حواراتمانشيت

الشيخ مازن: الاسلام الديمقراطي نابعٌ من رَحِمِ ميثاق المدينة المنورة

في حوار خاص لصحيفة الاتحاد الديمقراطي مع الشيخ مازن محمد / الرئيس المشترك لأكاديمية الإسلام الديمقراطي؛ حول الحرب سورية والمجموعات الإسلامية التي كانت تنادي باسم الاسلام وارتكبت العديد من المجازر بحق البشر والحجر مما جعلت الكثيرون ينبذون الإسلام ويفرون منه، وكذلك فيما يتعلق بتفسير النصوص القرآنية كما تقتضي المرحلة الراهنة. أوضحه في حواره مع صحيفتنا، وإليكم نص الحوار:

ــ في الحرب السورية رأينا المجموعات الاسلامية ارتكبت العديد من المجازر بحق البشر والحجر مما أعطى طابعاً سوداوياً للإسلام جعل الكثير من الناس يفرون منه ويبتعدون عنه. وانتم في شمال وشرق سوريا عقدتم مؤتمر باسم الاسلام الديمقراطي ما الغاية من هذا الاسم؟؟ ولماذا أتى انعقاد المؤتمر بهذا التوقيت بالذات؟؟.

قبل البدء بالإجابة على الأسئلة أودُّ أن أقول هذه الكلمة وهي الحقيقة التي لا زلت مقتنعاً بها, ألا وهي: إن القريب والبعيد والصديق والعدو والمسلم وغير المسلم وكل من عرف حقيقة الإسلام يعلم حق اليقين أن داعش وأمثاله ما كانوا يوماً من الأيام مُمثِّلين لحقيقة الإسلام أو أي دين آخر, لأنه لا يُعقل أن يختار الله رب العالمين ديناً للعالمين وعلى يد من أرسله رحمة للعالمين وخاتماً لجميع شرائع الأنبياء والمرسلين أن يكون بهذه الصورة وهذه المنهجية, ومَنْ يروّج الفكرة القائلة أن هكذا تنظيمات هي الصورة الحقيقية للإسلام هم على صنفين: الصنف الأول: أنهم هم من صنعوا هكذا تنظيمات أو راضين بما يفعلونه لتشويه حقيقة الإسلام وحتى حقيقة الإنسانية أيضاً, لأن هؤلاء خرجوا عن إنسانيتهم فضلاً عن أن يكونوا ممثلين لدين سماوي, فهم يروِّجون لهم استمراراً لمخططهم.

والصنف الثاني: أستطيع وصفهم بأنهم محبو الفوضى  والتفلت, ويبحثون عن حجج للتهرب من الالتزام بأي قانون, سواء أكان سماوياً أم أرضياً, فاتخذوا تصرفات هكذا تنظيمات حجة للتّفلت من أوامر الدين؛ قائلين: نحن لا نؤمن بدين يحضُّ على القتل والتهجير والنهب والسلب …….إلخ.

ولا أخفيكم في الحقيقة أنه كانت هناك ردّات فعل من بعض الأوساط كانت مُبرَّرَة لجهلهم وعدم معرفتهم بهذا الدين السمح.

نعم عقدنا نحن مؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي مؤتمرنا التأسيسي في السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر نيسان لعموم شمال وشرق سوريا تحت شعار (ميثاق المدينة المنورة لبناء الأوطان وحماية بني الإنسان) لتوضيح حقيقة الإسلام وتعريف المجتمع بالقواعد التي بُنيَ عليها الإسلام, ألَا وهي ميثاق المدينة المنورة التي أرست قواعد الأخوَّة الإنسانية والدينية في نفس الوقت, بعيداً عن القومية أو الأثنية أو غير ذلك مما جعله الكثيرون عوامل للفرقة والتنازع وهي في حقيقتها عوامل إثراء وإغناء للمجتمع, وإن هذه الوثيقة التي تعتبر أول دستور لبناء أمة ديمقراطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى والتي استخدم النبي صلى الله عليه وسلم فيها لفظ الأمة لا الدولة, والتي وقّع عليها كل مكونات المدينة المنورة آنذاك من يهود ونصارى ومسلمين وغيرهم من المشركين, لأنها حفظت وضمنت لكل واحدٍ منهم حقَّهُ مع تمتين أواصر الأخوة الإنسانية في الدفاع المشترك عن الأرض والحرمات.

إن كلمة الديمقراطية التي تبناها المؤتمر وأطلقها كجزء من اسمه لا يعني شيئاً جديداً في الإسلام أو إضافة شيء جديد له أو إعطائه صبغة جديدة لا تليق به كدين, بل إن الديمقراطية الحقيقية هي جوهر الدين الإسلامي وهي محض تصرفات وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم, ونحن هنا لا نعني بالديمقراطية الديمقراطية الزائفة تلك التي اتخذها البعض شعاراً يتسترون خلفها لتمرير مخططاتهم ومآربهم, إنما نعني بها تلك التي تُعطي لكلٍّ حقّه الإنساني لا تفضلاً ولا منّة, بل لأن الله أعطاه هذا الحق إكراماً له كإنسان وهذا ما نراه جليّاً في قوله تعالى: ( ولقد كرّمنا بني آدم ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ” الناس سواسية كأسنان المشط ” وفي قوله: “يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلغت فليبلغ الشاهد الغائب “. هذه الحقائق وغيرها الكثير, التي تعمّدت بعض الأطراف إخفاءها, والتي هي من صميم الأديان السماوية ومحض دعوة الأنبياء جميعاً سلام الله عليهم, هذا التحريف والتزييف والتلاعب بمسلّمات الأديان لم يكن من نصيب الشريعة الإسلامية فقط, بل لم تسلم منه أي شريعة سماوية, فعلى مرِّ العصور نرى متسلقين يريدون أن يتسلقوا أسوار المكرمات لنيل رغباتهم, ويُحرِّفُونَ الكَلِمَ عن مواضِعِهِ ويقتطعون النصوص وفقَ أهوائهم ورغباتهم.

ــ هل النصوص وبعض الآيات القرآنية يجب أن تُفسَّرْ من جديد حسب متطلبات العصر وتماشياً معه؟  

نحن نرى وجواباً على سؤالك أنه يجب إعادة النظر في تفسير الكثير من النصوص الشرعية, ودراسة الآيات والأحاديث دراسة تحليلية دقيقة كي تتماشى مع متطلبات العصر وتتلاءم معه؛ هذا لا يعني تحريفاً وتبديلاً للدين بل استجابةً له وتعزيزاً لمكانته كي يكون كما أراد الله له صالحاً لكل زمان ومكان, لا كما يفهم بعض الجُهَّالِ إخضاع الناس لقوانين وعادات وتقاليد تعود لألفٍ وأربعمئة وأربعين سنة قبل الآن, فهذا التفسير يُعدُّ إعداماً للشريعة وإجراماً في حقها, و جاء عقد المؤتمر تزامناً مع هزيمة داعش في آخر معاقله بفضل الله عز وجل ومن ثم بفضل تضحيات ودماء أبناء هذه الأرض الذين لم يبخلوا لحظة في تقديم أثمن ما يملكون فداءً للوطن والإنسانية, وهذا ما كان ينتظره كل الأحرار في العالم, في الحقيقة التوقيت لا يهم ولكن المهم هو المضمون والفكرة, وقد أردنا من عقد هذا المؤتمر إظهار حقيقة الإسلام المجتمعي الذي يلامس ويعالج الواقع الاجتماعي لجميع الأمم والشعوب, وتنظيم المؤسسة الدينية وتفعيلها لأخذ دورها الريادي في إيصال رسالة الأديان  وإرساء أسس الأخلاق الأخوة الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى