الأخبارمانشيت

أحمد سينو: تركيا لاتزال تتنكر لحقوق الشعوب وماضية بذهنية الغزو والاحتلال

تناولت الجلسة الثالثة التي بدأت بعد انتهاء محاور الجلسة الأولى والثانية في اليوم الثاني 3/ ديسمبر 2018 للمنتدى الدولي حول “التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين” الجانب التاريخي والثقافي من عمليات التطهير، وترأس الجلسة الدكتور جواد كاظم البيضاني، وألقيت العديد من المحاضرات ومنها محاضرة الدكتور أحمد سينو.

وتمحورت محاضرة الدكتور أحمد سينو  حول تاريخ سياسة  الدولة التركية بسرده لتاريخ الدولة التركية بشكلٍ مكثف ومقتضب حيث قال: في مقدمة مداخلته ” محاضرته: “إن الدولة التركية نشأت على الغزو والقتل، واتخذت منه سبيلاً للتوسع، ومنهجاً ثابتاً في سياستها وسلوكها القائم على السلب والنهب والتدمير وارتكاب المجازر والتهجير القسري والإبادة بحق الشعوب، واعتبار ذلك نوع من العمل المشروع والحسن أو كنوع من الجهاد كما يروق لها أن تسميه”.

وتابع سينو “أن هذا الخط والمنهج للدولة التركية ، بدا أكثر وضوحاً مع وصول الاتحاديين إلى سدة الحكم، الذي تمثل بسياسة التتريك، القائمة على إذابة كل المكونات والشعوب في البوتقة التركية، واستمرت بهذه السياسة وهذا المنهج حتى بعد الحرب العالمية الأولى لتصل إلى وقتنا الحاضر، وإن ارتدت حكوماتها أشكالاً مختلفة من أنظمة الحكم الحديثة وتلونت بها، كتب السفير الأمريكي في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى عام 1913-1916م هنري مور في مذكراته عن الأتراك، بقوله:

((إنهم يفتقرون إلى ما نسميه نحن بأساسيات المجتمع المتحضر، فلم تكن لهم أبجدية ولا مدونات كتابية ولا مؤلفات ولا شعراء ولا فن ولا عمارة، ولم يشيدوا مدناً ولم يؤسسوا قط دولة ثابتة، ولم يعرفوا من القوانين إلا قانون الغاب (حكم القوة)، ولم تكن لهم عملياً زراعة ولا مؤسسات صناعية، هم ببساطة فرسان متوحشون وغزاة، والمفهوم الأساس للنجاح عندهم هو الانقضاض على الشعوب التي كانت أكثر حضارة منهم ونهبهم أو سلبهم))”.

ولفت سينو؛ بأن الأوربيون أطلقوا على الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض أي ضعف الدولة ومشكلاتها التي أدت إلى تدخل الدول الأوربية في شؤونها الداخلية ما عرف (بالمسألة الشرقية). كما أن تناقض المصالح بين الدول الأوربية أطال من عمر الدولة العثمانية، وأهم الدول التي تدخلت في المسألة الشرقية (الدولة العثمانية) هي روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

وذكر سينو بشكلٍ مختصر العديد من النماذج حول التطهير العرقي للشعوب والتي مارستها الدولة التركية ومنها الشعب الأرمني،  ولفت قائلاً بهذا الصدد: ” كتب وزير داخلية تركية طلعت باشا إلى ولاية حلب بتاريخ 5أيلول 1915م  رسالة تضمنت ما يلي: (تم إعلامكم سابقاً فإن الحكومة وبأمر من جمعية الاتحاد والترقي قررت إبادة الأرمن الذين يقيمون في تركيا على نحو تام ، يجب وضع حد دون سماع صوت تأنيب الضمير ودون أي استثناء لوجود النساء والأطفال والمرضى الذين حالتهم سيئة، ولفت سينو بأن أكثر الصور بشاعة تفنن الدولة التركية بأساليب القتل ومنها ما قام به الدكتور محمد رشيد الذي كان حاكماً على مدينة ديار بكر الذي لقب بالجلاد وكذلك لقب بالنعال لأنه كان يقوم بدق حدوات الأحصنة بأرجل ضحاياه، وعرف أيضاً بمحطم الجماجم وصلب الضحايا، ومن طرقهم الجديدة   التسميم والإغراق في البحر والتقطيع إرباً وإجراء التجارب، ويقدر عدد قتلى الإبادة في هذه الفترة بحوالي مليون ونصف المليون أبيد على يد القوات التركية، أو أثناء مسيرات ترحيلهم.

