مقالات

   كوباني ذاكرة نضالية متجددة

gotar33-1-190x122ياسر خلف – في الذاكرة الجمعية للمجتمعات والشعوب هناك دائما ما تشدها نحو تاريخها وماضيها النضالي وتكون سببا في تجديد تمسكها بميراثها الوطني وتبني ثقافتها وأدبياتها على هذا الإرث التراكمي على امتداد مسيرتها التكوينية، لتتحول إلى حضارة ورقي يعبر عن الجوهر الأصيل لتلك الشعوب والمجتمعات، ربما إن التمعن في ميراث الشعوب وأدبياتها الحياتية تجد فيها طقوسا وتقاليد متجددة ومتكررة على امتداد تكوينها وتبلورها كشعب، فعندما نجد تلك المجتمعات تخصص أيام بعينها في السنة كذاكرة جمعية يراد بها أن تبقى شاهدتاً على لحظات من تاريخها ونضالها وصمودها وتدل على صفات خاصة بهم كقوم أو شعب أو وطن أو امة، حينها يدرك المرأة إن حيوية الشعوب والمجتمعات واستمراريتها كوجود يتوقف على مدى الوفاء والالتزام بميراثها النضالي الذي قدمه أبنائه في فترة من الزمن، من هنا يمكننا القول في هذا الصدد انه  ما من شعب من الشعوب له ذاكرة حية متجددة كما لدى الشعب الكردي حيث لم يتبقى يوم في السنة إلا ولهم بصمة، فيها وذلك لما مرَّ به هذا الشعب من مآسي وإنكار بحقه كوجود قائم بذاته ولِما قدمه من تضحيات جِسام في سبيل الحفاظ على كينونته، حيث يقول قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان في هذا الصدد: (  قدم شعبنا الكُردي منذ ظهوره وحتى الآن مئات القوافل من الشهداء إلى درجة بات يعرف فيها بشعب الشهداء، وتحمل نتيجة لذلك مآسي و آلام كبيرة ورغم هذا الكم الهائل من الشهداء إلا أنه لم يحصل على المقابل، مما زاد من حجم مأساته وآلامه ) ومع انطلاقة حركة التحرر الكردستانية وانتشارها في كافة أرجاء كردستان وذلك بفضل الفكر والفلسفة التي بنية عليها هذه الحركة والتي كانت من شأنه أن تغير الكثير من المفاهيم والسياسات التي كانت رائجة بحق الشعب الكردي فقد كانت مقولة ” المقاومة حياة ” التي أطلقها الرعيل الأول لهذه الحركة كفيلة بإزالة التبعية الجغرافية لكردستان للدول المحتلة والمستعمرة لترابها لتنهي إشكالية الوجود كشعب إلى قضية أمة قائمة بذاتها لم يعد بالمقدور إنكارها ومحاولة صهرها أو محوها والتي باتت حقيقة قائمة وقضية يرغم العالم على إيجاد حل لشعب يؤمن بعدالة قضيته ومن هنا يمكننا التأكيد إن ما قام به أعداء الشعب الكردي وما يزال يسعى جاهدا للحيلولة دون حل القضية الكردية يأتي من إدراك العدو لهذه الحقيقة التي بدأت تؤرق مضاجعه، وخاصة الدولة التركية التي اتبعت شتى الوسائل والأساليب القمعية والإرهابية لمنع تحول المقاومة التي أبداها قوات الدفاع الشعبية HPG ، و قوات حماية الشعب YPG , YPJ ، إلى ذاكرة أخلاقية سياسية للشعب الكردي وذلك عبر إرسال المجاميع الإرهابية المتمثلة بداعش ومثيلاتها ودعمها بكل السبل والسلاح والعتاد وتسهيل تنقلها إلى روج آفا وجنوب كردستان وذلك لمحاصرة حركة التحرر الكردستانية ومحاولة القضاء عليها، فكان أولى هذه المحاولات في سري كانية، والتي قام آلة الإرهاب الفاشية التركية بتوجيه مرتزقته نحوها لتكون منطلقا لاحتلال كامل روج آفا، حيث توجه ما يقارب 250 فصيل إرهابي نحوها وبدعم مباشر من تركيا، لكن مقاومة ابناء الشعب الكردي وبقية المكونات المتعايشة معها أفشلت جميع مخططات الدولة التركية، ليتحول اندحار فصائله الإرهابية إلى تأسيس مرحلة جديدة اثبتت فيها مقاومة سري كانية، أن إرادة الشعوب أقوى من كافة الأسلحة والإرهاب التي تمارسها الدول المحتلة والغازية عبر مجاميعها الإرهابية، ولتتجدد الملاحم البطولية التي أبداها وحدات حماية الشعب والمرأة في كل مؤامرة ومخطط  يراد النيل من إرادته ومقاومته، والتي اثبت عدالة قضيته ونبل نضاله وتضحياته والتي تجلت في أرقا صورها في مأساة شنكال، حين وجه اردوغان مرتزقة وإرهابي داعش لإبادة شعبنا الكردي فيها، ولتكون منطلقاً لاحتلال روج آفا من خاصرتها بعد أن سلمهم الموصل دون قتال وذلك عبر مؤامرة دنيئة للقضاء على التجربة الديمقراطية في روج آفا، حيث اثبتت المقاومة التي أبداها الشعب الكردي عبر أبنائه في وحدات حماية الشعب والمرأة وإنقاذهم لمئات الآلاف من شعبنا في شنكال من إبادة جماعية على يد مرتزقة وإرهابي داعش، والتي أسست لمرحلة جديدة أرغم فيها العالم للاعتراف بنبل وأخلاق المقاتل الكردي على عكس ما كان يريده ويروجه الفاشية التركية وتوابعها مما يسمى بائتلاف قوى المعارضة التي أسسها الاستخبارات التركية، وذلك عبر إلصاق تهمة الإرهاب بهذه القوات حيث كسبت وحدات حماية الشعب والمرأة قلوب الشعوب وتعاطفهم والتي لم ترق لأعداء الشعب الكردي وحاولوا بشتى الوسائل والسبل القضاء عليها ليحول آلة القتل والإرهاب الاردوغانية مرتزقته إلى قلب روج آفا (كوباني) لكسر إرادة الشعب الكردي عبر داعش، لكن ملحمة العصر كوباني التي اجتمع عليها جميع القوة الظلامية والتكفيرية والعنصرية منها مدججة بكافة الأسلحة الثقيلة والمتطورة لثلاثة دول محتلة  لجغرافية كوردستان،  حيث قاومت لقرابة السنة ضد أعتا قوة إرهابية عرفتها التاريخ وبتمويل وإسناد مباشر من الفاشية التركية، كانت بمثابة الناقوس الذي هز الضمير العالمي ووجدانه وجعلت من ملحمة كوباني حديث الساعة على كافة القنوات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة إلى درجة أرقت مضاجع الأعداء التقليديين المتجددين للكورد والمتسترين والناكرين للحقيقة الكوردية الحضارية ورقيهم النضالي ضد الظلم على مر تاريخهم ليبدأ المرحلة الأكثر نضوجا ورسوخا في النضال الثوري الذي أبدها الشعب الكردي ليتحول مأثرة آرين ميركان، وبيريفان، وفيان بيمان ورفقهم إلى قبلة لكافة الأحرار في العالم ولتكون الضمير الحي على أرقى وأعظم القيم الإنسانية نبلا وإخلاصا وخلاصاً للبشرية جمعاء وأرغمت العديد من الدول في إعادة حساباتها والوقوف مجبرة مع ما أبداها المقاومون من شعبنا وأبنائهم في قوات الحماية ليتحول العالم بأسره إلى ساحات للتضامن مع مقاومة وملحمة كوباني، وجعل اليوم الأول من تشرين الثاني من كل عام اليوم العالمي لتضامن مع كوباني في مجابهة الإرهاب، ولتصبح كوباني الهوية الوجودية للشعب الكردي  في روج آفاي كردستان، ولتبقى ملحمة وميراثاً أخلاقياً متجددةً على امتداد جغرافية كردستان ولتصبح ذاكرة عالمية، ونقطة فارقة لنضال الشعوب ضد الظلم والاستبداد.

زر الذهاب إلى الأعلى