مقالات

لأنها مقاومة العصر.

سيهانوك ديبو

في يوم عفرين السابع للمقاومة؛ كتبت حينها بأنه حان وقت الانفكاك العالمي والنظام التركي. إذْ أن العالمية؛ من خلال؛ جميع المنظمات والنوادي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحظى بتعامل وعضوية تركيّة لن تجد فرصة أنسب كما في مقاومة عفرين كي تعلن انفكاكها بكل وشيجة عن طاغية العصر الحديث أردوغان. لكن؛ هي مرة أخرى؛ البنية الهشة للنظام الدولتي العالمي وتعكزّه المستمر على المصالح فقط؛ يؤخر هذا الانفكاك، وهذا بحد ذاته مدعاة للقول بأن الوقت صار لتناول جديد لمفهوم الدولة وبشكل مغاير عن الستاتيك الكلاسيك المشهود به، وهذا مبحث آخر. وبالرغم من أسبقية المصالح؛ فإن الدول التي كانت تحظى بعلاقة متقدمة مع النظام التركي؛ باتت تنسحب إلى المستوى الوسط؛ أقرب من مسك العصا من المنتصف، والانتظار. موقف صريح واحد من مركز له الثقلين السياسي والاقتصادي؛ كفيل لمجموعة هائلة من الدول أنْ تنسحب إلى المستوى الأدنى، والانفكاك.

تركيا؛ بكل المشاكل. بالأخص داخلياً. الشعوب في تركيا كلها واقعة تحت إرهاب دولة لديها كل المشاكل مع كل بلدان الجوار والمحيط والعالم. باستثناء جزر وشخصيات في الجوار والمحيط والعالم؛ ربما؛ يتحسسون رقابهم اليوم، فهم متورطون بدعم الإرهاب كما حال تركيا المتقدّم في ذلك.

تركيا اليوم هي دولة عصابة وخطاب رئيسها هو خطاب رئيس عصابة لا علاقة له بالسياسة؛ بالأساس لا يستطيع امتهان ذلك.

في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليو 1998 من المادة الثامنة لجرائم الحرب والفقرة ب/12 تنص بأن مجرد الإعلان بأنه لن يبقي أحد على قيد الحياة؛ تعتبر جريمة حرب ملموسة. فكيف لو كانت عشرات بل مئات المرات التي يتم فيها مثل هذا الإعلان سواء من أردوغان أو من شريكه في إدارة الدولة دولت باخجلي؟ إضافة إلى الأدلة الدامغة بالصوت والصورة لمحللين سياسيين يعملون لدى النظام التركي وتفاخرهم بالقتل والإرهاب. هؤلاء محللي لقتل الأبرياء والمدنيين وكل من يختلف معهم بالرأي. مع العلم بأن بنود ومواد نظام الجرائم الدولية كلها تنطبق على يقوم به الاحتلال التركي وعلى مرتزقته؛ وتدينهم في أنهم ليسو إلّا مجرمي حرب.

في اليوم الخامس والعشرين لمقاومة العصر-عفرين ومن خلال صمود الشعب المقاتل في عفرين وبناته وابنائه من قوات سوريا الديمقراطية؛ استطاعت أن تظهر على العلن حقيقة الدولتية الفاشية التركية. وأن تظهرها كما مضمونها عارية عارية. الخطاب العنصري الاستعلائي لتركيا. وأن كل من ليس مع احتلالها فهو ضدها. هي لا تعادي فقط أي وجود كردي إنما الكل السوري؛ لا بل كل المحيط. هل هناك وحدات حماية الشعب والمرأة في قبرص وفي مصر؛ حتى تجاهر بعدائها وتهدد أمن البلدين؛ على سبيل المثال؟

لأنها مقاومة العصر فإن وظائفها لن تتحدد فقط بالنصر المحتوم على الخارجين من قيم الإنسانية. فمعركة الشعب الكردي وعموم شعوب شمال سوريا ليست صرف عسكرية؛ إنما معركة الدفاع المشروع عن مشروع ديمقراطي مشروع يكمن فيه الحل الديمقراطي للأزمة السورية ويتحقق من خلاله المعنى القويم للعيش المشترك. ووظائفها تكمن أيضاً في الكشف عن من هو السوري الوطني ومن هو غير ذلك، ومن هي المعارضة الديمقراطية عن من هم المحسوبين على المعارضة، من هو الكردي الحيّ ومن هو الكرديّ الميت الذي يقبل به أردوغان، وما هي الديمقراطية عن من هم دُعاة وأصحاب انتاج الدولتية القومية المركزية في سوريا. هذه هي وظائف ومهمات مقاومة عفرين، وهذه المقاومة التي تستمد ميراثها من فكر وفلسفة أوجلان. ولولا هذا الفكر لما استطاعت قوات سوريا الديمقراطية التي تؤمن بفكر الأمة الديمقراطية كنتاج أوجلانيّ أن تنتصر في كوباني وفي الجزيرة وفي الرقة واليوم في دير الزور، وهذه اللحظات التاريخية في عفرين.

من الخطأ إن لم نقل من الخطيئة؛ أن يتنطع أحدهم كي يقول: ما دخلنا بتركيا؟ هو نفسه من كان يقول لن تستطيعوا أن تحققوا مشروعكم طالما تركيا موجودة؛ أشخاص وكتل احتسبت على المعارضة السورية بكل أسف. فما يحدث في سوريا ليس له العلاقة فقط بسوريا؛ إنما بعموم الشرق الأوسط؛ وبنقاط ساخنة ما وراء البحار. وكل الفرصة سانحة أن نختار بوعي وإيمان الشرق الأوسط الديمقراطي. ولأنه كذلك، ولأنها كذلك؛ استحقت لقب مقاومة العصر.

زر الذهاب إلى الأعلى