تقاريرمانشيت

بولات هركول رمز الوطنية وأيقونة النضال

بولات هركول اسمٌ كان يحمله مهدي شاكر عبدي، أحد أبطال ومناضلي ثورة كردستان المعاصرة، قضى سنين حياته في النضال والسعي من أجل حرية شعبه ووطنه، اعتقل على يد السلطات السورية والتركية، حارب ضد الجيش التركي، ناضل بين صفوف الشعب، وعمل في المجال الدبلوماسي، وكان مثالاً للمناضل المقرب من الشعب على مدى 28 عاماً متواصلة من النضال.

ولد المناضل الثوري مهدي شاكر عبدي، الاسم الحركي: بولات هركول في مدينة قامشلو بتاريخ الثالث من شهر حزيران عام 1967، في كنف عائلة وطنية متوسطة الحال، مهتمة بالقضية الكردية منذ أعوام الخمسينيات، وهو الأبن الأصغر لعائلة تضم 9 أفراد.

يعود أصل عائلة عبدي إلى باكور كردستان؛ حيث هاجر الوالد شاكر عبدي وزوجته فاطمه سليمان إلى روج آفا كونه كان مطلوباً للتجنيد من قبل الدولة التركية مع أنه وحيد والديه، سكنوا في بداية الأمر في قرية (خربة جحيش) حيث زرقوا بالأولاد، ومن هناك انتقلوا إلى حي قناة السويس في مدينة قامشلو ليتمكن الأولاد من إكمال دراستهم، ومن هناك انتقلوا إلى الحي الغربي.

خلال فترة دراسته كان المناضل بولات يساعد والده في أعمال البناء بعد انتهاء دوام المدرسة، وفي تلك الفترة تعرف على بعض كوادر حركة الحرية عندما كان يدرس المرحلة الثانوية. وعن طريقه تعرفت العائلة أيضاً على حركة الحرية.

انضم المناضل بولات إلى حركة الحرية عام 1987 بعد إنهاء دراسته في المرحلة الثانوية وتلقى دورة تدريبية في أكاديمية معصوم قورقماز في لبنان.

وبعد إكمال الدورة التدريبية عاد إلى قامشلو ليعمل في مجال الفعاليات الاجتماعية والتنظيمية، حيث كان كادراً مخلصاً ومتفان في عمله يتحلى بروح المقاومة، ليس لديه وقت للراحة، يضع جل وقته في خدمة الحركة والقضية. وبعدها في عام 1988 التحق المناضل بولات بقوات الكريلا في باكور كردستان، و بعد التحاقه انضمت شقيقته جليلة شاكر، الاسم الحركي: هيلين كرزان إلى الحركة عام 1990 وانخرطت في الفعاليات السياسية في مدينة قامشلو، متأثرة بنضال شقيقها بولات، رغم أنها لم تكن قد أنهت دراستها الاعدادية. ومع تصاعد الحرب في كردستان أصرت هيلين على التوجه إلى جبال كردستان، وفي عام 1991 دخلت كردستان الجنوبية، شاركت في الفعاليات السياسية في مدينة دهوك، وكانت من مؤسسي حزب الحرية الكردستاني PAK حيث اختيرت بين رفاقها من قبل الحزب لقدراتها الفعالة في اقناع الشعب وثقافتها الواسعة.

وخلال اشتباكات عنيفة مع الجيش التركي بتاريخ 3/6/1995 التحقت هيلين مع 27 من رفاقها بقافلة الشهداء في منطقة بدليس في شمال كردستان.

في 1991 أصيب بولات في إحدى المعارك ضد القوات التركية في جبل هركول، وتم نقله بعدها إلى مدينة شرناخ ومنها إلى باشور كردستان للمعالجة، واستغرق وصوله إلى باشور 16 يوماً كاملاً، وذلك عن طريق صادق عمر أحد قيادي الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن هناك تم نقله إلى مدينة ديرك في روج آفا، ومنها إلى مشفى نافذ في قامشلو، ليتم نقله بعدها إلى مشافي مدينة حلب، هناك تم بتر أصابع قدمه بسبب إصابتها بالغرغرينا. بعد أن تعافى من جراحه بدأ بتنظيم النشاطات في مدينة حلب، رغم شعوره الدائم بالألم بسبب قدمه المصابة.

