليلة أن سعرَ الدواء ارتفعَ واختلف بشكل كبير بين صيدلية وأخرى .. من جانبه المسؤول في  هيئة التموين يؤكد إن الكثيرَ من المواد سيتم تخفيض أسعارها بنسبة 25% وهناك إجراءاتٌ متعددة في هذا المجال، ليتفاجأ المواطن بشكل عام والفقيرُ بشكل خاص أنها لم تشهد انخفاضاً بل ارتفاعاً واستغلالاً.. وقول أحد المسؤولين المعنيين أنه سيتم خلال أيام محاسبة عدد من العاملين  في مختلف الهيئات … ليتبين  فيما بعد أن كلَّ ذلك مجرّد وعودٍ لا أكثر.‏

وقول المسؤول الفلاني إننا بصدد  مشروع حيوي في المنطقة الفلانية وسيستكمل ويوضع بالخدمة خلال الأيام القليلة القادمة، ليكتشف المواطن أن المدة التي حددها مضتْ والمشروعُ لم يوضع ضمنَ الخطة أصلاً، وحتى لم يتم مناقشته بعد.. وقول المسؤول الآخر بأنه سيتم المباشرة بالعمل الفلاني في روج آفا،  وستتم خلال فترة قصيرة ليتفاجأ المواطن أن الجهة المعنية ما زالت تتحدث عن جدواه أو عدم جدواه وهل هو للصالح العام أم لا… الخ.‏

وأمثلة عديدة أخرى لا يتسع المجال لذكرها، وكلها تستدعي من أصحاب القرار في الإدارة الذاتية الديمقراطية تغيير طريقة تعاطيها مع الناس، وكذلك الإعلام، واعتماد الشفافية، وتنفيذ ما يعدون بتنفيذه لأن عدم التنفيذ يزيد من معاناة الشعب ويخالف مبدأ الإدارة الذاتية الديمقراطية قلباً وقالباً.‏

وإذا نظرنا إلى الموضوع برمته بمنظارٍ آخر، سنجد أن الولادةَ الجديدة تتعرضُ كثيراً لانتكاساتٍ ومخاطرَ، مما يستوجبُ منا المزيدَ من الاهتمام والمبالاة وغضّ الطرف عن بعض النواقص، والاهتمام بما هو أشد إلحاحاً.

وأعتقد ويمكنني الجزم بأن الإدارة الذاتية الديمقراطية قطعت أشواطاً كبيرة نحو الديمقراطية في عدة مجالات، وأنها أصبحت محطّ أنظار العالم وأنها تحولت إلى أداة استفهام لدى العديد” كيف نجحَ هذا المشروعُ في بقعة صغيرة من الشرق الأوسط خلالَ مدة قصيرة جداً مقارنة مع الدول المتقدمة “؟؟ ولتكتشفَ الحقيقة بدأتْ بعضُ الدول بإرسال شخصيات ذات نفوذ إلى مناطق الإدارة الذاتية، ليبصموا بدورهم بالعشرة على نجاح هذه التجربة. وليس هذا فحسب بل عادوا إلى دولهم مندهشين غير مصدقين عما التمسوه من نجاح وسرعة في تطبيق مجالات الديمقراطية الحقيقية.

كل ما يهمنا هنا هو أن نفهمَ ونعي المرحلةَ التي نمرّ فيها، وبدلاً من أن نكون الجاني والقاضي علينا أولاً أن نسألَ أنفسنا:  أين كنا  وأين صرنا.  ولله في خلقه شؤون.

زر الذهاب إلى الأعلى