مانشيتمقالات

الإبادة وتهجير الشعوب أهداف مشروعة لسماسرة الحروب

ياسر خلف ـــ

إن العقلية الأيدلوجية المتعصبة للدول الدكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط، كانت ولاتزال السبب الرئيسي في الحروب والدمار والقتل والتهجير، وهذه السياسة المقيتة لا تزال مستمرة بأبشع صورها، فالتعصب الديني القومي هو أحد أبرز سمات هذه الذهنية القذرة التي تجد في وجود الكينونات الأخرى الخارجة عن إرادتها خطراً حتمياً على وجودها ويجب إبادتها بكل السبل وخاصة تسخير إرهاب الدولة المنظم وأدوات الحرب الخاصة.

المفارقة المأساوية هي أن هذه الدول التي تمارس الإرهاب المنظم تجاه شعوب المنطقة باتت مكشوفة وتعمل بلا قناع ولا تسري عليها مبادئ حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها المنصوص عليها في جميع الشرائع والقوانين الدولية.

فتركيا وإيران وإسرائيل تجد في إبادة وتهجير شعوب المنطقة هدفاً مشروعاً لهم، وينتظرون الحجة الملائمة والذريعة المواتية لممارسة الإرهاب المنظم. والغريب في الأمر هو أن هذه الدول تجاهر العداء لبعضها وتُسِر الوئام والتوافق بحبكة دراماتيكية متقنة لخداع الرأي العام ومداعبة مشاعر المغرر بهم الذين يصدقون الظاهر في غفلة مما يبطن هؤلاء المتمرسون في الاجرام.

ولعل من المفيد أن نوضح حقيقة راسخة، أن هذه الدول الاجرامية وشبيهاتها هي نفسها أدوات ودُمى تحركها الهيمنات العالمية حسب مصالحها في المنطقة، تماماً كما ذكرها المفكر والفيلسوف الاممي عبد الله اوجلان في كتابه المعنون، الدفاع عن شعب: “يتخبط الشرق الأوسط في القرنين الأخيرين ضمن عجلة مراقبة الحضارة الأوروبية له، وما يشهده يومنا ليس سوى الفوضى والتراجيديات المأساوية اليومية، بكل ما للكلمة من معنى. فالأسياد كانوا هم القضاة على الدوام، وقراراتهم كانت أحادية الجانب باستمرار. ويبدو القانون في أيديهم وكأنه آلية تقيس الحقوق في ميزان العدالة وتُوَزِّعُها. بيد أن ما يوزَّع حقاً، ليس سوى القيم المسلوبة، والعقاب مقابل الربح“.

وهذه السياسة تم طرحها بشكل علني على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “كونداليزا رايس” من خلال طرحها لمصطلحات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد كاستراتيجية طويلة الأمد.

ويمكننا الجزم بأن الحرب الدائرة في كل من غزة وسوريا والعراق واليمن وغيرها من الأماكن؛ إثبات على أن ما كان يبدو أطروحة وتنظيراً وشُبهات وهواجس لدى البعض أصبح الآن واقعاً مريراً يُعاش بشكل يومي، وما كان يتم بحثه في دوائر الحرب الخاصة وكواليسها المظلمة يُطرح علنا للنقاش كسياسات واستراتيجيات تبحث سبل وآليات وتوقيت تنفيذها، وأصبح يتم تداولها بشكل شبه يومي على ألسنة كبار القادة والمسؤولين من سماسرة الحرب على المستوى الإقليمي والعالمي والتي تنذر بتفاقم الازمة واتساع رقعتها. وباتت هذه الدول في سباق مع الزمن للمضي قدما في قتل البشر والشجر والحجر بدم بارد دون حسيب ورقيب.