التحق بعدها المناضل بولات من جديد برفاقه في جبال كردستان عام 1993 حتى عام 2000.

خلال عامي 2001 – 2004 انتقل المناضل بولات إلى مخيم مخمور في باشور كردستان لتدريس طلاب المخيم، وفي أواخر عام 2004 عاد إلى جبال كردستان في منطقة دولا كوكى حتى ربيع عام 2005. وفي نفس هذا العام عاد إلى روج آفا حيث كان يقيم النشاطات والفعاليات فيها ضد السياسات الشوفينية والانكار التي كان يتبعها حزب البعث ضد الشعب الكردي.

اعتقلته السلطات البعثية في 8 آب عام 2005 من قبل فرع أمن الدولة، حيث تم تحويله إلى حلب ومنها إلى فرع الأمن سياسي في دمشق، تعرض خلال فترة اعتقاله لجميع أنواع التعذيب، وبعد إطلاق سراحه في ربيع 2006 ذهب مجدداً إلى جبال كردستان وهناك تم تأسيس KCK ROJ AVA وعند الانتهاء من عقد المؤتمر عاد المناضل بولات إلى روج آفا من جديد في 11أيلول عام 2006 حيث اعتقل من قبل السلطات البعثية للمرة الثانية يتم تحويله إلى المحكمة العسكرية في القابون التي طالبت بسجنه 46 عاماً، وعندما لم يتم أثبات أي تهم ضده بعد تقديم الوثائق والثبوتيات فقد أعيدت محاكمته من جديد ليحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، وقضي عقوبة سجنه في صيدنايا بتهمة الانضمام إلى تنظيم سياسي محظور، والعمل على اقتطاع جزء من سوريا وإلحاقه بدولة أجنبية.

وبعد انقضاء مدة سجنه تم اطلاق سراحه في 16 أيلول عام 2008، ليتوجه بعدها المناضل بولات إلى تركيا بهدف الوصول إلى أوروبا لمواصلة نضاله هناك، وعند وصوله إلى تركيا ألقي القبض عليه من قبل السلطات التركية في 26 تشرين الثاني عام2009، وقضى 9 أشهر في سجن مال تابه في إسطنبول. وبعدها تم ترحيله إلى سوريا وتسليمه إلى السلطات البعثية، وتم تقديمه إلى محاكمتين في سوريا واحدة في مدينة قامشلو من قبل محكمة الفرد العسكري بتهمة تجاوز الحدود، والثانية في حلب بتهمة الانتساب إلى تنظيم سياسي محظور، أما السلطات التركية فحكمت عليه بالسجن المؤبد غيابياً بتهمة انتسابه إلى حزب العمال الكردستاني.

وبعد الإفراج عنه توجه مجدداً إلى جبال كردستان ثم عاد وتابع نضاله في روج آفا وليتوجه منها إلى لبنان في أواخر عام 2011 ليتابع نضاله هناك، وكان مسؤولاً عن إقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية في لبنان، وقد استمر نضاله هناك لمدة ثلاث سنوات.

وفي بداية عام 2014 عاد إلى روج آفا للمشاركة في ثورة روج آفا، وأثناء تواجه في مقاطعة الجزيرة استشهد المناضل شيار قامشلو وهو ابن شقيقته زبيدة شاكر في مدينة تل تمر خلال المعارك ضد مرتزقة داعش. وكان شيار قامشلو انضم إلى حركة الحرية في عام 2000بعد اعتقال قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان وتوجه إلى جبال كردستان، وبعد انطلاقة ثورة روج آفا عاد هو و مجموعة من رفاقه إلى روج آفا للانضمام إلى الثورة.

وفي 21 أيلول عام 2015 توجه المناضل بولات إلى دولة الامارات العربية المتحدة، لإقامة العلاقات مع دول الخليج وفي 24 تموز عام 2016 عاد إلى روج آفا وفي يوم 27 تموز من نفس العام استشهد في العملية الإرهابية التي استهدفت مدينة قامشلو، وشيّع جثمانه إلى مقبرة الشهيد دليل ساروخان.

لم يعرف الملل ولم يبالي بالصعاب

على درب النضال في حركة التحرر الكردستانية تعرف العديد من كوادر الحركة على المناضل بولات وبينهم رفيق دربه زوهات كوباني الذي قال عن بولات “إنه ذاكرة في تاريخ الحركة الإنسانية”. وقال أيضاً “لم يكن يبالي بالصعوبات، كان يجد الحلول للجميع، أسلوبه في الحديث كان جذاباً يتحدث ببساطة ويمنح الروح المعنوية لكل من حوله”، كان يصطحبنا إلى الاجتماعات رغم صغر سننا.

الشقيقة ميديا شاكر التي توجهت إلى أوروبا مع قسم من العائلة نظراً لتعرضهم للمضايقات من قبل أجهزة الأمن السورية تحدثت أيضاً عن بعض خصال شقيقها.

حيث قالت: “كان للرفيق بولات مكانة مميزة في العائلة، رغم صغر سنه كان يساعد والدي في العمل إلى جانب دراسته في المدرسة، كان جريئاً؛ وتمكن من إقناع العائلة بأفكار حركة الحرية. كان يصحبنا أنا وشقيقتي الشهيدة هيلين إلى الاجتماعات رغم صغر سننا”.

شجعني الرفيق بولات على الانضمام إلى الشبيبة

“جيان خليل” ابنة شقيقة المناضل بولات تقول: “إن المناضل بولات كان أكثر من صديق بالنسبة لها، “كنت أنظر إليه وأقول في نفسي ’كيف سأصبح مثله، لن أنسى ابداً مناداته لي باسم ’جيانكي”.

كان فلذة قلبي وأصبح فلذة قلب الملايين

الأم “فاطمة سليمان خليل” بدأت حديثها بالقول: “يا ابنتي لن اتجرأ على الحديث عن بولات كونه كان الكون كله”، وأردفت “أخذ حب عائلته ووزعه على جميع من تعرف عليهم في الحركة، عندما ودعنا قَبَّلَ يدي وأنا أنظر إليه وأقول” كيف لك أن تتركني يا صغيري”، ولكن بحسن تعامله واحترامه كان يقنع من ينظر إليه”.

لم يكن ملكنا بقدر ما كان ملك الشعب

الشقيقة الوسطى “مريم شاكر عبدي” تقول:” إن بولات لم يكن لهم بقدر ما كان للشعب” اتذكر يوم التحاقه بالحركة عندما جاء ليودعنا، اتذكر عندما رفض والدي توديع بولات إلا أنه تراجع أخيراً وودعه وقلنا له جميعاً رافقتك السلامة”.

عندما كان المناضل بولات يتلقى العلاج في حلب ذهبت شقيقته مريم لمساعدته إلا أن أهالي حلب من الوطنيين طلبوا منها العودة وقالو لها إن بولات ابنهم وهم سيهتمون به.

لم أتعرف على إنسانيتي إلا بعد أن تعرفت على الحركة

فوزي عبدي أكبر أشقاء بولات وهو الذي اهتم برعاية عائلته بعد وفاة والده. فوزي يتحدث عن بولات والدمعة تلمع في مقلتيه “كان يتحدث لوالدي عن الوطنية ولماذا لم يكن لدينا وطن، كان شجاعاً يعتمد على نفسه في جميع المحن والظروف لا يقف حائراً أمام المشاكل.”

يتذكر الشقيق فوزي الفترة التي كان المناضل بولات قد اتخذ قراره بالانضمام للحركة “جلسنا معاً وتحدثنا، وخلال حديثه قال لي:” هل تعرف يا أخي إنني لم أشعر بإنسانيتي إلا بعد أن تعرفت على الحركة” وقتها نظرت إليه بحنان وقلت له ’رافقتك السلامة يا أخي”.

وأنهى الشقيق الأكبر حديثه بمعاهدة جميع الشهداء على المضي قدماً على دربهم حتى تحقيق النصر وتحرير الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى