الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد هي أزمة النظام نفسه ككيان سياسي واجتماعي واقتصادي، وهي أزمة عميقة تشمل كافة مؤسسات وأركان الدولة وليست فقط جزءاً منها، وهي ليست أزمة مرحلية ظهرت نتيجة رد الفعل على مظاهر الفساد وأساليب السلطة في بعض مؤسسات الدولة فحسب، بل هي نتاج لتراكمات سلبية أدت إلى زيادة نفوذ مؤسسات الدولة القومية على حساب تهميش دور المجتمع في إطار عقلية القومية الواحدة والدولة الواحدة واللغة الواحدة التي انتهجتها أنظمة الحكم المتتالية منذ تأسيس الدولة السورية الحديثة.
حالة الانفجار الشعبي التي تحدث الآن في البلاد على شكل حركات واحتجاجات شعبية تؤكد في نفس الوقت على افلاس نموذج الدولة القومية وعقلية المجتمع القومي الواحد المفروض على المجتمع السوري لفترة أكثر من نصف قرن، وإذا كنا نتحدث اليوم عن ضرورة التغيير فإن جوهرها يجب أن لا ينحصر في شكل حكم سياسي، بل يجب أن يتحول إلى عملية تغيير جذرية تشمل جميع جوانب مؤسسات الدولة والمجتمع وتشكل حل قضايا المجتمع الكردي جانباً أساسياً من عملية التغيير هذه.
بخلاف رؤية ومواقف كثير من القوى المعارضة السياسية في سوريا وكذلك بخلاف برامج الإصلاح الذي يطرحه النظام؛ تعتبر حل القضية الكردية جوهر عملية الدمقرطة في سوريا، ولا يمكن تناول الشأن الكردي الخاص عن الشأن السوري العام بشكل منفصل لأنه من دون حل قضايا المجتمع الكردي سيكون من الصعب حل مشاكل المجتمع السوري بشكل عام وخروج سوريا من أزمتها الراهنة.
نعتبر أسلوب تناول جميع القوى السياسية للملف الكردي في غرب كردستان صورة حقيقية لتناولها للملف السوري و كيفية اقترابها من حل القضية الكردية مقياساً لاقترابها من عملية الدمقرطة في البلاد بشكل عام.
بكل أسف نراقب مشاريع الإصلاح والتغيير التي تطرح لأجل الخروج من الأزمة الراهنة في سوريا بحيث تنكر حل القضية الكردية و يتم تهميشها. وإنما ما يزيد من أسفنا هو أن المشاريع التي تطرحها قوى المعارضة والتي تطرح نفسها كبديل سياسي تقترب على حد سواء، ولا تتجاوز النظام في مواقفها إزاء حل القضية الكردية.
البعض منهم يعتبرونها جزء من عملية الديمقراطية وستحل تلقائياً عندما يتم تغيير النظام، وبالتالي لا ترى حتى ضرورة الوقوف عندها أو ذكرها، وبعض القوى الأخرى تنظر إليها كقضية ثانوية ومسألة أقلية يمكن حلها من خلال إعطائها بعض الحقوق البسيطة، ولا تعتبرها قضية شعب أو مجتمع بذاته، أما النظام الذي اضطهد شعبنا حتى اليوم ومارس بحقه سياسة الصهر القومي وتحالف مع القوى الإقليمية وفي مقدمتها تركيا وإيران للقضاء على حركة التحرر الكردية، فإن مشاريع حلها الراهن لا تتجاوز إعطاء حقوق فردية بشكل يتناقض مع حقيقة الكرد في سوريا باعتبارهم شعب ومجتمع.
في هذه المرحلة التاريخية التي تمر فيها سوريا غدت عملية التغيير الديمقراطي وحل القضية الكردية تفرض نفسها بصورة حتمية ودخلت في طريق اللا عودة، وقد ارتأينا بطرح مشروعنا للحل باسم دمقرطة سوريا والإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كردستان أن يمثل أفضل اسلوب لخروج سوريا من أزمتها الراهنة ولإيجاد حلول جذرية ودائمة لأزمة النظام ومعالجة قضايا المجتمع السوري بشكل عام والمجتمع الكردي بشكل خاص.
مشروع دمقرطة سوريا والإدارة الذاتية الديمقراطية في غرب كردستان متكامل ويتناول إطاراً مبدئياً لحل قضايا المجتمع ورؤيتنا للدستور الديمقراطي الذي من الممكن أن تتفق عليه جميع أطياف سوريا، كما أن الخطوات العملية التي يمكن للشعب الكردي أن يقوم بها بالاعتماد على قوته المنظمة وإمكانياته الذاتية يبرمج وفقاً لهذا المشروع الذي لا يشكل فقط برنامجاً مطلبياً لشعبنا يقدمه للسلطات المركزية، بل هو في نفس الوقت برنامج عملي سيتم البدء بتنفيذه في الواقع العملي من خلال المباشرة ببناء جميع المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخاصة بالمجتمع الكردي في غرب كردستان وممارسة ادارتها الذاتية الديمقراطية على ذلك الأساس.
