مانشيتمقالات

لماذا تكون في الأوجلانية الحلول وعندها الأجوبة

محمد عيسى ــ

لا شك بأنه مع نشوء الحضارة وتطور حياة البشر، قد ظهرت الأفكار والنظريات الاجتماعية التي عملت على تفسير الواقع وتحليل التاريخ، ثم تبلورت لاحقاً في إطار صراعاتها وتنافسها على محاكاة هموم البشر الأيديولوجية كمنظومة نظريات مترابطة فيما بينها وشاملة لجميع مناحي الحياة ولعوامل الانبعاث والتطور.

تبلورت الأيديولوجيات بصفتها جملة من التنظيرات وليست نظرية واحدة بعينها، وجميعها ادعت حالما تشكلت بأنها وصفة متكاملة تصلح أو عندها الحل وعندها الجواب لجميع أسئلة البشر وللتحديات التي تواجه حياتهم.

وفي العصور الحديثة ازدهرت في ثقافة الشعوب وفي منطقتنا أيضاً مجموعة من العقائد والأفكار السياسية والاقتصادية والأيديولوجيات. كان من أبرزها، الفكر القومي، وقيم البرجوازية الديمقراطية كفلسفات سياسية في بنية فوقية لمجتمعات تتحكم في علائق بُناها التحتية قوانين الاقتصاد الرأسمالي ومفرزاته الطبقية المعروفة؛ ما دفع الشعوب المسكونة بحلم التغيير والعدالة ونخبها السياسية   إلى الانضواء تحت ظلال أيديولوجيتين رئيسيتين. الشيوعية الماركسية، والإسلام السياسي بالتجاور أو بالاحتكاك والصراع العنيف في كثير من الأحيان في بلداننا العربية مع تجارب حكم لأحزاب قومية مزدوجة الهوية الفكرية. ((إسلامية حيناً؛ كما في تجربة صدام حسين، ويسارية كما في تجربة البعث السوري القديم))، ورأسمالية في الهوية الاجتماعية   والاقتصادية.

وإذا كان البحث والاهتمام يدور الآن على واقع دولنا ومجتمعاتنا، فإن من الجدير ذكره، أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتصار دول التحالف الرأسمالي في مواجهته؛ قد خرجت الشيوعية من المشهد، وخرج من منظري الرأسمالية الغربية، ممن يقولون بنظرية نهاية التاريخ، وأن الرأسمالية هي قَدَر الشعوب ولا شيء غيرها أو بعدها.

وترتسم اللوحة على شكل نظام رأسمالي عالمي تسيطر فيه دول المراكز الرأسمالية على أغلب موارد الأرض وتتحكم بالتجارة العالمية، تنتج كميات هائلة من السلع التي تؤمن ربحية عالية ودون أية مراعاة للبيئية أو دون أي احترام لشروط الحياة على الأرض.

تتصارع هذه المراكز فيما بينها بقصد السيطرة على التجارة العالمية والتحكم بالأسواق والبحار والموارد، وتتركز هذه الصراعات والحروب ما بين المراكز التقليدية والجديدة الناشِئة كما بين ((أمريكا، والصين))، أو في دوافع الحرب ((الروسية مع أوكرانيا))، وهي في صراعاتها لا تتورع عن تهديد السلم والاستقرار العالميين.

ومع ملاحظة أن حكومات بلدان المراكز في دول العصرانية الرأسمالية استطاعت أن تلعب أدواراً وطنية حيال شعوبها على حساب البلدان الأقل نمواً أو المُهمَّشة؛ فإن شعوب منطقتنا تعيش في حالة استلاب مزدوج. الأول: يتسم بانتشار الفقر والفساد والجوع والفوضى بسبب تخلف التنمية واحتكار السلطة والموارد من قبل النخب الحاكمة في دولة الاستبداد الشمولية ذات النمطية القومية، والثاني: بسبب الاغتراب الحاصل حول عملية الوعي والذي تضطلع به تيارات الإسلام السياسي والأيديولوجيا السياسية الإسلامية واسعة الانتشار تحت دعوى الإسلام هو الحل، ضمن منهج تفكير يتعمد أصحابه زج الدين في السياسة ثم حرفه عن مساره الدعوي إلى طريق الفضيلة والأخلاق، وبما يتعارض مع غاية الخطاب الديني الذي أساسه التسامح، ضمن قاعدة ((لا إكراه في الدين… من شاء فليؤمن ومن شاء…)).

