ثقافةمانشيت

الأم والوطن عند يلماز كوني

تقرير :مصطفى عبدو

 يقول الاسطورة يلماز كوني في إحدى رواياته :

” أماه ,حبيبتي ,أنتِ عمري ,بفضلكِ خرجتُ إلى النور, قولي لي, هل أسأتُ يوماً إليكِ ؟ هل عصيتُ لكِ أمراً؟ أعلم أنكِ ضحّيتِ من أجلي, وأنكِ ربيتِني بكل ما توفَّرَ لديكِ وأنا معترفٌ بهذا الجميل, عليَّ الاختيار يا أمي الطيبة الصغيرة, ماذا عليَّ أن أفعل ؟ سأدعك وحدك تقررين, قولي لي  أعليَّ البقاء أم الرحيل؟”.

وفي أسطر أخرى من روايته كتب أيضاً:

“يجب الإمساك بالرب ذاته و اجاعته خلال ثلاثة شتاءات, ثم نضع في يده معولاً في غاية الثقل, ونجعله يعمل تحت الشمس, ويأكل على مائدتنا نفسها, ويقاسي ما نقاسيه ثم من المناسب أن نلقنه درساً قاسياً وسينقلب بعدها إلى حمل وديع”.

مما سبق نستشف أن كاتبنا ومخرجنا “يلماز كوني” قد عانى ما عاناه وأنه كان في صراع دائم مع العديد من القضايا وأنه كان متعلقاً بوالدته كثيراً.

وبمناسبة ذكرى رحيله نعيد تعريف الخالد “يلماز كوني ” للسادة القراء فمن هو يلماز كوني ؟

في الأول من نيسان عام 1937 حفلت قريـــة ينـيجــة التابعة لمدينة أضنة بولادة العملاق والروائي والمخرج الشهير “يلماز كوني ” الذي ينحدر من عائلة كرديـة فقيرة وهو الأبن البكر لفلاح كادح يعمــل لدى أحد المحتكرين.

نزحت عائلته من قريـة ( سيورك ) التابعة لآمـد بحثاً عن لقمة العيش وهرباً من الفقر والظلم.

وحول هذا النزوح يقول يلماز كوني: ( إنني ابن فلاح فقير فهذا يعني أن تعيش نمطاً معيناً من الحياة).

كان كوني شغوفاً بالعلوم والدراسة، وبعد وفاة والده أدرك يلماز كوني بأنه بات وحيداً في معركة الحياة وعليه مواجهتها والانتصار فيها، فكان يدرس في النهار ويعمل في المساء لإعالة الأسرة من ناحية وتأمين ثمن الطعام والكساء والكتب المدرسية من ناحية أخرى وبالرغم من قساوة الحياة التي أحاطت به إلا أنه استطاع النجاح .

عمله في صالات السينما إلى جانب تنوعه في الأعمال زرع في نفسه العديد من المواهب  فكان الكاتب لسيناريو ( 53) فيلماً، وممثلاً في (110) أفلام ، ومخرجاً لــ (17) فيلماً، ونشر(4) روايــات ومئات القصص ..

 أفلام يلماز كوني

 الأمل . الهاربون . الفقراء . المضاربون . غداً هو اليوم الأخير . اليائسون . العلقم . المرثية . الأب . الرفيق . القلق . الكابوس . إجازة . لا بد من ذلك ذات يوم . العدو. القطيع . الطريق . الهاربون . الجدار  وغيرها الكثير من الأفلام.

الأعمال الأدبية ليلماز كوني:

رحلة يلماز كوني مع الأدب  سبقت رحلته مع السينما، حيث بدأ بكتابة القصص التي تعكس واقع الحال البائس آنذاك، وأنتقد من خلال قصصه هذا الواقع بجرأة، ولكنه لم يسلم من ظلم السلطات التركية وقتها، فتعرض للملاحقة وحُكِم عليه بالسجن سبع سنوات ونصف السنة غيابياً، وعندما ألقوا القبض عليه وأودعوه السجن خُفِف الحكم إلى السجن سنة ونصف والنفي ستة أشهر.

من أهم مؤلفاته: الموت يناديني ـ ثلاث حقائق للظلم الاجتماعي ـ ماتوا ورؤوسهم محنية والتي حازت على أرفع جائزة أدبية في تركيا وهي جائزة أورهان كمال عام 1970 ، “صالبا” وهي من أهم روايات كوني نشرت في عام 1975.

أهم الجوائز التي حصل عليها كوني

جائزة أفضل ممثل في فيلم (قانون الحدود) في مهرجان أنطاكية؛ الجائزة الثالثة عن فيلم (سيد خان) في مهرجان أضنة وجائزة أفضل ممثل لدور الرجال في فيلم (سيد خان). جائزة أحسن فيلم عن فيلمه (الأمل). كذلك جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل لدور الرجال عن فيلمه (القبيح) في مهرجان أنطاكية، الجائزة الأولى لمهرجان أضنة عن فيلمه (المرثية). جائزة التفاحة الذهبية جائزة الوثائق السينمائية البلجيكية عن فيلمه (القطيع). جائزة أكبر الأفلام طرافة وتخيلاً عن فيلم (القطيع) في لندن. جائزة “فيمينا “عن فيلم (القطيع) في بلجيكا. الجائزة الكبرى عن فيلم (القطيع) في مهرجان فالنسيا. والعديد من الجوائز الأخرى.

توَّج كوني مسيرته الفنية بجائزة (السعفة الذهبية) في مهرجان (كان) الدولي الخامس والثلاثون عن فيلمه (الطريق – يول) مناصفة مع المخرج اليوناني الكبير كوستا غافراس.

ما قيل عن كوني:

الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكس كتب قصيدة عن كوني بعنوان (الطريق) في ديوانه (مرايا صغيرة) والمترجم إلى اللغة العربية.

كتب بيكس : ذات يوم ولدت الأرض بركاناً ومن البركان ولدت كردستان وكردستان خلفت إبنها “آرارات” ومن “آرارات” ولد الكرد ومن الكرد ولد توأمان: القهر والتحدي ,ومنهما ولد طريق يلماز كوني.

أيام يلماز كوني الأخيرة

في أيامه الأخيرة ردَّ كوني على الصحفيين قائلاً:

“لا خيار أمام الكرد سوى الاعتماد على قواهم الذاتية”.

في التاسع من شهر أيلول ودَّع كوني العالم في أحد مشافي باريس وشارك في تشييعه  كبار الشخصيات و رجالات الأدب والفكر والفن من كل المدن الفرنسية والأوربية وسارت في مقدمة المشيعين عقيلة الرئيس الفرنسي /فرانسوا ميتران/ممثلة لرئيس الجمهورية ،وشاركت وزيرة الثقافة الفرنسية وعدد من الوزراء المعنيين ووفود الفن الشعبية وجماهير الكرد المتواجد في فرنسا وألمانية الغربية.. وتم اختيار مقبرة الخالدين و العظماء  مقبرة الثوار الفرنسيين (بيير لاشنز) في باريس لتكون مرقداً للخالد يلماز كوني نظراً لمكانته، وكذلك تم تعليق صورته على جدار المتحف الرسمي، ووضعت صورته في جميع صالات السينما.

هكذا نجد أن يلماز كوني وُلِد في المنفى ودُفن في المنفى ولكنه سيبقى خالداً ومحبته ستكون راسخة في قلوبنا.

زر الذهاب إلى الأعلى