PYDمانشيتمقالات

كيف حول القائد أوجلان المؤامرة إلى انطلاقة جديدة

محمد شيخو  ــ

تُعد الكتابة عن المؤامرة الدولية ضد حركة حرية كردستان باستهداف القائد عبد الله أوجلان في هذه الآونة؛ ضرورة قصوى في فهم ما يدور في المنطقة من وضع سياسات ورسم خرائط جديدة لها، وسيشكل فهم وإدراك هذه المؤامرة بعد مرور ربع قرن خطوة أساسية في بناء مجتمع ديمقراطي وتحصينه ضد الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة والعالم، خاصة أن هذه المؤامرة ما زالت مستمرة عبر أساليب وأشكال عديدة من قبل الدولة التركية والداعمين لها  من الحكومات والدول في المنطقة والعالم، ونشاهد ذلك في الصراع الحالي في المنطقة وسوريا، وتحديداً بعد احتلال “عفرين وسري كانيه وكري سبي” واستهداف تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا إضافة إلى ما تقوم به الدولة التركية من صفقات ومقايضات بين الفينة والأخرى مع الدول لكسر إرادة الكرد. كل ذلك ما هو استمرار لهذه المؤامرة.

تشكل المؤامرة ظاهرة معيقة لمسيرة التطور الحضاري المجتمعي التي تطمح إليها شعوب هذه المنطقة التي ظهرت فيها وانطلقت منها الحضارة البشرية وباتت الان تعاني الويلات جراء الأزمات والصراعات الناتجة عن جشع وأنانية ووحشية السلطة، والاحتكار الذي بدأ أيضاً من هذه المنطقة وتحديداً مع الحضارة السومرية.

فالمؤامرة سوسيولوجياً تعبر عن ظاهرة نابعة عن المجتمع الطبقي أساساً، وتهدف إلى إحداث الشلل بالأساليب الفجة والناعمة للقوى الاجتماعية التي تحارب القمع والاستغلال الطبقي، وهذان منهجان ساريان دائماً مع بعضهما البعض.

ويُعد التآمر ممارسة أصعب من أي حرب مباشرة أو خاصة، لأن في داخلها أناس يدَّعون الصداقة ورفاق غافلون يساهمون بإيصال مخططات الأعداء إلى النجاح، وهذا ما حصل فعلياً ضمن الحركة.

ولا يمكن أن تنجح أية مؤامرة دون تجنيد بعض الأفراد القريبين إلى الشخص أو الشعب أو الحزب.

فعندما نحاول أن نبحث عن الأسباب الكامنة وراء اختطاف وأسر القائد أوجلان؛ لابد لنا أن نرجع إلى الخلف قليلاً ونسأل السؤال التالي:

لماذا تم استهدافه بهذا الشكل المافيوي ووضعه في سجن جزيرة إمرالي ــ في ولاية بورصة التركية ــ وحيداً والذي يشبِّهه القائد أوجلان “بالتابوت” (لصعوبة العيش فيه)؟

بدأت حركة حرية كردستان مسيرتها النضالية وفق مبادئ فلسفية وعقيدة أيديولوجية هدفت من خلالها إيجاد حل للقضية الكردية وإجراء تحول اشتراكي وديمقراطي في تركيا وفي الشرق الأوسط اعتماداً على القاعدة الشعبية التي آمنت بأفكارها، وشكل ذلك أساساً فعالاً لنضالها ونهجها السياسي والتنظيمي وهي مستمرة حتى الآن.