القسم الأول
المدخل
الدولةالقومويةعمقت الأزمة، والأخوة العربية – الكردية هي الأرضية المناسبة للحل
كل الحقائق التاريخية والوقائع التي نعيشها في يومنا الراهن تشير بشكل جلي على أن مشروع الدولة القوموية المركزية القائمة على اللغة الواحدة والثقافة الواحدة واللون الواحد والذي ينكر ويحاول إبادة كل الألوان والأطياف الأخرى لا يمكنها أن تحل قضايا شعوب المنطقة، بل على العكس من ذلك فهي تزيدها تعقيداً وتؤدي إلى ظهور أزمات جديدة. من هذا المنطلق إذا تناولنا تاريخ سوريا:
تم رسم خريطة سوريا الحالية بموجب الاتفاقيات الدولية بين القوى الاستعمارية ( انكلترا – فرنسا ) كاتفاقية سايكس – بيكو 1916 وكونفرانس القاهرة في 1920 ولوزان في 1924 … الخ من المعاهدات والاتفاقيات المجحفة بحق الشعوب وفق المصالح الأنانية للدول الاستعمارية المهيمنة في الشرق الأوسط خلال تلك المرحلة، وقد تم تقسيم الأراضي الواقعة تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية إلى مناطق للنفوذ الاستعماري، ووفقاً لهذا التقسيم الاستعماري قسموا كردستان إلى أربعة أجزاء، كما قسموا البلاد العربية إلى دول قومية تابعة لحكومات الانتداب. بموجب ذلك وقعت سوريا ولبنان والقسم الغربي من كردستان تحت سيطرة الاستعمار ( الانتداب الفرنسي ) بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث أرادت فرنسا أن تؤسس دولة قوموية عربية تابعة لها في سوريا، لأن ذهنية الاستعمار الغربي تستند إلى مشروع الدولة القومية الواحدة والمهيمنة حسب مصالح القوى والطبقات والقوميات والثقافات الحاكمة التي لا تقبل الثقافات واللغات والمجموعات الاجتماعية الأخرى ولا تعترف بها، ومن إحدى ضرورات هذا المشروع القائم على الإنكار والإبادة والمذابح الدموية هو مناهضة الديمقراطية ومحاولة صهر كل الثقافات واللغات والألوان والقوميات والمذاهب في بوتقة ثقافة واحدة شوفينية ودوغمائية وفاشية الطابع.
إن مشروع الدولة القومية ظهر لأول مرة في أوروبا على قاعدة إجهاض الثورات الشعبية الديمقراطية وسيطرة البرجوازية ( لص البيت والسماسرة والتجار الأغنياء ) على مكتسبات هذه الثورات الشعبية في هولندا أولاً، وبعد ذلك في انكلترا وفرنسا. هذا المشروع كان مشروعاً للثورة المضادة ولإفراغ الشحنة الثورية من محتواها في القارة الأوروبية، ولم تكن مشروعاً ” تقدمياً ” أو ” شعبياً ” في يوم من الأيام كما كان يُعتقد. وقد تسبب هذا المشروع في اندلاع حروب دموية اقليمية فيما بين الدول الأوروبية (الحربين العالميتين الأولى والثانية) التي أسفرت عن مقتل الملايين من الأبرياء وأسفرت عن خرابٍ ودمارٍ كبيرين في تاريخ البشرية شبيهة بمجازر هيروشيما و ناغازاكي و حلبجة. أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط فإن هذا المشروع المستند إلى الدولة القوموية وذهنية الاستبداد والهيمنة لم تنسجم مع طبيعة المنطقة وتاريخها وميراثها وثقافتها وتنوعها وانسجامها التاريخي، بحيث خلقت هذه الذهنية المعادية لمصالح الشعوب وأخوتها التاريخية العداوة بين ثقافات المنطقة وشعوبها ومعتقداتها حسب مقتضيات سياسة ” فرق تسد ” الاستعمارية، كما أنتجت مؤسسات قوموية عنصرية غريبة ومعادية لثقافة التعايش السلمي بين المكونات المتعددة وثقافة الديمقراطية الاجتماعية التي تطورت في المنطقة منذ ما قبل أثنا عشرة ألف سنة في بداية الثورة الزراعية القروية (قبل ظهور الدولة )، وباختصار برهن التاريخ عبر الأيام بأن ذهنية الاتحاد والترقي الحاكم في تركيا وذهنية البعث والناصرية المهيمنة في الوطن العربي والصهيونية في إسرائيل والإسلامية الإيرانية في إيران، لم تنسجم مع حقيقة وطبيعة المنطقة وتاريخ شعوبها؛ لأنها تمثل المشروع الاستعماري القائم على الدولة القوموية الشوفينية والدموية، وها نحن نرى في يومنا الراهن كيف أفلس هذا المشروع في مثال العراق وما يجري الآن في كل أنحاء الشرق الأوسط وهذا دليل قاطع على إفلاس مشروع الدولة القوموية المستندة إلى الثقافة واللغة الواحدة والقومية الواحدة، لأن الشرق الأوسط ذو طابع متنوع لا يقبل الأحادية القوموية والاتحاد القسري، طبيعة المنطقة قابلة للوحدة والإتحاد بشكل طبيعي على قاعدة التنوع والتعدد والديمقراطية وليس العكس.
أما بالنسبة لسوريا فهي بلد التنوع والتعدد والغنى في الثقافات واللغات والمذاهب والمعتقدات والقوميات لذا لا يمكن فرض نظام الدولة القوموية الواحدة والثقافة الواحدة على هذا البلد قطعياً، هذا المشروع القوموي المتمثل في نظام الدولة السورية يتناقض مع حقيقة التنوع والتعدد الموجود في هذا البلد منذ عهود ما قبل روما وحتى يومنا هذا. فبعد جلاء الفرنسيين من سوريا في 17 نيسان 1946 تعاقبت حكومات عديدة على سوريا بحيث جسدت مصالح الطبقات الحاكمة و ذهنية الاستعمار الفرنسي الدوغمائي المتمثل في الدولة القوموية المناهضة للديمقراطية. اتخذت معظم الحكومات طابع بما يسمى “الاستقلال” بعد الجلاء والتي تمثلت في حكومة شكري القوتلي في البداية مروراً بحكومة الوحدة الناصرية وانتهاءً بعهود البعث، اتبعت هذه الحكومات سياسة قوموية عبر التلاعب بالشعارات القومية والوطنية الفارغة من مضمونها وسارت في نفس الاتجاه، هذا الاتجاه هو فرض العبودية على المجتمع السوري بكل أطيافه و انتماءاته ، لذا فإن هذه السياسة تسببت في خلق أزمات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية عميقة في سوريا.
بدأت مرحلة الانقلابات العسكرية في 1949، استمرت لتصل ذروتها في الانقلاب البعثي المسمى بثورة 8 آذار 1963، تلاه انقلاب الرئيس الراحل حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970 المسمى بالحركة التصحيحية، جذور هذه الانقلابات موجودة في بنية الفكر القوموي العربي لدى البرجوازية العربية الصغيرة والمتوسطة التي حاولت تقليد البرجوازية الفرنسية، لأن هؤلاء هم الأصحاب الحقيقيون لنزعة الدولة القوموية والوطن القومي والدستور القومي والأمة القومية المعادية للديمقراطية.
تعمقت الذهنية القوموية والشوفينية مع صعود البعث على الحكم أكثر من ذي قبل، إلا أن هذا لا يعني بأن هذه الذهنية الشوفينية والمتاجرة بالشعارات القوموية والوطنية كالقضية الفلسطينية ولواء اسكندرون وغيرها لم تكن غير موجودة قبل البعث، على العكس تماماً فإن جذور هذه الذهنية والفكرة موجودة منذ عهود الانتداب إلى أن وصلت الى السلطة أول حكومة بعد الجلاء، واستمرت في مرحلة الانقلابات مع حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وصولاً إلى الانقلاب البعثي، وأبرز مثال على هذه الذهنية هي حكومة الوحدة في عهد جمال عبد الناصر بحيث انتهجت سياستها العنصرية والشوفينية الشبيهة بسياسة البعث ضد الشعب الكردي، وقد تابعت حكومة الانفصال هذه السياسة ضد الكرد والمكونات الأخرى إلى أن وصلت ذروتها في مشروع محمد طلب هلال (رئيس فرع الشعبة السياسية في الجزيرة) 1961 – 1962، هذا المشروع الشبيه بمشروع الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وسياسة الأبارتيد العنصرية ضد الشعب الأفريقي في جنوب أفريقيا، تم تطبيقها ضد الكرد أيضاً.
دخل النظام السوري في أزمة متفاقمة على جميع الأصعدة وتصاعدت وتيرة هذه الأزمة مع تجذر وتمتين مؤسسات الدولة القوموية المركزية المنادية بشعار الأمة العربية والعروبة وما شابه من المصطلحات البراقة الخادعة للجماهير، بحيث أبعدت الجماهير عن ركب السياسة الديمقراطية والأخلاقيات الاجتماعية العريقة المتجذرة في أعماق تاريخ مجتمعات المنطقة، وأدت إلى سيطرة الدولة ومفهوم ” المواطن الشريف ” العبد المأمور الفاقد الثقة بنفسه والمغترب عن واقعه بالإضافة الى ظهور النعرات العدائية بين جميع مكونات المجتمع السوري وخاصة فيما بين الكرد والعرب، لأن هذه الدولة القومية أججت العواطف العدائية ضد الشعب الكردي في محاولة منها لتوجيه مشاعر الحقد والكراهية ضد الكرد واتهامهم بصفات سلبية غير لائقة. أما على الصعيد الاقتصادي فقد سيطرت على الموارد الباطنية والسطحية للبلاد لصالح حفنة أوليغارشية مما أودت بالمجتمع إلى حالة من الفقر الشديد.
عمقت التفسخ الأخلاقي وخاصة فيما بين الشرائح الواسعة من الشبيبة والنساء على الصعيد الاجتماعي، وسيطرت على كل المؤسسات الثقافية والإعلامية وسخرتها لخدمة سياستها الشوفينية وشعاراتها الفارغة من كل محتوى على الصعيدين الفكري والثقافي، لذلك تحولت سوريا إلى صحراء مقفرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية. هذه السياسة اتخذت أبعاداً كارثية بعد تسلم البعث دفة الحكم إثر انقلاب عسكري تحت اسم ” الثورة ” و” الاشتراكية ” و” الوحدة العربية “.
وبخصوص الشعب الكردي في غرب كردستان وسوريا فقد تحولت بنود مشروع المدعو محمد طلب هلال إلى ” آيات قرآنية ” التزمت بها حكومة الانفصال بكل حذافيرها وطبقها البعث بعد عام 1963 بهدف تعريب المنطقة الكردية وتهجير الكرد منها وتصهير حقيقة المجتمع الكردي في بوتقة القومية العربية بعد أن استسلمت جميع المكونات الأخرى لهذه السياسة والإرهاب المنظم على يد الأجهزة الأمنية وخصوصاً المنظمات الاستخباراتية على الصعيد السياسي، لذا يمكننا اختصار الحرب الخاصة الممارسة من قبل الدولة القوموية العربية في سوريا ضد الشعب الكردي منذ 1962 وحتى الآن بالإجراءات التالية:
1- تجريد شرائح واسعة من الشعب الكردي وعزلهم وإبعادهم عن الجنسية السورية واعتبارهم أجانب على أرض أبائهم وأجدادهم بموجب إحصاء 1962 المشؤوم.
2- تحويل الأراضي الخصبة في المناطق الكردية إلى ملكية عامة للدولة تحت اسم ” الإصلاح الزراعي ” وإسكان العشائر العربية في تلك المناطق بعد إجبار الكرد على الهجرة عن طريق تجريدهم من الملكية وخاصة الملكية الزراعية، وهكذا حاول البعث خلق العداوة بين العرب والكرد لضرب الأسس التاريخية للأخوّة العربية – الكردية .
3- تغيير أسماء كل المدن والقرى الكردية وتسميتها بأسماء وألقاب ليس لها أية علاقة بتاريخ وثقافة هذه المدن والقرى، والبارز في مثال تربة سبيي ” قبور البيض ” أولاً، وبعد ذلك ” قحطانية ” ثانياً، والهدف الأساسي هو تعريب المنطقة وتغيير معالمها عبر إطلاق أسماء مصطنعة عليها.
4- توطين العشائر العربية التي غمرت أراضيها مياه سد الفرات في الشريان الحيوي ” المناطق الخصبة ” لمنطقة الجزيرة التي يقطنها الغالبية الكردية، حيث احتذى البعث بسياسة الاستيطان الصهيوني في فلسطين نموذجاً في هذا المجال.
5- خلق الكثير من العراقيل التي تحد من ترشح الأكراد وانتخابهم في انتخابات المجلس التشريعي والإدارات المحلية وتوظيفهم في المراكز والمؤسسات الهامة و قبولهم كضباط في الجيش.
6- اعتبار اللغة والثقافة الكرديتين خطراً على أمن الدولة واتخاذ إجراءات أمنية وثقافية ممنهجة بصددها لمنع تداول أبناء الشعب الكردي للغتهم الأم في الأماكن العامة والمدارس إلى جانب فرض اللغة والثقافة العربية على أبناء هذا الشعب عبر إجراءات أمنية .
7- استخراج الثروات الباطنية في المناطق الكردية لصالح الدولة والفئات الأوليغارشية وحرمان الشعب الكردي منها تماماً، كما حدث ويحدث في حقول البترول والغاز الطبيعي في رميلان وسويدية وكراتشوك وغيرها.
8- التعامل الأمني مع الملف الكردي والدخول في اتفاقات إقليمية ضد الوجود الكردي البارز في مثال الاتفاق السوري – التركي – الإيراني ضد حركة الحرية الكردستانية في عهد الحكومة الحالية على قاعدة اتفاقية أضنة فيما بين سوريا وتركيا، بالإضافة إلى زج المئات من أبناء الشعب الكردي في السجون والمعتقلات ومحاكمتهم بقوانين غير عادلة، مثل تهمة محاولة ” اقتطاع جزء من الأراضي السورية وإقامة الدولة عليها ” وما شابهها من التهم الملفقة .
8- تطبيق قوانين استثنائية جديدة بحق الشعب الكردي بالإضافة إلى القوانين الاستثنائية السابقة في عهد الحكومة الموجودة كقانون رقم 49 بصدد الملكية وغيرها من القوانين.
9- منع أبناء الشعب الكردي من الاحتفاء باحتفالاتهم وأعيادهم الخاصة كعيد النوروز، وتطبيق سياسة القتل والقمع في عهد حكومة البعث الموجودة بشكل خاص في مثال مجزرة الثاني عشر من آذار ومجزرة الرقة ومقتل الشهيد أحمد حسين ( أبو جودي ) والأستاذ عثمان والشيخ معشوق تحت التعذيب.
10- منع الأكراد من التضامن مع أخوانهم في باقي أجزاء كردستان والتواصل معهم كحق طبيعي للتضامن بين أبناء الشعب الواحد على غرار التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني.
هذه هي إجراءات الدولة القوموية – البعثية في سوريا ضد الشعب الكردي، أما في عهد النظام الحالي فقد وصلت سياسة الإبادة والإنكار الشوفيني الممنهج إلى الذروة، ففي الخارج دخلت الحكومة كما ذكرناه آنفاً في معاهدات إقليمية لها أبعاد خطيرة ضد وجود الشعب الكردي ونضاله، أما في الداخل فقد رفع من وتيرة سياسة التخويف والاعتقال والقتل والتجويع والتعريب والقوانين الاستثنائية، مما أدى إلى تعميق الشوفينية ومناهضة الديمقراطية إلى أبعد الحدود، وانتهاج سياسة العداء للشعب الكردي على الصعيد الإقليمي إلى جانب تركيا.
على هذا النحو نتوصل إلى نتيجة مفادها أن نظام الدولة القوموية في الشرق الأوسط عموماً وفي سوريا خصوصاً أفلس في الجوهر، لأن هذا النظام يتناقض مع حقيقة تطور المجتمع وتنوعه وتعدده تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً. هذا النظام المعادي للديمقراطية لا يملك حلولاً لأية قضية اجتماعية سوى الحلول الأمنية. من هذا المنطلق هنالك ضرورة قصوى في تقديم البديل الصحيح لهذا النظام لكي يتمكن المجتمع بكل ألوانه ومكوناته من ممارسة السياسة والتعبير عن نفسه وتطوير الحلول لقضاياه المصيرية العالقة. برأينا فإن الإطار المبدئي لدمقرطة سوريا وحل القضية الكردية في غرب كردستان هي الإدارة الذاتية الديمقراطية.
القسم الثاني
مبادئ الإدارة الذاتية الديمقراطية
من الضروري أن تكون الحلول المطروحة لحل الأزمة الراهنة في سوريا وغرب كردستان ذات صفة دائمية وجذرية لا تنحصر في إيجاد الحلول للقضايا اليومية والمرحلية، بل يجب أن تساهم في عملية إنشاء سورية ديمقراطية يكون فيها النظام الديمقراطي فاعلاً إلى جانب تحقيق استقرار المجتمع بجميع مكوناته، وإذا اعتبرنا بأن الديمقراطية تشمل الدولة ونظام المجتمع معاً، عندها من الضروري أن تجري عملية التحول الديمقراطي في سوريا بشكل منظم تحددها مبادئ نزيهة يتفق عليها الجميع كشرط أساسي لوضع إطار دائمي للنظام الديمقراطي.
الديمقراطية مصطلح تستخدمه اليوم جميع القوى السياسية والاجتماعية سواء من قبل النظام أو المعارضة، وتقوم قوى الحداثة الرأسمالية بالتدخل في شؤون المنطقة تحت يافطة جلب الديمقراطية ولذلك فإن التحديد الصحيح لجوهر الديمقراطية على شكل أسس ومبادئ أمر ضروري من أجل تحقيق عملية التحول الديمقراطي بشكل سليم.
1- مبدأ الأمة الديمقراطية:
تكامل الأمة ووحدتها لا يتحقق من خلال بناء الدولة القومية، بل يجب ضمانها من خلال بناء أمة ديمقراطية أو من خلال تحول القوميات الموجودة إلى أمم ديمقراطية ويعتبر مفهوم الهوية المنفتحة للجميع والأمة المرنة خطوة أولية لتحقيق هذا الهدف. الأمر الأهم؛ هو تحقيق تكامل الأمة ووحدتها المعتمدة على الطواعية الديمقراطية وليس بقوة السلطة. كما إن الحقوق الفردية والجماعية يكملان بعضهما البعض مثل وجهي الميدالية في الأمة الديمقراطية، فهي لا تشمل فقط المواطن بل تشمل أيضاً مجموعات المجتمع المدني والجماعات والأثنيات المختلفة باعتبارها مفعمة بالتنوع في مضمونها، وبقدر ما يصبح المواطن عضواً منظماً في التجمعات المنظمة يغدو أكثر فاعلية في هذا المجتمع.
2- مبدأ الوطن المشترك:
يجب الاعتماد على مفهوم الوطن المشترك كأساس لأي حل ديمقراطي، لأن المفهوم الواقعي للوطن هو ذلك الذي يتشكل من مواطنين ينتمون إلى حقيقة دينية ولغوية وقومية وثقافية مختلفة وليس للمواطنين الذين ينتمون إلى مجموعة دينية أو لغوية أو قومية مهيمنة واحدة، عندها فقط يمكن توطيد الأخوّة والوحدة الطوعية وليس الاجبارية.
إن مفهوم الوطن الذي يولّد الشعور بالانتماء إلى قومية واحدة يشكّل سبباً في إقصاء قسم كبير من المواطنين، وهذا هو السبب الأساسي للإنقسامات المتزايدة في المجتمع. كما أن مفهوم اعطاء شكل واحد للمواطن عائد للذهنية الفاشية، أما التنوع فهو يعبر عن الغِنى في الطبيعة وحياة المجتمع، فالانتماء الحقيقي للوطن هو الارتباط بالأرض والبيئة والتطور بعيداً عن الشوفينية والعرقية.
3- مبدأ الجمهورية الديمقراطية:
اعتبار الجمهورية على أنه نموذج للدولة القومية الواحدة هو تحريف وتشويه للحقيقة وبالتالي هو شكل آخر لإقصاء الآخرين، فالجمهورية الديمقراطية هو الشكل الأمثل لنظام الدولة الجمهورية، ولا يمكن تسمية دولة ما بأنها دولة قومية وديمقراطية في نفس الوقت، لأن هذه الصفات متناقضة في الجوهر، الجمهورية الديمقراطية هي التي تتوافق مع النظام الديمقراطي وتكون مناسبةً لها، أما الدولة القومية تقوم على العكس من ذلك بصهر المجتمع المتنوع ضمن بوتقته. كما أن مبدأ الحل الديمقراطي يتلائم مع الجمهورية لكنه لا يتلائم مع الدولة القومية، لأن المهم هنا هو تحويل أو بناء الجمهورية باعتباره سقف عام يحتضن جميع مكونات الديمقراطية، كما لا يجوز إضفاء طابع أيديولوجي أو قومي أو ديني على نظام الجمهورية أثناء تحقيق التحول الديمقراطي، ومن الضروري جداً اعتبار الجمهورية منظمة سقفية- حقوقية وديمقراطية لكافة المواطنين وتعريفها بميزاتها الاجتماعية والعلمانية بشكل سليم. بهذا الشكل فقط يمكننا تعريف الجمهورية من دون أن نضفي عليها طابعاً قومياً أو دينياً أو ايديولوجياً. فالابتعاد عن التسميات القومية التي تحتوي على مصطلحات تطبع الجمهورية بطابع قومية واحدة (عربية – كردية ) أوعبارات ايديولوجية أو عقائدية (اسلامية سنية – علوية)، سيؤمن التكامل والوحدة في المجتمع بشكل أكثر .
4- مبدأ الدستور الديمقراطي:
بالرغم من أن الدمقرطة حركة سياسية لا تستند إلى دستور مصاغ وإنما يتم صياغته بمشاركة كافة مكونات المجتمع وهي لا تتحول إلى نظام حكم دائمي ومستقر، فالدساتير الديمقراطية هي تعبيرِ حقيقي لتوافق الدولة مع المجتمع الديمقراطي ولا يمكن للفرد أن يحقق حريته ويضمن حقوقه إلا من خلال مجتمع ديمقراطي لأنه ليس بمقدوره بمفرده حماية حقوقه في مواجهة قوى الدولة المتزايدة.
الدستور الديمقراطي أداة لا يمكن الاستغناء عنها لإخراج الدولة باعتبارها مؤسسة بيروقراطية تخلق المشاكل باستمرار وتحويلها إلى عامل يؤمن الحلول للقضايا الموجودة، فالدستور الديمقراطي بخاصيته التي تجعل من النظام فاعلاً تقدم خبراتها وتجاربها في خدمة المجتمع، وهي أرضية سليمة لتلاحم النظام والمجتمع.
5- مبدأ الحل الديمقراطي:
مبدأ الحل الديمقراطي يتخذ من دمقرطة المجتمع المدني ( المجتمع الديمقراطي ) أساساً له، يبحث عن نظام ديمقراطي فاعل في بنية المجتمع عوضاً عن بناء دولة جديدة أو نظام اجتماعي يكون جزءً من الدولة أو تحقيق تغيرات في شكل الدولة وبنيتها.
يتطلب صياغة دستور ديمقراطي تتحقق فيه الديمقراطية ضمن إطار المعادلة التالية: ( الديمقراطية + الدولة ) وتبذل جهوداً عملية ونظرية وافية أثناء مرحلة صياغة الدستور، بحيث تخدم المجتمع أكثر من الدولة، فمبدأ الحل الديمقراطي يتناقض كلياً مع الحلول الدولتية – السلطوية، وهو لا يهدف إلى تقاسم السلطة من حيث المبدأ، بل يحرص على أن يبقى بعيدةً عن السلطة،لأن السلطة متناقضة مع الديمقراطية. وبقدر ما يتم التركيز على مؤسسات السلطة تضعف مؤسسات الديمقراطية، فأي حكومة أو دولة يتم تنظيمها باسم المجتمع بدون إشراك القوى الاجتماعية، ينجم عنها بلا شك نظام لا ديمقراطي- لا اجتماعي، فباشتراك معظم القوى الجماهيرية يمكن تمهيد الطريق أمام عملية الدمقرطة، لأن الحلول الديمقراطية لا تهدف الى تقاسم امكانيات الدولة والسلطة، فالميزة الأساسية لمبدأ الحل الديمقراطي هو تحقيق الضمان الدستوري لخلق امكانية التعايش السلمي بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الديمقراطية وتأمين الصفة الحقوقية المشروعة لهاتين المؤسستين من دون المساس ببعضهم البعض.
بموجب مبدأ الحل الديمقراطي لا يجوز تصفية الدولة باسم الديمقراطية، وكذلك لا يجوز تأخير عملية الدمقرطة باسم مصالح الدولة، كما أن التداخل الكبير لمؤسسات الدولة القومية مع المؤسسات الديمقراطية في النظام الغربي تمهد السبيل لكي تبقى المؤسسات الديمقراطية رمزيةً، فالتداخل المؤسساتي وتنظيم هذه المؤسسات هي من القضايا اليومية الملحة التي تواجه عملية الدمقرطة ، فبقدر ما يعتبر حصر سلطات الدولة من قبل المؤسسات والقوى الديمقراطية مبدءاً لا يمكن الاستغناء عنه فإن اعتبار الدولة وقبولها للعب دوراً سقفياً لهذه المؤسسات والاستفادة من تجربتها وخبرتها يعتبر أمراً مبدئياً بنفس القدر.
المجتمع الديمقراطي هو الذي سينتصر حتماً خلال العملية التاريخية للتطور الاجتماعي؛ لذا وباختصار فإن المنافسة بين المؤسسات الديمقراطية والدولة في جو سلمي سيمهد السبيل لتطوير وتقوية القوى الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي بأكمله.
6- مبدأ وحدة الحقوق والحريات الفردية والجماعية:
مبدأ الحريات والحقوق يلعب دوراً مصيرياً في إيجاد الحلول لقضايا الدمقرطة، لكن الفارق بين الطابع الفردي والجماعي في الممارسة العملية المخالفة لطبيعة المجتمعات ستعقد القضايا عوضاً عن إيجاد الحلول لها، وهناك أمثلة لا تحصى على هذه الحقيقة التي يمكننا ملاحظتها في التجارب العالمية، فالفرد بدون التجمعات البشرية لا يمكنه العيش في أي مكان أو زمان بشكل طبيعي وحر، لأن الفرد بدون المجتمع يفقد معناه، كما أن تجريده من حقوقه وحريته يجعله مفتقداً لقوته التطبيقية والعكس صحيح، عندما لا ترى الحقوق والحريات المكتسبة ممارستها العملية في حياة التجمعات البشرية وأفرادها، فهي عديمة المعنى، لأن الحريات والحقوق لا تتحقق بدون التجمعات ولا الأفراد، لذا فإن حرمان المجتمعات من الحقوق والحريات الجماعية يجعل أفرادها معرضين للمصير ذاته بمعنى آخر، لا توجد حرية فردية بمعزل عن الحرية الجماعية.
7- مبدأ الاستقلال الإيديولوجي والحرية:
يكمن في أساس هذا المبدأ استيعاب الحقيقة التالية: بدون التخلص من الهيمنة الأيديولوجية والعلموية الوضعية التي تتميز بطابع المادية البحتة الميكانيكية والدوغمائية المفروضة من قبل نظام الحداثة الرأسمالية على العالم، والذي تحوي في جوهرها طابعاً متناقضاً مع حقيقة الوقائع والحياة، لا يمكن تحقيق الدمقرطة والتحرر بنجاح. العلموية و الوضعية أو ما يسمى بالفلسفة الغربية هو مبدأ رئيسي لهيمنة الحضارة الأوربية، و بدون ذلك لا يمكنها تحقيق هيمنتها الرأسمالية الصناعوية و القومية على المستوى العالمي. تأسست هيمنتها الأيديولوجية في الشرق الأوسط عبر ظاهرة الاستشراق التي حققت فتوحاتها الذهنية عبر هذا السلاح.
الشكل الجديد للاستعمار المتعاون مع الديكتاتوريات المحلية يعقد من قضايا الدمقرطة أكثر فأكثر، وكل مقاومة في مواجهة ذلك تحمل طابعاً ديمقراطياً، ولكي يتمكن هذا الجانب الديمقراطي من التطور واكتساب القوة والبلوغ إلى مستوى أطر نظامية تكون قادرة على الصمود، لابد لها من تحقيق الانفصال الكلي من الأيديولوجيات الهيمنة المذكورة أعلاه. لأنه لا يمكن بلوغ هذا المستوى بدون إيديولوجية الحرية التي تهيئ استيعاب قضايا الدمقرطة وسبل حلها وتطبيقها ، فبدون تحقيق التحرر الأيديولوجي لا يمكن لعمليات الدمقرطة أن تنجح لأنها معرضة للعرقلة والدخول تحت سيطرة الإيديولوجيات المهيمنة بأستمرار.
8- مبدأ جدلية التاريخ والحاضر:
قضايا الدمقرطة وحلولها المحتملة مرتبطة عن كثب ببناء جسر سليم يربط بين الراهن والتاريخ، لأنه لا يمكن استيعاب قضايا الدمقرطة والقضايا الاجتماعية بالذهنية التي تغض النظر عن المسائل المتعلقة بالتاريخ وتقوم بالتكتم عليها، فمثل هذه الذهنية لا تخلق سوى أرضية تعقّد المشاكل وتحولها إلى أزمات وصراعات وحروب ضارية. كما أن الدراسة الصحيحة للأحداث التاريخية شرط أولي لتحديد المستجدات الراهنة، لأن التطورات الجارية هو تقديم التاريخ لذاته عبر المسائلة وطرق الحل بفرق واحد وهو أننا: ” لا يمكننا التدخل في مجرى التاريخ القديم وتغييره؛ لكن يمكننا التدخل في الراهن والأحداث الجارية وتغييرها بقدر ما نملك من القوة والطاقة اللازمة فكرياً ومعنوياً وتنظيمياً “، ووفقاً لذلك يمكن البدء بعملية التغيير والبناء وتحديد مسيرته.
الأمر المهم، هو الجواب على السؤال التالي: ” كيف يمكن بلورة الماضي والتاريخ على الراهن بخطوطه العريضة ؟”، فإجراء دراسة واقعية للتاريخ وخاصةَ فيما يتعلق بالقضايا التي نعيشها، هي مفتاح الحل لجميع المشاكل الاجتماعية، بمعنى آخر إن استيعاب التاريخ هو منبع أساسي نستمد منه قوتنا، لذلك فإن الذين يخفقون في استيعاب التاريخ وكتابته بشكل صحيح من الصعب عليهم تحقيق عملية الدمقرطة والتحرر.
المجتمع هو تاريخ متطور وحي في الوقت ذاته، لذلك يلجأ الطغاة إلى محو الذاكرة الاجتماعية للسيطرة على شعوبها، لذا يترتب على القوى الديمقراطية الإلمام ببناء الذاكرة الاجتماعية ( التاريخ بشكل صحيح )، فالضرر الذي ألحقته الحداثة الرأسمالية بالمجتمع البشري هو ترك الذاكرة البشرية معرضة لضربات مميتة وطرح الراهن على أنه أزلي وأنه يمثل نهاية التاريخ وعلى أنها هي الحقيقة! المرض الاجتماعي المسمى بالفردية يولد من هذا المفهوم؛ الفردية التي تنادي ” عش لنفسك وتغاضى ” والتي تعني انكاراً للمجتمع التاريخي،هي مصدر الانهيار والتفسخ، لذا لا يمكن انتظار بناء المجتمع الديمقراطي من أصحاب هذه الذهنية، من هذا المنطلق تعتبر الفردية الليبرالية إنكاراً للديمقراطية، ورؤية الراهن في التاريخ والتاريخ في الراهن يعتبر المبدأ الأصح لعلم الاجتماع وهذا هو منهج وذهنية فلسفة الحداثة الديمقراطية كبديل عن فلسفة الحداثة الرأسمالية في علم الاجتماع.
9- مبدأ الأخلاق والضمير:
لا يعترف علم الاجتماع الغربي بمبدأ الضمير ويتخذ من الذكاء التحليلي أساساً له، فقد ظهر هذا العلم كفلسفة تحليلية وبات في يومنا الراهن أسلوباً للإدارة يتم به توجيه المجتمعات. أما الضمير فهو مرتبط عن كثب بالذكاء العاطفي ويأتي في مقدمة المبادئ التي بنيّت بموجبها المؤسسات الاجتماعية ويقوم بدور تحقيق العدالة في المجتمع، ويشكل في الوقت نفسه جوهر الأخلاق والدين، فبتصفيتها يتحول المجتمع إلى آلة وحشية خطيرة. الضمير الاجتماعي هو الملجأ الوحيد للفئات المفتقرة للقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لذا فان ضعف الضمير يؤدي الى سيطرة مبدأ القوة الدموية على المجتمع.
لا يمكن تطبيق الديمقراطية بدون مراعاة الضمير؛ لذا يمكننا القول بأن القوة الاحتكارية في النظام الرأسمالي مبني على أنكار عامل الضمير، ومقابل ذلك تعتبر عملية الدمقرطة في جوهرها تجاوزاً لعملية إنكار الضمير وترسيخاً لسيادة الوجدان الاجتماعي. كما لا يمكن حماية المجتمع إلا عبر حركة تفعيل الضمير الاجتماعي، فالنضال الاجتماعي في يومنا الراهن يولي أهمية كبيرة لاكتساب الضمير المفقود مجدداً، فبدون تحول عملية الدمقرطة إلى حركة اكتساب القيم الضميرية المفقودة مجدداً، لا يمكنها بلوغ معناها الحقيقي، ولا يمكن للأفراد والأقليات أن يحققوا حرياتهم وحقوقهم إلا عبر اتخاذ الضمير مبدءاً أساسياً في كل خطوة، وهكذا فإن كل هذه المعطيات تؤكد ضرورة وجود مبدأ الضمير لأجل حل قضايا الدمقرطة، ومن دون الاعتماد على الضمير لا يمكن تقييم المجازر العرقية التي ارتكبتها الحداثة الرأسمالية بشكل سليم، وفي هذه الأيام التي تتكاثف فيها الجهود لإيجاد الحلول العملية لدمقرطة سوريا، نجد أنه من الأهمية الاعتماد على مبدأ الضمير وإيلائها الأهمية والأولوية على المبادئ الأخرى واتخاذها أساساً في كل خطوة نحو الدمقرطة.
10- مبدأ الحماية الذاتية في الأنظمة الديمقراطية:
تـأكّد علمياً بأن كل كائن يملك نظاماً دفاعياً خاصاً به بشكل طبيعي، اعتباراً من الأحياء ذات الخلية الواحدة ومروراً بالإنسان والنباتات والحيوانات. لذا فأن المجتمعات البشرية التي تمتلك مستوىً راقياً من الذكاء لا يمكنها التخلي عن آلية الحماية الذاتية، فالحروب المندلعة مرتبطة عن قرب بالمفاهيم المنحرفة عن الحماية الذاتية التي خلقتها الأنظمة الحضارية في التاريخ، ففي المجتمعات الطبيعية اعتبرت عملية الحماية الذاتية من المهام الأولية للدفاع عن كيانهم ووجودهم تجاه الهجمات المميتة لقوى الطبيعة الخارقة، وفي مواجهة الصراعات التي كانت تنشب فيما بينها، وفي مراحل الحضارات الهرمية والامبراطوريات، لجأت المجتمعات الديمقراطية والأفراد الأحرار إلى الدفاع عن أنفسهم واعتبروا مبدأ الحماية الذاتية حقاً مقدساً لهم لمواجهة عمليات الاضطهاد والاستغلال الناجم عن عناصر الحداثة الرأسمالية ( الدول القومية، المؤسسات الرأسمالية والصناعوية )، لذا توجد حاجة ملحة لإيجاد حلول لمشاكل الحماية الذاتية لكافة مكونات الشعب من الأفراد والجماعات الحرة.
إن الافتقار لنظام دفاعي ذاتي في المجتمع لا يمهد السبيل أمام العبودية الاقتصادية فحسب، بل يؤدي إلى استفحال البطالة والأمراض الاجتماعية أيضاً، والأنكى من ذلك يجلب مخاطر الإبادات العرقية، الثقافية والجسدية، وعلى هذا الأساس فان الهجمات الناجمة عن النظام الحداثوي الرأسمالي تجبر المجتمعات الديمقراطية بشكل عام والأفراد الأحرار بشكل خاص على الدفاع عن ذواتهم، وفي حال إخفاق آلية الحماية الذاتية فإنهم لا يتعرضون فقط لخطر فقدان حريتهم بل يتعرضون لخطر الزوال أيضاً. انطلاقاً من هذه الحقائق ،يتوجب على المجتمع الديمقراطي ان يطور آليته في الحماية الذاتية عبر تنظيم كافة شرائحه.