المجتمع

المونة الشتوية في ظل الظروف الحالية

بعيداً عن السياسة والصراع والقتال ضد الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش،  والأوضاع التي تمر بها منطقتنا، والغلاء الفاحش، والدولار المسيطر على التجار وأصحاب المصانع والمعامل ولا سيما أن مدننا وقرانا تُعتبرُ كنزاً كبيراً بعاداتها وتقاليدها وموارِدِها، والآن نحن في نهاية  فصل الصيف وبداية الخريف؛ حيث أغلب العوائل ذوي الدخل المحدود يتوفر لديها القليل من الخرجية،  ونحن نستغل هذا الفصل بتحضير المونة للشتاء كتحضير الجبنة وتجفيف الخضروات ودبس البندورة والمخللات بأنواعها …الخ لأنّ هناك شتاءٌ طويلٌ ينتظرنا، بالإضافة؛ فأن تحضير هذه المونة يُعتبرُ مساعدة مع رب العائلة من ناحية التقليل من المصاريف الأسرية، ويكون حفظ المواد ضرورة لاستخدامها على مدار السنة لأهدافٍ اقتصادية وغذائية تتعلق بالأسرة وأمنها الغذائي.

وتشمل المونة الكثير من أنواع الخضروات والعدس المجروش التي تصنع منه شوربة شهية في فصل الشتاء والبازلاء والبامية والملوخية والباذنجان وورق العنب بهدف استخدامها في المطبخ، وتحفظ إما عن طريق التبريد أو التجفيف . أو وضعها في ماء مالحة لأنها حافظة للمواد، كما ويُمَوِنُ الكرد أصنافاً أخرى مثل الألبان والأجبان والمحمرة والمربيات، فضلاً عن المخللات وأنواع الزيتون وزيت الزيتون والمكدوس.

ويُعتبرُ المكدوس من أحد أهم أصناف المونة الأساسية لكل عائلة، وتواظب العائلات السورية والكردية طبعاً في كل عام على تموينه لفصل الشتاء.

لهذا اخذت صحيفة الاتحاد الديمقراطي آراء بعض النساء من مقاطعة الجزيرة:

دلشا نذير عمر: مُدَرِّسة وربّة أسرة قالت: “يقتربُ فصل الصيف من النهاية حاملاً معه موسم المونة للعائلات السورية عامة وروج آفا خاصة وبالأخص القرويون منهم، لتبدأ التحضيرات لهذا الموسم السنوي المعروف بـ (موسم المونة) والمونة من التقاليد التي تتوارثها الأجيال لتطبيقها في كل عام، وتُعَدُّ من الثقافة والعادات الكُردية القديمة، ثم أردفت دلشا بالقول: “أتذكر كلام والدتي عن المونة وذبح الربيطة (درمالة) في بداية الشتاء، ودعوة جميع أفراد العائلة للمشاركة والمساعدة، وأخذ كل واحد منهم حصته، ومن بعدها تمليح اللحم الباقي بشكل جيد ووضعة في سِلالٍ أو قليها على نار هادئة وتتحمص وتسمى ما يدعى (القلي) تحسباً لقطع الطرق وصعوبة توفيرها والحصار خلال فترات الحروب عبر التاريخ،  وكذلك تتعلق بأنواع المأكولات المرتبطة بالتراث الكردي، كما اعتاد السكان على تخزين كميات كبيرة من مواد غذائية موسمية بكميات مختلفة حسب حاجة الأسرة ودخلها الاقتصادي، بهدف استخدامها خلال فترات أخرى من السنة كفصل الشتاء.

وفي الموضوع نفسه تحدثت أم دليل قائلة:

 “أنا امرأة ريفية أقضي معظم أوقاتي في خدمة منزلي وتأمين احتياجات عائلتي، فقمت بزراعة بستانٍ فيه جميع أنواع الخُضار لأسباب عدة؛ منها كونَ البستان الذي أزرعه تكون خضاره طازجة وطرية وطبيعية، لأنني أفضِّلُ الخضرة الطازجة على شرائها من الأسواق، وأيضاً لتأمين احتياجات المونة الشتوية؛ لهذا فأنني وبعد أن تنضج الخضار أقطفها وأصنع منها المونة كدبس البندورة ودبس الفليفلة والباذنجان والكوسا من أجل المحاشي، كذلك الثوم والبصل، فأنني أقضي الصيف كله في خدمة هذا البستان من أجل تأمين احتياجاتي وصنع مونتي الشتوية، بالإضافة إلى ذلك أبيع الفائض لأهالي قريتي بسعرٍ رخيص ومعقول من السوق، وبذلك أكون قد نفعت أسرتي وسكان قريتي؛ وأخيراً أنصح جميع النساء وخاصة اللواتي يعشنَّ في القرى والأرياف أن يزرعنَّ بساتين بأنفسهنَّ ويصنعنَّ مونتهنَّ بأيديهنّ.

السيدة نعيمة سلو حسن من تل معروف: تتباهى وهي مرتدية زيّها الكُرديّ وتتفاخر بين جاراتها لا أحد يفوقني في صنع المونة الشتوية، ولا سيما المكدوس، ويختلط حديثها وتدمع عيناها ولا سيما عند سماع مواويل حزينة تشبع حنينهم في اجتماعاتهم عند تحضير المونة، وحتى أنهم يتبادلون الحديث في السياسة وعن الأوضاع التي تمر بها منطقتنا، والغلاء المعيشيُّ، والحديث عن الهجرة والحرب، وتذكر الغائبين واشتياقهم للأكلات الكردية ولا سيما الجبنة والملوخية والبامية، بالإضافة إلى المخلل والمكدوس التي تصنعه الخالة نعيمة، وينتهي الحديث بدعوات النسوة بحفظ البلاد والعباد والرجاء بعودة الغائبين.

أما الخالة عالية يوسف: من حي قناة السويس بمدينة قامشلو:

تتذكر الخالة أقاربها وأولادها واشتياقهم للأكلات الكردية الشعبية وتقول: “إن صنع المونة من العادات الموجودة بين ربات البيوت في المجتمع الكردي أينما كان، وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها. واللافت للانتباه اضطرار ربات الأُسَر والنساء الشاطرات إلى اللجوء لحفظ أكثر أنواع الأطعمة في أوقاتها الموسمية الطبيعية؛ لضمان وجودها في الشتاء، وأضافت كنا نحفظ المونة في الأيام العادية بالبراد أو الفريزر، أما الآن وبعد انقطاع الكهرباء لساعات عدنا إلى الوراء لعقود، كيف كانت تحفظ المونة غالباً في سقيفة ملحقة بالمطبخ، أو غرفة صغيرة خاصة بها، أو توضع في سِلالٍ وتعلق وكلُّ أسرة تعمل مونتها حسب حاجتها وحسب عدد أفراد العائلة.     

في النهاية: لا يستعصى شيء على المرأة وبالأخص المرأة الكردية التي تكون مستعدة دائماً لأي شيء كان، وحتى في أوقات الحرب والحصار بل؛ يزيدها ذلك عزماً وقوة من ناحية، ومن ناحية أخرى سعيها لتوفير الراحة والأمان، وتوفير المواد والغذاء، ومشاركة الرجل في إدارة الأمور المالية للأسرة، ولا ننسى حكمتها لتوفر في ليالي الشتاء الطويلة أنواع من بذر دوار الشمش وأنواع أخرى، وتعتبرها أيضاً مونة، وكذلك أكبر قدر من المصروف المنزلي مع تقديم أشهى المأكولات والطبخات التي تمد الشخص بالطاقة والسعرات الحرارية الضرورية للجسم.

تقرير: حسينة عنتر

زر الذهاب إلى الأعلى