وعلى هذا الأساس لم يتردد حتى أبناء الشعوب الأخرى بالالتحاق والانضمام لنشاط هذه الحركة والتضحية في سبيل مبادئها وقِيَمِها السامية، والمتطلعين على تاريخ هذه الحركة يعرفون ذلك جيداً، فلا يخفى على المتابعين والمهتمين أن حركة حرية كردستان والقائد أوجلان يملكان مشروعاً جامعاً يمثل كل شعوب المنطقة، وهذا ما كان ومازال يتعارض مع سياسات دول الهيمنة العالمية، خاصةً (أمريكا – إنكلترا – إسرائيل) والتي كانت بحاجة إلى أنظمة وقوى تابعة لها في المنطقة تمثل سياساتهم النيوليبرالية بأشكال وطرق مختلفة، وقد رفض القائد أوجلان مطالبهم بتبني أجنداتهم منذ تسعينيات القرن الماضي وخاصةً بعد انهيار التجربة السوفيتية، مما استدعى هذا الثالوث إلى وضع القائد اوجلان في “اللائحة الحمراء” لديهم استناداً إلى المعادلة التاريخية التي ترسخت في تاريخ الثورات الكردية القائلة: “إن ثورة الكرد ستنتهي بأسر أو مقتل قائدها”، وأمثلة التاريخ شاهدة وواضحة كانتفاضات وتمردات (الشيخ عبيد الله النهري-الشيخ سعيد- سيد رضا- قاضي محمد- ملا مصطفى البرزاني…).

بدأ التطبيق الفعلي للمؤامرة الدولية باستهداف القائد أوجلان عندما رأت القوى المشاركة في المؤامرة ضرورة الاحتفاظ بتركيا في التوازنات الدولية وفق مبدأ وسياسة “فرق – تسد” الإنكليزية القديمة الجديدة، فمنظمة كلاديو (المنظمة السرية التابعة لحلف الناتو) كانت ترى في القائد أوجلان ومشروعه عائقاً وإضعافاً لدور تركيا وكذلك للأهمية الجيوسياسية والجيوستراتيجية التي تتحلى بها تركيا كعميل وشرطي لها وتخدم مشاريعها في المنطقة.

يتطرق القائد أوجلان إلى المؤامرة ويُشبّه اختطافه بقتل ولي عهد النمسا على يد صربي متطرف إيذاناً بالحرب العالمية الأولى عام 1914، فيقول: “استهدافي كان ضرباً من الحرب العالمية الثالثة”.

ويمكن إيجاز أسباب الاستهداف بالنقاط التالية:

1- أرادات منظمة كلاديو الاحتفاظ بتركيا في التوازنات الدولية وفق مبدأ وسياسة “فرق – تسد” الإنكليزية القديمة الجديدة وفق الزمان والمكان الذي يرتأون.

وعملياً تأجل احتلال العراق خمس سنوات بخروج القائد أوجلان من سوريا بعد التهديدات الفعلية لحلف تركيا -إسرائيل- أمريكا.

2- امتلاك القائد أوجلان لشخصية كاريزمية ويحمل معه مشروعاً جامعاً لكل شعوب المنطقة، وهذا ما كان يتعارض مع سياسات دول الهيمنة العالمية والتي كانت بحاجة إلى أنظمة تابعة لها.

3- رفض القائد أوجلان مطالب إسرائيل بالتحالف والانخراط في مشروعها في الشرق الأوسط الكبير، عندما طلب منه ذلك في الفترة ما بين أعوام 1990 حتى 1996.

فتركيا أول دولة اعترفت بإسرائيل عام 1949م وهم حلفاء استراتيجيين في محاربة حركات التحرر للشعبين الكردي والفلسطيني.

4- رفض القائد أوجلان طلب أمريكا وبريطانيا بالسير وفق النظام العالمي الجديد المُشَكَّلْ من قبلهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي رسمياً في عام 1991.

5- مشاركة إسرائيل وأمريكا في اختطاف القائد أوجلان كانت تنفيذاً لمقررات معاهدة مكافحة الإرهاب التي انعقدت في الأردن عام 1996، فقد طُلب رأس القائد أوجلان في هذا الاجتماع، ونُفذ هذا الطلب من خلال استهدافه في 6 أيار عام 1996م في العاصمة السورية دمشق وباءت العملية بالفشل لعدم تواجد القائد أوجلان في مكان تنفيذ التفجير آنذاك.

وهذا يعني كان الهدف من حادثة أسر القائد أوجلان هو تحويل “كردستان إلى مكان لاندلاع الحرب العالمية الثالثة مثلما كانت صربيا مكاناً لاندلاع الحرب العالمية الأولى، والجانب الأهم كان خلق اقتتال تركي- كردي كاستمرارية للسياسة الإنكليزية (فرق تسد) ليضعف الطرفين المتقاتلين والمتصارعين، ومن ثم يتم تدجين الطرفين لمصالحهم بعد أن يتم إنهاكهما.

وإذا أردنا أن نلَخِّص كل هذه الأسباب المذكورة أعلاه بجملة واحدة فيمكننا أن نقول إنها تعني:

تنفيذ مشاريع قوى الهيمنة العالمية والحداثة الرأسمالية للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط.

بعد أسر القائد  أوجلان في 15 شباط 1999 في كينيا  ولإفشال هذه المؤامرة؛ قام القائد بمراجعة شاملة للتاريخ الكوني والعالمي وقراءة جديدة لتاريخ الشرق الأوسط ونضال حركات التحرر العالمية وتجاربها المتعددة وتجربة حركة حرية كردستان بشكل خاص وإجراء النقد والنقد الذاتي بعمق، وأبدع على أساسها براديغما جديدة باسم مانيفستو الحضارة الديمقراطية بمجلداته الخمسة والتي شكلت الإطار النظري لنظرية العصرانية الديمقراطية لإعادة التاريخ لمساره الطبيعي للوقوف في وجه كل المخططات التي كانت ضمن أجندات القوى التي استهدفته وتطبيقه لاحقاً بعد الخطف والأسر، وهذا يعني أن القائد أوجلان من خلال المراجعات التي قام بها على المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية والاجتماعية تمخض عنها تجاوز الأيديولوجيا الضيقة وبناء البراديغما كاستراتيجية جدلية- كونية، وباحثاً جديراً عن الحقيقة.

رغم مرور كل هذه السنوات لكن ما زالت المؤامرة مستمرة على القائد أوجلان من خلال منع تواصل المحاميين وعائلة القائد أوجلان معه، والهدف الرئيسي منها هو ترك القائد أوجلان خارج المرحلة والأحداث الدائرة في العالم والشرق الأوسط وعدم مشاركته في إبداء رأيه والتأثير على السياسات المرسومة وإفشالها في الشرق الأوسط وعدم استفادة حركة حرية كردستان والشعوب من تقييماته ورؤاه المؤثرة على الساحتين الكردستانية والإقليمية وبالتالي الدولية، وايقاف صوته وفكره عن العمل لعدة سنوات، وحرمانه من التواصل الخارجي وعدم خروج فكره النير إلى خارج سجنه.

أخيراً يمكنني القول إن الجواب المناسب للرد على هذه المؤامرة تكمن في:

قراءة وفهم وإدراك مرافعات ومانيفستو الحضارة الديمقراطية للقائد أوجلان من قبل المؤمنين بنموذج الحل لديه وما يحمله ذلك من أهمية وجودية بالنسبة للكرد وشعوب المنطقة للوقوف في وجه كل السياسات التي تم استخدامها بفعل الثورة الصناعية والتقنية الاحتكارية الغربية وتجاوز الذهنيات القروسطية ووضع عنوان عريض لهذه المرحلة تشكل خطوة متقدمة إلى الأمام وفق أسس تفرز معطيات علمية فلسفية وإيكولوجية تُبدع منها سوسيولوجيا حديثة.

فالمستقبل أمامنا بات مشرقاً ولنضم صوتنا إلى صوت المفكر الأمريكي المعروف “موراي بوكشين” الذي أسس للإيكولوجية المجتمعية عندما قال قبل وفاته عام 2006:

“أمنيتي هي أن يتسنى للشعب الكردي يوماً أن يقيم مجتمعاً حراً رشيداً والذي سيسمح لتألقهم بالازدهار مجدداً، هم محظوظون بالفعل لأن لديهم قائداً صاحب ملكات (ذكاء ومهارة) كالسيد أوجلان لقيادتهم”.

وأعتقد أن الأوجلانية باتت تمثل براديغما قرن الواحد والعشرين لشعوب المنطقة كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى