PYDروجافاسوريةشخصياتكردستانمانشيت

استشهاد أحدُ أبرزِ الشخصياتِ الوطنيةِ في شمال وشرق سوريا

استشهد اليوم الثلاثاء٩ نوفمبر ٢٠٢١الشخصية الوطنية البارزة على مستوى قامشلو وشمال وشرق سوريا يوسف كُلو جراء استهداف مسيرة تابعة للاحتلال التركي لسيارة مدنية كانت تقله هو وفردين من عائلته في حي الهلالية بمدينة قامشلو.

من هو يوسف كلو;

في حديث له حول سيرته الذاتية قبل أكثر من أربعة أعوام مضت فتح لنا الشهيد يوسف كلو أبواب ذاكرته ليرد لنا سيرة نضال طويل غير مدون حفظها في ذاكرته التي لم تشيب كما وطنيته وحبه لشعبه ولارضه.

مسيرة حياته

كنتُ من المُجدّينَ في مدرسةِ قريةِ (سادان) حيثُ كنّا نقطنُ إلى جانبِ بعضٍ من المشاكسةِ التي كنتُ اتمتعُ بها حينذاك، وبعد فترةٍ قليلةٍ انتقلتْ المدرسةُ إلى القرية المجاورة (دودان) ولوجودِ بعضِ المشاكلِ لم اتمكنْ منْ متابعةِ التعليمِ في القريةِ المذكورة.

تركتُ الدراسةَ وأنا في الصفِ الثاني، لكنْ تعلقي بالعلمِ دفعني إلى التتلمذ على يد الملا شيخموس عبدالله، رحمهُ الله، وخلالَ فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ ختمتُ القرآن، الأمرُ الذي أدهشَ الملا. رغبتي بالأكثر دفعتني بالذهابِ إلى قرية (جولدارا )لدراسةِ علومِ الدينِ هناك؛ حيثُ العديدُ من الكتب،  كنتُ في الرابعةِ عشر من عمري آنذاك، تأثرتُ كثيراً بالعالمِ الدينيِّ المعروفِ “حاج موسى” الذي لم يكنْ يرفضُ مناقشةَ الأمورِ السياسةِ كغيره، وتعلقتُ بهِ لدرجةِ إنني كنتُ استشيرهُ في أغلبِ الأمور.

العملُ مع الحزبِ الشيوعيّ

تعرفتُ في تلكَ الفترةِ على الحِراكِ الشيوعيِّ من خلالِ “نوري فرحان” الذي كانَ من أعضاءِ ومؤسسي الحزبِ الشيوعيِّ الأوائل في المنطقة، وعلى رائدِ الحركةِ الكرديةِ السياسيةِ سيداي جكرخوين، الذي كانَ أيضاً من روادِ الحِراكِ الشيوعيّ، ويعملُ على تنويرِ المجتمعِ الذي كانَ قابعاً تحتَ الفكرِ الدينيِّ الأعمى، وتسلطِ رجالِ الاقطاعِ، واستبدادِ سلطةِ الدولة.

كانَ يجالسُ الكبيرَ والصغير، يتحدثُ إليهم، يدعوهم إلى العلمِ والكفاحِ والتخلصِ من الجهلِ وسلطةِ رجالِ الدين.

كنتُ ضمنَ خليةِ المؤازرةِ للحزبِ الشيوعي، وشاركتُ في عدةِ نشاطاتٍ للحزبِ كالمسيراتِ وبعضِ الاجتماعات، حيثُ لم يكن هنالكَ أيُّ حزبٍ كرديٍّ في تللكَ الفترة.

الحياةُ في المدينة

بعدَ فترةٍ انتقلتُ وعائلتي إلى مدينةِ قامشلو، وسكنتُ حيَّ الهلالية والذي كانَ يضمُ حوالي 100 منزلٍ تقريباً، وكانَ لا يفصلُ الحيَّ عن مركزِ المدينةِ  سوى النهر ، سعيتُ بالتعرفِ على بعضِ الشخصياتِ الوطنية، لم أُخْذَل بذلكَ؛ فتعرفتُ على “محمود نيو” أحدُ مؤسسي الحزبِ الديمقراطيّ، وعن طريقهِ تعرفتُ على العديدِ من الشخصياتِ الوطنيةِ والسياسيةِ الكردية، من بينهم “سيداي كلش”، هنا أودُّ أنْ أُشيرَ إلى أمرٍ؛ وهو أنني وقبلَ انضمامي إلى الحزبِ المذكورِ لم أنسى الذهابَ إلى “سيداي حاج موسى” لأخذِ مشورتهَ في ذلك، طبعاً وافقَ سيداي حج موسى بانضمامي إلى  الحزبِ ومزاولةِ الكفاحِ السياسيِّ والنضاليّ، لكنهُ طلبَ مني أنْ أكونَ حذراً، وأن أكونَ دوماً في الوسط، وأكدَ لي أنًّ ما أقومُ بهِ هو واجبٌ شريفُ وعلى كلِّ أنسانٍ أنْ يناضلَ في سبيلِ قضيتهِ وكرامته.

العملُ ضمنَ صفوفِ الحزبِ الديمقراطيّ

خلالَ سنةٍ من انضمام إلى صفوفِ الحزبِ أصبحتُ مسؤولاً عن اللجنةِ الفرعيةِ للحزبِ في قامشلو، وبعدَ العملِ كعضوٍ مسؤولٍ في الحزبِ رغبتُ بالالتحاقِ بثورةِ البارزاني في باشور كردستان في بداية الستينات، إلا أنَّ هذا الحلمَ لم يتحقق مع محاولاتي العديدة، ونتيجةً لنشاطي الحزبيِّ تعرفتُ على نورِ الدين ظاظا، وكانَ رئيساً للحزبِ آنذاك، وتناقشنا حولَ أمورٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ عديدة؛ اعجبَ بأفكاري وشدَّ على يدي.

وهكذا لم اعمل بنصيحةِ سيداي حاج موسى في التوسطِ في الحياة، بل أخذتُ مركزَ الصدارةِ في النضالِ والكفاح، واخترتُ الخطوطَ الأمامية، لم أنظر للخلفِ أبداً، كنتُ دائمَ المسيرِ نحوَ الأمام.

لم يكنْ هناكَ طريقٌ سالكٌ بينَ حيِّ الهلاليةِ ومركزِ المدنية، الطريقُ الوحيدُ كانَ عِبارةٌ عن دربٍ سالكٍ عبرَ الأحراش، وكانَ على سكانِ الحيِّ أن يقطعوا النهرَ الفاصلَ بينَ الحيِّ ومركزِ المدينة، طلبتُ من صديقٍ لي كانَ اسمهُ “فريد”، كانَ مهندساً في البلديةِ بأنْ يقومَ بإنشاءِ طريقٍ وجسرٍ بسببِ الظلمِ والإهانةِ التي كانَ يتعرضُ لها سكانُ الحيِّ عند ذهابهم إلى مركزِ المدينة، وخاصةً النساءَ منهم، استطعتُ نيلَ الموافقة؛ وبادرتُ ومجموعةٌ من السكانِ بإنشاءِ ممرٍ بينَ الطرفين، لكنْ لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى قامت السلطاتُ الحكوميةُ بهدمِ الجسرِ بحجةِ إنَّ البيشمركة يعبرونَ من على هذا الجسر، وعلى أثرِ ذلكَ بادرَ رجالُ السلطةِ بضربِ المواطنين، لم يتحمل أخي “محمد” العنيد ذلك، فأمسكَ رئيسَ المخفر و أوسعهُ ضرباً، ونتيجةً لذلكَ قامتْ السلطاتُ بالهجومِ على منازلنا، وحدث اضطرابٌ محليٌّ شاركَ فيهِ نساءُ ورجالُ الحي، وأعتُقِلَ على أثرِ ذلكَ الكثير، لكنْ بعدَ حوالي 45 يوم من الجهودِ في سبيلِ أطلاقِ صراحِ المعتقلين؛ تمَّ لنا ذلك، لكنَّ أخي “محمد” بقيَّ متوارياً عن الأنظار ومُلاحقاً. لقد كانَ رئيسُ المخفرِ مُقرباً من ميشيلِ عفلق المعروفُ بكراهيتهِ للكرد. من هنا كانَ إصرارهُ على اعتقالِ أخي محمد، عشنا حالةَ الهروبِ والتواريِّ عن الأنظار، وذاتَ يومٍ كنتُ أنا وأخي إبراهيم في الطريقِ بالقربِ من ” آشي بوزي” وإذ  بضابطٍ يظهرُ فجأة؛ طلبَ مني أخي أبراهيم الهروبَ والتخفي، لكني رفضتُ ذلكَ وانتظرتُ ما يطلبهُ منّا هذا الضابط، المفاجأةُ أنهُ طلبَ منّا العملَ في بناءِ منزلهِ الذي يحتاجُ إلى بعضِ الصيانة، وبالفعلِ عملنا لمدةِ سبعةِ أيامٍ في منزله، لقد كانَ يُعاملنا بكلِّ تقديرٍ واحترام، وأصبحَ بيننا علاقةُ صداقة، وعلى أثرِ ذلكَ وبعدَ ترددِ شرحتُ لهُ موضوعَ أخي المُلاحق، وبالفعلِ لم يخب هذا الشخصُ

أملي؛ فقد طلبَ مني أن أجلبهُ إليه، وخلالَ فترةٍ قصيرةٍ أصبحَ محمد حراً، لكنْ محمد وبمرورنا منْ أمامِ بابِ المختارِ هددَ المختارَ بالقتل، ومرةً أخرى عادَ محمد إلى الملاحقةِ ثمَّ السجنِ والتعذيب. مرةً أخرى عدتُ إلى ذلكَ الضابط  (أبو حسين) وطلبتُ منهُ أنْ يساعدني في أطلاقِ سراحِ “محمد”، وبالفعل لبى هذا الشخصُ طلبي مرةً ثانية، وطلبَ من قيادةِ الأمنِ الكفَّ عن ملاحقةِ هذا الشخص، لا أعرفُ لماذا قَدًّمَ لنا هذا الشخص هذهِ الخدمات، لكنْ كانَ يبدو عليهِ أنهُ شخصٌ مطلعٌ على ثقافةِ المجتمعِ الكرديِّ  ومتعلقٌ بها. بدوري وفي اليومِ التالي قدمتُ لهُ صحيفةَ صوتِ كُردستان، وطلب مني أنْ احضرَ لهُ مجموعةً من الكاسيتاتِ للأغاني الفلكلوريةِ الكُردية.

وعلى أثرِ هذهِ الصداقةِ مع أبو حسين؛ تَقَرَّبَ العديدُ من القياداتِ والشخصياتِ المحليةِ الكرديةِ إليّ.

في 1983قمتُ أنا وأخوتي بأحياءِ أولِ نوروزً في روج آفا، وجاءَ العديدُ من الشخصياتِ الكرديةِ من أوروبا ومن عفرينَ وكوباني وحلب.

لحظةَ الاعتقال في باكور

منْ أجلِ توسيعِ نشاطِ الحزب؛ قررتُ الذهابَ إلى باكورِ كُردستان،  هناكَ ألتقيتُ بعددٍ من الشخصياتِ الوطنيةِ الكرديةِ البارزةِ في تللكَ الفترةِ كـ (موسى عنتر)، والعديدُ من الأحزابِ وفي قرية (جالي ). بينما كنتُ جالساً في منزلِ جديّ استمعُ لبعضِ الأغاني الفلكلوريةِ الكرديةِ جاءت مجموعةٌ من الجندرمة، وقاموا باعتقالي؛ وجاؤوا بالمختارِ ليثبتَ لهم بأنني لستُ من أهالي القرية، تخاذلَ معهم المختار، وأثناءَ سوقي للسجنِ ألتقى بنا أستاذُ المدرسةِ وطلبَ منْ رئيسِ الجندرمة إطلاقَ سراحي بعدَ أنْ تعرَّفَ عَلَيّ، وقد امتثلت الجندرمةُ ورئيسهم لأوامرِ ذاك الأستاذ، وبعدَ أن كُشِفَ أمري كناشطٍ سياسيٍّ طلبَ مني العودةَ إلى قامشلو. اجتمعتُ بأهلِ قريةِ جالي، وأطلعتهم على أمرٍ هامٍ مفادهُ أنَّ اتاتورك أرسلَ العديدَ من مخابراتهِ بصفاتٍ عِدة على المناطقِ الكرديةِ لمعرفةِ الواقعِ السياسيِّ الكرديّ، ويبدو أنَّ ذاكَ الأستاذ كانَ واحداً منهم.

كلو وآبو اوصمان

عدتُ إلى المنزل، وألتقيتُ “آبو أوصمان صبري” الذي احبني كثيراً؛ اتذكرُ أنهُ سألني ذاتَ مرة كيفَ انخرطتَ في السياسة، لقد كانَ جوابي لهُ بأنني استشرت في هذا الأمر مع سيداي حاج موسى والذي قال لي:” أنَّ طريقَ الكردايتي هو عملٌ وطنيٌّ لكنهُ صعبٌ وشاق، وإنْ اخترتَ السيرَ فيه فلا تكنْ في المقدمة، كن دوماً في الوسط”.

ما يمكنُ قولهُ عن يوسف كلو

يوسف كلو من الذينَ اختارَ طريقَ الثورةِ والتغييرِ والالتحاقِ بالنضالِ بعدما سخًّرَ كلَّ إمكانياتهِ وعلاقاتهِ المعنويةِ والماديةِ في خدمةِ الثورة، ومن ثمَّ الانخراطُ في فعالياتِ جبهةِ التحريرِ الوطنيِّ الكردستانيِّ بشكلٍ محترف، والتحولِ إلى كادرٍ ناضجٍ خلالَ فترةٍ قصيرة, كانَ ناضجاً في أسلوبهِ وتصرفاتهِ وعلاقاتهِ مع محيطهِ الاجتماعي، بالإضافةِ إلى قوةِ الذكاءِ وتأثيرهِ الواسعِ في الوسطِ الذي يعيشه, اتصفَ بالتواضعِ ومساعدة الآخرين، ويسعى إلى تمثيلِ روحِ التقشفِ الثوريِّ بوعيهِ وإرادته.

أهتمَّ “كلو” بتطويرِ نفسهِ من الناحيةِ الفكريةِ عبرَ البحثِ والدراسة، وعبرَ مسيرتهِ النضاليةِ الطويلة. ولقائُهُ مع القائد “آبو ” كانَ لهُ التأثيرُ المباشرُ والعميقُ في مسيرته. لقد تمكنَ من فرضِ احترامهِ على جميعِ أبناءِ العائلةِ والمجتمعِ المحيطِ به، كما تمكنَ منْ كسبِ ثقتهم وثقةَ جميعِ الذينَ كافحوا معه، بتواضعهِ وأخلاقهِ وشخصيتهِ الناضجة، والتي مُزِجَتْ فيما بينَ القيمِ المجتمعيةِ والإنسانيةِ وبينَ الروحِ الوطنيةِ العالية, لذا وبسببِ كلِّ هذهِ الصفاتِ التي كانَ يتصفُ بها، كانَ موضعَ حبٍّ واحترامٍ وتقديرٍ من قِبَلِ المجتمعِ بكلِّ فئاتهِ ومكوناته. بالإضافةِ إلى مواقفهِ النبيلة، وامتلاكهِ لأسلوبٍ  وطريقةٍ مميزةٍ في التعاملِ مع المجتمعِ ابتداء” من العائلةِ وكلِّ أبناءِ المجتمعِ الكرديِّ الذي كانَ يناضلُ بينهم، كانَ يسعى إلى تمثيلِ قيمِ والمبادئِ الوطنيةِ الكرديةِ بكلِّ حذافيرها، ويسعى لترسيخها بينَ الشعب. لقد انسجمَ بشكلٍ جوهريٍّ مع فلسفةِ الحركةِ التحرريةِ الكردستانيةِ وقائدها، تلكَ الفلسفةُ التي منحتهُ شخصيةٌ قلَّ نظيرها، قادرةٌ على تحملِ المسؤوليةِ التي حملها على عاتقه، وأمضى بها قُدُمَاً في كافةِ الميادينِ الحياتية. ومنْ خلالِ الاجتماعاتِ التي كانَ يعقدها مع الشعب، والتي كانَ يظهرُ فيها بوضوحٍ حقيقةَ تلكَ الشخصيةِ التي تُعطي الثقةَ والأيمانَ للشعب، ويختارها كقوةٍ وقدوة… هذه سيرة حياة الشهيد “يوسف كلو”  ابن العائلة الوطنية التي لم تبخل يوماً بالتضحية في سبيل الحرية والكرامة باختصارٍ شديد.

من أرشيف مكتب الإعلام والبحوث لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD

زر الذهاب إلى الأعلى