مقالات

فصل السلطات واللامركزية

“ينبغي على السلطة أن توقف السلطة” ففصل السلطات, والأجهزة المتوسطة واللامركزية والأخلاق هي معادلات وقوى تَحُولُ دون أن تسقط السلطة في الاستبداد, وتفصح المادة (16) من “إعلان حقوق الإنسان” إن كل مجتمع لا تتأمن فيه ضمان الحقوق ولا يتحدد فيه فصل السلطات؛ ليس له دستور أبداً، ولكن ليس لمبدأ أو مذهب فصل السلطات إنما يجب على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية أن لا توجد بين الأيدي ذاتها؛ إنما هو الانسجام بين السلطات الثلاث, والمشاركة والسيادة معاً للقوى السياسية الثلاث, وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى نوع من أنواع فصل السلطات وإن كان غير مباشر, وهو توازن يرمي إلى تكريس قوة بين القوى الأخرى ألا وهي قوة الهيئات، وهنا تأتي اللامركزية.

إن اللامركزية هي موازن ومعادل ناجع ضد الاستبداد، وكمفهوم اللامركزية هي صيغة الإدارة في الدولة تعتمد على أمرين هامين, اولاهما: إعادة تركيب الهيكل الإداري و التسلسل الهرمي في الدولة على أساس زيادة إبراز التركيب الإداري للأقاليم و للمقاطعات و المناطق والبلديات.

ثانيهما: زيادة تفويض الصلاحيات من الهيئات المركزية إلى الهيئات والمستويات الأدنى كالمحافظات والأقضية والنواحي , وهناك المفهوم الضيق أو “الجزئي” لللامركزية :المقصود باتباع اللامركزية ضمن هذا المفهوم وهي حالة خاصة أو جزئية تتبع إما على صعيد إدارة معينة قد تقتضي طبيعتها باتباع نوع من اللامركزية في إدارتها من خلال تحويل بعض الصلاحيات من هيئات مركزية إلى هيئات دنيا كأن تكون ذلك على صعيد وزارة معينة أو محافظة معينة فيها شيء من الخصوصية, أو وجود مبررات تفرض اتباع مثل هذا المفهوم .

إن تطبيق مثل هذا المفهوم الجزئي لا يكون فعالاً ولا يتجاوز إجراءات شكلية محددة خالية من محتوى مادي ملموس ودون أن تكون قاعدة عامة إدارية مدروسة لدى الدولة ومحددة بتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية واقتصادية لصالح سكان تلك المنطقة المشمولة بذلك الإجراء.

أما المفهوم الواسع ( الكلي )  لللامركزية : هو أسلوب شامل تتبعه الدولة بناء على مبررات وحاجات فعلية لتحقيق أهداف استراتيجية تصب في نهاية المطاف في مصلحة الدولة على صعيد المركز والأقاليم والهيئات الإدارية الدنيا وبالتالي فإنها قائمة على منح صلاحيات أوسع للإدارات المحلية والتي تتضمن صلاحيات تتعلق بمجال التخطيط والتنفيذ وإدخال السكان ومشاركتهم في تحديد الأولويات واتخاذ القرارات, كما تشمل الصلاحيات المالية التي تحتوي على تخصيص نسبة ملائمة من إيرادات الخزينة المركزية لهذه الإدارات المحلية, وصلاحية هذه الإدارات في استحصال بعض الموارد المالية المحلية المحددة لها بموجب قانون اللامركزية  أو قانون الفيدرالية, وامكانيتها في استغلال هذه الموارد ضمن ميزانية الإدارة المحلية للمنطقة وصرفها على الأوجه المحددة بموجب أبواب وفصول الميزانية, وزيادة دَور سكان هذه المناطق في التأثير والتفاعل الإيجابي باتجاه إشباع حاجات السكان المحليين وزيادة مساهماتهم في استغلال مواردهم ورفع قدراتهم في إنتاج السلع والخدمات بما يحقق لهم تنمية متوازية مع بقية المناطق داخل إطار الدولة.

اللامركزية حسب هذا المفهوم  هو النموذج المتبع في العديد من الدول المتقدمة ذات الأنظمة الفيدرالية والديمقراطية ومن خلالها تم حل مشاكل السكان بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والدينية و الاقتصادية, وخلقت حالة من الاستقرار والتعاون والتكامل بين الإدارات في المستويات المختلفة، وهناك بعض التجارب العالمية في اللامركزية: يلاحظ الآن في العالم إن اتباع أسلوب اللامركزية من قبل دول العالم ليست محصورة على بقعة أو قارة أو نمط معين من البلدان بل يُلاحظ أن هذا الأسلوب في الإدارة قائمة على تفويض السلطة من الهيئات المركزية العليا إلى الهيئات المركزية الدنيا و بالتالي زيادة دور الأقاليم و الحكومات المحلية و البلديات في الاضطلاع بإدارة مناطقهم, و بالتالي توجيه الإدارة بالاتجاه التي تُقدم الخدمات بمختلف أنواعها الملبية لحاجات أولئك الناس مراعياً في ذلك تفضيلاتهم و رغباتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى