مقالات

القضية العالمية ستنتصر

محمد أمين عليكو

إن دولة مثل تركيا قامت منذ اعلان الجمهورية وما قبلها، وعلى أنقاض حقوق الشعب الكردي صاحبة الجذور التاريخية العريقة في الشرق الأوسط، تدعي أنها ديمقراطية ولكنها ليست سوى مظاهر سطحية كفقاعات الصابون فارغة، والمجتمع التركي الذي ينام في ثبات حزب العدالة والتنمية AKP بقيادة أردوغان، الذي يعيش على رواسب اتاتورك الغادر بتاريخ الشعب الكردي والذي عمد الى تدمير هويتها، التي كانت رؤية التأسيس لديه لا تعترف بالقوميات الاخرى وعدم السماح لهم بالتنفس تحت سماء الحرية.
ورغم وجود نحو اربعين مجموعة عرقية وسياسية متنوعة فقد كان الحديث عن الحقوق والقوميات محظورا بالقانون والتطبيق، فتركيا تسعى الى ممارسة سياسة الغطرسة، وخاصة بحق الشعب الكردي وغيرهم من الشعوب، ولا ننسى أيضا المجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الاولى بين عامي 1914-1918بحق الأقليات المسيحية بكل انتماءاتهم القومية، والمجازر بحق الشعب العربي و الأرمني و الآشوري. وهدفها الاساسي اعادة احياء امجاد إمبراطورتيها الحالمة (الامبراطورية العثمانية).
واذا عدنا بذاكرتنا الى الوراء فمنذ اعلان الجمهورية التركية رفضت الحكومات المتعاقبة الاعتراف بالوجود الكردي وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث تشكلت الهيئة الوزارية الكردية وقدمت مقترحات لحل القضية الكردية وكان أهمها منح كردستان الاستقلال الذاتي، التي لاقت قبولاً بين الدول المنتصرة وتم التوقيع عليها في معاهدة سيفر 1920م حيث كانت اهم بنودها الاعتراف بإقامة كيان كردي، ولكن مصطفى كمال اتاتورك استطاع الالتفاف على هذه الاتفاقية وإقناع جميع الأطراف الداخلية الكردية والخارجية الدولية في تأجيل هذا المشروع الى وقت لاحق، ورفضوا حتى ان يطلقوا عليهم اسم الكرد وكانوا يسمونهم بـ (اتراك الجبل). وامتد تاريخ هذا العداء اتجاه الكرد على مدى عقود عدة في تركيا وأكمل اردوغان سياسته المعادية للكرد وعدم الاعتراف بالوجود الكردي ضمن الحدود التركية وخارجها.
ان ديمقراطية أردوغان اتجاه حزب الشعوب الديمقراطي HDPمن اعتقالات لبرلمانيين انتخبوا عبر صناديق الديمقراطية، مثل الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرداش مع عدد من زملائه النواب، تحت مسمى الارهاب، وغيرهم العديد من الشخصيات التي تنادي بالعدالة والديمقراطية، الى اغتيال شخصيات نادت بالديمقراطية امثال المحامي طاهر آلجين الى رئيس بلدية جزيرة بوطان محمد توجان، والى اغلاق أفواه الإعلام التي تعادي ديمقراطيته المزعومة ، بالإضافة للأساليب الوحشية التي تلجا اليها الشرطة التركية في قمع المظاهرات من(سجن، قتل، نفي …) التي تنادي بالحرية والمساواة بين الشعوب وخاصة ضمن إطار الدولة التركية، وفي نفس الوقت نجده يتباكى على فلسطين والعراق ، ويعلو صوته منادياً للديمقراطية استغلالاً لعواطف الشعوب، وخاصة الشعب العربي.
وامتدادا لسياسته المعادية إتجاه الكرد نرى كيف يستميت أردوغان لإيجاد موطئ قدم له ومهاجمة مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وتهديدهم عبر المنظمات الإرهابية المدعومة من قبلها، وقاموا بتنفيذ المجازر والابادات الجماعية بحق أبناء الشعب الكردي في المناطق التي تعتبر أكثرية سكانها من الكرد بعد قتلهم وتشريدهم وذبح أطفالهم وشيوخهم وحرق قراهم كـ عفرين، وكري سبي، و سركانية ،تلعران، تل حاصل، في مقاطعة الشهباء وأحياء الشيخ مقصود والاشرفية في أعوام 2014 و 2016 إلى اليوم الراهن .
وقد بذل أردوغان ملايين الدولارات في سبيل محاربة القضية الكردية ولجوئه الى سياسة التحالفات الدولية ومحاولة استغلال مواقف الدول لصالحه، بالإضافة الى استغلال حكومة اقليم كردستان العراق في مخططاته الارهابية.
وما يخص سياسة التحالفات فلقد غيرت تركيا سياستها اتجاه بعض الدول وخاصة التي كانت على عداء او علاقاتها متوترة اتجاهها، ونجد ذلك واضحاً بعلاقات تركيا القوية الآن مع كل من روسيا وايران حيث حولت علاقاتها معهما بشكل ملحوظ في إبادة الشعب الكردي والتي تجلس معهم الآن على طاولة الحوار في سبيل تحقيق مصالحها العنصرية، وتقديم حدود بلادها باتجاه مناطق الكرد وتغير ديمغرافية المنطقة لصالحها، وفي نفس الوقت خالفتها العديد من الدول بسياستها الحالية.
في ضوء ما سبق نجد التناقض واضحاً في سياسة الحكومة التركية ورئيسها أردوغان المجرم فهو يدعي انه يتبع سياسة ديمقراطية، لكنه لا يطبق منها شيئا وخاصة تجاه الأقليات داخل حدود دولته ناهيكم عن الكرد الذين يعتبرون القومية الثانية من حيث العدد أيضاَ، و يشكلون 20بالمئة من مجموعه سكان تركيا. لن ينجح أردوغان في انهاء القضية الكردي وخاصة بعد أن أصبحت قضية عالمية وخرجت من ملف امني يتم تداوله بين الأفرع الأمنية إلى أهم قضية في الشرق الأوسط مع القضية الفلسطينية.
ولم يعد هناك مجال لتجاهل حقوق شعب عريق مثل الشعب الكردي والذي أخذ قراره بالدفاع والوقوف خلف قواته العسكرية والسياسية حتى تحقيق الديمقراطية والعدالة بين جميع شعوب المنطقة، والعمل على تحرير كامل الأراضي المحتلة والعيش المشترك بفكر وفلسفة القائد العظيم عبد الله أوجلان، وليس ديمقراطية أردوغان الداعشي القاتل الذي يسعى الى تطبيقها، وفي ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم والمنطقة بشكل خاص بسبب الحرب ضد الارهاب، فالتغيرات السياسية المتهورة لاردوغان وبنظامه هذا أصبحت تركيا وحكومته في زاوية مغلقة.

زر الذهاب إلى الأعلى