مقالات

ثورة المرأة شرطٌ أساسيٌّ لإنجاز الثّورة الشّرق أوسطيّة

تعتبر قضية المرأة من أهم القضايا المجتمعية التي تشهدها منطقتنا، فهي مازالت تُقتل، تُرجم، تُختَن، تُضرب، تعنّف، وتُعَدُّ من ممتلكات الرجل.

الكل يتفرج بصمت على سقوط المرأة يومياً، دون الإدراك بأن سقوطها يعني سقوط الرجل أيضاً، مما يعني سقوط المجتمع بأكمله.

فكيف لنا أن نقول عن مجتمع بأنه حرٌّ وتسوده الديمقراطيةُ والقيم الوجدانية ومازالت المرأة فيه مسلوبة الإرادة مهضومة الحقوق؟؟.

بل كيف يمكننا من أن ننشئ جيلاً واعياً في مجتمعٍ والمرأة فيه معدومة الثقافة والتعليم؟؟

عن أية عدالة ومساواة نستطيع أن نتحدث إذا لم تكن المرأة تتمتع بكامل حقوقها في المجتمع بعيدةً عن التهميش والحرمان؟؟

لن نكون من المبالغين لو قلنا: إن السبب الأساسي في تخلف مجتمعاتنا وافتقاد الأفراد فيها لقوة المعنى والحقيقة، هو وضع المرأة المأساوي.

لذلك عندما نسأل من أين نبدأ؟ أول ما يجب أن يخطر ببالنا هو أن ندرك بأنه لا حياة كريمة ومشرِّفة مع امرأة حطَّ من شأنها إلى هذه الدرجة، وأن السبيل الصحيح للخلاص نحو حياة حرة هو التحلي بالتحليل والممارسة بالإدراك والإحساس بأن نمط الحياة القائمة مع المرأة حالياً هو نمط يُغرِق الكل في العبودية حتى النخاع.

لقد تحولت المرأة في مجتمعنا إلى آلةٍ لإنجاب الأطفال ويتم إنهاك قوَّتها لكثرة الإنجاب ويتآكل جسدها سنة بعد سنة فيتم ولادة جيل جاهل محروم حتى من أبسط مقومات الحياة، وما زالت العقلية القبلية والعشائرية تتحكم بها وتخدعها وتدفعها نحو الإكثار من عدد الأولاد، وكأنه إذا كثر عددنا كشرق أوسطيين نكون أقوياء؛ لأن مفهومنا للقوَّة هو مفهوم كمي وليس نوعي ونتناسى أن العدد لم يَعُد له قيمة أمام قوة العقل.

من كل ما سبق نستخلص بأنه هناك حاجة ماسَّة للبحث عن نظام آخر للحياة يُرتِّبُ العلاقة بين الرجل والمرأة والمجتمع من جديد في كافة المجالات ويُنظَمُها ونخصّ بالذكر السّاحة السّياسيّة الّتي لَطالَمَا عُرفت ورُبطت بأجهزة السّلطة والدّولة الّتي تربّعت فوق المجتمع وقيمه بكلّ ثقلها, بل كبّلته إلى حدّ الشّلل.

في المجتمع الكردي وجدنا أن أحد الأسباب التي تُبقي على مجتمعنا متخلفاً هو وضع المرأة، والثورة الفكرية حصلت فيه عندما انطلق القائد المفكر عبدالله أوجلان من المبدأ الذي يقول أن “حرية المجتمع تمرُّ من حرية المرأة”.

لذا وخلال عشرات السنين تشكلت ثقافة جديدة في مجتمعنا، وبعد العام ٢٠١١ طرأت تغييرات على الوضع السوري، وفُتح المجال أمام هذه الثقافة لتتحول إلى نظام يترسخ عَمَلياً وهذا ما أكّده عملها في النضال الّذي اجتاز أعوامه الثّمانيّة, بأنه لا يمكن لثورة أن تتحقق من دون المرأة وجهودها، ونراها اليوم تتصدر دفة القيادة وتتواجد بقوّة في كافة المجالات وتبوأت مقاليد مهمة في الإدارات, ولعبت دورها الفعَّال في كافّة السّاحات ونظّمت نفسها وتخطّت حاجزَ التهميش الذي كان مرسوماً لها سابقاً, ومما لا شك فيه أن للمرأة الكرديّة دوراً بارزاً في ترسيخ النّظام الّذي خلق ثورةً مجتمعيّةً بامتياز, واستطاعت أن تكون الأيقونة والمثال الّذي يُحتذى به.

ففتيات سوريا اللواتي كنّ في المرتبة الثّانية اجتماعيّاً, بل ومهمّشاتٍ أصبحن الآن يتصدّرن السّاحة العسكريّة, واستطعن كسرَ شوكةَ داعش الّذي يشكّل خطراً على العالم بأسره, وما كانت ملحمة (آرين ميركان) إلّا أسطورةً لِعَظمَةِ المرأةِ الّتي استطاعت أن تهزم إرهاب داعش وإيقاف مدِّه الاحتلالي, مما جعل من وحدات حماية المرأة البيئة الحاضنة لوجود المرأة الحرّة الّتي تحارب وتناهض كافّة المشاريع الّتي تعتمد على فرض عبوديّة المرأة, بل حتى تكون السدّ المنيع أمام أيّة هجمةٍ على وجود المرأة ككيان.

ومن هنا نرى نسبة الانضمام المتزايد لصفوف وحدات حماية المرأة ومن كافّة المكوّنات المتواجدة في شمال وشرق سوريا, لأنّها باتت تعلم أنّ الحماية والتنظيم هو طريق الخلاص الوحيد من الحالة الّتي فُرضت عليها, وهي القّوة الرّادعة للمشروع الّذي يحاول داعش أن يفرضه على المجتمع عامّةً والمرأة خاصّة.

في شمال وشرق سوريا انطلقت المرأة بالعمل على الأسس السّياسيّة والأخلاقيّة المقترنة بالوجدان, وتصدّرت هذا المعترك وتواجدت فيه بشكل فعال جداً, إيماناً منها بقوّة السّياسة والأخلاق الّلذان يؤدّيان معاً دوراً أساسيّاً في استراتيجيّة إحداث التّغيير في المجتمع.

هذا العمل الّذي كان حِكراً على الرّجل, تقصداً من المهيمنين على هذه السّاحة بإبعاد المرأة عنها، لكنّها عملت فيه وتسلّمَت زمام المبادرة، وهي الآن تنظّم نفسها في نظام الإدارة الذّاتيّة المتمثّل بالمجالس والكومينات بنسبة ٥٠٪, المرأة التي كانت تقبع بين جدران المنزل نظمت نفسها ضمن نظام العدالة أيضاً، وفتحت أكاديميات خاصة بها للعمل من أجل ضمان حقوقها في كل المجالات.

فثورة المرأة في شمال وشرق سوريا عَمِلت على تحليل الحياة الاجتماعية من جديد، وبدأت بتعريف العلاقة بين المرأة والحياة، المجتمع، الحرية، وبين الحياة ومعنى الشيء، وبين الحياة الاجتماعية والطبيعة، فبالتالي بين المرأة والرجل وخيرُ دليلٍ على هذه المعادلة هو تمكين وتكريس مبدأ المناصفة في كل المجالات.

أيضاً يعتبر نظام الرئاسة المشتركة من أحد الإنجازات والخطوات المهمة التي تحققت، بدءاً من أصغر كومين إلى أكبر مجلس يتم إدارته عن طريق رئاسة مشتركة بين الرجل والمرأة.

فوجود المرأة في هذه الساحة تحديداً هو حلٌ للقضايا الاجتماعية، لأن وجودها ضمن جهود الوصول إلى الحرية والمساواة يعتبر أساساً لطريقة البحث الصحيح، كون البحث الذي تُستبعد منه المرأة لا يمكنه أن يصل إلى الحقيقة ولا يمكن أن يحقق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

فمبدأ المناصفة تجاه الذهنية الذكورية التي كانت دائماً مبنية على إلغاء وجود المرأة، والنضال في وجه هذه الذهنية لتغييرها والتحرر من الوضع المُعاش سيكون عمليةً للقضاء على العَمَى الموجودة بصدد المرأة وتحقيق حركة تنويرية ونهضة فكرية في هذا القرن.

من هنا نستطيع التأكيد على أن نضال المرأة استطاع الوقوف في وجه السياسات الاحتلالية التي مرَّت بها المنطقة، فالمرأة دافعت عن أرضها أمام الهجمات التي استهدفت المنطقة، وخاصة المرأة العفرينية التي ناضلت أمام الاحتلال التركي الذي استخدم أكثر الأسلحة تطوراً، ومقاومة بارين كوباني وافستا خابور عنوان لهذا الشيء، والآن تناضل المرأة العفرينية وتُنظِّم نفسها بعيداً عن موطنها الذي لا يتجاوز عَشْرةِ كليومترات عنها إيماناً منها ورفضاً لاحتلال موطنها الذي اغتصب في ظل صمت عالمي، وتسعى للعودة إليه (إلى عفرين) بعد التحرير، والعودة إلى الحياة التي كانت قد عَمِلتْ على ترسيخها وفق مبدأ العيش المشترك وأخوَّة الشعوب.

في النظام الذي يُعمَل به في شمال وشرق سوريا “نظام الإدارات الذاتية” يتم إنشاء العلاقات الحُرَّة وتطوير شكل العيش المشترك على اُسس المساواة بين الجنسين، أي لا تكون الأولوية للتقاليد المحافظة المتشددة والعادات التي كبَّلتْ المرأة وإنما الأولوية للقواعد الأخلاقية للمجتمع الديمقراطي، والقِيَم الديمقراطية الأساسية واعتبار حقوق المرأة أساسية فيما يخص الحقوق السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، الفنية والقانونية وخاصة بعدما تم طرح قانون المرأة الذي بدوره أحدث تغييرات كبيرة في مسار حياة المرأة مُخلّفاً وراءه المؤسسات والهياكل التي كانت تضع حدوداً لحرية التنظيم والتعبير لدى المرأة.

فمن خلال تجربتنا القصيرة عَرَفْنا بأنه يستحيل تحرير الحياة في مجتمعنا ما لم تعش ثورة نسائية جذرية، وبالتالي ما لم يتحقق التغيير الجذري في عقلية وحياة الرجل؛ فإننا بحاجة إلى نساءٍ ورجالٍ جُدُدٍ يؤسسون لحياة نِديَّة حرة بعيدة عمَّا فرضته الحداثة الرأسمالية علينا.

فالحداثة الديمقراطية في منطقتنا يجب أن تُبنى بعقل وعاطفة وفَراسة المرأة الحرة والرجل الحر معاً.

فقط بهذا الشكل يمكن أن نحقق النهضة وأن نحقق شرق أوسط حر وواعد يليق بأمجاد تاريخه العريق.

زر الذهاب إلى الأعلى