PYDآخر المستجداتمقالات

مستقبل سوريا بيد من …؟

سليمان أبو بكر –

تشير النظرة الأولى للأوضاع في سوريا وما آلت إليها الأوضاع خلال سنوات الحرب المستعرة بأن لا سلام ولا سكينة في هذا البلد الذي أصبح ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية والتي وجدت في هذه البقعة نقطة تحول نحو بناء توازنٍ جديدة في موازين القوة للهيمنة العالمية.

سوريا التي باتت ممراً وحقل تجارب يسيرة ومجانية لقوى الهيمنة تعيش حالة من التفكك والضمور، والنظام القائم لا يزال يبحث عن مخرج له يحافظ به على سلطته كمنتصر في هذه الحرب التي لم تعد للسورين فيها شيء سوى خسارة مزيد من الأروح.

بحسب منظور النظام القائم لمعادلة الحل في سوريا هو العودة إلى ا قبل 2011 وإعادة دور سوريا “المحوري ” في المعادلات الدولية والإقليمية، وكأن هذا النظام يعيش في أوج قوته وهو صاحب القدرة والإمكانات التي مكنته من تحقيق الانتصار ” الوهمي” مستغبياً شريحة كبيرة من مناصريه على الأقل.

بالنظر إلى الخارطة الجيوسياسية والمستجدات الأخيرة على الساحة السورية يتضح بأن النظام السوري فاقد الإرادة لا يمتلك أدنى مستوى منها للظهور بمظهر المنتصر أمام القوى الإقليمية والدولية التي احتلت سوريا وأصبحت تمتلك أجزاء واسعة منها ولا يحق للنظام التدخل فيها حتى.

زيارة رأس النظام السوري إلى الصين  في محاولة للخروج قليلاً من الهيمنة الروسية الإيرانية والتركية حتى دليل على افلاسه من جهة ومحاولة منه استجلاب الصين إلى ساحة الصراع من البوابة الاقتصادية للوقوف أمام  الهيمنة الغربية التي أدخلت الروس في صراع طويل الأمد في أوكرانية كما يبدو، وبالتالي فأن الروس  وبالرغم من تعاظم قوتهم في سوريا إلا أنها لا تستطيع  الحفاظ على هذا النظام بالصورة الراهنة والتي كلفتهم الكثير وفي الوقت الذي بات فيه الروس أنفسهم بوضع حرج، لذا يغلبون مصالحهم الاستراتيجية على مصلحة النظام السوري  وعلى مصلحة سوريا دولة وشعباً.

من جهتها تحاول إيران بسياستها التوسعية تثبيت اقدامها في سوريا عبر سياسات وتوازنات مترابطة اقليمياً ودولياً، وهي اليوم تتحكم بمفاصل رئيسية للنظام والدولة السورية، وداخلة بمشاريع على مستوى الشرق الأوسط مركزها سوريا.

من طرف أخرى يسعى النظام التركي كقوة هيمنة إقليمية الإبقاء على الوضع القائم في سوريا وممارسة مزيد من الضغوط على كافة القوى في سبيل الإبقاء على احتلالها في سوريا، وبقائها كلاعب محوري في الصراع الدولي، لذا فأن الدور التركي في سوريا لا يقل أهمية عن الدور الروسي والإيراني فيما وصلت إليه الوضع الكارثي في سوريا.

أمريكياً تعتبر سوريا قاعدة ركيزة لقوة هيمنتها على العالم فالنظام الرأسمالي الذي تقوده أمريكيا ينتعش من خلال الصراعات والفوضى في الشرق الأوسط، بالرغم من الدور الملحوظ للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم داعش الإرهابي وكبح جماح إيران في المنطقة إلا انها لم تخطو خطوة فيما يتعلق بحل الأزمة السورية   وحتى حل أي قضية صراع في الشرق الأوسط عموماً.

في هذا الموجز البسيط لتركيبة القوى الداخلة في الصراع السوري يتضح بأن لا وجود ولا دور للشعب السوري في قضيتهم، على العكس تحول بعض السوريين إلى أدوات لتنفيذ مشاريع ومخططات قوى الهيمنة الإقليمية والدولية كما حال ما يسمى بالائتلاف السوري والقوى العسكرية المرتزقة التابعة للاحتلال التركي والتي أصبحت وظيفتها الوحيدة والاستراتيجية محاربة الشعب الكردي والإدارة الذاتية لأبناء شمال وشرق سوريا والتي تعتبر بدورها النموذج الوحيد للحل كمشروع وطني سوري اجتمع فيه كافة المكونات السورية.

بقراءة موجزة يمكن القول بأن مفهوم العداوة  والصداقة في الحرب السورية ليس لها أية معايير تقليدية، فالعلاقة بين الروس والأتراك وبين الاتراك والولايات المتحدة وبين الإيرانيين والأتراك علاقة غير كلاسيكية بالمفهوم التاريخي المعتاد، لكن الوضاح بأن هذه الأطراف لس لديها أية مشروع لحل الأزمة السورية وليس في نيتها إرساء السلام والاستقرار، وتجتمع على هدف مشترك وهي محاربة أي مشروع للسلام ليس فقط في سوري بل في الشرق الأوسط عموماً ، لذا محاربتهم لمشروع الأمة الديمقراطية  كنظرية  لقضايا السلام  والحرية والديمقراطية قابل للتطبيق في سوريا وفي الشرق الأوسط هدف استراتيجي متفق عليه لدى هذه القوى مجتمعة.

ضمن هذا الصراع الطويل على ما يبدو تتجه سوريا نحو مزيد من التشرذم في ظل غياب إرادة الشعب السوري ككل، وما لم يدرك هذا الشعب مصيره حتى الآن فأن المرحلة تستوجب منه اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الالتفاف حول الإدارة الذاتية وفكرها السياسي البعيد عن التوجهات والمشاريع الإقليمية والدولية التي أوصلت سوريا إلى هذه الحالة التي تنذر بالتقسيم والتفكك في بنية نسيجها المجتمعي هذا أن لم نقل ان الأوان قد فات على السوريين وأن عليهم القبول بما فرض عليهم رغماً عنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى