مقالات

خلق التوازن بين السياسة والأخلاق، هل تستطيع المرأة تحقيقه؟!

ليلى آياتة

كما نعلم جميعاً أننا على أبواب الذكرى السنوية الرابعة لثورة 19 تموز التي عرفت بثورة المرأة وإن تقدم هذه الثورة ما كانت إلا نتيجة تقديم الكثير من الجهود والبدائل والتضحيات من قبل الشباب والشابات، حيث أثرت هذه الثورة بشكل كبير على جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم كونها مثلت جوهر الثورة الحقيقية بدعوتها إلى حرية المرأة وتمثيلها في جميع المجالات.

ومع بدء ثورة 19 تموز وانتصارها التاريخي تزايد هذا التأثير ليشمل النساء في جميع أنحاء العالم ويضيف معاني جديدة في المقاومة ويدخلها مرحلة تاريخية. وتجسدت هذه المقاومة عبر بطولات وحدات حماية المرأة YPJ وإثباتها بأن المرأة قادرة على تمثيل حقوقها في جميع المجالات وإن لها الدور الأبرز في الثورة ولعبت دوراً ريادياً في قيادة ثورة روج آفا، وإن هذا الدور لم يأت من فراغ بل كان نتيجة 40 سنة من النضال والكفاح لحركة تحرر المرأة الكردستانية.

والمرأة في روج آفا على أساس عشقها للحياة الحرة الكريمة ناضلت لنيل حريتها من خلال مشاركتها في جميع المؤسسات والإدارات وتمثيلها بنسبة 50 % في جميع المجالات ومشاركتها جنباً إلى جنب الرجل في نظام الرئاسة المشتركة، ومن أجل تحقيق ذلك هناك حاجة ملحة لتحقيق ثورة ذهنية ووجدانية. إلا أن العقلية المتحكمة في الشرق الأوسط ولأنها بعيدة كل البعد عن القيام بثورة بهذا الخصوص ولا ترى نفسها بحاجة لأن تعيش عصر النهضة والإصلاح والتنوير.

وتطرق القائد أوجلان في مرافعته (الدفاع عن شعب) للقضايا التي تعانيها المنطقة وطُرق الحل لها والذي يعتبر مانيفستو الشرق الأوسط للقرن الحادي والعشرين، والنظرية الجديدة لتحقيق النهضة التي نحن بحاجة لها والتي تعتمد على جوهر الإنسان والطبيعة وبراديغما المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي والحضارة الديمقراطية، ومن هذه القضايا قضية المرأة.

ومن أجل تحقيق هذا التحول المطلوب فالمهمة الأساسية تقع على عاتق المرأة، فحتى الآن تم التقرب إلى المرأة بنظرة دونية، وبالرغم من مصادقة هذه الدول على الكثير من الاتفاقيات العالمية إلا إن سياسة التمييز ضد المرأة ما تزال مستمرة على قدم وساق يتطلب إعادة النظر وتغيير القوانين المجحفة بحق المرأة، بحيث تحقق العدالة الاجتماعية في المجتمع والمساواة بين الجنسين ومنح المرأة الحق في بناء تنظيمات خاصة بها وتحقيق الوعي في الهوية الجنسية. فقد تم حرمان المرأة من ممارسة حقوقها في الكثير من المجالات الحياتية وذلك نتيجة التقرب الفظ للعقلية القديمة للرجل ومنعها من تشكيل تنظيمات خاصة بها ومنعها من التوعية الجنسية والبحث عن حقوقها ولكن أدى إلى إعاقة تطور المجتمع ومؤسساته، والخطوات الأولى هي التخلص من تلك الممارسات وفتح الطريق أمام المرأة للقيام بدورها الديمقراطي، وعلى المرأة التخلص من دورها الظاهري والشكلي في الحكومات والمؤسسات للقيام بخوض النضال الجدي البعيد عن تقليد الرجل والاستناد على هويتها الجنسوية وذكائها العاطفي.

فالمنظمات النسائية المستقلة لها دور كبير ومسؤولية كبيرة في نشر الوعي الديمقراطي وبناء العائلة والفرد الديمقراطي وخلق نظام جديد يعتمد على الطبيعة  والعالم والفلسفة ويكون أساساً لها، ويجب التخلص من نظام السلطة والدولة المركزية التي لا تتفق مع مبادئ المجتمع الديمقراطي والإيكولوجي وفتح الطريق أمام السياسة الديمقراطية.