كذلك تحدث سينو عن المجازر التي لحقت بالشعب السرياني والأشوري قائلاً: ” لقد استخدموا السيوف والخناجر في قتل السريان والآشوريين. واستخدموا الحرق، كما تم في بلدة كنجار، وقطع الرؤوس كما تم في بلدة سلماس الآشورية، ارتكبت الدولة التركية مجزرة في مدينة أضنة قتل فيها أكثر من 30 ألفاً من السريان، كما نفذت مجزرة أخرى في جبال طوروس وجبال أزل وماردين وهكاري قتل فيها أكثر من 600ألف من الآشوريين والسريان بين عامي 1914-1916م.

وأضاف سينو بالقول “وقعت مجزرة في سهل أورميه ضدهم بلغ عدد القتلى أكثر من 500ألف مدني سرياني   وعرفت هذه المجزرة باسم مذابح السيفو، نسبة إلى الطريقة التي قتل فيها السريان بالسيف”.

وعن الكرد الإيزيدين قال سينو: “أما الإيزيديين فقد ارتبطت المذابح والمجازر الإيزيدية بالحملات العثمانية الموجهة ضدهم ومنذ قرون والتي بلغت أكثر من 74حملة، ” قاد محمد رشيد باشا حملة، تعرضت على إثرها مدينة سنجار للتدمير الكامل، ثم قاد حافظ باشا حملة عسكرية قتل فيها أكثر من900إيزيدي، بالإضافة إلى أسر 600 من رجالهم وسبي النساء والأطفال وبيعهم في أسواق الموصل والمناطق المجاورة. وتكررت الحملات بذات الطريقة حتى قيام الحرب العالمية الأولى. كان من نتيجتها تشرد الإيزيديين على دفعات في روسيا وأوكرانيا وأذربيجان وأرمينيا وألمانيا وبقية البلدان الأوربية”.

وأشار سينو غلى المجازر ومحاولات التطهير الأخيرة  التي شنت ضد الكرد الإيزيدين قائلاً: ” في الـ 14 من آب عام 2007 م استهدفت الجماعات الإرهابية الإيزيديين في العراق بهجوم كبير راح ضحيته  800 من الإيزيديين، وفي عام 2014 م بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش صارت تركية الممر الرئيسي لعبور الإرهابيين إلى العراق وسوريا، تعرضت مدينة سنجار “شنكال” إلى هجوم كبير من داعش الإرهابي قتل فيها الآلاف بين قتيل وأسير ومخطوف”.

وتابع سينو في سرده للوقائع والاحداث التاريخية قائلاً:” قامت الدولة التركية بعد ثورة 1925م بدفن أكثر من 2000من النساء والأطفال والشيوخ وهم على قيد الحياة كما ارتكب الاتحاديون في نفس الفترة مجزرة جديدة بعد تسلمهم السلطة ضد الكرد، قتل فيها أكثر من 500 ألف كردي”.

وأكد سينو  على إن” حصيلة القتلى في مجزرة زيلان 47ألفاً من الكرد، متبعاً بقوله: ” وخلال القتال الدائر بين الدولة التركية والكرد في فترة ما بين الحربين العالميتين، قتل حوالي 400 ألف كردي، وجرى ترحيل حوالي 700 ألف كردي، ففي عام 1978م شهر أيلول قتل 3856كردياً بعد مجزرة مرعش بثمانية أشهر، وأثناء انقلاب 1980م اعتقلت الدولة التركية 10790 كردياً، وفي عام 1983م اعتقلت 60 ألف من الكرد.

وعن التطهير العرقي والديموغرافي في عفرين أشار سينو؛ بأن الدولة التركية ما تزال  مستمرة على سياسة الغزو والإنكار والإبادة والتطهير العرقي وحتى الديموغرافي على نفس سياسة الاتحاديين والكمالين حتى الوقت الحاضر هذه الذهنية الفكرية والسياسية والممارسات الميدانية هي التي تعكس وتبرهن طبيعة وحقيقة الدولة التركية في عفرين حالياً.

وفي سياق حديثه تحدث عن الانتهاكات التي مارستها تركيا في عفرين من قصف بالطائرات وراجمات الصورايخ والمدفعية الثقيلة من تاريخ 1/ 2/ 2018م ولغاية 28/2/ 2018.

وأشار سينو إلى التغيير الديموغرافي  الحاصل في عفرين ومنذ أن احتلت من قبل الدولة التركية قال سينو: “لقد استمرت الدولة التركية بنهج الغزو والقتل والإبادة والتطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين. كنهج تعتاش منه الدولة التركية، لمنع قيام أي كيان ديمقراطي وتحرري في سورية والمنطقة وتوطين الموالين لها في منازل الأهالي، فبعد مرور خمسة أيام على القصف التركي هجر قسرياً من عفرين 23و25 من شهر كانون الثاني 12000 مدني وفي 24من الشهر نفسه أخليت قرية جلمة بالكامل من أهلها. كما هجر قسرياً الأهالي من محيط عفرين ووصل العدد إلى أكثر من 200000 ألف مهجر، فبعد مرور خمسة عشر يوماً، تم نقل 50 عائلة من الغوطة القريبة من دمشق إلى ناحية جندريس غربي عفرين،ىواسكان 15عائلة تابعة للفصائل الموالية  في قرية قنمي وإسكان عوائل أخرى في عدد من الوحدات السكنية داخل عفرين لقد تم إحلال80 عائلة جديدة  من ريف حمص وحماه في منطقة خربة شران وإسكان 200عائلة قادمة من الضواحي الجنوبية لدمشق، وتقوم فرقة الحمزات بإرغام  أهالي قرية خيلاكا لترك  منازلهم بهدف إحلال 2000 عائلة من دوما السورية”.

وأضاف بالقول “من تاريخ 18/3/ 2018م وحتى شهر أيار تم خطف أكثر من 3295 مدني  بذرائع باطلة وتعرضت أكثر من 30 امرأة لعملية الخطف والاعتداء، وإمعاناً في التغيير الديموغرافي  تعمل الدولة التركية على تغيير الهوية الثقافية والوطنية ولزرع ثقافة الغزو والقتل تقوم بقصف المواقع الأثرية و المقابر وممارسة  الانتهاكات ومثال ذلك ما تم في مزار شيخ زيد في حي الزيدية الذي تم نهبه ونبشه بشكل كامل من قبل الفصائل الإسلامية المتطرفة،(4)كما دمر سلاح الجو التركي ، مزار نوري ديرسمي و مسجد زيارة حنان  ومزار خاتونا فخرا ودمرت قبة لالش بشكل كامل، ومزار الشيخ بركات والذي يعتبره الإيزيديون والدروز مقاماً لأحد شيوخهم، ومزار الشيخ عبدالرحمن بقرية فقيرة ومزار سلطان بعبروش شمالي بلدة معبطلي وهو خاص بالطائفة العلوية، وتدمير كنيسة علبسكي وقصف ضريح رجل الدين العلوي يغمور دادا قرب حلب، وتم نهب قوس لمعبد في قرية كيمار التابعة لناحية شيروا نحت عليه طاووسان متقابلان ويتوسطهما رمز للشمس في جبل ليلون (5)، كما استهدفوا كنيسة جوليانوس بالقصف والتدمير و سرقته .و تم نهب 16 ألف قطعة أثرية معظمها خاصة بمنطقة عفرين. وتم تجريف مزار الشهيدة أفستا بمدينة عفرين في12/8/ 2018 م وقيام سلاح الجو التركي بقصف المواقع التاريخية الأثرية القديمة فقد تم تدمير المعبد الأثري في عين دارا وموقع براد وقلعة النبي هوري ودير مشمش وتل جندريس الأثري ومسجد صلاح الدين وضريح القديس مار مارون وتمثال كاوا الحداد”.

مما يعني أن الدولة التركية تريد إزالة الثقافة الحضارية والأثرية لأبناء عفرين على اختلاف تنوعهم الثقافي والديني من العلويين والدروز والكرد والإيزيديين بما فيهم المسيحيين من السريان وزرع ثقافة جديدة هي ثقافة الغزو والإنكار التي نشأت عليها الدولة العثمانية. مما يعني أنها مستمرة في خطة التغيير الديموغرافي عن سبق إصرار، لقطع الروابط الثقافية والدينية والوطنية بين الأهالي والسكان في منطقة عفرين. كما أقدمت الدولة التركية والفصائل التابعة لها على تغيير أسماء الساحات والشوارع العامة بعفرين وريفها لفرض ثقافتها وتتريك المنطقة. وحتى البيئة والطبيعة لم تسلم من انتهاكات الفصائل المسلحة الموالية لتركية لقد أحرقوا الغابات وقطعوا أشجار الزيتون ففي قرية حمام قامت الفصائل باقتلاع 1500شجرة زيتون وإلحاق أكثر من25000 ألف شجرة إلى الجانب التركي وحرق أكثر من 1000 شجرة لقرية خورينا تحتاني وإضرام النيران في 2500 شجرة لقرية عداما وإصدار أوامر بدفع 1500 ليرة سورية عن كل شجرة زيتون في السهول العائدة للأهالي غير المتواجدين في مقابل السماح لأقاربهم أو من يرغب في رعايتها.

وفي ختام محاضرته أوجز سينو عدة استنتاجات لكل ما توصل إليه خلال بحثه وتوثيقه للحقائق والسرود التاريخية المتعلقة بسياسة الدولة التركية قائلاً:

“تبين لنا من خلال البحث والدراسة، بعض الاستنتاجات التي يمكن اعتبارها بمثابة نتائج واضحة للمتابع والدارس وهي على النحو التالي.

1-أن لا تغيير في سياسة الدولة التركية، في جوهرها حيال شعوب المنطقة، سواء داخل الدولة أو خارجها لا سيما في محيطها الإقليمي. وبدا ذلك من خلال التطهير العرقي للأرمن والكرد والسريان والإيزيديين. فهي لازالت تتنكر لحقوق الشعوب المذكورة، ولازالت تتدخل وتهدد أراضي الدول المجاورة كسورية والعراق (كركوك وعفرين) وتتدخل في شؤونه الداخلية بحجة أمنها القومي.

2-رغم مرور قرن على الإبادات العرقية للشعوب المذكورة، لم يتم إجماع دولي بإقرارها لأسباب سياسية تتعلق بمصالح هذه الدول مع الدولة التركية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية.

3-عدم اعتراف الدولة التركية بكل المجازر التي قامت بها بحق الأرمن والسريان والعرب والكرد والبلغار واليونانين، أمام الأمم المتحدة والجمعية العمومية وغيرها من المنظمات الدولية والحقوقية. لأسباب تتعلق بالإدانة الدولية وتقديم اعتذار يترتب عليه التزامات كتقديم تعويضات وإقرار بالحقوق.

4-إفراغ مناطق كاملة من السكان ديموغرافيا ًفي كردستان الشمالية وإزالة مدن كاملة مثال ديرسم وإقامة مدينة جديدة للمستوطنين تونجلي، وهذا ما حصل للأرمن والسريان والآشوريين في مدنهم وبلداتهم.

5-التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في كردستان وميزوبوتاميا والشرق الأوسط أساء إلى النسيج الاجتماعي لهذه الشعوب وأشاع نوعاً من عدم الثقة بالمجتمع الدولي، كما حولت الملايين منهم إلى لاجئين في أوروبا والعالم وعفرين نموذجاً.

6- لم يبد العالم العربي والإسلامي موقفاً واضحاً تجاه الإبادة العرقية والتغيير  الديموغرافي تجاه شعوب المناطق المذكورة، بحالة لا مبالاة خاصة في سياق منظمة المؤتمر الإسلامي لأسباب سياسية وربما دينية.

7- المضي قدماً ومنذ قرون بسياسة النهج الديني السياسي للدولة التركية وحتى الوقت الحاضر وبرداء جديد عبر الأحزاب والمنظمات لخداع شعوب المنطقة والعالم الإسلامي برمته، لأسباب سياسية واستراتيجية.

8- مضي الدولة التركية قدماً في سياسة اللعب على التناقضات الدولية، خاصة بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي من جهة أخرى حتى الوقت الحاضر وكأن المسألة الشرقية تركت آثارها وظلالها على سياسة الدولة حتى اليوم. في محاولة منها ابتزاز الجهتين.

9- ضعف دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العمومية وكل المنظمات التابعة وكافة المنظمات الحقوقية والمدنية وحتى محكمة العدل الدولية وعدم فعاليتها في أي قرار سياسي وحتى إنساني أو حقوقي لإنقاذ الشعوب من كوارث حقيقية كما في الإبادات العرقية والتغيير الديموغرافي التي وقعت بحق الأرمن والكرد والآشوريين والسريان وغيرهم، وكما حصل مؤخراً في سنجار وفي عفرين وفي سوريا عموماً.

10- على الرغم من السياسة التركية المتبعة في التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي منذ قرنين إلا أنها لم تستطع القضاء على جذوة المقاومة لدى شعوب المنطقة، ورغبتها في التحرر والاستقلال”.

زر الذهاب إلى الأعلى