فإيران وتركيا النقيضان تجمعهما إبادة شعوب المنطقة عبر الاستهداف المباشر لسبل الحياة كما حدث مؤخراً في إقليم شمال وشرق سوريا أو عبر تحريك أذرعها ومجاميعها الإرهابية في المنطقة او الحديث والدعاية الإعلامية التي تروج لها كلتا الدولتين بإدانة إسرائيل ووصفها بارتكاب جرائم حرب؛ فهي حقيقة يراد بها باطل وذر للرماد في العيون لما ترتكبها هذه الدول بحق شعوب المنطقة، وكما يقول المثل الشعبي فاقد الشيء لا يعطيه، فمن يفتقر لأدنى معايير الإنسانية والقيم الأخلاقية لا يمكنه ان يدافع عن الإنسانية في غزة أو اي مكان آخر ودياره تشهد بشكل يومي ألف غزة لا بل أبشع وأفظع، لتصل لحد استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من قبل تركيا وخاصة في مناطق الدفاع المشروع في سوريا وجنوب كردستان وجبالها، وقتل ايران لمعارضيها بمجرد الشبهة وإبداء الرأي. فتوظيف أطراف الصراع الحرب الدائرة في غزة وانعكاساتها على الساحة الدولية وفرضها لشكل التحالفات والعلاقات على الصعيد الجيوسياسي والدبلوماسي يتطلب تقييمها بشكل معمق والإلمام بكافة جوانبها ومخرجاتها وخاصة من ناحية تأثيرها على الساحة السورية وسعي كافة الأطراف المتداخلة فيها لفرض اجنداتهم ومخططاتهم بما يتناغم مع مصالحهم ونفوذهم.

فعلى الصعيد الخارجي والميدان الدبلوماسي ينبغي على قوى الإدارة الذاتية التمهيد لبناء تحالف وطني سوري يتمثل في معارضة تتبنى النهج الديمقراطي لتكون بديلة عن النظام والمعارضة المرتهنة لتركيا وإيران على حد سواء، وخاصة أن الأجواء الدولية والعربية باتت أكثر إدراكا ان الازمات المستفحلة في الدول العربية والشرق الأوسط عموما (سوريا – ليبيا – اليمن – العراق – وفلسطين…) لا تُحل الا بإبعاد هذه الدول المارقة عن المشهد السياسي والسيادي لهذه الدول، وهذا التوجه بات أكثر إلحاحاً من قبل دول المحور العربي (مصر والأردن ودول الخليج) والدول الغربية الى حد بعيد.

وقد يكون الدور الذي تلعبه كل من مصر والامارات والسعودية في الآونة الأخير له تأثيره الناجع في العديد من جوانب الازمات والصراعات الدائرة في المنطقة كجهود الوساطة التي تقوم بها دولة الإمارات ونجاحها في إتمام عملية تبادل أسرى حرب جديدة بين روسيا وأوكرانيا ساحبة البساط من تركيا التي مارست الوساطة كسبيل للابتزاز واللعب على التناقضات كوسيلة للعدوان والاحتلال والتدخل في شؤون دول المنطقة.

كما ان اجتماع وزراء خارجية السعودية والإمارات ومصر وقطر والأردن بالإضافة إلى وزير الشؤون المدنية الفلسطيني في الرياض وتأكيدهم على ضرورة وقف الحرب في غزة ورفض اتساعها باتجاه رفح وانهاء الازمة بالطرق الدبلوماسية حسب المقررات الدولية المنصوص عليها وفق حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين المستقلة.

وهذا المجهود الدبلوماسي يأتي انعكاساً لما تتسم به سياسة هذه الدول من الاعتدال والحكمة وأدراكها لحاجة المنطقة الى الاستقرار وإيجاد أرضية مشتركة لحل التحديات والنزاعات الإقليمية والدولية بالطرق الدبلوماسية وليس عبر المزيد من التحريض والتصعيد والقتل والتهجير كما تفعلها إيران وتركيا وإسرائيل عبر ماكينتهم الحربية وأذرعهم ومجاميعهم الإرهابية الذين عاثوا فسادا وحولوا المنطقة إلى ساحة لتصفية حساباتهم وتحقيق مصالحهم واطماعهم الاحتلالية على حساب امن واستقرار ودماء الأبرياء من شعوب المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى