المجتمعمانشيت

أطفال داعش من التجنيد إلى التأهيل

مقدمة

انضم العديد من الجنسيات ومن مختلف دول العالم إلى تنظيم داعش الإرهابي منذ بروزه على الساحة العالمية واتخذ من سوريا والعراق مقراً له، ومع اندثار التنظيم حالياً وخسارته لأبرز معاقله على يد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا أضحى ملفات عوائل داعش التي تقيم في مخيمات تابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وأبرزها مخيم الهول الذي أكتظ بآلاف  الأسر وعوائل داعش جلهم من أطفال ونساء فباتت من أبرز الملفات الشائكة على طاولة الساسة في المنطقة والعالم.

حيث لا ينقطع ولا يتوقف الحديث والجدل حول مصير هؤلاء المقاتلين الذين نشروا الرعب والخوف بفكرهم الظلامي الداعشي إلا أن الجانب  الأكثر حساسية هو الأطفال الذين جندهم داعش أثناء سيطرتهم على المناطق السورية والعراقية وخلالها قاموا باختطاف الكثير من النساء والأطفال وكان من بينهم العديد من المكون الأيزيدي، والبعض من هؤلاء انضموا إلى تنظيم داعش تحت التهديد بالسلاح أو نتيجة ما روجه هذا التنظيم من أفكار وما أسسه من أوهام لديهم بأنهم سيكونون أشبال الخلافة  وما شابه ذلك، ولا ننسى بين عوائل داعش الآلف من أطفال الأجانب حيث يشكل مصيرهم نقطة خلاف وحيرة من الناحية السياسية والأمنية والشعبية في الأوساط الأوروبية، ويحتدم الجدل الآن في أغلب دول العالم على مصيرهم وأولوية القبول بعودتهم ومحاكمتهم أم لا…؟؟ كما يتم النقاش حول كيفية عودة هؤلاء الأطفال إلى بلدانهم وإيجاد طرق واقعية من أجل ذلك، وهل ستكون العودة برفقة أمهاتهم أم لا؟؟، وفي الحقيقة يبقى الأمر المتفق عليه هو إدانة أولئك الذين انزلقوا طواعية أو غُرِّرَ بهم في السير على طريق العنف وسفك الدماء مع الجماعات الإرهابية، وغالبية هؤلاء تتجاوز أعمارهم الثالثة عشر؛ أما أن تولد طفلاً داعشيًّا فهذا أمر مختلف ومن الطبيعي أن تندرج إشكالية الأطفال العائدون من معسكرات داعش، تحت اعتبارات متعددة تتلامس مع الأمن القومي للدول وسلامة مستقبلها، ما يؤثر بدوره على تقبل الأنظمة السياسية لعودة هؤلاء الأطفال وتزداد الأسئلة إلحاحاً حول هذا الموضوع.

الدول الأجنبية بين التردد والجدية في استعادة أطفال داعش

حسب المفوضية الأوروبية فإن أكثر من 40 ألف مقاتل انضموا إلى التنظيم خلال سنواته الخمس، ويعتقد أن ما يفوق الــ 5000 منهم قَدِمُوا من دول أوروبا وأمريكا.

في بادئ الأمر أدارت الحكومات الأجنبية ظهرها للمشكلة بشكل عام، إلّا أن بعض الدول أخذت تعيد النظر في مواقفها خاصة بعد التشجيع الأمريكي والوقوف حول مصير هؤلاء الأطفال وأخذه بشكل جدي.

على أرض الواقع تم إعادة عوائل وأطفال إيزيديين كان التنظيم قد اختطفهم وذلك بالتعاون مع البيت الأيزيدي في عامودا وتم تسليمهم إلى عوائلهم وكانت مقدونيا أول دولة أوروبية تقوم باستعادة مواطنيها المنتسبين إلى داعش، في حين أن فرنسا تفكر في استعادة 130 رجلاً وامرأة إلى وطنهم،  ولكن حتى الآن لم يحرز أي تقدم بهذا الصدد.

كما أن ألمانيا كان موقفها مختلفاً حيث قررت سحب وتجريد مواطنيها المنتسبين إلى داعش من الجنسية كذلك سعت بريطانيا إلى ذلك، ولكن هذا التردد من تلك الدول في استعادة مواطنيها ولا سيما الأطفال منهم ينبع من أن الكثير من الأدلة ضد المتهمين قد لا تصمد في المحكمة أو قد تكون حتى بلا قيمة، وتختلط الأمور وتتعقد، وأحياناً قد يكون من الصعب إيجادها من الأساس وقد تمت مقاضاة العديد من هؤلاء أو إخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل بالنسبة لأوروبا ويبدو أن استعادة الأطفال إلى الوطن قد تكون هي الأولوية والخطوة الأكثر إلحاحاً هذه الفترة.

لذلك يجب أن يكون هناك خطط لإعادة الأطفال إلى بلدانهم كما صرحت بلجيكا التي صاغت برنامج كيفية استعادة أطفالها وذلك بتقسيمهم إلى فئات عمرية للنظر في كيفية التعامل معهم فإن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات لديهم الحق في العودة فوراً إلى بلجيكا، في حين أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 18 عاماً سوف يتم التدقيق بحالاتهم كل حالة على حدى، وذكرت دراسة أخرى قدمتها هيئة الاستخبارات والأمن الهولندية حول الموضوع ذاته أن عدد الأطفال في صفوف داعش سواء ممن عادوا أو الذين نناقش حالياً في سبل عودتهم من الصعب تحققه بشكل واضح، وهي أيضاً شكلت جدول زمني لاستعادة الاطفال وحسب الفئات العمرية ووجدت أن 50% من الأطفال تقل أعمارهم عن ثلاثة أعوام هم الذين ولدوا اثناء سيطرة داعش كما يتواجد بينهم 30%  منهم تتراوح أعمارهم بين الأربع والثماني سنوات ربما يكونون لدواعش انتسبوا للتنظيم مع أسرهم فيما يقدر الـ20% الآخرون للذين تزيد أعمارهم عن التسع سنوات انتسبوا برغبتهم، وستعمل هولندا وفق هذا التصنيف على إعادة الأطفال، وعملت إسبانيا على استرجاع عائلات من مقاتلي داعش من نساء وأطفال فقط، كما تقول روسيا بأنها أعادت لأراضيها أطفالاً ولدوا لمقاتلين في تنظيم داعش، في حين أن هذا يبدو علامة واضحة على تداول يرافقه تخوف وتقدم أوروبي في هذا الملف، ولكن لا يزال هناك تردد كبير من غالبية الدول وبشكل جدي في اتخاذ قرارها النابع من مصدر التخوف من الضغوط اللاحقة لإعادة ذوي هؤلاء الأطفال ولا سيما الأمهات من خلال “لم الشمل” وإعادة باقي أفراد العائلة، وتبقى العودة جزءاً لا بد الحديث عنه في كل الأحوال، وقد يكون يسيراً أمام تحديات ومراحل أخرى ستواجه هذه الدول.

أطفال داعش من التجنيد إلى التأهيل

أولاً يجب قبول الدول والاعتراف بأطفال داعش من مواطنيها ثم العمل على كيفية إعادة ادماج هؤلاء الأطفال في المجتمع الذي ينحدرون منه في حال تأهيلهم وإخضاعهم لدورات تعليمية أو وضعهم في مدارس وتجمعات خاصة بهم بهدف إصلاحهم، ودراسة مستقبلية لهم لمحو السؤال الذي سيطرح نفسه هل ستلاحق هؤلاء الأطفال وصمة داعش؟؟ وما سينتج عنه؟؟.

الأمر الذي بدأت الكثير من المنظمات والمؤسسات واليونيسف تعمل عليه لوضع خطط وسياسات لتحقيق ذلك بطريقة ممنهجة وفعالة وبأقل الأضرار.

لأن هؤلاء الأطفال إذا لم يتم التكفل بهم فمن المرجّح أن ينشئوا على الأفكار المتشددة التي حولت آباءهم إلى إرهابيين، لذا على الأمم المتحدة أن تدق ناقوس الخطر إزاء هذه المشكلة الكبيرة، سيما أن المتشددين من أنصار تنظيم داعش لا يزال لهم نفوذ من حيث الفكر المتطرف وأن التنظيم المتشدد لا يزال يشكل تهديداً ففي مخيم الهول، تجدهم يتعاركون مع أي امرأة لا تغطي رأسها، كما أنهم يطلقون تصريحات بأنهم سيعودون في وقت ما وبطريقة أخرى كما تصدر عنهم تصرفات عدوانية كحرق الخيم والمشاجرة مع القاطنين في المخيم، ويزداد العبء لدى الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تناشد الدول والمنظمات العالمية والحقوقية لإيجاد حل سريع لهذه المشكلة، فعلى الدول المعنية أن تحمل مسؤوليتها تجاه الأطفال الذين يحملون جنسياتها أو الذين ولدوا لمواطنيها الدواعش، والعمل على اتخاذ التدابير المطلوبة حتى لا يصبح هؤلاء الأطفال بلا وطن وتتفاقم المشكلة أكثر فأكثر.

وقد تجاوبت بعض الدول مع طلب اليونيسيف على غرار فرنسا التي أعلنت أنها استقبلت خمسة أطفال لمقاتلين في تنظيم داعش وإنها ستواصل العملية بعد دراسة الملفات حالة بحالة، ولكنها رفضت استقبال الأمهات.

أطفال داعش بالأرقام

ذكرت بعض الاحصائيات أن أكثر من 3000 طفل من 40 دولة في سوريا يبحثون عن حل، بالمقابل كانت مصادر التنظيم آنذاك تفاخر بتجنيد 4500 طفل خلال عام 2017.

كما أقرت بعض المصادر بوجود أكثر من 2500 طفل أجنبي من بلدان مختلفة يتوزعون حالياً على ثلاث مخيمات للنازحين في شمال شرق سوريا بعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية في 23 آذار المنصرم أن النصر العسكري على داعش تحقق، ولكن ما بعد داعش أصبح أكثر أهمية والذي بات في هذه الآونة الأكثر تداولاً بعدما اكتظت المخيمات بالآلاف من عوائل داعش تلك المخيمات التي تديرها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا والتي تعمل جاهداً على تقديم الخدمات لهم ضمن إمكانياتها المتواضعة، وتطالب المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات الضرورية في هذا المجال كما تناشد  جميع الدول التي لديها مواطنين عالقين في سوريا أن تتحمل مسؤولية مواطنيها، وتطالب بلدانهم باستعادتهم ومحاكمة عناصر التنظيم على أراضيها أو تشكيل محكمة دولية من أجل المقاضاة والمحاكمة.

أما بالنسبة إلى الأطفال أبدت إدارة مخيم الهول إلى وجود حالة من الغموض تكتنف الأرقام والبيانات الإحصائية الدقيقة المحددة لعدد أطفال داعش، ومن شأن هذا الغموض أن يعيق الجهود المستقبلية الرامية إلى التعامل الصحيح مع هؤلاء الأطفال بسبب الأعداد الكبيرة التي تفوق قدرة استيعاب المخيم كما أوضحت بأنها تفتقر إلى الأجهزة المستخدمة في تطبيق البرامج المعالجة؛ لذا على جميع الدول أن تتعاون في قضية عودة أطفال مواطنيها، ومن أصعب الأمور التي تواجهها هي كيفية انتزاع التطرف الذي غرسه التنظيم لدى هؤلاء الأطفال، ما يزيد من تعقيد الأمر.

نظرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر

وفي ذات السياق أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها ترغب في السماح لمئات أطفال (داعش) الأجانب في شمال وشرق سوريا بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، حيث يعيش الأطفال بدون آبائهم في مخيم الهول والذي أكتظ بعوائل داعش فوصلت أعداد نازحي المخيم قرابة 100,000 شخص نزحوا بعد أن قامت قوات سوريا الديمقراطية بإغلاق آخر معاقل داعش وذكرت اللجنة أن حوالي 10,000 امرأة وطفل أجنبي لهم علاقات مع مقاتلي داعش الأجانب في منطقة منفصلة من المخيم، ما يشكل ذلك خطراً كبيراً، كما ويمثل الأطفال الذين هم دون سن 12 ثلثي هذه المجموعة.

كما قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورير تتمثل أولويتنا في البحث بشكل استباقي عن إعادة الأطفال إلى بلدانهم الأصلية حيث نأمل أن يجدون هناك أسرة إذا لم يكونوا برفقة أحد.

 “وبرفقة أحد”؟؟؟!!

هو السؤال المفاجئ ماذا يعني هذا أي هم أيضا ينوهون إلى عودة الأطفال فقط، فبمجرد تحديد هوية الأطفال، هل ستقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإحضار الحكومات ومعرفة ما إذا كانت هناك أسر في تلك البلدان يمكنها أن تعيد الأطفال إليها أو ستعمل على تأهيل الطفل الداعشي بطرق وقائية علاجية بعد أن كان مجنداً لدى أعتى تنظيم إرهابي في العالم.

إعداد: بارين قامشلو

زر الذهاب إلى الأعلى