تجهد قوى الإسلام السياسي إلى تعبئة المشاعر الإسلامية لاعتماد سلوك الإرهاب وانتهاج طريق العنف؛ ما يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وخدمة الأجندات الخارجية والإقليمية.

وعلى نحو متصل لم ينجح خطاب قوى الإسلام السياسي بتقديم أي خطوة ذات جدوى من شأنها إخراج الجماهير من مأزق التخلف والفقر، حين تكرر جملتها الشهيرة ((الإسلام هو الحل)) سوى تكريسها لاستلاب المرأة وهيمنة الذكورة، وقضايا الحجاب ودعوة المرأة إلى التخلق بحسن التبعل.

وعلى ضوء كل ما تقدم، يمكن الجزم بأن جميع الأفكار والعقائد والأيديولوجيات قد وصلت إلى طريق مسدود ولم تفلح في طمأنة البشر إلى حياتهم وتوفير شروط استقرارهم ولا نبالغ في شيء إذا قلنا، بقي الضوء الوحيد، المُقنع والواضح، عند التفكير الأوجلاني.

هذا العقل السياسي الذي يقدم إزاء كل معضلة الدواء المناسب، وعلى الصعيد الاقتصادي وفي مواجهة إخفاقات نظام الحداثة الرأسمالية، وفي الموقف من الأزمة الاجتماعية الطبقية المتأنية عن الملكية الفردية وهاجس الربح والمنفلتة من أية ضوابط حيال البيئية.

يقدم المفكر أوجلان، بديلاً، وهو الاقتصاد الاجتماعي التشاركي، هذا النموذج الاقتصادي الذي يقوم على التشاركية في ملكية “وسائل الإنتاج المختلفة”، ومن ثم في تحمل عبء عملية انتاج السلع وإدارتها وتسويقها، وهنا، الملكية، لم تَعُد فردية؛ بل تصبح جماعية من جهة، ومن جهة أخرى تختلف عن شكلها في النظام الاشتراكي الذي يفوض الدولة بحق الملكية تحت مسمى اقتصاد قطاع الدولة الاشتراكي. فبموجب اقتصاد المجتمع التشاركي؛ يمتلك العاملون في المنشآت الإنتاجية أو الخدمية أو سواها… يمتلكون امتلاكا حقيقياً للأصول الثابتة في مفاصل…

وأن مروحة التفكير الأوجلانية لا تنحصر في هذا الجانب فقط من ضروب معالجة المآزق في نظم العصرانية الرأسمالية… بل يسلط الضوء على النجاحات التي حققها مجتمع الأخلاق السياسي ممثلاً بأركان المجتمع المدني، وقوى الرأي العام وأنصار حماة البيئية، والذي أصبح متعايشا وضاغطا ومتقاسما للنفوذ في أحيان كثيرة مع سلطة الدولة ذات المحتوى الطبقي المتعارض أخلاقياً مع مفاهيم مجتمع الأخلاق السياسي.

وليس هذا وحسب، في الرؤى الأوجلانية لمواجهة تحديات العصر، بل المهم في المسألة، هو: الكيفية التي تتعامل بها هذه الفلسفة السياسية مع قضايانا هنا في المنطقة العربية والإسلامية، وما هي خارطة الطريق التي تقرها للخروج الآمن من واقع الاستلاب المركب الذي يصيب الأفراد والمجتمعات وحتى الدول.

إنها نظرية الأمة الديمقراطية المستندة على أخوة المكونات والأعراق المنضوية في مجتمع أخلاقي وسياسي… تحدد تقدمه ونضجه معدلات تنامي الحريات الديمقراطية.

فمفهوم الأمة الديمقراطية، المتسامي عن مفهوم الهويات الغالبة أو الطباعة والقسرية من قبل عرق أو مكون بعينه على حساب طمس الهويات الخاصة لمكونات أو أعراق أخرى؛ يشترط لنجاحه أن تكون المكونات المناخية والمتآلفة، حرة في خياراتها.

من هنا جاء شرط أخوة الشعوب الحرة، وعملاً بهذه القاعدة، نفهم أن الأمة الديمقراطية ستكرس مجتمعات أخلاقية وسياسية تنظم نفسها على قواعد العدل والتحضر والأخلاق، وقمة لازمة من لوازم مفهوم الأمة الديمقراطية، وأخوة الشعوب الحرة، ومجتمع الأخلاق السياسي، إنها ركن المرأة الحرة، حيث يطبق في أفيائها شعار، “الوطن الحر… يعني امرأة حرة”.

زر الذهاب إلى الأعلى