ولا بد من النظر لعملية حرية المرأة على أنها تتجاوز المساواة الجنسية بكثير بل وتشكل جوهر الديمقراطية العامة وحقوق الإنسان. ومساواة العلاقة الضيقة بين المجتمع والمرأة كانت تمثل القوة الإلهية، والأنثى المعطاة والخصبة في المجتمع النيولوتي أصبحت تواجه الفناء والاندحار وجهاً لوجه على مر التاريخ والمجتمع الطبقي، ويستحيل بلوغ النصر لمجتمع ديمقراطي إلا بالمرأة، وانطلاقاً من هذا المبدأ لا بد من مشاركة المرأة بشكل مغلي ومغال في جميع أنواع القرارات السياسية والإصرار والعمل وإعطاء كل ما لديها من طاقات للتخلص من العقلية القديمة الزمنية، وإذا تم القيام بفتح هذا المجال وهذا التغيير في الدول ستتمكن من حل كل مشاكلها دون الحاجة إلى مداخلة خارجية وستصبح من الدول الطليعية في المنطقة من ناحية الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وإذا كانت منطقتنا تعيش كل هذا القدر من الجهل والتخلف والفقر يعود إلى السياسات المنعدمة من الحل واللاديمقراطية التي تفرضها الدول الموجودة في المنطقة وما تتبعه الدولة والمجتمع الكلاسيكي من انتهاكات بحق المرأة ولأن المرأة مركز كل الأزمات الموجودة في المنطقة فإن الحل أيضاً مخفي في هذه الحقيقة لذلك فإن دور المرأة ومشاركتها الفعالة في تطوير السياسة الديمقراطية والتخلف والعنف الذي يسود منطقتنا، وكلما شاركت المرأة في السياسة بذهنية التخلص من السجون والحدود التي تلف عقولنا ووجداننا.

ومن أجل تحويل الحياة إلى وضع يمكن العيش فيه يجب تحرير المرأة من براثن ذهنية الدولة ويتم انضمامها إلى كافة الساحات السياسية والثقافية والاجتماعية، وفي ظل نظام ديمقراطي ومجتمع إيكولوجي يتوجب على كافة نساء العالم الانضمام إلى هذه النهضة الإنسانية بشكل فعال، وبهذا الشكل نستطيع أن نفتح العالم وقلاع الشرق الأوسط من الناحية الذهنية والعقلية ونحرز الانتصارات ونحدث التطورات في كافة مجالات الحياة.

والشيء الوحيد المطلوب لتطوير هذه النهضة هي الوحدة والتضامن والكفاح الدائم في سبيل الحرية والديمقراطية والتقرب بمسؤولية من كافة المهام الحياتية التي تقع على عاتق كل امرأة عربية، كردية، مسلمة، مسيحية وإيزيدية موجودة في المنطقة.

سعي الرجل للوصول إلى السلطة واحتكار السياسة وحجب دور المرأة وكلنا نعلم أن السلطة هي عدو المجتمع الديمقراطي والسلطة لا تعترف بإرادة المجتمع ومن المستحيل أن يكون هناك مجتمع ديمقراطي بوجود السلطة وإنكار دور المرأة وأن مرتزقة داعش هو العدو الأول للمرأة في التاريخ الحديث وعندما هاجمت المجتمعات استهدفت بالدرجة الأولى المرأة للقضاء على قيم المجتمعات وبناء نظام سلطوي ومهيمن من خلال استعباد المرأة يصلون إلى استعباد المجتمع برمته ومن أجل حل مشكلة السلطة ينبغي على الشعب أن يتحرر من الذهنية السلطوية والذكورية المهيمنة وعلى المرأة نيل حريتها وتوعية نفسها فهو الطريق السليم لحرية المجتمع وإذا أردنا وصف شعب بأنه متحضر ومتطور فإن مستوى حرية المرأة فيه تعتبر المقياس الأساسي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار ومشاركة المرأة في الحياة واتخاذ القرار حينها يمكننا وصف هذا المجتمع بالحضاري والحر.

إننا محظوظات جداً كنساء هذه الأرض الطيبة، ففي هذه الأرض خلقت أولى الحضارات بأيدي أمهاتنا وبني أول نظام عادل من قبل جداتنا وما علينا أن نربط حاضرنا بماضينا ونبدأ بكتابة حكاياتنا بأقلامنا ونغني أغنيتنا التي طالما حرمنا منها بأعلى أصواتنا، وحان الوقت لتفجير الطامة الكامنة في المرأة وتسخيرها في نضال السلام والديمقراطية وانتقام المرأة من العبودية والسلطة المفروضين عليها على مدى آلاف السنين. فلتنظم كافة النساء لانتصار الحرية والسلام للمرأة لأنها وحدها المرأة قادرة على خلق التوازن بين الأخلاق والسياسة.

زر الذهاب إلى الأعلى