تقاريرمانشيت

إلى أين ستصل تركيا بتهديداتها… وما شكل المنطقة الآمنة المتوقعة

دوست ميرخان

يهدد نظام أردوغان مجدداً بشن غزوة لاحتلال شمال شرق سوريا إذا لم توافق قسد والتحالف الدولي على إقامة منطقة آمنة  وفق “شروط تركيا” والتي رفضتها الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية كون تركيا تحتل سوريا وليس لديها أية نية لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة بل على العكس يسعى نظام أردوغان إلى فرض تجربته العدائية الطورانية السافرة في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا(جرابلس، اعزاز، عفرين، إدلب) على مناطق الادارة الذاتية في القسم الشمالي الشرقي من البلاد والتي يتمتع بالأمن والسلم بعد أن تحررت من التنظيمات الارهابية آخرها كان تنظيم داعش.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وفي تصريحاته الإعلامية الأخيرة وكعادته قال: “إن بلاده ستنفذ عمليتها العسكرية شرق نهر الفرات بسوريا في حال لم تُقمْ المنطقة الآمنة”، وأشار إلى أنهم أبلغوا الولايات المتحدة بهذا الشأن منوهاً إلى إن المحادثات بينهم قد تباطأت بهذا الخصوص.

تهديدات وتلميحات أوغلو ورئيسه أردوغان وكل قيادة النظام الفاشي في تركيا ليست بجديدة تكاد تكون شبه يومية، وتتصاعد وتيرتها كلما تعرض نظامهم الطوراني للانتكاسات والفشل سواء أكان على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

بالطبع حُجَجْ أردوغان هي نفسها “محاربة الإرهاب” والقضاء على “الكيان” الكردي.

 لكن خيبة الأمل لاحقت أردوغان وأوغلو مجدداً في تحصيل موافقة دولية للقيام بغزوة جديدة على سوريا. التحالف الدولي حذَّر النظام التركي مجدداً بأن أي تحرك من هذا القبيل سيشعل المنطقة برمتها؛ لكن الجديد في حديث أوغلو لوسائل الإعلام هو ما عبَّر عنه في حديثه قبل أيام عن أمله في التوصل لاتفاق بشأن المنطقة الآمنة خلال المحادثات التي جمعته مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري خلال الأسبوع الماضي في أنقرة.

في تلك الاثناء تباحثت قيادات من التحالف الدولي مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية حول المنطقة الآمنة والمزاعم التركية وتهديداتها الأخيرة على المنطقة، ومن جهتها رفضت الأخيرة كل التهديدات جملة وتفصيلاً وحذَّرت النظام التركي من حربٍ مفتوحة ستشعل المنطقة بما فيها تركيا لو شنَّ النظام التركي أي عدوان على شمال شرق البلاد مؤكدة على أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، وحذرت من العواقب الوخيمة التي ستجرها تركيا على المنطقة بفعلتها، وأكدت على أن السبيل الوحيد لحل القضايا هو الحوار وأنها مستعدة للحوار المباشر مع أي طرفٍ كان شرط أن يكون الطرف المقابل ميَّالاً للحوار وللتفاهم.

 أرودغان يبحث عن نصرٍ وهمي.. لن يحقق غاياته

في ظل البحث عن انتصارٍ وهمي جديد يعبِّر عن حالة رهاب داخلي مزمن كعادته حشد أردوغان آلته العسكرية على الحدود قبالة مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية شمال شرق سوريا( كوباني، تل أبيض، سري كانييه).كما وحشد قطعانه الإرهابية في الطرف الشمالي الغربي من سوريا قبالة منطقة منبج معلناً ومنذراً بشن غزوة جديدة بعد أن فشلت كل غزاوته في جلب اعتراف محلي ودولي بمشروعية أطماعه وأحقية ادعاءاته في شمال سوريا؛ ملوحاً بإمكانية التوغل في أي وقت يشاء في حال عدم قبول قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة بشروطه بشأن المنطقة الآمنة والتي يعتبرها أردوغان بمثابة نصرٍ له في حال إن تحققت، لينعكس فيما بعد على شعبيته ونظامه خاصة بعد فشله في اسطنبول ومناطق أخرى من تركيا في الانتخابات الأخيرة التي حصلت.

هذا التلويح بالاجتياح والغزو جاء في وقتٍ تعاني فيه تركيا من تناقضات وأزمات عديدة خاصة فيما يتعلق بــ(صفقة S400) ومسألة إدلب مع روسيا – حزمة العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فُرضت على تركيا على خلفية هذه الصفقة- قضية اللاجئين السوريين في تركيا وارتدادها على السياسات الداخلية- الأزمة الاقتصادية- التُّهم الموجهة للنظام التركي خاصة فيما يتعلق بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية- الشرخ الذي طال حزب العدالة والتنمية مؤخراً- حربه على مناطق اقليم كردستان العراق( باشور كردستان) بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني والتي كلفت الدولة التركية خسائر مادية وعسكرية كبيرة ويخفيها إعلام السلطة الحاكمة عن الشعب التركي- التُّهم الموجهة من قبل المؤسسات الحقوقية والانسانية ضد النظام التركي خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان ، ناهيك عن عشرات المسائل التي نجمت عن انقلاب 2016 والتي طالت كل مفاصل الحياة والمؤسسات في الدولة التركية.

 كذلك لم تنجح مساعي تركيا مع روسيا  في السيطرة على تل رفعت، الأمر كذلك في منبج فقد فشلت تركيا في التمدّد صوب منبج واحتلالها. لذا توجهت اليوم صوب منطقة تل أبيض بـ”التحديد” لإحداث شرخٍ في جسم الإدارة الذاتية الديمقراطية وتضغط بها على قوات سوريا الديمقراطية وواشنطن للقبول بشروطها.

هذه الحقائق تشير إلى أن نظام أردوغان قد أفلس تماماً لذا يتوجه اليوم للبحث عن مخرج وهذا المخرج هو افتعال حرب في المنطقة والبحث عن نصرٍ وهمي، لكن يبقى الهدف الأساسي والأول له هو محاربة الشعب الكردي والحؤول دون حل الأزمة في سوريا بالسبل السياسية الديمقراطية.

من هنا يمكن القول بأن هدف أنقرة  من هذه التهديدات ليست بجديدة وهي تُعبِّر عمَّا في ذهن رئيسها الذي يعاني من أزمة عقلية يسعى الأطباء إلى وصف علاجٍ لها.

 جهود واشنطن

وجود قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرق سوريا شكل رادعاً كبيراً بوجه الطغمة التركية العدائية تجاه شمال شرق سوريا، كما إن  مساحة المنطقة التي يسعى النظام التركي إلى احتلالها شاسعة ومفتوحة على تركيا بشكل مباشر على طول الحدود الطويلة من ديريك إلى كوباني ومنبج، وليست كما مقاطعة عفرين التي كانت محاصرة من كل الجهات (المجموعات الارهابية التابعة للنظام التركي – قوات النظام السوري ورسيا واللتان منحتا الجيش التركي الضوء الأخضر للقيام بعملية الاحتلال)، لذا فأن أردوغان بحاجة إلى عاملين أساسين للغزو؛ موافقة من التحالف الدولي حلفاء قوات سوريا الديمقراطية في الحرب على الارهاب وهنا السؤال: هل ستمنح الولايات المتحدة الأمريكية تركيا الضوء الأخضر للهجوم على شمال شرق سوريا، كما فعلها الروس في غربها؟.

على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين انقرة وواشنطن كحلفاء في الناتو إلا أن اللقاءات الأخيرة بين الطرفين التركي والأمريكي لم يفضِ إلى نتيجةٍ لصالح تركيا على العكس، وحسب ردود فعل قيادات النظام التركي فأن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت الاملاءات التركية، وحذرتها من القيام بأي فعلٍ لا يُحمد عواقبه. مطالبة أنقرة إلى الجلوس على طاولة الحوار والابتعاد عن لغة التهديد والغزو، لذا فإن تحركات المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري الأخيرة بهذا الخصوص جاءت في إطار كبح جماح أردوغان وإبقاء الوضع تحت السيطرة ومحاولاً إمساك العصا من المنتصف وذلك في إقناع تركيا بالقبول بمنطقة آمنة وفق رؤية واشنطن وإشراكها إلى جانب قوى دولية في إدارتها مع أخذ الاعتبار الأبعاد الجغرافية والسياسية، وهذا ما لا توافق عليه تركيا وترفع من سقف تهديداتها للضغط على واشنطن في رسم معالم المنطقة الأمنة وشكلها، ووظيفتها، بما يتوافق مع نواياها التي تحمل صبغة صراع واحتلال أكثر ما تحمل صبغة أمان واستقرار.

زيارة قائد القيادة الأميركية الوسطى، كينيث ماكينزي، والسفير الأمريكي وليام روباك، إلى شمال شرق سوريا واللقاء الذي جرى بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية تشير إلى إن مسألة إقامة منطقة آمنة لن تكون بمعزل عن قوات سوريا الديمقراطية والتي لم ترفض الحوار مع النظام التركي لكنها رفضت كل أشكال التهديد، وحذّرت من أن الهجوم على مناطق شرقي الفرات سيحول المنطقة الحدودية بكاملها لساحة حرب.

 وفي ردِّه على التهديدات التركية قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، إن الأرضية مهيأة، والقوَّات مستعدة لأي استفزازات ومؤامرات من الدولة

وأضاف: “لا يمكن أن يتكرر هنا (في منطقة شرق الفرات) ما حدث في عفرين، لن نسمح بذلك أبداً.. إذا بادر الجيش التركي إلى مهاجمة أي من مناطقنا، فسيتسبب ذلك بحرب كبيرة، وستحوَّل المنطقة الممتدة من منبج إلى ديريك لجبهة معارك واسعة”.

وأضاف إلى أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية قد أخبرت قرارها لدول التحالف الدولي، ومن بينها الولايات المتحدة وفرنسا.

وشدد عبدي في لقائه مع صحيفة أوزكور بوليتكاعلى أن حرباً كهذه إن حصلت ستؤدي إلى نشوب حرب داخلية ثانية في سوريا، وستدوم حتى انسحاب تركيا.

وفيما يخص المنطقة الآمنة، قال مظلوم عبدي إن قسد قدَّمت مشروعها الذي وصفه بالمقبول للغاية، مؤكداً تمسك قسد بأن تكون المنطقة الآمنة بعمق خمسة كيلومترات، وأن تنسحب وحدات حماية الشعب خارج المنطقة وتترك مكانها لقوات محلية من أبناء تلك المناطق.

كما سيتم سحب كافة الأسلحة الثقيلة التي تصل مداها إلى داخل تركيا، شرط أن تقوم قوات دولية من التحالف أو من قوة دولية أخرى، بمهمة الدوريات الحدودية، وأن ينسحب الاحتلال التركي من عفرين، كشرط أساسي لقبول مشاركة تركيا في تلك الدوريات.

ووفقاً لما قاله القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية وردود الأفعال السياسية للنظام التركي فإن مؤشرات هجومٍ عسكري تركي محتمل على شمال شرق سوريا غير جدية حسب بعض المراقبين للوضع.

بعض المحللين يرون إن أردوغان لجأ إلى تحريك ورقة شرق الفرات مجدداً لتشتيت انتباه واشنطن عن العلاقات الروسية التركية خاصة فيما يتعلق بصفقة الصواريخ الروسية وعن قضية التنقيب قبالة سواحل قبرص، لذا فان التهديدات والحشود العسكرية وتنشيط مسألة المنطقة الآمنة من قبل تركيا لا تعني قيام حربٍ وشيكة بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية كما إن المسألة تتعلق بالوجود الأمريكي وبمستقبل سوريا عموماً، لكن النزعة الطورانية تهيَّجَ في عقلية النظام التركي وهو مستعدٌ لارتكاب حماقات بغيةَ أن لا يكون في سوريا نظام ديمقراطي لا مركزي تعددي يكون للكُرد دوراً رئيسياً فيه.

 أتكتيكٌ من أنقرة لتغيير مسارها؟؟…

ضيَّع النظام التركي باستراتيجيته فيما يخص الشرق الأوسط والعلاقات الدولية كل مقدرات البلاد وكل سياسته في خانة محاربة الشعب الكردي والنموذج الديمقراطي” الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا.  لذا فقد تأرجح سياسته بين إرضاء روسيا والتي جرَّته إلى عمق المستنقع السوري مستغلة عدائها للشعب الكردي، ومن جهة أخرى زعزعة علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة الحلفاء في الناتو، خاصة فيما يتعلق بامتلاك تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية S400،وهذا يعني وقوع تركيا تحت المظلة الروسية، وبالتالي يشكل هذا الأمر تغييراً كاملاً في مسار الاستراتيجية التركية على الصعيد الدولي والاقليمي،

وهذا الأمر سيجلب لتركيا المزيد من العقوبات الأمريكية، وبالتالي فأن الفجوة التي ستحدثها تركيا ستؤثر على سياساتها بشأن سوريا وشمال شرق سوريا على وجه الخصوص ومسألة الاتفاق مع النظام السوري بشكلٍ كامل وعلني والتهديدات التركية تأتي في إطار تكتيكي من هذا النوع أي إما القبول بالسياسات التركية وعلاقاتها مع روسيا ضمن الناتو أو أنها ستتوجه إلى المحور الروسي، خاصة وأن النظام التركي يرى مسألة الإدارة الذاتية الديمقراطية مسألة مصيرية بالنسبة له.

خلاصة

هناك عدة أهداف للنظام التركي تكمن خلف التصعيد الراهن ولو تحقق لأردواغان اثنان منها لكف شرَّه عن سوريا وعن الكرد خصوصاً وهذان الهدفان هما:

القبول بالاحتلال التركي في شرق الفرات، وتحجيم دور الكُرد في أي عملية سياسية ديمقراطية  في الشرق الأوسط عموماً وفي سوريا خصوصاً، أما فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة والحلول التي يمكن الاعتماد عليها لتفادي حربٍ محتملة وكخلاصة لهذا التحقيق

اقتبس ما كتبه عضو المجلس الرئاسي في مجلس سوريا الديمقراطية سيهانوك ديبو في مقالته «المنطقة الآمنة» الممهِّدة لحل الأزمة السورية

“أن تكون كل سوريا منطقة آمنة أو على الأقل منها شرق الفرات المحرر من الإرهاب والاستبداد، ثم لاحقاً كامل شمال سوريا بعد تحريره من الإرهاب والاحتلال التركي، له دواعٍ تاريخية تضاف إلى دواعيه الآنية والمستقبلية؛ في مقدمتها ألا تتحول مناطق من سوريا إلى أجزاء مسيّرة في طرق ضيقة تتناقض وحقيقة التنوع والتعدد السوري.

سوريا متجذرة في التاريخ منذ آلاف السنين، وظهرت لأول مرة في الجغرافيا الحالية بوصفها ناتجاً من نتاجات أفظع التقسيمات التي طالت الشرق الأوسط فيما سميت «اتفاقية سايكس – بيكو» عام 1916. هذا الأمر لا يتوقف عند سوريا؛ إنما يتعلق بكل المنطقة؛ إذ إن تركيا، على سبيل المثال، التي لم تكن بالمتجذرة في التاريخ لكنها أيضاً ظهرت لأول مرة وفق جغرافيتها الحالية في العقد الثاني من القرن العشرين، كان اسمها بلاد الأناضول. سمّاها الإغريق بذلك بمعنى «شروق الشمس» أو «الشرق». كما أطلق الإغريق في مغامرة الإسكندر للهيمنة الأولى في التاريخ، اسم «كردستان»… يوثق ذلك ويل ديورانت في «قصة الحضارة». أُعيد ترداد هذا الاسم في عهد الدولة العباسية مرة أخرى في القرن الثاني عشر.

مثلما أن الأفراد لا يسمون أنفسهم؛ فإن هذا انطبق على الجماعات أيضاً. «الغير» في تاريخ الشرق الأوسط هو من سمّى الآخر. وهذا صحيح إلى حد ما ودليل معافاة وعلى قوة ترابط الوشائج، وربما كأثر مستقبلي خيِّر بجذر تاريخي في أن خيار العيش المشترك هو الصواب. غير أن حاضرنا في ذلك غير متصالح مع تاريخنا؛ ليس في قضية الأسماء فقط؛ إنما في الطرق والوسائل والاستراتيجيات والهويات والدساتير المفروضة على الشرق الأوسط؛ وسوريا جزء مهم منه… كلها باتت الآن في معرض الحطب الذي يلزم لإذكاء الحرائق والحروب وجعلها مستعرة على طول الخط.

أجوبة مُرّة تتبعها انزلاقات خطرة يجدها كل من يسأل: ما الذي يحدث في حال إفشال الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؟ فإما الاحتلال التركي… ولن يتوقف الاحتلال عند ذلك؛ إنما يتسلل عبر أذرع أنقرة من «إخوانها المسلمين» ليصل إلى كل شمال أفريقيا وكل الخليج، وإما إفشال الإدارة الذاتية لحساب تعبيد «طريق الحرير الإيرانية» من طهران إلى بيروت… وإما عودة النظام السوري المركزي الاستبدادي على شاكلة 2011 وما قبلها.

إن الأسلم جداً، ولصالح جامعة الدول العربية، أن تبقى الإدارة الذاتية، وأن يتم دعمها لتتحول إلى «المنطقة الآمنة» في ظل مكانتها التي ينطبق عليها وصف أنها خط المجابهة الأولى الأساسية لمنع المنطقة من مزيد من الانزلاق؛ ولعودة سوريا المأمولة بوصفها بلداً لكل السوريين بمختلف تكويناتهم المجتمعية ومكوناتهم الإثنية القومية والدينية الطائفية. وسيكون من الصواب إلى درجة كبيرة أن الإدارة الذاتية و/أو «سوريا الإدارات الذاتية» هي الترجمة الفعلية لناموس الحراك الثوري السوري في آذار 2011 «الشعب يريد التغيير» حينما خرج شعب سوريا من حوران؛ السهل والجبل، إلى القامشلي، يردده بعقل وقلب واحد.

كما أنه لصالح التحالف الدولي (79 دولة) بقيادة أميركا ضد الإرهاب أن يتم تمكين هذه الإدارة الذاتية وتحويلها لـ«منطقة آمنة» من بعد أن أنهوا معاً «داعش» الإرهابي جغرافياً. ولا نظن أن موسكو في المستقبل القريب تبقى على خلاف مع ذلك. ولا يستثنى من ذلك حتى أنقرة المتحججة دوماً بأن أمنها القومي يطاله الخطر من هذه الإدارة الذاتية، والجميع يعلم أن رصاصة واحدة لم تطلق من الجانب السوري على تركيا منذ تأسيس «وحدات حماية الشعب والمرأة» في نهاية عام 2011؛ لا بل إن هذه الوحدات أنهت احتلال «جبهة النصرة» و49 كتيبة لرأس العين (سريي كانيه) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، ولاحقاً كل الاحتلالات الإرهابية، على يد «قوات سوريا الديمقراطية»… وكلها دخلت من الجانب التركي بالطريقة نفسها التي دخل بها عناصر «داعش» المرتزق بحشد وتدريب وتوجيه من أنقرة، إلى سوريا… بالطريقة نفسها التي تدعم بها أنقرة اليوم «جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)» في إدلب.

رغم أنه لا تفاصيل حاسمة معلنة حيال «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا، فإنه توجد معايير تتبع بدورها ثوابت وطنية. ومن ذلك؛ فإن «قوات سوريا الديمقراطية» بوصفها رمزاً سورياً إقليمياً عالمياً ضد الإرهاب، بمقدورها أن تتولى مهمة الشأن الأمني في «المنطقة الآمنة» وبدعم من التحالف الدولي ومن الجامعة العربية في الوقت نفسه. واستناداً إلى الثوابت نفسها، فلن نكون إلى جانب من يسأل أن تحظى أنقرة بدور في هذه المنطقة. تركيا اليوم تحتل جرابلس والباب وأعزاز وعفرين ومناطق من إدلب وشمال اللاذقية، وعينها على تل رفعت والشهباء حلب… لا بل إنها تتحين أي فرصة في أي صيغة لتحتل شمال سوريا وشرق الفرات وكامل إقليم كردستان العراق دفعة واحدة تلحقها دفعات – كما أسلفنا – تنفيذاً لما تسميه تركيا «الميثاق الملّي».

«المنطقة الآمنة» حتى تتحقق يجب أن تكون «آمنة»… غير «أمنية»… غير معزولة… ضامنة انحسار كل دور إقليمي غير نافع؛ ممهدة لحل الأزمة السورية… تمهِّد نحو «سوريا دولة لا مركزية ديمقراطية». يبقى القول إن شهر يونيو (حزيران) الحالي مفصلي في مستقبل موازين الجيوبوليتك الدولية… من كراكاس إلى دمشق، ومن أوكرانيا إلى ليبيا، ومن السودان إلى قبرص، ومن تركيا إلى اليمن… إلى إيران. العالم كله يغلي. ربما حان وقت انفكاك هذه الملفات… وحتى الفيَلة تحتاج في رقصها إلى ميادين «آمنة»؛ لا نيران فيها… بالأخص النيران الصديقة.

زر الذهاب إلى الأعلى