المجتمع

انتشار ظاهرة الملابس العسكريّة بين المدنيّين

تقرير: عامر طحلو

“لكلِّ زمنٍ رجاله”, هذا المثل له مدلولاتٌ كثيرة, فهو أحياناً يدلّ على أشخاصٍ غيّروا مفاهيماً عامّةً وقسريّةً كانت مفروضةً على مجتمعاتهم, كالثّائرين على المستعمر لبلادهم والمحرّرين لها, وأحياناً أخرى يُقصد بهذه العبارة أشخاصٌ أضافوا أفكاراً وأشياءً إلى تاريخ الإنسانيّة تستفيد منها كافّة البشريّة, كالطّبيب الذي يكتشف دواءً لداءٍ فتك بكثيرٍ من المصابين به, أو يُقصد بها شخصٌ حفر اسمه على جدار التّاريخ كبطلٍ أو مخترعٍ أو قائد.

على مرّ العقود الماضية؛ وفي منطقة الشّرق الأوسط عانت الشّعوب من الاستعمار والاستبداد والظّلم, وأصبحت هناك فروقٌ طبقيّة وطائفيّة ودينيّة, وعانت هذه الشّعوب من أنظمة الحكم التي كانت تحكمها ومازالت, ولأنّ منطقة الشّرق الأوسط تتميّز بتنوع الشّعوب والطّوائف, ونتيجةً للمعاهدات والمصالح الدّولية, كانت طائفةً واحدةٌ تتحكم بخيرات هذه المنطقة دون غيرها من الطّوائف, فتُمارس الظّلم والمَحْيِي بحقّ غيرها, وساد مفهوم الدّولة القوميّة, والدّولة المذهبيّة الدينيّة.

تحت مسمّى العروبة محت القوميّة العربيّة بقيّة النسيج الشّعبي المتنوّع الّذي يتميّز به الشّرق الأوسط, وتحت شعار التشيّع الدّيني مارست إيران المجازر بحقّ السنّة, وتحت مسمّى المذهب السنّي محت الدّول السنيّة باقي المذاهب.

أمّا أعتى ممارسات الاستبداد والعنصريّة وإلغاء الآخر, فقد مارستها الدّولة التّركيّة العثمانيّة الطورانيّة بحقّ الشّعب الكرديّ, فهي وبمختلف حكوماتها؛ ومنذ تأسيس جمهوريتها الإرهابيّة, تعاني من فوبيا كرديّة, بحيث أنها مستعدةٌ أن تحارب كلّ من هو كرديّ, وفي أي رقعةٍ من هذا الكون.

ولكنّ الكرد أثبتوا أنّهم شعبٌ مقاوم, ولا يستكين للظّلم, فمع ولادة فيلسوف الأمّة الكرديّة والإنسانيّة جمعاء القائد “عبد الله أوجلان”, وتأسيسه لحزب العمّال الكردستاني في كردستان تركيا, وإعلانه عن الكفاح العسكريّ والفكريّ على كلّ أشكال الاستبداد والظلم في العالم, والّتي كانت تجري في دماء الحكومات التّركيّة المتعاقبة على وجه الخصوص, تغيّرت المفاهيم السّياسيّة والمجتمعيّة التي كان أساسها الظّلم والاستغلال وتقييد الحرّيات وإلغاء الآخر, وغَدَتْ فلسفة، وفكر القائد “عبد الله أوجلان” مَرجَعاً ومادةً تُدرّس في ميادين السّياسة لدى الشّعوب الحُرّة, وعلى الرّغم من اعتقاله من قبل الدّولة التّركيّة الإرهابيّة, وسَجنِهِ منذ ثمانية عشر عاماً, ازداد انتشار فكره وفلسفته بين الشّعوب, وما الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات عن الطّعام التي تقوم بها الشّعوب الحرّة في مختلف بقاع الأرض  من أجل حريّة هذا القائد؛ إلا أكبر دليلٍ على عَظَمَتِهِ, حتّى أن  الشّمال السّوري بكافّة مكوّناته وأطيافه بات يتّخذ من أفكار القائد أساساً لنيل الحريّة والدّيمقراطيّة. من خلال اتّخاذ هذه الشّعوب لمشروع النظام الفيدراليّ المستمدّ من فلسفة الأمّة الدّيمقراطيّة التي وضعها القائد طريقاً للخلاص من الظّلم والاستبداد, وإثبات أنّ هذا المشروع هو الحلّ الوحيد والمناسب للأزمة السّوريّة, والتفاف كافّة شعوب وطوائف الشّمال السوري حول هذا المشروع الّذي يضمن لها السّلام والأخوّة والعيش المشترك, وقد اتّخذت هذه الشّعوب من القائد رمزاً للحريّة والإنسانيّة, إذاً فرجل هذا الزّمان هو القائد “عبد الله أوجلان”.

بعد تأسيس وحدات حماية الشّعب والمرأة, ومن ثمّ قوّات سوريا الديمقراطيّة, وضمّت هذه القوّات كافّة أبناء وبنات مكوّنات الشّمال السّوري  من أجل تحرير أرضهم من رجس الإرهاب, فانسحق الإرهاب تحت أقدام هؤلاء المقاتلين, وسطّروا أروع ملاحم البطولة والتضّحية في ميادين المعارك, وقدّموا آلاف الشّهداء, وتحررت مدن الشّمال السّوري من “داعش “و”أخواتها” واحدةً تلو الأخرى, وأصبح هؤلاء المقاتلون مثل فيلسوفهم القائد “عبد الله أوجلان” رجال هذا الزّمان, وباتت قصصهم وبطولاتهم تُروَى في كافّة دول العالم, ناهيك عن المقاتلين الأمميين الأحرار اللَّذِينَ التحقوا بصفوف هذه القوّات ومن كافّة الجنسيّات, إنّهم رجال ونساء الشّمس والنّار, إنّهم صانعوا النّصر والحريّة.

ولأن الأطفال والشّباب وحتّى الكبار بطبيعتهم يتأثرون بالأفلام والقصص, ويقلّدون الأبطال فيها, من خلال السلوك والملبس, باتت أزياء هؤلاء المقاتلين موضة العصر في مختلف الدّول, فأصبح الشباب يُقبلونَ على شراء ملابسهم لأنها تمنحهم شعوراً بالفخر والقوّة.

ففي مدن ومناطق روج آفا والشّمال السوري زاد الطّلب على الزيّ العسكريّ بين المدنيين, سواءً كان بنطال أو سترة أو معطف, وتجد محلّات الألبسة تُعرَضُ فيها الأزياء العسكريّة في واجهاتها.

هذه الظاهرة أو الموضة انتشرت منذ سنوات في مدن ومناطق روج آفا, ولذلك، أرادت صحيفة “الاتّحاد الدّيمقراطي” أن تسلّط الضوء عليها, ومن أجل ذلك قامت بإجراء عدّة لقاءات مع بعض المعنيّين بهذه الظاهرة.

ازداد الطلب على اللباس العسكري:

بشير أبو محمد من أقدم تجّار “البالة” في قامشلو قال لنا:

أعمَلُ في تجارة “البالة” منذ فترة طويلة, وقبل هذه الأحداث التي تمر على المنطقة كانت الملابس ذات اللون العسكريّ غير مرغوباً بها لدى الزّبائن, حيث كان الزّبون يعلّق بأن هذا البنطال أو المعطف يشبه ملابس الشّرطي, أريد لوناً آخر.

وتابع بشير: أمّا في هذه الفترة ومنذ ثلاث سنوات وإلى الآن ازداد الطّلب على الّلباس ذو اللون العسكري, وبالأخصّ من قبل الشّباب والبنات, وهم على الأغلب يريدون ملابس تشبه لِباسَ الـYPG-YPJ , وذلك بسبب بطولات هؤلاء الّلذين دافعوا عنا وقاموا بحمايتنا من الإرهاب, وهزموا داعش, ونشروا الأمن والسّلام في مناطقنا, وحتّى الطّفل الذي يكون أبوه أو عمّه أو خاله يقاتل ضمن هذه القوّات, يريد شراء لباسٍ يشبه لباسهم.

ونوّه بشير: صراحةً, حتّى نحن الكبار نُفضّل الّلون العسكريّ على غيره من الألوان, لأن اللون العسكري جميل, ونحيِّي قواتنا البطلة, ونترحّم على الشّهداء.

اللباس العسكري يمنح شعوراً بالفخر والاعتزاز

واتّجه مراسل الصّحيفة إلى مَشغَلِ “وارشين للخياطة” التّابع لمؤتمر ستار, والتقى هناك بالمسؤولة عن المشغل “إيمان عبد الهادي” الّتي قالت لنا:

“مَشغَلُنا مدني, ونؤمِّن الطلبيّات العسكريّة, كما نقوم أيضاً بخياطة وتجهيز ملابس الهيئات والمؤسّسات, ونرفد أسواق الشّمال السّوري بالبضاعة, وهذا المشغل هو مشروع ممتاز لتشغيل المرأة وتعليمها مهنة الخياطة”.

وعن انتشار موضة الملابس العسكريّة أوضحت إيمان:

إنّها ظاهرة منتشرة بين الصّغار والشّباب وحتّى الكبار سواءً كانوا رجالاً أم نساءً, فالأطفال بغريزتهم يقلّدون الأبطال, ولذلك فهم يجدون مقاتلي الـYPG-YPJ   وقوّات سوريا الديمقراطيّة أبطالاً, فيقلدونهم في الحركات واللباس, لذلك يطلبون من أهاليهم لباساً يشبه لباس أبطالهم المفضّلين.

أمّا بالنسبة للبنات والشّباب, فطلبهم ازداد على اللباس ذو الّلون العسكريّ, وخاصّةً لباس قوّاتنا البطلة, لأن الجميع يعرف أن هؤلاء قد قَضَوا على أقوى الإرهابيين, وحرّروا مناطقنا من رجسهم, ونشروا الأمن والسّلام فيها, وهم من خلال التشّبه بهم بالملابس؛ يعيشون بطولاتهم وتضحياتهم, ويعتبرونهم قدوة لهم, ويتمنّون أن يكونوا معهم في ساحات الوغى.

واختتمت إيمان حديثها قائلةً: حتّى نحن البنات في المشغل نفضّل الّلون العسكريّ للملابس على الألوان الأخرى, وعندما نلبس  الّلباس العسكريّ فذلك يمنحنا شعوراً بالفخر والاعتزاز بهذه القوّات.

نلبس اللباس العسكري لأننا نحب الـ YPG-YPJ

وفي نفس السّياق التقت الصّحيفة مع “هدى عبد الله” من بنات قامشلو, واستفسرت منها عن انتشار موضة الألبسة العسكريّة, فأوضحت قائلةً:

“أنا عن نفسي أحبّ الّلباس العسكريّ لأنه جميل, ولأنّني أحبّ مقاتلي الـ YPG-YPJ, لأنّهم يحموننا, وقضوا على الإرهاب في المنطقة, وضحّوا بدمائهم من أجلنا, ومعظم رفيقاتي تفضّلن اللباس العسكري على غيره, وهنّ يشاركنني نفس الشّعور, وعندما ألبس الّلون العسكريّ أشعر بالقوّة والفخر والاعتزاز”.

كلمة المحرّر

الإنسان بطبيعته يحبّ أن يجده الآخرون مميّزاً وأنيقاً في ترتيبه ونظافته ولباسه, لذلك يبحث عن كلّ شيء جميل ومميّز, سواء كان الّلباس، أو تسريحة الشّعر، أو الحذاء, وبصراحة: الّلون العسكريّ لونٌ جميلٌ ومميّزٌ, فمن حيث طبيعة الّلون فهو يتّجه نحو الألوان الغامقة, واللون الغامق لونٌ جميلٌ ومهيبٌ بعكس الألوان الفاتحة, وهذا رأيي الشّخصيّ, والناس أذواق, فهناك من يفضّل الألوان الفاتحة, ومن حيث المعنى فالّلون العسكريّ يمثّل  ألوان لباس قوّاتنا الّتي هَزَمَتْ الإرهاب, لذلك عندما نلبس الملابس العسكريّة, فهي تمنحنا شعوراً بالثقة لأنّها جميلة ومميّزة, وتمنحنا إحساساً بالقوّة والفخر والاعتزاز لأنّها تشبه ملابس قوّاتنا, حتى أن هناك بعض الشّباب عندما يلبسون اللباس العسكري يتمنون أن يَحسَبَهُمُ النّاسُ من وحدات حماية الشعب والمرأة, وذلك لأن هذه القوّات تُعتَبَر الحامي للأرض والعرض, وبطولاتها وصلت صداها إلى كافّة أصقاع العالم.

إنّ هذه القوّات حاربت الإرهاب نيابةً عن العالم أجمع, وهم أبطالٌ حقيقيون, أثبتوا بطولاتهم في الواقع, فإذا كان الإنسان يتأثّر بأبطال الأفلام الهوليوديّة التي تٌعتبر تمثيلاً, أو ينبهر ببطولاتٍ وهميّةٍ لشخصيّاتٍ خياليّةٍ, فكيف لا يعشق أبطالاً حقيقيّين حاربوا عصاباتٍ مارست أفظع الجّرائم بحقّ الإنسانيّة على مرّ التّاريخ, وهزموها شرّ هزيمةٍ, ألم تَنقِش “آرين ميركان”  اسمها على جدران التّاريخ كبطلةٍ أسطوريّة؟, ألم يُخلد التّاريخ اسم الشّهيد “فيصل أبو ليلى” في ذاكرته, وأسماءٌ كثيرةٌ أخرى مثل (سيدو ودف رم و شيلان وفيان), هؤلاء هم الأبطال الحقيقيّون, ويستحقّون أن ننبهر ببطولاتهم, ونتّخذهم قدوةً ورمزاً للبطولة.

زر الذهاب إلى الأعلى